الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (1) ، وجه الاستدلال أن هذه الآية نزلت بعد غزوة أُحد والتي كان قرار الخروج فيها مبنياً على الشورى وأخذه صلى الله عليه وعلى آله وسلم برأي الأكثرية فنزلت هذه الآية بعد النتائج الأليمة التي حلت بالمسلمين تأمر الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالعفو عنهم والاستغفار والمشاورة حتى لا يظن ظان بضرورة استبعاد الشورى، فإذا أمر الله بها رسوله، وهو أرجح الناس عقلاً، فالأمر في حق غيره من قادة المسلمين أولى وأوجب، فصيغة الأمر عند علماء الأصول تفيد الوجوب ما لم ترد قرينة تصرفه عن ذلك، وهذه الصيغة (وَشَاوِرْهُمْ) صيغة أمر وهي تدل على وجوب الشورى ولم ترد نصوص أخرى تصرفها إلى الندب، بل جاءت النصوص الأخرى من الكتاب والسنة تؤكد هذا الوجوب وتؤيده، ويقول الفخر الرازي في التفسير الكبير: ظاهر الأمر للوجوب، فقوله (وَشَاوِرْهُمْ) يقتضي الوجوب (2) .
فضل الشورى
قال الماوردي: اعْلَمْ أَنَّ مِنْ الْحَزْمِ لِكُلِّ ذِي لُبٍّ أَنْ لَا يُبْرِمَ أَمْرًا وَلَا يُمْضِيَ عَزْمًا إلَّا بِمَشُورَةِ ذِي الرَّأْيِ النَّاصِحِ، وَمُطَالَعَةِ ذِي الْعَقْلِ الرَّاجِحِ.
(1) - سورة آل عمران الآية (159) .
(2)
- التفسير الكبير للفخر الرازي العلامة: محمد بن عمر بن الحسين الرازي الشافعي المعروف بالفخر الرازي أبو عبد الله فخر الدين، ولد بالري من أعمال فارس، من تصانيفه الكثيرة: مفاتيح الغيب من القرآن الكريم الموسوم بمفاتيح الغيب ج1- ص1292.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه: نِعْمَ الْمُؤَازَرَةُ الْمُشَاوَرَةُ وَبِئْسَ الِاسْتِعْدَادُ الِاسْتِبْدَادُ.
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: الرِّجَالُ ثَلَاثَةٌ: رَجُلٌ تَرِدُ عَلَيْهِ الْأُمُورُ فَيُسَدِّدُهَا بِرَأْيِهِ، وَرَجُلٌ يُشَاوِرُ فِيمَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ وَيَنْزِلُ حَيْثُ يَأْمُرُهُ أَهْلُ الرَّأْيِ، وَرَجُلٌ حَائِرٌ بِأَمْرِهِ لَا يَأْتَمِرُ رُشْدًا وَلَا يُطِيعُ مُرْشِدًا.
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: إنَّ الْمَشُورَةَ وَالْمُنَاظَرَةَ بَابَ رَحْمَةٍ وَمِفْتَاحَ بَرَكَةٍ لَا يَضِلُّ مَعَهُمَا رَأْيٌ وَلَا يُفْقَدُ مَعَهُمَا حَزْمٌ.
وَقَالَ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ: مَنْ أُعْجِبَ بِرَأْيِهِ لَمْ يُشَاوِرْ، وَمَنْ اسْتَبَدَّ بِرَأْيِهِ كَانَ مِنْ الصَّوَابِ بَعِيدًا.
وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ: الْمُشَاوِرُ فِي رَأْيِهِ نَاظِرٌ مِنْ وَرَائِهِ.
وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: الْمُشَاوَرَةُ رَاحَةٌ لَك وَتَعَبٌ عَلَى غَيْرِك.
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الِاسْتِشَارَةُ عَيْنُ الْهِدَايَةِ وَقَدْ خَاطَرَ مَنْ اسْتَغْنَى بِرَأْيِهِ (1) .قلتُ: وقد وصف الله المؤمنين الموحدين بأن أمرهم شورى بينهم، ليدل على أن نظام الشورى أرقى النظم وأسماها، وأن الاستبداد في الحكومات وفي كل الأمور التي ينبغي التشاور فيها ليس من نظام الدين ولا من شأن المؤمنين، وأن الأمة التي تتخذ الشورى منهجاً وسلوكاً هي الأحرى بالإكبار والتقدير، ولله در القائل:
اقرن برأيك رأي غيرك واستشر
…
فالحق لا يخفى على اثنين
للمرئ مرآة تريه وجهه.....ويرى قفاه بجمع مرآتين
(1) - ادب الدنيا والدين تأليف الامام على بن محمد بن حبيب الماوردي ص 301 الطبعة الاولى 1427هـ 2006م الناشر الشركة الجزائرية اللبنانية.