الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعواقبها، واسع الحمد، تام القدرة، غزير الرحمة فهو الذي يضع الأشياء مواضعها، وينزلها منازلها اللائقة بها في خلقه وأمره، فلا يتوجه إليه سؤال، ولا يقدح في حكمته مقال. وقال القرطبي: الحكيم جل جلاله وتقدست أسماؤه ورد في الذكر الحكيم اكثر من موضع وجاء في حديث ابي هريرة واجمعت عليه الأمه ولا خلاف في إجرائه على المخلوق وصفا.
ومن هذا العرض يتبين أن الله حكيم في خلقه وتقديره، وحكيم في شرعه وأحكامه، وحكيم في جميع اقواله وافعاله، وقد وصف الله جل وعلا القرأن الكريم بالحكيم واقتضت حكمته أن يكون القران حكيما ومحكما، وانه لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من عزيز حكيم، قال تعالى:{الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} (1) وفي سورة لقمان {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} (2)
فالقرأن حكيم في اسلوبه وبيانه، حكيم في هدايته ورحمته، وحكيم في امره ونهيه، وحكيم في ايضاحه وبيانه، وحكيم في وعده ووعيده، وحكيم في ترغيبه وترهيبه، وحكيم في تشريعه، فما شرعه الله فيه لعباده من الاحكام والمعاملات مبنية على الحكمة قال تعالى:{ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (3) وقال في آية المواريث: {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} (4) وجاء في سورة التحريم في حكم اليمين النبأ اليقين، قال تعالى:{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (5) فما شرعه الله لعباده في القرأن الحكيم جاء في منتهى الحكمة والاحكام فهو تشريع الحكيم العليم الذي لا يدخل في حكمه خلل ولا زلل، فمن اخذ بذلك فقد اهتدى، ومن أعرض عنه فقد ضل ضلالا مبينا، فإن كنت تريد الحكمة والامن والسلامة والسعادة والفلاح فتعلم احكامه وحلاله وحرامه من القرأن الحكيم ومن هدي النبي الكريم تكن حكيما.
ثمرة معرفه اسم الله الحكيم
اذا علم المرء ان الله جل وعلى خالقه ورازقه حكيم، خلق الخلق واتقن صنعه، وخلق كل شئ واحكم تدبيره وتقديره، وانه سبحانه وتعالى خلق الخلق لحكمة عظيمة، وغاية جليله وهي عبادته قال جل شانه {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} (6) وانه سبحانه وتعالى الحكيم في اقواله وافعاله، الحكيم في تشريعه، وان الامور كلها بيده تجري وفق حكمته وتدبيره وتقديره سبحانه وتعالى، وحده لاشريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، وجب عليه ان يؤمن به ويوحده سبحانه لاشريك له ولاند له ولامثيل في اسمائه وصفاته (ليس كمثله شيئ وهو السميع البصير) ، فهو سبحانه لايقول ولا يفعل الا الصواب، والمؤمن يصف ربه الحكيم بما وصف به نفسه من صفات التعظيم والمدح، ويسأله الحكمة، ويتخلق بالاخلاق الحسنة، ويجعل اعماله وافعاله كلها لله فيضع الاشياء في محلها فلا يحكم الا بالحق والعدل،
(1) - سورة هود الاية (1) .
(2)
- سورة لقمان الاية (2) .
(3)
- سورة الممتحنة الاية (10) .
(4)
- سورة النساء الاية (11) .
(5)
- سورة التحريم الاية (2) .
(6)
- سورة الذاريات الايات (56-58) .
ولا يتعامل مع الناس الا بالصدق والامانة، وان يجعل أعماله متصفة بالحكمة، ويحرص ان يكون حكيما في عمله حكيما في صنعته حكيما في وظيفته، حكيما في تعليمه حكيما في ادارته حكيما في اخلاقه حكيما في اهله ومجتمعه وادارة شؤنه، يتنزه عن ظلم غيره ويترفع عن فعل مالا ينبغي، فالحكيم من الناس هو من يتحلى بالاخلاق الفاضله ويتخلق باخلاق الله الحكيم الذي علّم الحكمة، وكانت شريعته واوامره ونواهيه التي يجب ان يلتزم بها الانسان جارية على الحكمة، فالحكيم الذي يفعل ماينبغي، بالقدر الذي ينبغي، وفي الوقت الذي ينبغي، وبالمكان الذي ينبغي، اخذا بما علَّمه الله، ومستقيما كما يحب الله فهذا هو الحكيم، الحكيم الذي يتقي الله، ويسعى إلى نفع الناس ابتغاء ثواب الله، والحكيم الذي يغض بصره ويحفظ فرجه وفضول كلامه ويؤدي الفرائض والواجبات التي فرضها الله، فأنت اخي حين تطبق امر الله تكون حكيما وحينما تتبع نهج محمد صلى الله عليه وآله وسلم تكون حكيما، وأنت أخي بالحكمة يمكن ان تكون اسعد الناس، فلو ان الله اعطاك مالاً ولم تكن حكيما فيه، متبعا لمنهج العدل الذي اراده الله وكنت مبذرا فيه فستكون سفيها، مع انه في الامكان ان تكون اسعد الناس بدخل قليل اذا اتبعت منهج الملك الجليل، ولكنك بالحمق والمخالفة لاوامر الله يمكن ان تشقى بالدخل الكثير لانفاقك المال بالاسراف والتبذير فيما يغضب الملك الجليل، ولو اعطاك الله الصحة، ولم تحافظ على هذه النعمة، وتستغلها فيما يعود عليك من الخير في طاعة الله، واستهلكت هذه الصحة في سفاسف الأمور لم تكن حكيما، فأي شيئ اعطيته ولم تستعمل فيه الحكمة فانك لم تكن حكيما، وسوف يكون حسرة عليك يوم القيامة، وانظر إلى فرعون وقارون فإن المال والجاه لم ينفعهما مع البغي والاستبداد، لأنهما أعرضا عن الحكمة في امر الله ونهيه، وتدبر معي اخي قول العزيز الحكيم:{يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} (1) وانظر اخي فضل الله عليك، واحسانه اليك، فإن تفضل الله عليك بالحكمة والعلم فهذا العطاء من نوع ما أعطى الانبياء، فاحمد الله، وان اعطاك مالا فقل الحمد لله، وان زادك صحة فاحمد لله، وان زادك قوة فاحمد لله، وان اعطاك سلطانا وجاها فاحمد لله، وان اعطاك صحة وأولادا فقل الحمد لله مقتديا بخليل الله ابراهيم عليه السلام الذي حكا الله عنه في لقرآن الحكيم حمده للرب الكريم:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} (2) ، وعليك ان تضع الامور في نصابها وتستشير أهل الفضل والصلاح، فالأصل ان يكون المؤمن حكيما، يستعمل الحكمة ويطلب من الله المزيد والرحمة قال تعالى:{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (3) وقال تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} (4) وصلوات الله وسلامه على عبده ونبيه ورسوله ابراهيم فقد نادى الرب الكريم: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (5) فاستجاب له العزيز الحكيم،
(1) - سورة الانفطار الايات (6-8) .
(2)
- سورة ابراهيم الاية (39) .
(3)
- سورة آل عمران الايات (164) .
(4)
- سورة البقرة الايات (269) .
(5)
- سورة البقرة الايات (129) .