الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الزكاة نظام تكافل جاء به الإسلام
المجتمع الزكي يقوم على رجال يعرفون حق الله وحق الجماعة عليهم، وينشغل هذا وذاك باداء ماعليه من واجب، فان الثمرة الدانية في هذا المجتمع ان يصل كل امرئ الى حقه الطبيعي دون ضجر او جدال، وعند ذلك سنجد من يقوم ببناء المستشفيات والملاجئ ومعاهد العلم لتعليم ابناء الأمة الفقراء وايواء العجزة الضعفاء ومعالجة المرضى حتى لاتضطرهم الحاجة الى السرقة، او المؤامرة على قتل الاغنياء، او الاقدام على ارتكاب الجرائم لدفع عيلة الفقر المدقع، وحينئذ يعيش المجتمع كله في سلام وامن، ويتجه الجميع الى عبادة ربهم وبناء اوطانهم، وستكون طاقة الفقير وجلده أداة تزيد في انتاج الأمة، وتسهم في نهضتها العامة، فيصل نشاطه حينئذ بنشاط انداده من الاغنياء فيعاونون جميعا على البر والتقوى لاعلى الاثم والعدوان، وستسد الزكاة عوز المحتاجين وتعين الفقراء والمساكين، وتعوض المضرورين والغارمين، وفي الذكر الحكيم:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (1)
والمراد هنا في الآية: الصدقات الواجبة التي صرحت الآية بوجوب قصرها على من ذكرهم الله في الآية، والصدقات الواجبة هي زكاة النقود عيناً أو تجارة والأنعام والزرع والركاز والمعدن، فيجب صرف ذلك على الأصناف المنصوص عليها في الآية بـ (إنما) فهي من صيغ القصر، وتعريف الصدقات للجنس أي جنس هذه الصدقات مقصور على هذه
(1) - سورة التوبة الآية (60) .
الأصناف المذكورة لا يتجاوزها بل هي لهم لا لغيرهم، فللصدقات أهداف وفوائد كثيرة روحية وأخلاقية واجتماعية واقتصادية وسياسية بعضها فردية وبعضها جماعية، وهي مع ذلك ركن من أركان الاسلام كما سبق بيان ذلك، ويتبين من النص القرآني قصر الصدقة على هذه الأصناف لغاية وأهداف يظهر تكاملها على مستوى المجتمع كله سواء فيما يتعلق بالمعطِي أو المعطَى له أو بالكيان الاجتماعي الذي تصرف فيه الزكاة، وسيجد المتدبر لكتاب الله وما يتبين أثره في الصرف في الأصناف الخمسة من الاصناف الثمانية الذين هم: الفقراء والمساكين والرقاب والغارمين وابن السبيل. ان القرآن الكريم قد كان سابقا للنظم القانونية في تقرير نظام التكافل، فالانفاق على الضعفاء والزمنة والمحتاجين والمرضى والعجزة والمكفوفين والمسنين وذوي العاهات البدنية أو العقلية يعني ايجاد مجتمع متكافل متضامن متكامل، ويدخل في مصارف الزكاة ذوي الدخل القاصر عن كفايتهم لقلة الاجر أو كثرة العيال أو ارتفاع الاسعار باعتبار ان كل هؤلاء من الفقراء والمساكين، ويدخل في مصرف ابن السبيل المهاجرون في سبيل الله والمهجَّرون والمشرَّدون بفعل الكوارث الطبيعية من المسلمين إذا لجئوا إلى إقليم آخر من أقاليم الدولة الاسلامية فانقطعوا عن بلادهم، واللاجئون السياسيون الذين فروا من أجل دينهم من ديار الكفر والطغيان فانقطعوا عن بلادهم، وطلبة العلم في ديار الغربة الذين لا يجدون كفايتهم فينقطعون عن أوطانهم، لأن هؤلاء هم في سفر فيه طاعة أو سفر مباح
وليس في ذلك سفر معصية، فيندرجون في عموم النص ويعطون بقدر حاجتهم إلى أن يتيسر لهم العودة إلى أوطانهم أو يعتزموا الإقامة الدائمة في محل انقطاعهم (1) . وفي هذا الانفاق شرف الانسان وسعادته وفي الذكر الحكيم:{مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (2) فالله سبحانه وتعالى حكيم في تقديره وتدبيره وقد احكم التدبير والتقدير حينما افترض هذه الزكاة وحدد مصارفها، فاذا اراد الإنسان ان يعيش سعيدا فعليه ان يعمل بامر الله وبحكمه وبتقدير الله المدبر الحكيم الرحيم العليم الذي كل مافي الكون ينطق باسم الله العزيز الحكيم خلقا وتصرفا ومصيرا، نباتا وحيوانا وانسانا وشمسا وقمرا، ليلا ونهارا، ورزقا وهداية وتوفيقا، فالانسان اذا لم يتصل بالله فلن تزكو نفسه ولن يتطهر قلبه وربما ظل، فاذا اعتمد على ماله وخبرته وقدرته وجماعته وسلطانه ووجاهته ونسي الله تخلى الله عنه، وضل طريقه، وربما ترتب على منعه الزكاة هلاكه، فاذا اعتمد على نفسه وعلى ماله، وعلى قوته اوسلطانه ونسي الله فانه يكون قد اشرك وهو لايدري، وربما ذهب سلطانه وذهب ماله وذهب جاهه وكانت عاقبة امره خسرا، ولايغرك امهال الله لمن هذا حاله ردحا من الزمن فلعل ذلك فتنة له وبلاء ووبالا عليه، فقد يسلبه الله التوفيق او يقع في خطيئة يعاقبه الله عليها، وقد يكون
(1) - لتفصيل اوسع انظر مؤلفنا خلاصة الكلام في تفسير ايات الاحكام، ج2/ ص993الى 1008.
(2)
- سورة البقرة الآية (261) .