الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تنهال تترى بالاستغفار، وقد روي عن الربيع ابن صبيح ان رجلا اتى الحسن وشكا اليه الجدب فقال له: استغفر الله تعالى، واتى اخر فشكا اليه الفقر فقال له: استغفر الله تعالى، واتى اليه اخر فقال له ادعو الله سبحانه ان يرزقني ابنا فقال له استغفر الله تعالى، واتاه اخر فشكا اليه يباس بساتينه فقال له: استغفر الله تعالى، فقلنا اتاك رجال يشكون الوانا ويسالون انواعا وامرتهم كلهم بالاستغفار فقال ما قلت من نفسي شيئا انما اعتبرت قول الله تعالى حكاية عن نبيه نوح عليه السلام:{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا* يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارً} (1) فالاستغفار علاج للضعف البشري فالله سبحانه وتعالى غفار للذنوب، فتعرف على اسمه الغفار الغفور واستيقض من غفلتك فلولا ان الله سبحانه وتعالى غفار غفور يستر الذنب ويعفو عن السيئات ما كنا ندري ماذا سيحل بنا، ولكن الله سبحانه وتعالى بشرنا بانه الغفور الرحيم وانه يعفو عن السيئات وانه يمد من استغفر بالمال والبنين وانواع من الخيرات قال تعالى:{نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} (2) وقال جل شانه: {وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} (3) وفي سورة الانفال يقول الكبير المتعال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (4) .
ولله در القائل:
استغفر الله ذنبا غير محصيه
…
رب العباد اليه الوجه والعمل
الغفور الغافر الغفّار من اسماء الله الحسنى
سمّى الله سبحانه وتعالى نفسه في احدى وعشرين آية في كتاب الله، منها قوله تعالى:{وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (5) وقوله تعالى: {أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (6) وقوله تعالى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} (7) وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ} (8) وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (9) واما اسمه (الغفار) فقد جاء في خمس ايات منها، قوله تعالى:{هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ} (10) وقوله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} (11) فعلم ان (الغفور) في القرآن ورد اكثر بكثير من (الغفار) والغفار ابلغ من الغفور وكلاهما من ابنية المبالغة، وورد اسمه الغفور في حديث ابي هريرة رضي الله عنه عند الترمذي يرفعه الى النبي صلى الله عليه وآله
(1) - سورة نوح الايات (10-12)
(2)
- سورة الحجر الايات (49-50)
(3)
- سورة الاعراف الاية (153) .
(4)
- سورة الانفال الاية (70) .
(5)
- سورة الانفال الاية (70) .
(6)
- سورة الشورى الاية (5) .
(7)
- سورة البروج الاية (14) .
(8)
- سورة الشورى الاية (23) .
(9)
- سورة فاطر الاية (28) .
(10)
- سورة الزمر الاية (5) .
(11)
- سورة طه الاية (82) .
وسلم والذي ورد فيه تعداد اسماء الله الحسنى ومنها اسمه (الغفور)، واما اسمه الغافر فقد نطق به التنزيل مرة واحدة قال تعالى:{حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} (1) واصل الغفر في الغة: التغطية والستر يقال غفر الله له ذنوبه اي: ستره، والمغفرة: التغطية والمغْفَر: هو حلق يتقنع به المتسلح يقيه ويستره (2) ومعنا الاسماء في حق الله تعالى قال الزجاج: ومعنا الغفر في حق الله سبحانه وتعالى، هو الذي يستر ذنوب عباده ويغطيهم بستره (3)
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: الْعَفُوُّ وَزْنُهُ فَعُولٌ مِنَ الْعَفْوِ وَهُوَ بِنَاءُ الْمُبَالَغَةِ، وَالْعَفْوُ الصَّفْحُ عَنِ الذَّنْبِ، وَقِيلَ: إِنَّ الْعَفْوَ مَأْخُوذٌ مِنْ عَفَتِ الرِّيحُ الأَثَرَ إِذَا دَرَسَتْهُ، فَكَأَنَّ الْعَافِيَ عَنِ الذَّنْبِ يَمْحُوهُ بِصَفْحِهِ عَنْهُ. وَمِنْهَا الْغَافِرُ: قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ
قَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَهُوَ الَّذِي يَسْتُرُ عَلَى الْمُذْنِبِ وَلا يُؤَاخِذُهُ بِهِ، فَيُشَهِّرُهُ وَيَفْضَحُهُ (4) ، ويتبين من هذا العرض ان الله سبحانه وتعالى الغفور الذي يغفر الذنوب، وان الغفار هو المبالغ في الستر فلا يشهر الذنب لافي الدنيا ولا في الاخرة تقول غفر الله لك، واليوم يغفر الله لكم غفرا فهو الغفور والغفار والغافر، والايات الواردة في المغفرة كثيرة جدا منها: ما ورد بلفظ الماضي قال تعالى في
(1) - سورة غافر الاية (1-3) .
(2)
- تفسير الاسماء للزجاج ص37. والنهاية في غريب الحديث والاثر، ج3 ص373. واللسان لبن منظور ج4 ص 3273، مادة غفر.
(3)
- تفسير الاسماء ص38.
(4)
- الاسماء والصفات للبيهقي ص149.
قصة داود عليه السلام: {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ * فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ} (1) وفي ذلك ما يشعر بان كل من استغفر الله بلسانه وقلبه غفر له، ومنها: ما ورد بلفظ المستقبل، قال تعالى:{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (2) وفي ذلك ما يفيد انه مالك العفو والمغفرة فهو يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وقد اقتضت مشيئته انه يغفر ذنوب من اناب اليه ورجع اليه، قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (3) ومنها: ما ورد بلفظ الامر وفي ذلك ما يرشد الى تعليم العباد طلب العفو والمغفرة من الله سبحانه وتعالى: {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (4) ومنها: ما ورد بلفظ المصدر: {غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (5) وفي ذلك ما يفهم طلب المغفرة من الله سبحانه وتعالى من جميع الذنوب فالمصدر كما هو معروف عند ائمة اللغة مفرد في اللفظ مجموع في المعنى فسبحان من اظهر الجميل وستر القبيح بالعفو والمغفرة، والذنوب من جملة القبائح التي سترها بارسال الستر عليها في الدنيا، وتجاوز عقوبتها في الاخرة فهو سبحانه وتعالى كامل المغفرة (6) وواسعها.
(1) - سورة ص الاية (24-25) .
(2)
- سورة النساء الاية (48) .
(3)
- سورة الزمر الاية (53) .
(4)
- سورة البقرة الاية (286) .
(5)
- سورة البقرة الاية (85) .
(6)
- الجامع لاسماء الله الحسنى ص213.