المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الثاني: في ذكر الخلفاء الراشدين وبيعتهم رضي الله عنهم - التحبير لإيضاح معاني التيسير - جـ ٣

[الصنعاني]

فهرس الكتاب

- ‌حرف الجيم

- ‌الكتاب الأول: في الجهاد

- ‌الباب الأول: في فضله

- ‌الفصل الأول: في فضل الجهاد والمجاهدين

- ‌الفصل الثاني: في فضل الشهادة والشهداء

- ‌الباب الثاني: في الجهاد وما يتعلق به

- ‌الفصل الأول: في وجوبه والحث عليه

- ‌الفصل الثاني: في آدابه

- ‌الفصل الثالث: في صدق النية [والإخلاص

- ‌الفصل الرابع: في أحكام القتال والغزو

- ‌الفصل الخامس: في أسباب تتعلق بالجهاد

- ‌الباب الثالث: في فروع الجهاد

- ‌الفصل الأول: في الأمان والهدنة

- ‌الفصل الثاني: في الجزية وأحكامها

- ‌الفصل الثالث: في الغنائم والفيء

- ‌الفصل الرابع: في الشهداء

- ‌ كتاب الجدال والمراء

- ‌[حرف الحاء

- ‌كتاب الحج والعمرة

- ‌الباب الأول: في فضائلهما

- ‌الباب الثالث: في الميقات والإحرام

- ‌الفصل الأول: في الميقات

- ‌الفصل الثاني: في الإحرام [وما يحرم فيه]

- ‌الفرع الثالث: في جزاء الصيد

- ‌[الباب الرابع: في الإفراد والقران والتمتع

- ‌الفصل الأول: في الإفراد]

- ‌الفصل الثاني: في القران

- ‌الفصل الثالث: في التمتع وفسخ الحج

- ‌الباب الخامس: في الطواف والسعي

- ‌الفصل الأول: في كيفيتهما

- ‌في طواف الزيارة

- ‌في طواف الوداع

- ‌في طواف الرجال مع النساء

- ‌في الطواف من وراء الحجر

- ‌السعي بين الصفا والمروة

- ‌الدعاء في الطواف والسعي

- ‌[الفصل الثالث: في دخول البيت]

- ‌الفصل الأول: في الوقوف وأحكامه

- ‌الفصل الثاني: في الإفاضة

- ‌الفصل الثالث: في التلبية بعرفة والمزدلفة

- ‌الباب السابع: في الرمي

- ‌الفصل الأول: في كيفيته

- ‌الفصل الثاني: في وقت الرمي

- ‌[الفصل الثالث: في الرمي راكبًا وماشيًا

- ‌[الفصل الرابع: في أحاديث متفرقة]

- ‌الباب الثامن: في الحلق والتقصير

- ‌الفصل الأول: في تقديم بعض أسبابه على بعض

- ‌الفصل الثاني: في وقت التحلل وجوازه

- ‌الباب العاشر: في الهدي والأضاحي

- ‌الفصل الأول: في إيجابها [وأسنانها]

- ‌الفصل الثاني: في الكمية والمقدار

- ‌الفصل الثالث: فيما يجزي منها

- ‌الفصل الرابع: فيما لا يجزي منها

- ‌الفصل الخامس: في الإشعار والتقليد

- ‌الفصل السادس: في وقت الذبح ومكانه

- ‌الفصل السابع: في كيفية الذبح

- ‌الفصل الثامن: في الأكل من الأضحية

- ‌الفصل التاسع: فيما يعطب من الهدي

- ‌الفصل العاشر: في ركوب الهدي

- ‌الفصل الحادي عشر: في المقيم إذا أهدى إلى البيت [أو ضحى هل يحرم أم لا]

- ‌الباب الحادي عشر في الفوات والإحصار والفدية

- ‌الفصل الأول: فيمن أحصره المرض والأذى

- ‌الفصل الثاني: فيمن أحصره العدو

- ‌الفصل الثالث: فيمن غلط في العدد

- ‌الفصل الرابع: في أحاديث متفرقة

- ‌الباب الثاني عشر: في دخول مكة والنزول بها والخروج منها

- ‌الباب الرابع عشر: في أحكام متفرقة تتعلق بالحج

- ‌الفصل الأول: في التكبير في أيام التشريق

- ‌الفصل الثالث: في حج الصبي

- ‌الفصل الرابع: في الاشتراط في الحج

- ‌الفصل الخامس: في حمل السلاح في الحرم

- ‌الفصل السادس: في ماء زمزم

- ‌الفصل السابع: في أحاديث متفرقة

- ‌الباب الخامس عشر: في حج النبي صلى الله عليه وسلم وعمرته

- ‌كتاب: الحدود

- ‌الباب الأول: في حد الردة، وقطع الطريق]

- ‌الباب الثاني: في حد الزنا [وفيه فصلان]

- ‌الفصل الأول: في أحكامه

- ‌الفصل الثاني: في الذين حدهم النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الثالث: في حديث اللواط وإتيان البهيمة

- ‌الباب الرابع: في حد القذف

- ‌الباب الخامس: في حد السرقة

- ‌الباب السادس: في حد الخمر

- ‌الباب السابع: في الشفاعة، والتسامح في الحدود

- ‌كتاب: الحضانة

- ‌كتاب: الحسد

- ‌كتاب: الحرص

- ‌كتاب: الحياء

- ‌حرف الخاء

- ‌كتاب: الخلق]

- ‌كتاب: الخوف

- ‌كتاب: خلق العالم

- ‌كتاب: الخلافة والإمارة

- ‌الباب الاول: في [أحكامهما]

- ‌[الفصل الأول: في الأئمة من قريش]

- ‌الفصل الثاني: في من تصلح إمامته وإمارته

- ‌الفصل الثالث: في ما يجب على الإمام وعلى الأمير

- ‌الفصل الرابع: في كراهية الإمارة

- ‌الفصل الخامس: في وجوب طاعة الإمام والأمير

- ‌الفصل السادس: في أعوان الأئمة والأمراء [346 ب]

- ‌الباب الثاني: في ذكر الخلفاء الراشدين وبيعتهم رضي الله عنهم

- ‌كتاب الخلع

الفصل: ‌الباب الثاني: في ذكر الخلفاء الراشدين وبيعتهم رضي الله عنهم

قلت: صدره فيه (1): عن كعب بن عجرة قال: خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن تسعة خمسة وأربعة أحد العددين من العرب والآخر من العجم قال: "اسمعوا: هل سمعتم أنه سيكون بعدي أمراء

". الحديث.

قال الترمذي (2): هذا حديث صحيح (3) غريب لا نعرفه من حديث مسعر، إلا من هذا الوجه - إلى أن قال - وفي الباب عن حذيفة وابن عمر. [349 ب].

4 -

وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَال كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ، وَعَمْرِو بْنِ الأَسْوَدِ، وَالمِقْدَامِ رضي الله عنه قَالَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم:"إِذَا ابْتَغَى الأَمِيرَ الرِّيبَةَ فِي النَّاسِ أَفْسَدَهُمْ". أخرجه أبو داود (4). [صحيح لغيره].

"وَالرِّيبَةُ": التهمة، والمراد أن الإمام إذا اتَّهم رعيتَّه، وخامرهم بسوء الظن فيهم، أداهم ذلك إلى ارتكاب ما ظن فيهم ففسدوا (5).

‌الباب الثاني: في ذكر الخلفاء الراشدين وبيعتهم رضي الله عنهم

-

1 -

عَن ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ عَلِيَّاً رضي الله عنه خَرَجَ مِنْ عِنْدِ النبيّ صلى الله عليه وسلم فِي وَجَعِهِ الَّذِى تُوُفِّيَ فِيهِ، فَقَالَ النَّاسُ: يَا أَبَا الحَسَن! كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: أَصْبَحَ بِحَمْدِ الله بَارِئًا، فَأَخَذَ بِيَدهِ الْعَبَّاسُ رضي الله عنه فَقَالَ: أَنْتَ وَالله بَعْدَ ثَلَاثٍ عَبْدُ الْعَصَا، وَإِنِّي وَالله لأُرَى رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم سَيتَوَفَّى مِنْ وَجَعِهِ هَذَا، إِنِّي لأَعْرِفُ وُجُوهَ بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ عِنْدَ المَوْتِ، فَاذْهَبْ بِنَا إِلَيْهِ

(1) لم أقف عليه في "سنن الترمذي" هكذا.

(2)

(2/ 513).

(3)

بل قال الترمذي في "السنن"(2/ 513) بإثر الحديث رقم (614): هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، لا نعرفه إلا من حديث عبيد الله بن موسى.

(4)

في "السنن" رقم (4889) وهو حديث صحيح لغيره.

(5)

قاله ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 83).

ص: 742

نَسْأَلْهُ فِيمَنْ هَذَا الأَمْرُ، إِنْ كَانَ فِينَا عَلِمْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِنَا كَلَّمْنَاهُ فَأَوْصىَ بِنَا، فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: أَمَا وَالله لَئِنْ سَأَلْنَاهَا فَمَنَعَنَاهَا لَا يُعْطِينَاهَا النَّاسُ بَعْدَهُ، وَإِنِّي وَالله لَا أَسْأَلُهَا. أخرجه البخاري (1). [صحيح].

قوله: "عَبْدُ الْعَصى"(2) أي مقهور محكوم عليك ممن يتولى الخلافة.

قوله: "في حديث ابن عباس بارئاً" اسم فاعل من برأ إذا أفاق من المرض.

قوله: "لأرى" بفتح الهمزة من الاعتقاد وبضمها من الظن، وهذا قاله العباس مستنداً إلى التجربة.

قوله: "وإني والله لا أسألها" أي: الخلافة، وفي رواية أنه قال علي عليه السلام: "وهل يطمع في هذا الأمر غيرنا؟ قال العباس: أظن والله سيكون.

قوله: "لا يعطيناها الناس" ويحتجون بمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم.

وفي رواية للشعبي مرسلة: "فلما قبض صلى الله عليه وسلم قال العباس لعلي: ابسط يدك أبايعك ويبايعك الناس فلم يفعل".

وفي رواية (3): "قال علي: يا ليتني! أطعت عباساً، يا ليتني أطعت عباساً".

قال عبد الرزاق (4): كان معمر يقول لنا: أيهما كان أصوب رأياً؟ فنقول: العباس، فيأبى ويقول: لو كان أعطاها عليا فمنعه الناس لكفروا. انتهى.

(1) في "صحيحه" رقم (4447) وطرفه (6266).

(2)

قاله الحافظ في "الفتح"(8/ 143): وهو كناية عمن يصير تابعاً لغيره، والمعنى أنه يموت بعد ثلاث وتصير أنت مأموراً عليك، وهذا من قوة فراسة العباس رضي الله عنه.

(3)

قال الحافظ في "الفتح"(8/ 243): ورويناه في فوائد أبي الطاهر الذهلي، بسند جيد عن ابن أبي ليلى.

(4)

ذكره الحافظ في "الفتح"(8/ 143).

ص: 743

والحديث دليل أنه لم ينص صلى الله عليه وسلم على أحد بالخلافة بعده، إذ لو كان نص على أحد لما قال العباس لعلي عليه السلام بما قال، ولا أجاب عليه بما أجاب، وللناس خلاف طويل، وقال وقيل في هذه المسألة ولسنا بذكره نطيل [249/ أ]، ويأتي طرف من ذلك قريباً. [350 ب].

2 -

وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه قَالَ: أَتَتْ امْرَأَةً النبيّ صلى الله عليه وسلم فَكَلَّمَتْهُ فِي شَيْءٍ فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ، فَقَالَتْ: فَإِنْ لَمْ أَجِدْكَ: كَأَنَّهَا تَعْنِى المَوْتَ. قَالَ "فَإِنْ لَمْ تَجِدِيني فَأْتِى أَبَا بَكْرٍ". أخرجه الشيخان (1) والترمذي (2). [صحيح].

قوله: "في حديث جبير بن مطعم كأنها تعني الموت" هذا ظنٌ من قائله، بل يحتمل أنها تريد: إن لم أجدك بارزاً للناس فأمرها أن تأتي أبا بكر؛ لأنه يبلغ إليه حاجتها، فقد كان أكثر الصحابة ملازمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كانت أرادت الموت فقد علم صلى الله عليه وسلم بكل كائنة بعده، وعلم أن أبا بكر يلي أمر الأمة بإرادة الله وإن لم ينص صلى الله عليه وسلم على أنه الخليفة من بعده، فمن استدل به على أنه صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر فلا يتم له الاستدلال.

قال الحافظ ابن حجر (3) في قول عمر فيما أخرجه البخاري (4) وغيره (5): "إن استخلف فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم "، فيه رد على من جزم كالطبري [ومثل بكر بن عبد الواحد](6)، وبعده ابن حزم: أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر، ووجهه جزم عمر بأنه صلى الله عليه وسلم لم يستخلف.

(1) البخاري في "صحيحه" رقم (3659) وطرفاه: (7220، 7360) ومسلم في "صحيحه" رقم (2386).

(2)

في "السنن" رقم (3677).

(3)

في "فتح الباري"(13/ 208).

(4)

في "صحيحه" رقم (7218).

(5)

في "صحيحه" رقم (1823).

(6)

كذا في المخطوط، والذي في "فتح الباري": وقبله بكر بن أخت عبد الواحد.

ص: 744

قال: لكن (1) تمسك من خالفه بإطباق الناس على تسمية أبي بكر خليفة رَسُولِ الله.

قلت: ولا يخفى أن التسمية يكفي فيها أدنى ملابسة فإنه يصدق عليه أنه خليفة رسول الله، في إبلاغ الشرائع عنه وتنفيذها ونحو ذلك.

قال ابن حجر (2): وقول الراوندية: أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على العباس، وقول الرافضة (3): أنه نص على علي عليه السلام ووجه الرد عليهم إطباق الصحابة على مبايعة أبي بكر [وعلى طاعته](4).

قلت: وقول عمر "لم يستخلف" وتقرير الله له عليه، وتقرير الصحابة لكلامه، دليل أنه صلى الله عليه وسلم لم يستخلف أحداً. [351 ب].

3 -

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: تُوُفِّيَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه بِالسُّنْحِ، فَقَامَ عُمَرُ رضي الله عنه يَقُولُ: وَاللهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ولَيَبْعَثَنَّهُ اللهُ تَعَالَى، فَيَقْطَعَنَّ أَيْدِيَ رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، فَكَشَفَ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فقَبَّلَهُ وَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَالَّذِي نَفْسِى بِيَدِهِ لَا يُذِيقُكَ اللهُ المَوْتَتَيْنِ أَبَدًا. ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: أَيُّهَا الحَالِفُ عَلَى رِسْلِكَ، فَلمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ جَلَسَ عُمَرُ رضي الله عنهما فَحَمِدَ اللهُ أَبُو بَكْر وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَلَا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ فَإِنَّ الله حَيٌّ لَا يَمُوتُ، وَتَلَا:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30)} (5) ، {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ

(1) ذكره الحافظ في "الفتح"(13/ 208).

(2)

في "فتح الباري"(13/ 208).

(3)

تقدم التعريف بها، وانظر المفصل في الملل والأهواء والنحل، لابن حزم. (5/ 5، 13 - 19).

(4)

والعبارة في "الفتح" كما يلي: ثم على طاعته في مبايعة عمر، ثم على العمل بعهد عمر في الشورى، ولم يدع العباس ولا علي أنه صلى الله عليه وسلم عهد له بالخلافة.

(5)

سورة الزمر الآية (30).

ص: 745

عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144)} (1)، فَنَشَجَ النَّاسُ يَبْكُونَ، وَاجْتَمَعَ الأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ رضي الله عنه فِى سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَقَالُوا مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، فَذَهَبَ إِلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ رضي الله عنهم، فَذَهَبَ عُمَرُ يَتكَلَّمُ، فَأَسْكَتَهُ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، فَكَانَ عُمَرُ رضي الله عنه يَقُولُ: وَالله مَا أَرَدْتُ بِذَاكَ إِلَاّ أَنِّي قَدْ هَيَّأْتُ كَلَامًا أَعْجَبَني خَشِيتُ أَنْ لَا يُبْلِغَهُ أَبُو بَكْرٍ، فتكَلَّمَ وَالله أَبُو بَكْرٍ، فَوَالله مَا زَوَّرْتُ فِي نَفْسِي كَلَامَاً إِلَّا وَأَتَى عَلَيْهِ وَأَبْلَغَ، وَكَانَ فِى كَلَامِهِ: نَحْنُ الأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ، فَقَامَ حُبَابُ بْنُ المُنْذِرِ فَقَالَ: لَا وَالله لَا نَفْعَلُ، مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا وَلَكِنَّا الأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ.

زاد رزين: لَنْ يُعْرَفَ هَذَا الأَمْرُ إِلَاّ لِهَذَا الحيِّ مِنْ قُرَيْشٍ، هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ دَارَاً وَأَعْرَبُهُمْ أَحْسَابَاً، فَبَايِعُوا عُمَرَ، أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ، فَقَالَ عُمَرُ: بَلْ ونُبَايَعكَ أَنْتَ، فَأَنْتَ سَيِّدِنَا وَخَيْرُنَا وَأَحَبَّنَا إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَأَخَذَ عُمَرَ رضي الله عنه بِيَدِهِ فَبَايَعَهُ، وَبَايَعَهُ النَّاسُ، فَقَالَ قَائِلٌ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، فَقَالَ عُمَرُ: قَتَلَهُ الله تَعَالَى، قَالَتْ: فَمَا كَانَ مِنْ خُطْبَتَيْهِمَا مِنْ خُطْبَةٍ إِلا نَفَعَ الله بِهَا، لَقَدْ خَوَّفَ عُمَرُ النَّاسَ، وَإِنْ فِيْهِمْ لِنِفَاقَاً، فَرَدَّهُمُ الله تَعَالَى بِذَلِكَ، ثُمَّ لَقَدْ بَصَّرَ أَبُو بَكْرٍ النَّاسَ فِي الله تَعَالَى وَعَرَّفَهُمُ الحَقَّ الَّذِي عَلَيْهِمْ وَخَرَجُوا بِهِ يَتْلُونَ:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} (2) الآية. أخرجه البخاري (3) والنسائي (4).

(1) سورة آل عمران الآية (144).

(2)

سورة آل عمران الآية (144).

(3)

في "صحيحه" رقم (1241، 3667، 3668).

(4)

في "السنن" رقم (1841).

وهو حديث صحيح، والله أعلم.

ص: 746

قلت: وقوله زاد رزين: كذا في "التجريد"، وأصله وهذه الزيادة بعينها في "صحيح البخاري" والله أعلم.

"السُّنُحُ"(1): بضم السين المهملة والنون، وقيل بسكون النون: موضع بعوالي المدينة فيه منازل بني الحارث بن الخزرج، وقوله "لا يذيقك الله الموتتين" أي في الدنيا، قال ذلك أبو بكر ردًا لقول عمر: إن الله سيبعث نبيه فيقطع أيدي رجال وأرجلهم، "والسقيفة" الصُّفَّة (2) في البيت، "والنشيج": تردد صوت الباكي في صدره من غير انتحاب (3).

قوله: "في حديث عائشة وأبو بكر بالسنح" هو بضم المهملة وسكون النون وضبطه أبو عبيد البكري بضمها وقال: إنها منازل بني الخزرج بالعوالي.

وقوله: "يعني بالعالية" العالية والعوالي هي أماكن بأعلى أراضي المدينة، وأدناها من المدينة على أربعة أميال، وأبعدها من جهة نجد ثمانية، وكان عند أصهاره من الأنصار على ميل من المسجد النبوي وهو أول العالية.

قوله: "يقول والله ما مات رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم " حلف عمر مبني على علمه الذي أدّاه إليه اجتهاده، قاله في "الفتح"(4).

قوله: [في حديث عائشة](5): "ليبعثنه الله" أي: من غشيته، وأراد بأيدي رجال وأرجلهم المنافقين.

قوله: "لا يذيقك الله الموتتين أبداً".

(1)"النهاية في غريب الحديث"(1/ 811).

(2)

قاله ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 89).

(3)

قاله ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 89).

(4)

في "فتح الباري"(7/ 30).

(5)

زيادة من (أ).

ص: 747

قال الحافظ ابن حجر (1): إنه مشكل وعنه أجوبة فقيل: هو على حقيقته، وأشار بذلك إلى الرد على من زعم أنه سيجيء فيقطع أيدي رجال؛ لأنه لو صح ذلك للزم أن يموت موتة أخرى، فأخبر أنه أكرم على الله من أن يجمع عليه موتتين كما جمعها على غيره كالذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت، وكالذي مر على قرية، قال: وهذا أوضح الأجوبة وأسلمها.

وقيل (2): أراد لا يموت موتة أخرى في القبر كغيره إذ يحيا ليال ثم يموت، وهذا جواب الداودي.

وقيل (3): لا يجمع موت نفسك وموت شريعتك.

قال ابن حجر (4)[352 ب] في محل آخر: وأغرب من قال المراد بالموتة الأخرى موت الشريعة أي: لا يجمع الله عليك موتك وموت شريعتك، قال: هذا القائل: ويؤيده قول أبي بكر بعد ذلك في خطبته: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت. قال (5): وقيل كنى بالموت الثاني عن الكرب، أي: لا يلقى بعد هذا الموت كرباً آخر.

قوله: "وتلا {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30)} والتي بعدها".

(1) في "فتح الباري"(3/ 114).

(2)

ذكره الحافظ في "الفتح"(13/ 114).

(3)

ذكره الحافظ في "الفتح"(13/ 114).

(4)

في "فتح الباري"(8/ 145).

(5)

ذكره الحافظ في "الفتح"(3/ 114).

ص: 748

قال الكرماني (1): قلت: ليس في القرآن أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات، ثم أجاب بأن أبا بكر تلاها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات، يريد أن إخبار الله بأنه صلى الله عليه وسلم ميت قد وقع مخبره في الخارج.

قوله: "ما زوَّرت في نفسي"(2) بزاي وراء، أي: هيأتُ وحسنت.

قوله: "حباب بن المنذر"(3) بضم الحاء المهملة فموحدة خفيفة وآخره موحدة.

قوله: "قتلتم سعد" أي: كدتم تقتلونه، وقيل: كناية عن الإعراض والخذلان.

قال ابن حجر (4): يردّه ما وقع في رواية موسى بن عقبة عن ابن شهاب "فقائل قائل من الأنصار: اتقوا سعد بن عبادة [353 ب] لا تطئوه، فقال عمر: اقتلوه قتله الله"، نعم لم يرد عمر قتله حقيقة، وفي حديث مالك "إنّ عمر قال ذلك وهو مغضب".

قوله: "لن يعرف" بضم أوله على البناء للمجهول وفي رواية مالك "لن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش"(5).

قوله: "فما كان من خطبتيهما من خطبة إلا نفع الله بها" أي: من خطبتي أبي بكر وعمر، ومن الأولى تبعيضية، أو بيانية، والثانية: زائدة ثم شرحت ذلك بقولها: "لقد خوّف عمر الناس" أي: بقوله المذكور "وإن فيهم لنفاقاً" أي: بعضهم منافق.

قوله: "كذا في التجريد" أي: للبارزة. "وأصله" أي: كتاب ابن الأثير وهو كذلك فيه، أي: في "الجامع"(6)[250/ أ] بلفظ:

(1) ذكره الحافظ في "الفتح"(3/ 114).

(2)

انظر "النهاية في غريب الحديث"(1/ 735).

(3)

انظر "الاستيعاب" رقم (535 - الأعلام).

(4)

في "فتح الباري"(7/ 32).

(5)

ذكره الحافظ في "الفتح"(7/ 32).

(6)

(4/ 87).

ص: 749

زاد رزين، وهي في البخاري كما قاله المصنف (1).

4 -

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كُنْتُ أُقْرِئُ رِجَالاً مِنَ المُهَاجِرِينَ مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَقَالَ: لَوْ رَأَيْتَ رَجُلاً أَتَى عُمَرَ الْيَوْمَ فَقَالَ: هَلْ لَكَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ! فِي فُلَانٍ يَقُولُ: لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ لَقَدْ تبَايَعْتُ فُلَانًا، فَوَالله مَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه إِلَاّ فَلْتَةً، فَتَمَّتْ، فَغَضِبَ عُمَرُ فَقَالَ: إِنِّي إِنْ شَاءَ الله لَقَائِمٌ الْعَشِيَّةَ فِي النَّاسِ، فَمُحَذِّرُهُمْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُوهُمْ أُمُورَهُمْ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ! لَا تَفْعَلْ، فَإِنَّ المَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ وَغَوْغَاءَهُمْ، وإِنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلَى قُرْبِكَ حِينَ تَقُومُ فِى النَّاسِ، وَأَنَا أَخْشَى أَنْ تَقُومَ، فَتَقُولَ مَقَالَةً يُطَيِّرُهَا أولَئِكَ عَنْكَ كُلُّ مَطِيرٍ، وَأَنْ لَا يَعُوهَا، وَأَنْ لَا يَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا، فَأَمْهِلْ حَتَّى تَقْدَمَ المَدِينَةَ فَإِنَّهَا دَارُ الهجْرَةِ وَالسُّنَّةِ، فتخْلُصَ بِأَهْلِ الْفِقْهِ وَأَشْرَافِ النَّاسِ، فتَقُولَ مَا قُلْتَ مُتَمَكِّنًا، فَيَعِى أَهْلُ الْعِلْمِ مَقَالَتَكَ، وَيَضَعُونَهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا، فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا وَالله إِنْ شَاءَ الله تَعَالَى لأقومَنَّ بِذَلِكَ أَوَّلَ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالمَدِينَةِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: فَقَدِمْنَا المَدِينَةَ فِي عَقِبِ ذِي الحَجَّةِ، فَلمَّا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ عَجِلْتُ بِالرَّواحِ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ.

زاد رزين: فَخَرَجْتُ فِي صَكَّةِ عُمَيِّ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الحَدِيْثُ الْأوَّلِ فَقَالَ: حَتَّى أَجِدَ سَعِيدَ ابْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ جَالِسًا إِلَى رُكْنِ المِنْبَرِ، فَجَلَسْتُ حَوْلَهُ تَمَسُّ رُكْبَتِي رُكْبَتَهُ، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ خَرَجَ عُمَرُ رضي الله عنه، فَلمَّا رَأَيْتُهُ مُقْبِلًا قُلْتُ لِسَعِيدِ: لَيَقُولَنَّ الْعَشِيَّةَ عَلَى هَذَا المِنْبَرِ مَقَالَةً لَمْ يَقُلْهَا مُنْذُ اسْتُخْلِفَ، فَأَنْكَرَ عَلَيَّ وَقَالَ: ومَا عَسَى أَنْ يَقُولَ مَا لَمْ يَقُلْ قَبْلَهُ، فَجَلَسَ عُمَرُ عَلَى المِنْبَرِ، فَلمَّا سَكَتَ المؤذِّنُ قَامَ فَأَثْنَى عَلَى الله بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي قَائِل لَكُمْ مَقَالَةً قَدْ قُدِّرَ أَنْ أَقُولَهَا، لَا أَدْرِي لَعَلَّهَا بَيْنَ يَدَىْ أَجَلِي، فَمَنْ عَقَلَهَا وَوَعَاهَا فَلْيُحَدِّثْ بِهَا حَيْثُ انْتَهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، وَمَنْ خَشِيَ أَنْ لَا يَعْقِلَهَا فَلَا أُحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَكْذِبَ عَلَيَّ، إِنَّ الله بَعَثَ مُحَمَّدًا

(1) وهو كما قال.

ص: 750

- صلى الله عليه وسلم بِالحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللهُ عليهِ آيَةُ الرَّجْمِ، "وَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيْثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما المَذْكُورِ فِي أَوَّلِ بَابِ حَدِّ الزِّنَا" ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ قَائِلًا يَقُولُ: لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ لَبَايَعْتُ فُلَانًا، فَلَا يَغتَرَّنَّ امْرُؤٌ أَنْ يَقُولَ إِنَّمَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً وَتَمَّتْ، أَلَا وَإِنَّهَا قَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ الله وَقَى شَرَّهَا، وَلَيْسَ فِيْكُمْ مَنْ تُقْطَعُ إِلَيْهِ الأَعْنَاقُ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه، وَإِنَّهُ كَانَ مِنْ خَبرِنَا حِينَ تُوفَّي رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أَنَّ الأَنْصَارَ خَالَفُونَا، وَاجْتَمَعُوا بِأَسْرِهِمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ وَتَخَلَّفَ عَنَّا عِليٌّ وَالزُّبَيْرُ رضي الله عنهما وَمَنْ مَعَهُمَا، وَاجْتَمَعَ المُهَاجِرُونَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه، فَقُلْتُ لأَبِي بَكْرٍ: يَا أَبَا بَكْرٍ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا هَؤُلَاءِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَانْطَلَقْنَا نُرِيدُهُمْ فَلمَّا دَنَوْنَا مِنْهُمْ لَقِيَنَا رَجُلَانِ صَالِحَانِ، فَذَكَرَا مَا تَمَالأ عَلَيْهِ الْقَوْمُ فَقَالَا أَيْنَ تُرِيدُونَ يَا مَعْشَرَ المُهَاجِرِينَ؟ فَقُلْنَا: نُرِيدُ إِخْوَانَنَا مِنَ الأَنْصَارِ. فَقَالَا: لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَقْرَبُوهُمُ اقْضُوا أَمْرَكُمْ. فَقُلْتُ: وَالله لَنَأْتِيَنَّهُمْ. فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَاهُمْ، فَإِذَا رَجُلٌ مُزَمَّلٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا هَذَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ. فَقُلْتُ: مَا لَه؟ قَالُوا يُوعَكُ. فَلمَّا جَلَسْنَا قَلِيلًا تَشَهَّدَ خَطِيبُهُمْ، فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَنَحْنُ أَنْصَارُ الله تَعَالَى، وَكَتِيبَةُ الإِسْلَامِ، وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ المُهَاجِرِينَ رَهْطٌ مِنّا، وَقَدْ دَفَّتْ دَافَّةٌ مِنْ قَوْمِكُمْ، فَإِذَا هُمْ أَرَادُوا أَنْ يَخْتَزِلُونَا مِنْ أَصْلِنَا وَأَنْ يَحْضُنُونَا مِنَ الأَمْرِ فَلمَّا سَكَتَ أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ، وَكُنْتُ قد زَوَّرْتُ مَقَالَةً أَعْجَبَتْنِى أُرِيدُ أَنْ أقدِّمَهَا بينَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ، وَكُنْتُ أُدَارِي مِنْهُ بَعْضَ الحَدِّ فَلمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى رِسْلِكَ. فَكَرِهْتُ أَنْ أُغْضِبَهُ، فَتَكَلَّمَ وَكَانَ هُوَ أَحْلَمَ مِنِّي وَأَوْفَرَ، وَاللهِ مَا تَرَكَ مِنْ كَلِمَةٍ أَعْجَبَتْنِى فِى تَزْوِيرِي إِلَاّ قَالَ فِي بَدِيهَتِهِ مِثْلَهَا، أَوْ أَفْضَلَ مِنْهَا، حَتَّى سَكَتَ وَقَالَ مَا ذَكَرْتُمْ فِيكُمْ مِنْ خيرٍ فَأَنْتُمْ لَهُ أَهْلٌ، وَلَنْ يُعْرَفَ هَذَا الأَمْرُ إِلَاّ لِهَذَا الحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ، هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ نَسَبًا وَدَارًا، وَقَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ، فَبَايِعُوا أَيهما شِئْتُمْ. فَأَخَذَ بِيَدِي وَبِيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الجَرَّاحِ، وَهْوَ جَالِسٌ بَيْنَنَا، فَلَمْ أَكْرَهْ مِمَّا قَالَ غيْرَهَا، كَانَ وَالله أَنْ أقدَّمَ فَتُضْرَبَ عُنُقِي لَا يُقْرَبُنِي ذَلِكَ مِنْ إِثْمٍ، أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَأَمَّرَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، اللهمَّ إِلَاّ أَنْ تُسَوِّلَ لِي

ص: 751

نَفْسِي عِنْدَ المَوْتِ شَيْئًا لَا أَجِدُهُ الآنَ، فَقَالَ: قَائِلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنا جُذَيْلُهَا المُحَكَّكُ، وَعُذَيْقُهَا المُرَجَّبُ، مِنَّا أَمِيرٌ، وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، فَكَثُرَ اللَّغَطُ، وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ حَتَّى فَرِقْتُ مِنَ الِاخْتِلَافِ. فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَدَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ. فَبَايَعْتُهُ وَبَايَعَهُ المُهَاجِرُونَ، ثُمَّ بَايَعَهُ الأَنْصَارُ، وَنَزَوْنَا عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، فَقُلْتُ قَتَلَ الله سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ. قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: وَإِنَّا وَالله مَا وَجَدْنَا فِيمَا حَضَرْنَا مِنْ أَمْرِنا أَقْوَى مِنْ مُبَايَعَةِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه، خَشِينَا إِنْ فَارَقْنَا الْقَوْمَ، وَلَمْ تَكُنْ بَيْعَةٌ أَنْ يُبَايِعُوا رَجُلاً مِنْهُمْ بَعْدَنَا، فَإِمَّا بَايَعْنَاهُمْ عَلَى مَا لَا نَرْضَى، وَإِمَّا نُخَالِفُهُمْ فَيَكُونُ فَسَادٌ، فَمَنْ بَايَعَ رَجُلاً عَلَى غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ المُسْلِمِينَ فَلَا يُتَابَعُ هُوَ وَلَا الَّذِى بَايَعَهُ تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلَا.

أخرجه الشيخان (1)، وهذا لفظ البخاري، وهو عند مسلم مختصر حديث الرجم.

"الفلتة"(2): الفجأة "وغوغاء الناس"(3) الذين يكثرون الضجة ونحوها من غير تثبت "وزاغت الشمس" مالت عن كبد السماء، "وصكة عمى": كناية عن شدة الحر وقت الهاجرة غاية القيظ (4)، وقوله:"فلم أنشب" أي فلم ألبث، "وتقطع إليه الأعناق" أعناق المطي، "والمزمل" المغطى، "وظهراني القوم": بينهم، "والوعك" (5): الحمى.

(1) البخاري في "صحيحه" رقم (2462) وأطرافه في (3445، 3667، 3668، 4021، 6829، 6830، 7323) ومسلم رقم (1691).

(2)

قال ابن الأثير في "النهاية"(2/ 389)، والفلتة: كل شيء فعل من غير روية، وإنما بودر بها خوف انتشار الأمر. وانظر "غريب الحديث" للهروي (3/ 357)، "الفائق" للزمخشري (3/ 14).

(3)

قاله ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 97).

(4)

قاله ابن الأثير في "غريب الحديث"(4/ 97).

(5)

"النهاية"(2/ 865)"الفائق" للزمخشري (4/ 106).

ص: 752

"والدافة"(1) الجماعة من الناس يقصدون المصر.

"يختزلونا": يقطعونا عن مرادنا. "يحضنونا"(2): بضاد معجمة: ينحونا عنه، وينفردون به، ومعنى "زودت": زينت وهيأت، و"تسول لي نفسي": تحسن وتزين "اللغط" كثرت الأصوات واختلافها.

ومعنى "جذيلها المحكك (3)، وعذيقها المرجب"(4): أي (5) أني ذو رأي يستشفى به في الحوادث لا سيما في هذه الحادثة، وإني في ذلك كالعود الذي يشفى الجرباء وكالنخلة الكثيرة الحمل.

ومعنى "نزونا" وثبنا، وقوله:"تغرة أن يقتلا" فيه مضاف محذوف تقديره خوف تغرة أن يقتلا، أي خوف إيقاعهما في القتل، والتغرة (6) مصدر أغررته إذا ألقيته في الغرر، وهي من الغرر.

(1) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 99).

(2)

قال ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 99) حضنت الرجل عن الأمر حضناً وحضانة: إذا نحيته عنه، وانفردت به دونه.

(3)

قال ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 100) الجذيل: تصغير الجذل، وهو عود ينصب للإبل الجربى تحتك به فتستشفي، والمحكك الذي كثر به الاحتكاك حتى صار أملس.

انظر "النهاية"(1/ 246)، "الفائق" للزمخشري (1/ 201).

(4)

قال ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 100) عذيقها: تصغير العذق - بفتح العين - وهو النخلة، والمرجَّب:"المسند" بالرُّجبة وهي خشبة ذات شعبتين، وذلك إذا طالت الشجرة وكثر حملها اتخذوا ذلك لها، لضعفها عن كثرة حملها.

انظر النهاية (1/ 635)، "غريب الحديث" للهروي (4/ 154).

(5)

قاله ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 100).

(6)

"غريب الحديث" للهروي (3/ 355)، "الفائق" للزمخشري (3/ 139).

ص: 753

قوله: "في حديث ابن عباس كنت أقرئ رجالاً من المهاجرين منهم عبد الرحمن ابن عوف".

قال ابن الجوزي (1): في إقراء ابن عباس لمثل عبد الرحمن بن عوف تنبيه على أخذ العلم [354 ب] من أهله، وإن صغرت أسنانهم، وقلّت أقدارهم، وقد كان حكيم بن حزام يقرأ على معاذ بن جبل فقيل له: تقرأ على هذا الغلام الخزرجي؟ فقال: إنما أهلكنا التكبر.

قوله: "في فلان" قال الحافظ في مقدمة "الفتح": في مسند البزار والجعديات بإسناد ضعيف، بأن المراد أن يبايع له طلحة بن عبيد الله، ولم يسم القائل ثم وجدته في الأنساب للبلاذري بإسناد قوي من رواية هشام بن يوسف عن معمر عن الزهري بالإسناد المذكور في الأصل ولفظه:"قال عمر: بلغني أن الزبير قال: لو قد مات عمر بايعنا عليّاً" .. الحديث، وهذا أصح. انتهى.

قوله: "فلتة" هي بفتح الفاء وسكون اللام، أي: فجأة لم يتقدمها تدبير ولا مشاورة.

قوله: "غوغاء الناس"(2) بمعجمتين وسكون الواو، وأصله صغار الجراد يبدأ في الطيران، ويطلق على السفلة المسرعين إلى الشر، والرعاع السفلة وأخلاط الناس.

قوله: "في عقب ذي الحجة" قال أهل اللغة (3): يقال جاء فلان عقب الشهر، إذا جاء بعد فراغه، وجاء في عقبه إذا جاء وقد بقيت منه بقية وليس في الحديث رواية معينة لأحدهما فحق على رواته أن يلفظوا باللغتين فيكون لافظاً بالمروي بيقين، وهكذا كل لفظة فيها لغتان ولم يتعين فيه لفظ الرواية. [355 ب].

(1)(ص 338).

(2)

"النهاية في غريب الحديث"(2/ 329)"المجموع المغيث"(2/ 586).

(3)

قاله الحافظ في "الفتح"(12/ 147). وانظر "القاموس المحيط"(ص 149 - 150).

ص: 754

قوله: "صكة عمي" بفتح الصاد المهملة وتشديد الكاف، وعمي تصغير أعمى مرخماً، وقيل: هو اسم (1) رجل من العمالقة أغار على قوم ظهراً فاستأصلهم فنسب الوقت إليه، وقيل: هو كناية عن شدة الحر ووقت الهاجرة، يقال: جاء صكة عمي، أي: في وقت الهاجرة وغاية القيظ، وذلك أنّ الإنسان إذا خرج وقت الهاجرة لا يكاد يملأ عينيه من نور الشمس أرادوا أنه يصير أعمى.

قوله: "فلم أنشب أن خرج عمر" أي: لم ألبث، وأصله من نشبت في الشيء إذا علقت به.

قوله: "لعلها بين يدي أجلي" هي من الأمور التي جرت على لسانه، فكانت كما قال، فإنه طعن عقب ذلك بأيام يسير قبل الجمعة الأخرى.

قوله: "إن قائلاً" هو طلحة بن عبيد الله.

وقوله: "لبايعت فلاناً" هو علي عليه السلام.

قوله: "ولكن وقى الله شرها" أي: وقاهم ما في العجلة غالباً من الشر.

قوله: "وليس فيكم من تقطع إليه الأعناق [356 ب] مثل أبي بكر" قال الخطابي (2): يريد أن السابق منكم لا يلحق بالفضل، لا يصل إلى منزلة أبي بكر، فلا يطمع أحد منكم أن يقع له مثل ما وقع لأبي بكر من المبايعة له أولاً في الملأ اليسير، ثم إجماع الناس وعدم اختلافهم عليه لما تحققوا من استحقاقه فلم يحتاجوا في أمره إلى نظر ولا إلى مشاورة وليس غيره في ذلك مثله.

(1) ذكره الحافظ في "الفتح"(4/ 97).

(2)

في "أعلام الحديث"(4/ 2297) حيث قال: يريد أن السابق منكم الذي لا يلحق شأوه في الفضل أحد، لا يكون مثلاً لأبي بكر؛ لأنه قد أبَّد على كل سابق، فلذلك مضت بيعته على حال فجاءة ووقى الله شرها، فلا يطمعن بعد أحد في مثل ذلك ولا يبايعن إلا عن مشورة واتفاق رأي.

ص: 755

قوله: "وإنه كان من خبرنا" بالموحدة وروي بالمثناة التحتية، فالضمير على الأول للشأن وعلى الثاني لأبي بكر والسياق يناسب الأول.

قوله: "رجلان صالحان" هما عويم بن ساعدة ومعن بن عدي (1).

قوله: "فذكرا ما تمالأ عليه القوم" تمالأ بفتح التاء، القوم على الأمر إذا اجتمع رأيهم عليه واتفقوا فيه، والتمالي المعاونة أيضاً والمراد به اتفاقهم على أن يبايعوا سعد بن عبادة.

قوله: "مزمل"(2) بزاي وتشديد الميم المفتوحة، أي: ملفلف.

قوله: "بين ظهرانيهم" بفتح المعجمة والنون، أي في وسطهم.

قوله: "يوعك"(3) بضم أوله وفتح المهملة، أي: يحصل له الوعك وهو الحمى بنافض.

قوله: "خطيبهم" قال ابن حجر (4): لم أقف على اسمه، وكان ثابت بن قيس خطيب الأنصار، كأنه هو.

قوله: "كتيبة الإِسلام" الكتيبة: بمثناة فوقية وموحّدة بزنة عظيمة، وهي الجيش المجتمع الذي [357 ب][لا ينتشر](5) وأطلق عليهم ذلك مبالغة.

قوله: "رهط" أي عدد يسير بالنسبة إلى عدد الأنصار.

(1) أخرج البخاري في "صحيحه" رقم (4021) عن عمرو رضي الله عنه قال: لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم قلت لأبي بكر: انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار، فليقنا منهم رجلان صالحان شهدا بدراً، فحدثت عروة بن الزبير فقال: هما عويم بن ساعدة، ومعن بن عدي.

(2)

"النهاية"(1/ 731)"غريب الحديث" للهروي (2/ 72).

(3)

"القاموس المحيط"(ص 1239).

(4)

في "فتح الباري"(12/ 151).

(5)

كذا في المخطوط (أ. ب) والذي في "الفتح": يتقشر.

ص: 756

وقوله: "وقد دفت دافة من قومكم"(1) بالدال المهملة والفاء، أي: عدد قليل.

قال الخطابي (2): يريد أنكم قوم طَرَأةٌ غرباء، أقبلتم من مكة إلينا [تريدون أن تستأثروا علينا](3).

قوله: "يختزلونا" بمعجمة وزاي، أي: تقتطعونا عن الأمر وتنفردوا به دوننا، والمراد بالأصل هنا ما يستحقونه من الإمرة.

"وأن يحضنونا" بحاء مهملة وضاد معجمة فنون، قال ابن الأثير (4): يقال حضنت الرجل عن الأمر حضناً وحضانة إذا نحيته عنه وانفردت به دونه.

قوله: "على رسلك" بكسر الراء وسكون المهملة، ويجوز "الفتح" أي: على مهلك (5)، بفتحتين.

قوله: "أن أغضبه" بغين وضاد معجمتين ثم موحدة من الغضب، وفي رواية في البخاري بالمهملتين (6) ومثناة تحتية من العصيان.

(1) تقدم شرحها.

(2)

في "أعلام الحديث"(4/ 2297).

(3)

ما بين الحاصرتين ليست من "أعلام الحديث" عند شرح هذه الكلمة، وإنما جاءت فيه عند قوله:(يحضنونا) حيث قال يريدون أن يحضنونا من الأمر، أي يخرجونا من الأمر، وأن يستأثروا به علينا.

(4)

في "غريب الجامع"(7/ 99).

(5)

قاله ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 99) على هينتك وتؤدتك وتأنيك.

(6)

وهي في رواية الكشميهني.

"فتح الباري"(12/ 152).

ص: 757

قوله: "بعض الحد" أي: أدافع غضبه، قال ابن الأثير (1): الحد والحدة سواء، من الغضب، يقال: حد يحد حدّا وحدة إذا غضب، والمداراة (2) بالهمزة المدافعة بلين وسكون وبغير همز الخديعة والمكر، وقيل هما لغتان بمعنى.

قوله: "بديهته" البديهة ضد التروي والتفكر.

قوله: "تسول" سولت له نفسا شيئاً زينته له وحسنته إليه. [358 ب].

قوله: "جذيلها"(3) تصغير الجذل وهو عود ينصب للإبل الجربي [تحتك](4) به فتشفى و"المحكك" الذي أكثر به الاحتكاك حتى صار أملس.

قوله: "وعذيقها"(5) تصغير العذق بفتح العين وهي النخلة.

قوله: "المرجب""المسند" بالرجبة (6) وهي خشبة [251/ أ] ذات شعبتين، وذلك إذا طالت الشجرة وكثر حملها اتخذوا ذلك لها لضعفها عن كثرة حملها، والمعنى: أني في ذلك كالعود الذي يشفي الجربى، وكالنخلة الكثيرة العمل من توفر مواد الآراء عندي.

ثم إنه أشار بالرأي الصائب عنده، فقال:"منا أمير ومنكم أمير".

قوله: "اللغط" هو كثرة الأصوات واختلافها، والفرق الخوف والفزع (7).

(1) في "غريب الجامع"(4/ 99).

(2)

في "غريب الجامع"(4/ 99).

(3)

تقدم شرحها.

(4)

في (ب) الجرب تحك.

(5)

تقدم شرحها.

(6)

قاله ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 100) وقد تقدم.

(7)

قاله ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 100). وانظر "المجموع المغيث"(3/ 135).

ص: 758

قوله: "ونزونا" النزو الوثب ومنه نزا التيس على أنثاه (1).

قوله: "تغرة"(2) بفتح المثناة من فوق فغين معجمة فراء مشددة مصدرة غررته إذا ألقيته في الغرر، وهي من التغرير كالتعلة من التعليل، وفي الكلام مضاف محذوف تقديره: خوف تغرة أن يقتلا، أي: خوف إيقاعهما في القتل، وانتصاب الخوف على أنه مفعول له، فحذف المضاف الذي هو الخوف [359 ب] وأقام المضاف إليه الذي هو التغرة مقامه.

ويجوز أن يكون قوله "أن يقتلا" بدلاً من تغرة، ويكون المضاف أيضاً محذوفاً كالأول، ومن أضاف "تغرة" إلى أن يقتلا، فمعناه خوف [تغرة] (3) قتلهما على طريقة قوله تعالى:{بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} (4).

ومعنى الحديث: أن البيعة حقها أن تقع صادرة عن المشورة والاتفاق، فإذا استبد رجلان دون الجماعة بمبايعة أحدهما للآخر فذلك تظاهر منهما بشق العصا وإطراح الجماعة، فإن عقد لأحد فلا يكون المعقود له واحد منهما، وليكونا معزولين من الطائفة التي تتفق على تمييز الإِمام منها؛ لأنه إن عقد لواحد منهما وهما قد ارتكبا تلك الفعلة الشنيعة التي فارقت الجماعة من التهاون بهم والاستغناء عن رأيهم لم يؤمن أن يقولا قوله.

["تدبر" ما دبرت (5) الرجل أدبره إذا أتبعته وكنت خلفه في أي معنى كان.

قوله: "يزعجه" ينهضه بسرعة. [360 ب].

(1) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 100). وانظر "المجموع المغيث"(3/ 290).

(2)

قاله ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 100 - 101). وانظر "أعلام الحديث" للخطابي (4/ 2297).

(3)

كذا في المخطوط (أ. ب) والذي في "غريب الجامع": تغرته.

(4)

سورة سبأ الآية (33).

(5)

قاله ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 103).

ص: 759

قوله: "عقرتُ" أي: دهشت، بكسر القاف وأصله في الرجل تسلمه قوائمه فلا يستطيع أن يقاتل من الخوف والدهش (1)] والمصنف قد شرح كثيراً من ألفاظ الحديث (2).

5 -

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: أَتَتْ فاِطِمَةُ وَالْعَبَّاسُ رضي الله عنهما أَبا بَكْرٍ رضي الله عنه يَلْتَمِسَانِ مِيْرَاثَهُمَا مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ أبو بَكْرٍ رضي الله عنه: سَمِعْتُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا نُورثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمّدٍ في هَذَا المَالِ، وَإنِّي وَالله لَا أَدعُ أَمْرَاً رَأَيْتُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُهُ إِلَّا صنَعْتُهُ، إِنِّي أَخْشَى إِنْ ترَكْتُ شِيْئَاً مِنْ أَمْرِه أَنْ أُزِيغَ، فَهَجَرَتْهُ فَاطِمةُ رضي الله عنها فَلَمْ تكلِّمُهُ حَتَّى مَاتَتْ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُر، فَدَفَنَهَا عَلِيّ رضي الله عنه لَيْلَاً، وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أبا بَكْرٍ، وَكَانَ لِعَليٍّ وَجْهٌ مِنَ النَّاسِ حَيَاةَ فَاطِمَة رضي الله عنها، فَلمَّا مَاتَتْ انْصَرَفَتْ وُجُوهِ النَّاسِ عَنْهُ، فَقَالَ رَجُلٌ للزُّهْرِيُّ رحمه الله: وَلَمْ يُبايُعُه عَلَى سِتَّةٌ أَشهُرٍ، قَالَ: لَا، وَالله وَلَا أَحَدٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، فَلمَّا رَأَى عَلِيّ رضي الله عنه انْصِرَافَ وُجُوْهِ النَّاسِ عَنْهُ ضرَعَ إِلَى مُصَالِحَةِ أَبِيْ بَكْرٍ رضي الله عنه، فَأَرْسَلُ إِلَيْهِ أَنِ ائْتِنَا وَلَا يَأْتِنَا مَعَك أَحَدٍ، وَكَرِهَ أَنْ يَأْتِيِهِ عُمَر لمَّا عَلِمَ مِنْ شِدِّتِهِ، فَقَالَ عُمَرَ رضي الله عنه: لَا تَأْتِهِم وَحْدَكَ، فَقَالَ أَبُوْ بَكْرٍ رضي الله عنه: وَالله لآتيَنَّهُمْ وَحْدِي، مَا عَسَى أَنْ يَصْنَعُوا بِي، فَانْطَلَقَ أبو بَكْرٍ رضي الله عنه فَدَخَلَ عَلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه، وَقَدْ جَمَعَ بَنِي هَاشِمٍ عِنْدَهُ، فَقَامَ فَحِمَدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْه ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ: فَلَمْ يَمْنَعْنَا أَنْ نبايِعَكَ يَا أَبا بَكْرٍ إِنْكَارٌ لِفَضِيْلتكَ، وَلَا نَفَاسَةُ عَلَيْكَ، وَلَكِنَّا كُنَّا نَرَى أَنَّ لَنَا فِي هَذَا الْأَمْرُ حَقَّا فَاسْتَبْدَدْتُمْ عَلَيْنَا، ثُمَّ ذَكَرَ قَرَابَتَهُ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَحَقَّهُمْ فَلَمْ يَزَلْ عِليٌّ رضي الله عنه يَذْكُرُ حَتَّى بَكَى أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، فَصمَتْ عَليٌّ رضي الله عنه، فتشَهَّدَ أبو بَكْرٍ رضي الله عنه فَحِمَدَ الله تَعَالَى وَأَثْنَى عَلَيْه ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ: فَوالله لَقَرَابَةُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلُ مِنْ قَرَاَبَتِيِ، وَإنِّي وَالله مَا أَلُوْتُ في هَذِهِ الْأَمْوَالِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ عَنِ الخَيْرِ، وَلَكِنِّيْ سَمْعْتُ رَسُولِ الله

(1) ما بين الحاصرتين ليست من ألفاظ الحديث الذي تم شرحه، وإنما هي من الحديث رقم (2077) في "جامع الأصول"(4/ 101 - 103).

(2)

وهو كما قال. وانظر ما تقدم.

ص: 760

- صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا نُوْرَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آل مَحُمَّدٍ في هَذَا المَالُ، وَإِنَي وَالله لَا أَدعُ أَمْرَاً صَنَعَهُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم إِلَاّ صَنَعْتُهُ إِنْ شَاءَ الله تَعَالَى، فَقَالَ عَليٌّ رضي الله عنه: مَوْعِدُكَ لِلْبَيْعَةِ الْعَشِيّةُ، فَلمَّا صَلَّى أَبُو بَكْر رضي الله عنه الظُّهْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ يَعْذُرَ عَلِيَّاً رضي الله عنه بِبَعْضِ مَا اعْتَذَرَ بِهِ، ثُمَّ قَامَ عَلِيٌّ رضي الله عنه فَعَظَّمَ حَقَّ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه، وَذَكَرَ فَضِيْلَتَهُ وَسِابِقَتَهُ، ثُمَّ قَامَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَبَايَعَهُ، فَأَقْبَلَ النَّاسُ عَلَى عَليٌّ رضي الله عنه فَقَالُوْا: أَصَبْتَ وَأَحْسَنْتَ، فَكَانَ النَّاسُ إِلَى عَليٌّ رضي الله عنه قَرِيْبًا حينَ رَاجَعَ الْأَمْرَ المَعْرُوفَ. أخرجه الشيخان (1)، واللفظ لمسلم.

"ضرع"(2): أي خضع، وانقاد "والنفاسة" (3): الحسد، ومعنى "ما ألوت" (4) بالقصر: أي ما قصَّرت.

قوله: "في حديث عائشة لا نورث ما تركناه صدقة".

قال الحافظ ابن حجر (5): الذي توارد عليه أهل الحديث في القديم والحديث أن "لا نورث" بالنون و"صدقة" بالرفع، وأن الكلام جملتان "ما تركنا" في موضع الرفع بالابتداء،

(1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (3092) وأطرافه: (3711، 4035، 4240، 4241، 6725، 6726) ومسلم في "صحيحه" رقم (1759). وأخرجه أبو داود رقم (2968، 2969، 2970) والنسائي رقم (4141).

(2)

انظر "الفائق" للزمخشري (3/ 217)"النهاية"(2/ 80).

(3)

قال ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 107)(نفاسة) المنافسة الحرص على الغلبة والانفراد بالمحروص عليه نفست عليه أنفس نفاسة.

وانظر "غريب الحديث" للخطابي (2/ 12).

(4)

قال ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 107)(ما ألوت) ألا يألوا: إذا قصر، وفلان لا يألوك نصحاً، أي لا يقصر.

وانظر "غريب الحديث" للخطابي (1/ 193)، "الفائق" للزمخشري (1/ 65).

(5)

في "فتح الباري"(6/ 202).

ص: 761

و"صدقة" خبره، ويؤيده وروده في بعض طرق الصحيح "ما تركنا فهو صدقة"(1).

قال (2): وفي هذه القصة رد على من روى "لا يورث" بالتحتانية وله "صدقة" بالنصب على الحال وهي دعوى من بعض الرافضة.

قد احتج بعض أهل الحديث على بعض الإمامية بأن أبا بكر احتج بهذا الكلام على فاطمة فيما [التمسته منه](3) من الذي خلفه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من الأراضي وهما من أفصح الفصحاء، وأعلم بمدلولات الألفاظ. انتهى.

قلت: بل ولأنه يكون إخباره صلى الله عليه وسلم بذلك لا فائدة فيه بل مثل السماء فوقنا؛ لأنه معلوم أنه الذي تركه وهو صدقة، أنه لا يكون ميراثاً بين قرابته، فإنه لا يورث إلا ما كان ملكاً للميت.

قوله: "أن أزيغ"(4) زاغ عن الحق إذا مال عنه.

قوله: "فهجرته فاطمة" في البخاري (5)"فغضبت فاطمة فهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته". انتهى.

قوله: "فلم تكلمه حتى ماتت" قال الحافظ (6)[361 ب]: ووقع عند عمر بن شبة من وجه آخر عن معمر "فلم تكلمه في ذلك المال"، وكذا نقل الترمذي عن بعض مشائخه، وتعقب بأن قوله "غضبت" يدلس على أنها امتنعت من الكلام جملة وهذا صريح الهجر. انتهى.

(1) البخاري رقم (6726، 6727) ومسلم رقم (54/ 1759).

(2)

أي ابن حجر في "فتح الباري"(6/ 202).

(3)

كذا في (أ. ب) والذي في "فتح الباري": التمست منه.

(4)

انظر "الفائق" للزمخشري (2/ 142). "النهاية في غريب الحديث"(1/ 740).

(5)

في "صحيحه" رقم (3093) وأطرافه رقم (3712، 4036، 4241، 6726).

(6)

في "فتح الباري"(6/ 202).

ص: 762

قلت: ولا أدري من أين عرف هجرها أبا بكر فإنه لا ريب أنها أجنبية بالنسبة إلى أبي بكر لا يحل لها مواجهته ولا له مواجهتها، وإذا كان كذلك فما معنى نسبة الهجر إليها له فإن التزاور، والتواصل، والاجتماع الذي هو ضد الهجر إنما يكون بين الحريم والرجال، إذا كان تحل المواجهة بينهم وتجوز الخلوة بهن ونحو ذلك، والبتول رضي الله عنها أجنبية عن أبي بكر قطعاً، وقد أذن للأجنبي إذا سأل نساء رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم متاعاً أن يسألوهن من وراء حجاب، فلا يتحقق هجرها إياه من وراء الحجاب، إلا إذا ثبت أنه وصل إليها ثم ردته من منزلها ولم تخاطبه، وهذا شيء لم ينقل أصلاً فلينظر.

وقد نقل في "الفتح"(1) عن بعض الأئمة: إنما [كان هجرها](2) انقباضاً عن لقائه، والاجتماع به وليس ذلك من الهجران المحرم، فإن شرطه أن يلتقيا ويعرض هذا وهذا، وكأن فاطمة عليها السلام لما خرجت غضبى من عند أبي بكر تمادت في اشتغالها بحزنها ثم بمرضها. انتهى.

وقوله (3)"عن لقائه والاجتماع به" فيه ما عرفت من أنه أجنبي عنها فلا تلاقي بينهما ولا اجتماع.

قال ابن حجر (4): وأما سبب غضبها مع احتجاج أبي بكر بالحديث المذكور فلاعتقادها [362 ب] تأويل الحديث على خلاف ما تمسك به أبو بكر، فإنها اعتقدت تخصيص العموم في قوله "لا نورث"، ورأت [252/ أ] أن منافع ما خلفه صلى الله عليه وسلم من أرض وعقار لا يمتنع أن

(1)(6/ 202).

(2)

كذا في (أ. ب) والذي في "الفتح": كانت هجرتها.

(3)

أي قول ابن حجر في "فتح الباري"(6/ 202).

(4)

في "فتح الباري"(6/ 202).

ص: 763

يورث عنه، وتمسك أبو بكر بالعموم، واختلفا في أمر محتمل للتأويل، فلما صمم على ذلك [امتنعت](1) عن الاجتماع به لذلك. انتهى.

ولا يخفى أن هذا مبني على صحة هجرها إياه، على أنّا ننازع في غضبها أيضاً فإنها رضي الله عنها أجلّ قدراً وأعظم تقوى وأوفر عقلاً أن تغضب في منعها من أمر قد روي فيه مانعها عن النبي صلى الله عليه وسلم نصّاً سمعه منه، ولم تكن ذات حرص على الدنيا فقد قنعت [عن](2) خادم (3) تخدمها بما علمها رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم من التسبيح والتحميد والتكبير عند [النوم](4) وأخبرها أنه خير لها من خادم، وكان يكره لها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو معلوم، وغاية الواقع أن البتول رضي الله عنها طلبت ميراثها فأخبرها من طلبته منه أنه نص صلى الله عليه وسلم بأنه لا يورث، وأن الذي تركه صدقة فقبلت ذلك ولم تشتم - وحاشاها - أبا بكر ولا كذّبته فيما رواه ولا كررت الطلب بعد ذلك فما معنى غضبها وهجرها له، وإن كان الأمران قد صارا قطعيين عند المتعصبين، بل عند الناس أجمعين، حتى قال القائل من الآل:

أتموت البتول غضبى ونرضى

ما كذا تفعل البنون الكرام

(1) كذا في المخطوط (أ. ب) والذي في "الفتح": انقطعت.

(2)

في (ب) من.

(3)

يشير إلى ما أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (3113) وأطرافه (3705، 5361، 5362، 6318) ومسلم رقم (2727) عن علي أن فاطمة عليها السلام اشتكت ما تلقى من الرَّحى مما تطحنه، فبلغها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بسبي، فأتته تسأله خادماً فلم توافقه، فذكرت لعائشة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك عائشة له، فأتانا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا لنقوم فقال: على مكانكما، حتى وجدتُ بَرْد قدمه على صدري، فقال: ألا أدُلكما على خير مما سألتُماني؟ إذا أخذتما مضاجعكما فكبرا الله أربعاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وسبحا ثلاثاً وثلاثين، فإن ذلك خيرٌ لكما مما سألتماه.

(4)

في (ب) الموت.

ص: 764

قال الحافظ ابن حجر (1): "أنها تأولت واختلفت هي وأبي بكر في أمر محتمل" كلام غير صحيح، فإنها بعد أن روى لها الحديث أبو بكر لم تنازع، ولا وقع منها ما يدل على شيء مما ذكر، ولا طلبت بعد رواية الحديث حتى يقال: تأولت، بل قنعت وقالت: لا أكلمك في ذلك.

وأما ما اشتهر من أنها بعد ذلك طلبت ما ذكر، وأنه أنحلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءت بعلي وأم أيمن يشهدان لها، وقال لها أبو بكر: رجل مع الرجل، أو امرة مع المرأة، فهذه رواية لم نقف عليها في شيء من كتب الحديث [363 ب] والسيرة، والله أعلم بالسريرة والحقيقة.

وقول عائشة "أنها غضبت وهجرت" محمول على فهمها ذلك من القرائن، والفهم منها يخطئ ويصيب، وليس كالرواية بالمعنى، فإنها عن لفظ سمعه الراوي فعبّر عنه بلفظ مرادف له بخلاف هذه القصة، فإنه عبر عنها بما فهمه من القرائن، لا عن لفظ صدر من البتول دال على غضبها، وما كل قرينة صحيحة سيما عن الأمر الوجداني القلبي، فليتأمل من له إنصاف وإخلاص وكيف تغضب بضعة الرسول من الحق؟ - حاشا -.

قوله: "فدفنها علي ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر" ليس في هذا ما يدل على غضبها ولا هجرها؛ لأن الدافن لها علي عليه السلام، ودفن الليل ليس منهياً عنه، وعدم إيذان أبي بكر يحتمل أنه لكون الدفن ليلاً، فكره علي عليه السلام إيقاظ أبي بكر من نومه، والإيذان ليس بواجب، بل قال

(1) في "فتح الباري"(6/ 202) ثم قال الحافظ: روى البيهقي من طريق الشعبي "أن أبا بكر عاد فاطمة، فقال لها علي: هذا أبو بكر يستأذن عليك، قالت: أتحب أن آذن له؟ قال: نعم، فأذنت له، فدخل عليها فترضاها حتى رضيت"، وهو وإن كان مرسلاً، فإسناده إلى الشعبي صحيح، وبه يزول الإشكال في جواز تمادى فاطمة عليها السلام على هجر أبي بكر.

تم قال ابن حجر: فإن ثبت حديث الشعبي أزال الإشكال، وأخلق بالأمر أن يكون كذلك لما علم من وفور عقلها ودينها عليها السلام.

ص: 765

بعض الصحابة: إنه يخاف أن يكون نعياً وهو منهي عنه، وقد دفن الصحابة بعض أصحابه صلى الله عليه وسلم ليلاً ولم يؤذنون، ولما أخبره بموته ودفنه قال "هلا آذنتموني"(1).

قوله: "وجه من الناس حياة فاطمة"، قال ابن الأثير (2):[يقال](3) لفلان وجه من الناس، أي حرمة ومنزلة.

زاد في البخاري (4): "فلما توفيت استنكر عليٌّ وجوه الناس".

قال المازري (5): والعذر لعلي عليه السلام في تخلفه مع ما اعتذر هو به أنه يكفي" في بيعة الإِمام أن تقع من أهل الحل والعقد ولا يجب "الاستيعاب"، ولا يلزم أن كل أحد يحضر عنده.

قوله: "لما يعلم من شدته [364 ب] "، فخشوا من حضوره كثرة المعاتبة التي تؤدي خلاف ما قصدوه من المصافاة (6).

قوله: "لا تأتهم وحدك" هذا خشية من عمر أن يغلظوا على أبي بكر في العتاب.

قوله: "ولا نفاسة عليك" المنافسة الحرص على الغلبة والإنفراد بالمحروص عليه، يقال: نفست عليه أنفس نفاسة قاله ابن الأثير (7).

(1) يشير إلى الحديث الذي أخرجه البخاري رقم (1340) وابن ماجه رقم (1530) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: مات إنسان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده، فمات بالليل فدفنوه ليلاً، فلما أصبح أخبروه، فقال: "ما منعكم أن تعلموني؟ قالوا: كان الليل فكرهنا، وكانت ظلمة، أن نشق عليك، فأتى قبره فصلى عليه.

(2)

في "غريب الجامع"(4/ 107).

(3)

زيادة من "غريب الجامع".

(4)

في "صحيحه" رقم (4240، 4241).

(5)

في "المعلم بفوائد مسلم"(3/ 18) حيث قال: أما تأخر علي عن البيعة فقد ذكر عذره عنه في كتاب مسلم، واعتذار الصديق عنه: ويكتفي

(6)

انظر "فتح الباري"(7/ 494).

(7)

في "غريب الجامع"(4/ 107).

ص: 766

قوله: "في هذا الأمر" أي: الخلافة، أي: يظن أو يعتقد أنه لا بد من مشاورتنا كما يدل له "فاستبديتم علينا" والاستبداد بالأمر الانفراد به دون غيرك.

قوله: " [ثم] (1) قال أما بعد فوالله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي".

لا يخفى أن هذا ليس جواباً عما ذكره علي عليه السلام؛ لأنه ذكر الاستبداد الذي وقع منهم في أمر الخلافة فأعرض أبو بكر عن جواب هذا، وسلك الأسلوب المحكم كأنه يريد في نفسه أن ذلك أمر قد وقع، وقد انقاد له الناس، وأنه لا حاجة إلى الخوض فيه والاعتذار عنه، وغايته أن أمير المؤمنين عليه السلام لم يقل: كنت أنا أحق بهذا الأمر حتى يحتاج إلى الجواب، بل ذكر أنه كان الأولى أن لا تستبدوا بالأمر دون بني هاشم.

قوله: "ألوت"(2) يقال: ألى يألو إذا قصّر، وفلان لا يألوك نصحاً لا يقصر.

قال القرطبي (3): من تأمل ما دار بين أبي بكر وعلي من المعاتبة والاعتذار وما تضمن ذلك من الإنصاف عرف أن بعضهم كان يعترف بفضل الآخر وأن قلوبهم كانت متفقة على الاحترام والمحبة، وإن كان الطبع البشري قد يغلب أحياناً لكن الديانة ترد ذلك، والله أعلم. انتهى.

(1) زيادة من (أ).

(2)

تقدم شرحها، وانظر "غريب الجامع"(4/ 107) وقد تقدم بنصه.

(3)

في "المفهم"(3/ 570) حيث قال: وقد جرى بينهم في هذا المجلس من المحاورة والمكالمة والإنصاف ما يدل على معرفة بعضهم بفضل بعض، وأن قلوبهم متفقة على احترام بعضهم لبعض، ومحبة بعضهم لبعض ما يشرق به الرافضي اللعين، وتشرق به قلوب أهل الدين.

ص: 767

قوله: "فقال لا والله ولا أحد من بني هاشم". قال الحافظ ابن حجر (1): قد ضعّف البيهقي هذا بأن الزهري لم بسنده، قال: وقد صحح ابن حبان [وغيره](2) من حديث أبي سعيد الخدري، بأن علياً بايع أبا بكر في أول الأمر.

قال (3): وهذه الرواية أصح - أي رواية أبي سعيد -، وجمع غيره بأنه بايعه بيعة ثانية مؤكدة للأولى لإزالة ما كان وقع بسبب الميراث كما تقدم.

قال (4): [ويحمل](5) قول الزهري لم يبايعه علي في تلك الأيام [365 ب] على إرادة الملازمة والحضور عنده وما أشبه ذلك [253/ أ] فإن في انقطاع مثله عن مثله [ما](6) يوهم من لا يعرف باطن الأمر أنه بسبب عدم الرضا بخلافته فأطلق من أطلق ذلك، وبسبب ذلك أظهر علي المبايعة بعد موت فاطمة رضي الله عنها لهذه الشبهة. انتهى.

6 -

وَعَن الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: وَارَأْسَاهْ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"ذَاكِ لَوْ كَانَ وَأنا حَيٌّ، فَأَسْتَغْفِرُ لَكِ وَأَدْعُو لَكِ"، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَاثُكْلَاه، وَالله إِنِّي لأَظُنُّكَ تُحِبُّ مَوْتِي، وَلَوْ كَانَ ذَاكَ لَظَلِلْتَ آخِرَ يَوْمِكَ مُعَرِّسًا بِبَعْضِ أَزْوَاجِكَ. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "بَلْ أنَّا وَارَأْسَاهْ لَقَدْ هَمَمْتُ أَوْ أَرَدْتُ أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ، وَأَعْهَدَ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ أَوْ يَتَمَنَّى

(1) في "فتح الباري"(7/ 495).

(2)

زيادة من "فتح الباري"(7/ 495).

(3)

ابن حجر في "فتح الباري"(7/ 495).

(4)

أي ابن حجر في "فتح الباري"(7/ 495).

(5)

كذا في (أ. ب) والذي في "الفتح": وعلى هذا فيحمل.

(6)

زيادة من "فتح الباري"(7/ 495).

ص: 768

المُتَمَنُّونَ، ثُمَّ قُلْتُ: يَأْبَى الله وَيَدْفَعُ المُؤْمِنُونَ، أَوْ يَدْفَعُ الله وَيَأْبَى المُؤْمِنُونَ". أخرجه الشيخان (1)، واللفظ للبخاري. [صحيح].

"أَعْرسَ الرَّجُلُ بِامْرَأتِهِ" إذا دخل بها.

قوله: "وعن القاسم بن محمد" أي: ابن أبي بكر كان القاسم من فقهاء المدينة السبعة (2).

قوله: "بل أنا وارأساه" هو تفجع على الرأس لشدة ما وقع فيه من ألم الصداع.

قوله: "ذاك" بفتح الكاف.

قوله: "واثكلاه" بضم المثلثة وسكون الكاف وفتح اللام، وبعد الألف هاء، الندبة، وأصل الثكل فقد الولد ومن يعز على الفاقد [و](3) ليست حقيقة هنا مرادة، لكنه كلام يجري على ألسنتهم عند حصول المصيبة أو توقعها، وقولها "والله إني لأظنك تحب موتي" كأنها أخذت ذلك من قوله "لو متِّ قبلي" وقوله "فلو كان ذلك".

قوله: "معرسا" بضم الميم وتشديد الراء المكسورة وسكون العين والتخفيف، يقال: أعرس وعرس إذا بنى على زوجته ثم استعمل في كل جماع.

قوله: "بل أنا وارأساه" هي كلمة إضراب، والمعنى: دعي ذكر ما تجدينه من وجع رأسك واشتغلي بي.

قوله: "لقد هممت أو أردت" شك من الراوي.

قوله: "فأعهد" أي: أوصي.

(1) البخاري في "صحيحه" رقم (5666) وطرفه (7217)، ومسلم رقم (11/ 2387).

(2)

قال ابن حجر في "التقريب"(2/ 120 رقم 48).

(3)

زيادة من (أ).

ص: 769

قوله: "ثم قلت" ظاهره أنه من كلامه صلى الله عليه وسلم وتمامه في رواية البخاري "يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر" قال في "الفتح"(1): هذا يرشد إلى أن المراد الخلافة، وأفرط المهلب (2) فقال: فيه دليل قاطع على خلافة أبي بكر.

قال ابن حجر (3): قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستخلف. انتهى.

7 -

وعن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: لمَّا احْتُضِرَ أوْ بَكْرٍ رضي الله عنه دَعَا عُمَرَ فَقَالَ: إِنِّي مُسْتَخْلِفُكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يَا عُمَرُ، إِنَّمَا ثَقُلَتْ مَوَازِيْنُ مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِيْنُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاتباعِهِمُ الحَقُّ وَثقَلَهُ عَلَيْهِمْ، وَحُقَّ لِميْزَانٍ لَا يُوْضَعُ فِيْهِ إِلَّا الحَقُّ أَنْ يَكُونُ ثَقِيْلَاً، يَا عُمَرُ: إِنَّمَا خَفَّتْ مَوَازِينَ مَنْ خَفَّتْ مَوَازِيْنُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاتَّبَاعِهِمُ الْبَاطِلَ وَخِفّتهُ عَلَيْهِمْ، وَحُقَّ لميِزَانٍ لَا يُوْضَعُ فِيْهِ إِلَّا الْبَاطِلُ أَنْ يَكُونُ خَفِيْفَاً، وَكَتَبَ إِلَى أُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ: وَلَّيْتُ عَلَيْكُمْ عُمَرَ وَلَمْ آلُ نَفْسِي، وَلَا المُسْلِمِينَ إِلَّا خَيْرَاً، ثُمَّ مَاتَ وَدُفِنَ لِيْلَاً، ثُمَّ قَامَ عُمَرُ فِي النَّاسِ خَطِيْبَاً، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَنْ حَمِدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ: أَيُّهَا النَّاسُ! إِنِّي لَا أُعْلِمُكُمْ مِنْ نَفْسِي شَيْئَاً تَجْهَلُونَهُ، أنَّا عُمَرُ، وَلَمْ أَحْرِصْ عَلَى أَمْرَكُمْ، وَلَكِنِ المُتَوفِي أَوْحَى إِلَيَّ بِذَلِكَ، وَالله أَلْهَمَهَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ أَجْعَلُ إِمَامَتِي إِلَى أَحَدٍ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ، وَلَكِنْ أَجْعَلُهَا إَلَى مَنْ تَكُونُ رَغْبَتُهُ في التَّوْقِيرِ لِلْمُسْلِمِينَ، أَولئِكَ هُمْ أَحَقُّ بِهِمْ مِمَّنْ سِوَاهُمْ. أخرجه مالك (4). [موقوف صحيح].

(1)(13/ 206).

(2)

ذكره الحافظ في "فتح الباري"(13/ 206).

(3)

في "فتح الباري"(13/ 206).

(4)

في "الموطأ"(2/ 752 رقم 40) وهو أثر موقوف صحيح.

ص: 770

قوله: "في حديث عائشة لما احتضر أبو بكر"(1) كان موت [366 ب] أبي بكر بمرض السل كما قاله الزبير بن بكار عن الواقدي "أنه اغتسل في يوم بارد فحم خمسة عشر يوماً وقيل: بل سمّته اليهود وذلك على الصحيح لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة، وكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وأياماً.

قوله: "إلى أمراء الأجناد" وهم: معاوية أمير الشام، وعمير بن سعد أمير حمص، والمغيرة بن شعبة أمير الكوفة، وأبو موسى الأشعري أمير البصرة، وعمرو بن العاص أمير مصر.

قال النووي (2): المراد بالأجناد هنا مدن الشام الخمس وهي: فلسطين، والأردن، ودمشق، وحمص، وقنسرين، هكذا فسروه واتفقوا عليه، ومعلوم أنّ فلسطين اسم لناحية بيت المقدس، والأردن اسم لناحية كيسان وطبرية.

8 -

وَعَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ: أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه خَطَبَ يَوْمَ الجُمُعَةِ فَذَكَرَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ ذَكَرَ أبا بَكْرٍ ثُمَّ قَالَ: إِنِّي رَأَيْت كَأَنَّ دِيكًا نَقَرَني ثَلَاثَ نَقَرَاتٍ، وإنِّي لَا أُرَاهُ إِلَاّ لحُضُورَ أَجَلِي، وَإِنَّ قومًا يَأْمُرُونَنِي أَنْ أَسْتَخْلِفَ، وإنَّ الله تَعَالَى لَمْ يَكُنْ لِيُضَيِّعَ دِينَهُ وَلَا خِلَافتَهُ، وَلَا الَّذِي بَعَثَ بِهِ رسولهُ صلى الله عليه وسلم، فَإِنْ عَجِلَ بِي أَمْرٌ فَالخِلَافَةُ شُورَى بينَ هَؤُلَاءِ السِّتَّةِ الَّذِينَ تُوُفِّىَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ، وإنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ أَقْوَامًا يَطْعَنُونَ في هَذَا الأَمْرِ، أَنَّا ضرَبْتُهُمْ بِيَدِي هَذهِ عَلَى الإِسْلَامِ، فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَأُولَئِكَ أَعْدَاءُ الله الْكَفَرَةُ الضُّلَاّلُ، ثُمَّ قَالَ: اللهمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ عَلَى أُمَرَاءِ الأَنْصَارِ، فَإِنِّي إِنَّمَا بَعَثْتُهُمْ عَلَيْهِمْ لِيَعْدِلُوا وَليُعَلِّمُوا النَّاسَ دِينَهُمْ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِمْ صلى الله عليه وسلم،

(1) انظر "سير أعلام النبلاء"(2/ 467 - 477)"طبقات ابن سعد"(3/ 192)، (8/ 18)"تاريخ الطبري"(3/ 281).

(2)

في شرحه لـ "صحيح مسلم"(14/ 208). وانظر "النهاية"(1/ 2219).

ص: 771

وَيَقْسِمُوا فِيهِمْ وَيرْفَعُوا إِلَىَّ مَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ [أَمْرِهِمْ](1) فَمَا كَانَ إِلَّا الجُمْعَةُ الْأُخْرَى حَتَّى طعِنَ عُمَرُ رضي الله عنه، فَأَذِنَ لِلْمُهَاجِرِينَ ثُمَّ لِلْأَنْصَارِ، ثُمَّ لِأَهْلِ المَدِيْنَةِ، ثُمَّ لِأَهْلِ الشَّامِ، ثُمَّ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ، وَكُنَّا آَخِرَ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ قَدْ عَصَب جُرْحَهُ بِبُرْدٍ أَسْوَدَ، وَالدَّمُ يَسِيْلُ عَلَيْهِ، فَقُلْنَا: أَوْصِنَا، وَلَمْ يَسْأَلُهُ الْوَصِيَّةَ أَحَدٌ غَيْرَنَا، فَقَالَ: أَوْصِيْكُمْ بِكِتَابِ الله تَعَالَى، فَإِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا مَا اتَّبَعْتُمُوه، وَأَوْصِيْكُم بِالمُهَاجِرِينَ، فَإِنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ وَيَقِلُّوْنَ، وَأوْصِيْكُم بِالْأَنْصَارِ، فَإِنَّهُمْ شِعْبُ الْإِيمانِ الَّذِي لَجَأَ إِلَيْهِ، وَأوصِيْكُم بِالْأَعْرَابِ، فَإِنَّهُمْ أَصْلَكُمْ وَمَادَّتُكم.

وفي رواية: فَإِنَّهُمْ إِخْوَانَكُمْ وَعَدُوُّ عَدُوِّكُمْ، وَأوصِيْكُم بِأَهْلِ الذِّمَّةِ، فَإِنَّهُم ذِمَّةُ نَبِيُّكْمْ وَرِزْقُ عِيَالِكُمْ، قُومُوا عَنِّي. أخرجه البخاري (2) مختصراً، ومسلم بطوله (3). [صحيح].

وفي رواية: أَنَّهُ لمَّا طُعِنَ عُمَرُ رضي الله عنه قِيْلَ لَهُ: لَوِ اسْتَخْلَفْتَ؟ فَقَالَ: أَتَحَمَّلُ أَمْرَكُمْ حَيًّا وَمَيَّتًا، إِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي أَبَا بَكْرٍ، وَإِنْ أَتْرُكْ فَقَدْ تَركَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، وَوَدِدْتُ أَنَّ حَظِّي مِنْهَا الْكَفَافُ لَا لِي وَلَا عَلَيَّ، قَالَ عَبْدُ الله رضي الله عنه،

(1) في (أ) دينهم، وفي (ب) أمر دينهم، وما أثبتناه من "صحيح مسلم".

(2)

في "صحيحه" رقم (1392) وأطرافه في (3052، 3162، 3700، 4888، 7207) من حديث عمرو ابن ميمون الأودي.

(3)

في "صحيحه" رقم (78/ 567) من حديث معدان بن أبي طلحة.

• قال الدارقطني في "التتبع"(127): وقد كتبت أيضاً علته، انظر "العلل"(2/ 217) وقال في "التتبع"(209) وقد خالف قتادة في إسناده ثلاث ثقات، رووه عن سالم بن أبي الجعد، عن عمر مرسلاً، ولم يذكروا فيه معدان، وهم: منصور بن المعتمر، وحصين بن عبد الرحمن، وعمرو بن مرة، ورواه منصور عن جرير بن عبد الحميد، ورواه عن حصين جماعة منهم: أبو الأحوص، وجرير، وابن فضيل، وابن عيينة، ورواه عن عمرو بن مرة: عمران البرجمي، وقتادة، وإن كان ثقة، وزيادة الثقة مقبولة عندنا، فإنه يدلس، ولم يذكر فيه سماعه من سالم، فاشتبه أن يكون بلغه عنه، فرواه عنه.

ص: 772

فَعَلِمْتُ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ. فَقَالُوا: جَزَاكَ الله خَيْرَاً، فَعَلْتَ وَفَعَلْتَ، فَقَالَ رَاغِب وَرَاهِبٌ. أخرجه الشيخان (1)، وهذا لفظهما، وأبو داود (2) والترمذي (3) مختصراً. [صحيح].

قوله: "وعن معدان بن طلحة"(4) هو ابن أبي طلحة أيضاً؛ لأن قتادة يقول: ابن أبي طلحة، والأوزاعي يقول: ابن طلحة اليعمري بفتح المثناة من تحت وسكون العين المهملة، وفتح الميم.

قوله: "وإن قوماً يأمرونني [367 ب] أن أستخلف" فسّر الحافظ ابن حجر (5) الاستخلاف بقوله: أي تعيين الخليفة عند موته خليفة بعده، أو تعيين جماعة ليختاروا منهم واحداً. انتهى.

ولا يخفى أن عمر قد عين جماعة ليختاروا منهم واحداً فيصدق عليه قد استخلف، فالنفي في قولهم "لم يستخلف" أي: لم يعين واحداً بعينه. [368 ب].

9 -

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى حَفْصةَ وَنَوْسَاتُهَا تَنْطُفُ، فَقَالَتْ: عَلِمْتَ أَنَّ أَبَاكَ غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ؟ قُلْتُ: مَا كَانَ لِيَفْعَلَ، قَالَتْ إِنَّهُ فَاعِلٌ، قَالَ: فَحَلَفْتُ أَنِّي أُكَلِّمُهُ في ذَلِكَ، فَسَكَتُّ حَتَّى غَدَوْتُ وَلَمْ أُكَلِّمْهُ، فكُنْتُ كَأَنَّمَا أَحْمِلُ بِيَمِينِي جَبَلاً حَتَّى رَجَعْتُ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَسَأَلَنِي عَنْ حَالِ النَّاسِ وَأَنَا أُخْبِرُهُ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: إِنِّي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ مَقَالَةً، فَآلَيْتُ أَنْ أَقُولَهَا لَكَ، زَعَمُوا أَنَّكَ غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ، وَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لَكَ رَاعِي إِبِلٍ أَوْ رَاعِي غَنَمٍ ثُمَّ جَاءَكَ وَتَرَكَهَا لَرَأَيْتَ أَنْ قَدْ ضَيَّعَهَا، فَرِعَايَةُ النَّاسِ أَشَدُّ، قَالَ فَوَافَقَهُ قَوْلِى فوَضَعَ رَأْسَهُ سَاعَةً ثُمَّ رَفَعَهُ

(1) البخاري رقم (7218) ومسلم رقم (1823).

(2)

في "السنن" رقم (2939).

(3)

في "السنن" رقم (2225). وهو حديث صحيح، والله أعلم.

(4)

انظر "التقريب"(2/ 263 رقم 1262).

(5)

في "فتح الباري"(13/ 206).

ص: 773

إِلَيَّ فَقَالَ: إِنَّ الله تَعَالَى يَحْفَظُ دِينَهُ، وإنِّي إِنْ لَا أَسْتَخْلِفْ، فَإِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لَمْ يَسْتَخْلِفْ، وَإِنْ أَسْتَخْلِفْ فَإِنَّ أَبا بَكْرٍ رضي الله عنه قَدِ اسْتَخْلَفَ، قَالَ: فَوَالله مَا هُوَ إِلَاّ أَنْ ذَكَرَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم -وَأَبَا بَكْرٍ فَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَا يَعْدِلَ بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أَحَدًا، وَأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ. أخرجه الخمسة (1) إلا النسائي. [صحيح].

"النَّوْسَاتُ"(2): ذوائب الشعر، ومعنى "تَنْطُفُ" (3): تقطر ماء.

10 -

وَعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الأودي قَالَ: إِنِّي لَقَائِمٌ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، - يَعْنِي عُمرَ - إِلَاّ عَبْدُ الله بْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما غَدَاةَ أُصِيبَ، وَكَانَ إِذَا مَرَّ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ قَامَ بَيْنَهُمَا، فَإِذَا رَأَى خَلَلَاً قَالَ اسْتَوُوا، حَتَّى إِذَا لَمْ يَرَ فِيهِنَّ خَلَلاً تَقَدَّمَ فَكَّبرَ، وَرُبَّمَا قَرَأَ بِسُورَةَ يُوسُفَ، أَوِ النَّحْلَ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، في الرَّكْعَةِ الأُولَى حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ، فَما هُوَ إِلَاّ أَنْ كَبَّرَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَتَلَنِي، أَوْ أَكَلَنِي الْكَلْبُ، حِينَ طَعَنَهُ، فَطَارَ الْعِلْجُ بِسِكِّينٍ ذَاتِ طَرَفَيْنِ لَا يَمُرُّ عَلَى أَحَدٍ يَمِينًا وَلَا شِمَالاً إِلَاّ طَعَنَهُ حَتَّى طَعَنَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلاً، فمَاتَ مِنْهُمْ تِسْعَةٌ، وَفي رِوَايَةٍ: سَبْعَةٌ، فَلمَّا رَأَى ذَلِكَ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ، طَرَحَ عَلَيْهِ بُرْنُسًا، فَلمَّا ظَنَّ الْعِلْجُ أنهُ مَأْخُوذٌ نَحَرَ نَفْسَهُ، وَتَنَاوَلَ عُمَرُ رضي الله عنه عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه فَقَدَّمَهُ، فَأَمَّا مَنْ كَانَ يَلِي عُمَرَ فَقَدْ رَأَى الَّذِي رَأَيْتُ، وَأَمَّا نَوَاحِي المَسْجِدِ فَإِنَّهُمْ لَا يَدْرُونَ مَا الْأَمْرُ، غَيْرَ أَنَّهُمْ قَدْ فَقَدُوا صَوْتَ عُمَرَ وَهُوَ يَقُولُ: سُبْحَانَ الله سُبْحَانَ الله، فَصَلَّى بِهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ صَلَاةً خَفِيفَةً، فَلمَّا انْصَرَفُوا قَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ! انْظُرْ مَنْ

(1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (1408، 7218) ومسلم رقم (1823) وأبو داود رقم (2939) والترمذي رقم (2225). وهو حديث صحيح.

(2)

قال ابن الأثير في "النهاية"(2/ 804) أي ذوائبها تقطر ماء، فسمى الذوائب نوسات، لأنها تتحرك كثيراً.

وانظر "غريب الحديث" للخطابي (2/ 214)، "المجموع المغيث"(3/ 361).

(3)

قاله ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 119).

ص: 774

قَتَلَنِي قَالَ فَجَالَ سَاعَةً، ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ غُلَامُ المُغِيرَةِ بن شُعْبَةَ قَالَ: قَاتَلَهُ الله، لَقَدْ كُنْتُ أَمَرْتُ بِهِ مَعْرُوفًا، ثُمَّ قَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ مَنِيَّتِي عَلَى يَدِ أَحَدٍ مِن المِسْلِمِينَ، لَقَدْ كُنْتَ أَنْتَ وَأَبُوكَ تُحِبَّانِ أَنْ تَكْثُرَ الْعُلُوجُ بِالمَدِينَةِ، وَكَانَ الْعَبَّاسُ أَكْثَرَهُمْ رَقِيقًا. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: إِنْ شِئْتَ فَعَلْتُ، أَيْ إِنْ شِئْتَ قَتَلْنَاهُمْ. قَالَ: لَا، بَعْدَ مَا تَكَلَّمُوا بِلِسَانِكُمْ، وَصَلَّوْا إِلَى قِبْلَتَكُمْ وَحَجُّوا حَجَّكُمْ فَاحْتُمِلَ إِلَى بَيْتِهِ رضي الله عنه فَانْطَلَقْنَا مَعَهُ قَالَ: فَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ تُصِبْهُمْ مُصِيبَةٌ قَبْلَ يَوْمَئِذٍ، فَقَائِلٌ يَقُولُ أَخَافُ عَلَيْهِ، وَقَائِلٌ يَقُولُ لَا بَأْسَ به، فَأُتِيَ بِنَبِيذٍ فَشَرِبَهُ، فَخَرَجَ مِنْ جَوْفِهِ،، ثُمَّ أُتِيَ بِلَبَنٍ فَشَرِبَهُ فَخَرَجَ مِنْ جَوْفِه، فَعَرَفُوا أَنَّهُ مَيِّتٌ، وَجَاءَ النَّاسُ يُثْنُونَ عَلَيْهِ، وَجَاءَ رَجُلٌ شَابٌّ، فَقَالَ أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ بِبُشْرَى اللهِ عز وجل، قَدْ كَانَ لَكَ مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدَمٍ في الإِسْلَامِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، ثُمَّ وَلِيتَ فَعَدَلْتَ، ثُمَّ شَهَادَةٌ. فَقَالَ: وَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ كان كَفَافاً لَا عَلَيَّ وَلَا لِي. فَلمَّا أَدْبَرَ الرَّجُلُ إِذَا إِزَارُهُ يَمَسُّ الأَرْضَ، فَقَالَ رُدُّوا عَلَيَّ الْغُلَامَ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي! ارْفَعْ ثَوْبَكَ، فَإِنَّهُ أَنْقَى لِثَوْبِكَ وَأَتْقَى لِرَبِّكَ، ثُمَّ قَالَ: يَا عَبْدَ الله! انْظُرْ مَا عَلَيَّ مِنَ الدَّيْنِ. فَحَسَبُوهُ فَوَجَدُوهُ سِتَّةً وَثَمانِينَ ألفًا أو نَحْوَهُ، قَالَ إِنْ وَفَي بِهِ مَالُ آلِ عُمَرَ، فَأَدِّهِ مِنْ أَمْوَالهِمْ، وإلَاّ فَسَلْ في بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَإِنْ لَمْ تَفِ أَمْوَالُهُمْ فَسَلْ في قُرَيْشٍ، وَلَا تَعْدُهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ، وَأَدِّ عَنِّي هَدا المَالَ، انْطَلِقْ إِلَى أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها فَقُلْ يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ السَّلَامَ. وَلَا تَقُلْ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ، فَإِنِّي لَسْتُ الْيَوْمَ بِأَمِيْرِ المُؤْمِنِينَ، وَقُلْ يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الخطَّابِ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ، قَالَ فَاسْتَأْذَنَ وَسَلَمْ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهَا وَهِيَ تَبْكِي، فَقَالَ: يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ السَّلَامَ، وَيَسْتَأْذِنُ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ، فَقَالَتْ كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي، وَلأُوثِرَنَّه الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي، فَلمَّا أَقْبَلَ قِيلَ هَذَا عَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ قَدْ جَاءَ. قَالَ ارْفَعُونِي، فَأَسْنَدَهُ رَجُلٌ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا لَدَيْكَ؟ قَالَ: الَّذِي تُحِبُّ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ أَذِنَتْ. فَقَالَ الحَمْدُ لله، مَا كَانَ شَيْءٍ أَهَمُّ إِليَّ مِنْ ذَلِكَ، فَإِذَا أَنَا قُبِضْتُ فَاحْمِلُونِي، ثُمَّ سَلِّمْ وقُل يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الخطَّابِ، فَإِنْ أَذِنَتْ لِي فَأَدْخِلُونِي، وإنْ رَدَّتْنِي رُدُّونِي إِلَى مَقَابِرِ المُسْلِمِينَ. وَجَاءَتْ أُمُّ المُؤْمِنِينَ حَفْصَةُ رضي الله عنها وَالنِّسَاءُ يَسْتُرْنَها، فَلمَّا رَأَيْنَاهَا

ص: 775

قُمْنَا، فَوَلَجَتْ عَلَيْهِ فَبَكَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، وَاسْتَأْذَنَ الرِّجَالُ، فَوَلَجَتْ دَاخِلاً لَهُمْ، فَسَمِعْنَا بُكَاءَهَا مِنَ دَاخِلِ، فَقَالُوا: أَوْصِ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ اسْتَخْلِفْ، فَقَالَ: مَا أرى أحداً بِهَذَا الأَمْرِ مِنْ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ السِّتّةِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَهْوَ عَنْهُمْ رَاضٍ. فَسَمَّى عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَالزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَسَعْدًا رضي الله عنهم، وَقَالَ: يَشْهَدُكُمْ عَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ، وَلَيْسَ لَهُ مِنَ هَذَا الأَمْرِ شَيْءٌ، كَهَيْئَةِ التَّعْزِيَةِ لَهُ، فَإِنْ أَصَابَتِ الإِمَارَةَ سَعْدًا فَذَاكَ، وإلَاّ فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ أَيُّكمْ مَا أُمِّرَ، فَإِنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ مِنْ عَجْزٍ وَلَا خِيَانَةٍ، وَقَالَ أُوصِي الخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِالْأَنْصَارِ وَالمُهَاجِرِينَ وَالْأَعْرَابِ وَبِأَهْلِ الْأَمْصَارِ، فَلمَّا قُبِضَ خَرَجْنَا بِهِ فَانْطَلَقْنَا نَمْشِي، فَسَلَّمَ عَبْدُ الله وَقَالَ يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ، فَقَالَتْ أَدْخِلُوهُ. فَأُدْخِلَ، فَوُضِعَ هُنَالِكَ مَعَ صَاحِبَيْهِ، فَلمَّا فُرِغَ مِنْ دَفْنِهِ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رضي الله عنه: اجْعَلُوا أَمْرَكُمْ إِلَى ثَلَاثَةٍ مِنْكُمْ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَليٍّ، وَقَالَ طَلْحَةُ: جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عُثْمَانَ، وَقَالَ سَعْدٌ قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَيُّكُمَا تَبَرَّأَ مِنْ هَذَا الأَمْرِ فَنَجْعَلُهُ إِلَيْهِ، وَالله عَلَيْهِ وَالإِسْلَامُ لَيَنْظُرَنَّ أَفْضَلَهُمْ في نَفْسِهِ، فَأُسْكِتَ الشَّيْخَانِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَفتَجْعَلُونَهُ إِلَيَّ، وَالله عَلَىَّ أَنْ لَا آلُوَ عَنْ أَفْضَلِكُمْ قَالَا نَعَمْ، فَأَخَذَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَقَالَ لَكَ قَرَابَةٌ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَالْقَدَمُ في الإِسْلَامِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، فَالله عَلَيْكَ لَئِنْ أَمَّرْتُكَ لَتَعْدِلَنَّ، وَلَئِنْ أَمَّرْتُ عُثْمَانَ لَتَسْمَعَنَّ وَلَتُطِيعَنَّ، ثُمَّ خَلَا بِالآخَرِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلمَّا أَخَذَ المِيثَاقَ قَالَ ارْفَعْ يَدَكَ يَا عُثْمَانُ، فَبَايَعَهُ، فَبَايَعَ لَهُ عِليٌّ رضي الله عنه، وَوَلَجَ أَهْلُ الدَّارِ فَبَايَعُوهُ. أخرجه البخاري (1). [صحيح].

قوله: "في حديث عمرو بن ميمون الأودي حتى لم ير فيهن" أي: الصفوف، لفظ "فيهن" في البخاري (2)، وفي "الجامع""فيهم"(3) والتيسير حذفهما.

(1) في "صحيحه" رقم (1392) وأطرافه (3052، 3162، 3700، 4888، 7270).

(2)

رقم (3700).

(3)

(4/ 119).

ص: 776

قال ابن حجر (1): "فيهم" رواية للبخاري (2)، ايك في أهلها، وفي رواية "كان عمر لا يكبر حتى يستقبل الصف المقدم بوجهه، فإذا رأى رجلاً متقدماً في الصف أو متأخراً، ضربه بالدرة.

قوله: "فطعنه فطار العلج" الطاعن لعمر أبو لؤلؤة، واسمه فيروز غلام للمغيرة ابن شعبة، وسبب طعنه لعمر أنه شكى عليه شدة (3) خراجه الذي ضربه عليه المغيرة وهو كل شهر مائة، فقال له عمر: ما خراجك بكثير في خبب ما تعمل، ثم قال له عمر: ألم أحدّث أنك تقول: لو شئت لصنعت رحى تطحن بالريح؟ فالتفت إليه عابساً وقال: لأصنعن لك رحى يتحدث الناس بها، فأقبل عمر على من معه فقال: توعدني العبد، فلبث ليالي ثم اشتمل على خنجر ذي رأسين، نصابه وسطه فكمن في زاوية من زوايا المسجد في الغلس حتى خرج عمر يوقظ الناس الصلاة الصلاة، وكان عمر يفعل ذلك، فلما دنى منه عمر وثب عليه فطعنه ثلاث طعنات إحداهن تحت السرة قد خرقت الصفاق وهي التي قتلته.

قوله [254/ أ]: "مات منهم سبعة" أي: وعاش الباقون (4).

قوله: "فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنساً" في ذيل "الاستيعاب"(5) أنّ

(1) في "فتح الباري"(7/ 62) حيث قال: حتى إذا لم ير فيهن أي في الصفوف، وفي رواية الكشميهني:"فيهم" أي في أهلها.

(2)

انظر التعليقة المقدمة.

(3)

أخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(3/ 345 - 346) بإسناد صحيح كما قال الحافظ في "فتح الباري"(7/ 62).

(4)

قاله الحافظ في "فتح الباري"(7/ 63).

(5)

لابن فتحون، ذكره الحافظ في "فتح الباري"(7/ 63).

ص: 777

الرجل من المهاجرين يقال له [حطان](1) التميمي اليربوعي (2).

قوله: "صلاة خفيفة" في رواية ابن إسحاق "بأقصر سورتين في [369 ب] القرآن، {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)} وَ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)} ".

وفي رواية ابن شهاب: "فلم يزل - يعني عمر - في غشيته حتى أسفر، فنظر في وجوهنا فقال: أصلى الناس؟ قالوا نعم، قال: لا إسلام لمن ترك الصلاة ثم توضأ وصلى".

قوله: "منيتي" بفتح الميم وكسر النون وتشديد التحتانية رواية الكشميهني (3) أحد رواة البخاري، وفي رواية له "ميتتي" بكسر الميم وسكون التحتانية بعدها مثناة فوقية، أي: قتلني.

قوله: "لقد كنت أنت وأبوك" في رواية ذكرها في "الفتح"(4)"أنه قال العباس: قال لعمر لما قال: لا تدخلوا علينا من السبي إلا الوصفاء! إنّ عمل المدينة شديد لا يستقيم إلا بالعلوج".

قوله: "فكأنه الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ" في رواية ابن إسحاق (5) "أنه قال عمر لابن عباس: أخرج فناد في الناس: أعن ملأ منكم كان هذا؟ فقالوا: معاذ الله، ما علمنا

(1) في (أ. ب) خطاب، وما أثبتناه من "فتح الباري"(7/ 63).

(2)

قال الحافظ في "الفتح"(7/ 63): وهذا أصح مما رواه ابن سعد بإسناد ضعيف منقطع قال: "طعن أبو لؤلؤة نفراً، فأخذ أبا لؤلؤة رهط من قريش منهم عبد الله بن عوف، وهاشم بن عتبة الزهريان، ورجل من بني سهم، وطرح عليه عبد الله بن عوف خميصة كانت عليه فإن ثبت هذا حمل على أن الكل اشتركوا في ذلك.

(3)

ذكره الحافظ في "الفتح"(7/ 64).

(4)

(7/ 64).

(5)

ذكره الحافظ في "الفتح"(7/ 64).

ص: 778

[370 ب] ولا اطّلعنا"، وزيد (1) في رواية "فظنّ عمر أن له ذنباً إلى الناس لا يعلمه فدعى ابن عباس وكان يحبه ويدنيه فقال: أحب أن تعلم عن ملأ من الناس كان هذا؟ فخرج فلا يمر بناس إلا وهم يبكون، فكأنما فقدوا أبكار أولادهم، قال ابن عباس: فرأيت البشر في وجهه".

قوله: "فأتي بنبيذ فشرب" زاد في رواية "لينظر ما قدر جرحه" وفي رواية ابن إسحاق "فلما أصبح دخل عليه الطبيب فقال: أي الشراب أحب إليك؟ قال: النبيذ فدعا بنبيذ فشرب فخرج من جرحه، فقال: هذا صديد، ائتوني بلبن فشربه فخرج منه جرحه، فقال الطبيب: أوصِ فإني لا أظنك إلا ميتاً من يومك أو من غد.

قوله: "من جوفه" في رواية الكشميهني (2)"من جرحه" وهي الصواب.

قال ابن حجر (3): المراد بالنبيذ المذكور تمرات تقذف في ماء، أي [نقعت](4) فيه، كانوا يصنعون ذلك لاستعذاب الماء.

قوله: "وجاء شاب" في البخاري "رجل شاب" وفي رواية (5) فيه في الجنائز "وولج عليه شاب من الأنصار".

قوله: "وقدم"(6) بفتح القاف بكسرها، فالأول بمعنى الفضل، والثاني بمعنى السبق. قوله:"ثم شهادة" بالرفع (7) عطفاً على "ما علمت" وبالجر عطف على "صحبة"، ويجوز

(1) زاده مبارك بن فضالة، "فتح الباري"(7/ 64).

(2)

ذكره الحافظ في "فتح الباري"(7/ 64).

(3)

في "فتح الباري"(7/ 65).

(4)

في (أ) نبذت.

(5)

في "صحيحه" رقم (1392).

(6)

ذكره الحافظ في "فتح الباري"(7/ 65).

(7)

ذكره الحافظ في "فتح الباري"(7/ 65).

ص: 779

النصب على أنه مفعول مطلق [لفعل](1) محذوف والأول أقوى.

قوله: "فقال ارفع ثوبك" في إنكاره على الشاب ما كان عليه من الصلابة في الدين [371 ب] وأنه لم يشغله ما هو فيه من الموت عن الأمر بالمعروف.

قوله: "أنقى لثوبك" بالنون ثم القاف للأكثر، وبالموحدة بدل النون في رواية وزاد في البخاري (2) في رواية الحديث من كتاب الأحكام "وأتقى لربك".

ووقع في رواية (3) المبارك بن فضالة: قال ابن عباس: وإن قلت ذلك كأنه يريد قوله "كفافاً" بفتح الكاف.

وقوله: "لا عليّ ولا لي" بيان لمعناه (4) "فجزاك الله خيراً، أليس قد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعز الله بك الدين والمسلمين إذ يخافون بمكة، فلما أسلمت كان إسلامك عزاً وظهر بك الإِسلام، وهاجرت فكانت هجرتك فتحاً، لم تغب عن مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتال المشركين، ثم قبض وهو عنك راض، ووزرت الخليفة بعده على منهاج النبي صلى الله عليه وسلم فضربت من أدبر بمن أقبل ثم قبض الخليفة وهو عنك راض، ثم وليت بخير ما ولي لناس، مصر الله بك الأمصار، وجبابك الأموال، ونفى بك العدو

- إلى أن قال - ثم ختم لك بالشهادة، فقال: والله إن المغرور من [372 ب] تغرونه، ثم قال: اشهد لي يا عبد الله عند الله يوم القيامة؟ قال: نعم، قال: الحمد لله أراد بعبد الله: ابن عباس الذي خاطبه (5).

(1) في (ب) بفعل.

(2)

انظر "فتح الباري"(3/ 256 رقم 1392).

(3)

ذكره الحافظ في "فتح الباري"(7/ 65).

(4)

ذكره الحافظ في "فتح الباري"(7/ 65 - 66).

(5)

ذكره الحافظ في "فتح الباري"(7/ 66).

ص: 780

قوله: "ثم قال: يا عبد الله" في البخاري (1)"ابن عمر، انظر ما علي من الدين، فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفاً".

في حديث جابر "ثم قال يا عبد الله أقسمت عليك بحق الله، وحق عمر إذا مت فدفنتي لا تغسل رأسك حتى تبيع من رباع آل عمر بثمانين ألفاً فضعها في بيت مال المسلمين، فسأله عبد الرحمن بن عوف، فقال: أنفقتها في حجج حججتها وفي نوائب كانت تنوبني"، فعرف بهذا جهة دين عمر.

قوله: "فإن وفى به مال آل عمر" كأنه يريد نفسه ومثله يقع في كلامهم كثير [255/ أ] ويحتمل أن يريد رهطه.

قوله: "لا تعدهم" بسكون العين، أي: لا تجاوزهم (2).

قوله: "فإني لست اليوم بأمير للمؤمنين" قال ابن التين: إنما قال ذلك عندما أيقن بالموت [إشارة بذلك](3) إلى عائشة بذلك لئلا تحابيه لكونه أمير المؤمنين.

قوله: "لأوثرنه اليوم على نفسي" كأنها تريد أنها كانت معدة له لنفسها.

قوله: "إذا مت فاستأذن" ذكر ابن سعد (4) عن معن بن عيسى عن مالك: أنّ عمر كان يخشى أن تكون أذنت في حياته حياء منه، وأن ترجع في ذلك بعد موته فأراد أن لا يكرهها [على](5) ذلك.

(1) في "صحيحه" رقم (3700).

(2)

قاله الحافظ في "فتح الباري"(7/ 66).

(3)

في المخطوط (أ. ب) أشار، وما أثبتناه من "فتح الباري".

(4)

أخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(3/ 363).

(5)

في (ب) في.

ص: 781

قوله: "فولجت" أي: دخلت على عمر، وذكر ابن سعد (1) بإسناد صحيح كما قاله ابن حجر (2) عن المقدام بن معد يكرب أنها قالت: يا صاحب رسول الله! ويا صهر رسول الله، ويا أمير المؤمنين، فقال عمر: لا صبر لي على ما أسمع، أحرج عليك بما لي عليك من الحق أن لا تندبيني [373 ب] بعد مجلسك هذا، وأمّا عيناك فلن أملكهما.

قوله: "فولجت داخلًا" أي: مدخلاً كان في الدار.

قوله: "من هؤلاء النفر الستة" إلى قوله "فسمى علياً رضي الله عنه ومن ذكر معه" ولا إشكال في اقتصار عمر على هؤلاء الستة من العشرة؛ لأنه منهم، وكذلك أبو بكر وأبو عبيدة وقد مات قبل ذلك، نعم بقي منهم سعيد بن زيد فإنه من العشرة ولم يسمه عمر، قالوا: لأنه ابن ابن عم عمر فلم يسمه عمر فيهم مبالغة في التبرئ من الأمر.

وقد صرح في رواية المدائني (3) بأسانيده "أن عمر عد سعيد بن زيد فيمن توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض إلا أنه استثناه من أهل الشورى لقرابته منه"، وقد صرح بذلك المدائني بأسانيده قال: فقال عمر: لا أرب لي في أمركم فأرغب فيها لأحد من أهلي".

قال ابن بطال (4): إن عمر سلك في هذا الأمر مسلكاً متوسطاً خشية الفتنة فرأى [أن](5) الاستخلاف أضبط لأمر المسلمين فجعل الأمر موقوفاً على الستة، فأخذ من الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم طرفاً وهو ترك التعيين، ومن فعل أبي بكر طرفاً وهو العقد لأحد الستة. انتهى.

(1) في "الطبقات الكبرى"(3/ 361).

(2)

في "فتح الباري"(7/ 67).

(3)

ذكره الحافظ في "فتح الباري"(7/ 67).

(4)

ذكره الحافظ في "الفتح"(7/ 69).

(5)

سقطت من (ب).

ص: 782

قوله: "يشهدكم عبد الله بن عمر" في رواية الطبراني من طريق المدائني (1) بأسانيده "قال: فقال له رجل: استخلف عبد الله بن عمر، قال: والله ما أردت إليه بهذا".

وأخرج ابن سعد (2) بسند صحيح من مرسل إبراهيم النخعي نحوه قال "فقال عمر: قاتلك [374 ب] الله، والله ما أردت الله بهذا أستخلف من لم يحسن يطلق امرأته".

قوله: "كهيئة التعزية له" أي لابن عمر لما أخرجه من أهل الشورى في الخلافة أراد جبر خاطره بأن جعله من أهل المشاورة في ذلك.

قوله: "فإن أصابت الإمارة سعداً" يعني ابن أبي وقاص، زاد المديني "وما أظن أن يلي هذا الأمر إلا علي أو عثمان، فإن وليّ عثمان فرجل فيه لين، وإن ولي علي فستختلف عليه الناس، وإن وليّ سعد وإلا فليستعن به الوالي".

قوله: "وأوصي الخليفة بعدي" في رواية ابن إسحاق عن عمرو بن ميمون قال "ادعوا لي علياً وعثمان وعبد الرحمن وسعداً والزبير، وكان طلحة غائباً، قال: فلم يتكلم أحداً منهم غير علي وعثمان، فقال: "يا علي! لعل هؤلاء القوم يعلمون لك حقك وقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهرك وما آتاك الله من العلم والفقه، فإن وليت هذا الأمر فاتق الله فيه"، ثم دعى عثمان فذكر له نحو ذلك (3).

(1) ذكره الحافظ في "الفتح"(7/ 67).

(2)

في "الطبقات الكبرى"(3/ 362 - 363).

(3)

ذكره الحافظ في "فتح الباري"(7/ 68).

ص: 783

ووقع في رواية (1) عن ابن إسحاق في قصة عثمان "فإن ولوك هذا الأمر فاتق الله [ولا تحملن] (2) بني معيط [على] (3) رقاب المسلمين"، ثم قال: ادعوا لي صهيباً فدعي له، فقال: صل بالناس ثلاثاً، وليحل هؤلاء القوم في بيت، فإذا اجتمعوا على رجل فمن خالف فاضربوا عنقه" فلما خرجوا من عنده، [قال] (4): إن تولوها الأجلح يسلك بهم الطريق قال له ابنه [256/ أ]: ما يمنعك يا أمير المؤمنين، قال: "أكره أن أتحملها حياً وميتاً" (5).

قوله: "اجلعوا أموركم إلى ثلاثة" أي: في الاختيار ليقل الاختلاف (6).

قوله: "والله والإِسلام" بالرفع فيهما والخبر محذوف أي: عليه رقيب أو نحو ذلك.

قوله: "فأسكت" بضم الهمزة وكسر الكاف، كان مسكتاً أسكتهما ويجوز فتح الهمزة والكاف وهو بمعنى سكت.

قوله: "الشيخان"[375 ب] أي: عليّ وعثمان.

قوله: "فأخذ بيد أحدهما" هو علي عليه السلام، وبقية الكلام يدل عليه ووقع مصرحاً به في رواية (7).

قوله: "والقدم" تقدم أنه بفتح القاف وكسرها.

(1) ذكره الحافظ في "فتح الباري"(7/ 68).

(2)

في المخطوط (أ. ب) ولا تحكمن، وما أثبتناه من "فتح الباري".

(3)

في (ب) في.

(4)

في (ب) فقال.

(5)

انظر "الطبقات الكبرى" لابن سعد (3/ 344).

(6)

قال ابن حجر في "فتح الباري"(7/ 68) كذا قال ابن التين وفيه نظر، وصرح المدائني في روايته بخلاف ما قاله.

(7)

انظر "فتح الباري"(7/ 69).

ص: 784

وقوله: "ما قد علمت" صفة أو بدل من القدم، وهذا الحديث ونحوه يدل على أن الصحابة في بيعة أبي بكر وبيعة الشورى جازمون بأنه صلى الله عليه وسلم ما نص على أحد باستحقاقه الخلافة، وأن أبا بكر لم يعد تقديمه صلى الله عليه وسلم وتخصيصه له بالإمامة للصلاة بالناس أيام مرضه صلى الله عليه وسلم دليلاً على استحقاقه ذلك ولا ادّعاه ولا استدل به ولا بغيره يوم السقيفة كما سلف.

وكذلك أمير المؤمنين علي عليه السلام في خوضه (1) مع أبي بكر حين اجتمعا وتعاتبا لم يستدل بأنه كان أولى بالخلافة ولا في يوم الشورى لم يذكر حديث الغدير ولا الأخوة، ولا أنه من النبي صلى الله عليه وسلم كهارون من موسى ونحو ذلك من فضائله، وفي هذا دلالة على أنّ من ذكر من الصحابة والقرابة كان الأمر عندهم يسير وأنه ليس القصد إلا إقامة شعار الإِسلام وجهاد الكفرة عبّاد الأصنام، وأن من قام به فقد كفى المؤنة وكانوا له أعواناً، ولكن الناس من بعد ذلك أبوا إلا تفريق الأمة والاشتغال بما سلف وادّعاء العصبية على خلافة من يرونه أعظم عندهم وإطالة الجدال واللجاج، والاستدلال والاحتجاج في أمر قد سلف ومضى ونفذ فيه ما أراده الله وقضى.

فالعجب ممن أتى من الفرق الإِسلامية من بعد أولئك السلف الصالح يدعون لهم دعاوي [376 ب] لم يدّعوها فهي دعوى لغير مدع، حقها الإعراض عنها، ثم تستدل كل طائفة لدعواها ثم يفتحون أبواباً للجدال، ويجرون [عاراً](2) للقيل والقال ثم يؤول الكلام إلى تضليل كل طائفة للأخرى، وما كان أحقهم بتولي الجميع، والإعراض عن كل شنيع، والإشتغال بما هو الأنفع في المآل، فإنه لا يسأل الملكان من نزل [في](3) قبره إلا عن ربه من هو؟ وعن رسوله محمَّد صلى الله عليه وسلم.

(1) تقدم ذكره.

(2)

في (ب) بحاراً.

(3)

زيادة من (أ).

ص: 785

لا يسأل الملكان من حلّ الثرى

إلا عن الرحمن عند حلوله

وعن الرسول محمَّد خير الورى

11 -

وعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قَالَ: لمَّا حُوْصِرَ عُثْمَانُ رضي الله عنه وَلّى أَبا هُرَيْرَةَ عَلَى الصَّلَاةِ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُصَلِّي أَحْيَانَاً، ثُمَّ بَعَثَ عُثْمَانُ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ مَا تُرِيْدُونَ مِنِّي؟ قَالُوْا: نُرِيْدُ أَنْ تَخْلَعَ إِلَيْهِمْ أَمْرَهُمْ، ثُمَّ قَالَ:[لَا أَخْلَعُ سِرْبَالَاً سَرْبَلْنِيْهِ الله عز وجل، فَقَالُوْا: فَهُمْ قَاتِلُوكَ، قَالَ: لَئِنْ قَتَلْتُمُونِي لَا تَتَحَابُّونَ بَعْدِي أَبَدَاً](1) وَلَا تُقَاتِلُونَ بَعْدِي عَدُوَّاً جَمِيْعَاً، وَلَتَخْتَلِفُنَّ (2) عَلَى بَصِيْرةٍ، يَا قَوْمِ! لَا يَجْرِمَنَكمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ مَنْ قَبْلَكُمْ، فَلمَّا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ أَصْبَحَ صَائِمَاً (3) يَوْمَ الجُمْعَةِ، فَلمَّا كَانَ في بَعْضِ النَّهَارِ نَامَ فَقَالَ: رَأَيْتُ الْآنَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِي: إِنَّكَ تَفْطِرُ عِنْدَنَا الَّليْلَةَ، فَقُتِلَ مِنْ يَوْمِهِ، ثُمَّ قَامَ عَليٌّ رضي الله عنه خَطِيْبَاً فَحِمَدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ! أَقْبِلُوا عَلَيَّ بِأَسْمَاعِكُمْ وَأَبْصَارِكُمْ، إِنِّي أخَاف أَنْ أَكُونَ أنَّا وَأَنْتُم قَدْ أَصْبَحْنَا في فِتْنَةٍ وَمَا عَلَيْنَا فِيْهَا إِلَّا الْاجْتِهَاد وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى أَدَّبَ هَذ الْأُمَّةَ بِأَدَبَيْنِ: الْكِتَاِب وَالسُّنَّةِ، لَا هَوَادةَ عِنْدَ السُّلْطَانِ فِيْهِمَا، فَاتَّقُوْا الله وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ، ثُمَّ نَزَلَ وَعِمَدَ إِلَى مَا بَقِيَ مْنِ بَيْتِ المَالِ فَقَسَّمَهُ عَلَى المُسْلِمِينْ. أخرجه رزين.

"لا يجرمنكم": أي: لا يحملنكم، والشقاق: النزاع والخلاف، "والهوادة" السكون والموادعة، والرضا بالحالة التي ترجى معها سلامة.

قوله: "وعن عبد الله بن سلام" بتخفيف لام "سلام" هو الإسرائيلي السابق لمن أسلم من أهل الكتاب بإسلامه.

(1) ما بين الحاصرتين أخرجه ابن سعد في "الطبقات"(3/ 72 - 73) عن الحسن.

(2)

أخرج ابن سعد في "الطبقات"(3/ 71) عن أبي ليلى الكندي، بنحوه.

(3)

أخرج ابن سعد في "الطبقات"(3/ 70) عبد الله بن الزبير وفيه "

قال فدخلوا عليه وهو صائم

".

ص: 786

قوله: "ولي أبا هريرة على الصلاة"[و](1) لم ينفرد أبو هريرة بالصلاة في أيام حصار عثمان بل صلى بهم جماعة من الصحابة منهم أبو أيوب وسهل بن حنيف وأبو أمامة، وصلى علي عليه السلام بالناس يوم النحر.

قال ابن المبارك: ما صلى علي عليه السلام في ذلك الجم إلا العيد وحدها لئلا تضاع سنة ببلد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن في القائمين على عثمان أحد من الصحابة، وإنما كانوا من مصرو (2) الكوفة ولم يعيبوا عليه شيئاً إلا برأي، فطالبوه بعزل عماله من بني أمية فلم يقدر عليه في تلك الحالة وكان الذي جلب أهل مصر [377 ب] هو عبد الرحمن بن عديس وصلى لأهل المدينة الجمعة وخطب على منبر النبي صلى الله عليه وسلم وهو المراد من قوله "ويصلي لنا إمام فتنة".

قوله: "فهم قاتلوك" كان سبب حصرهم له وقتلهم له أنه كان محباً لقرابته [257/ أ] كلفاً بهم وكانوا قرابة سوء، وكان قد ولى مصر عبد الله بن أبي سرح فشكوه فولّى عليهم محمَّد بن أبي بكر باختيارهم له، فكتب له العهد وخرج معهم عدد من المهاجرين والأنصار ينظرون فيما بينهم وبين ابن أبي سرح، فلما كانوا على ثلاثة أيام من المدينة إذ هم بغلام عثمان على

(1) زيادة من (ب).

(2)

أخرج ابن سعد في "الطبقات"(3/ 71) عن أبي جعفر القارئ مولى ابن عباس المخزومي قال: كان المصريون الذين حاصروا عثمان ستمائة، رأسهم عبد الرحمن بن عديس البلوي وكنانة بن بشر بن عتاب الكندي، وعمرو بن الحمق الخزاعي، والذين قدموا من الكوفة مائتين، رأسهم مالك الأشتر النخعي، والذين قدموا من البصرة مائة، وكان رأسهم حكيم بن جبلة العبدي، وكانوا يداً واحدة في الشر، وكان حثالة من الناس قد صووا إليهم قد مزجت عهودهم وأماناتهم مفتونون

ص: 787

راحلته معه كتاب مفترى، وعليه خاتم عثمان إلى ابن أبي سرح يحرضه ويحثه على [قتلهم](1) إذا قدموا عليه، فرجعوا إلى عثمان فحلف لهم أنه لم يأمر به ولا يعلم بذلك (2).

ويقال: إنّ مروان هو الكاتب والمرسل، فطلبوا منه تسليم مروان، فأبى عليهم، فطلبوا أن يخلع نفسه فأبى، فاجتمع نفر من أهل مصر والكوفة والبصرة، وساروا إليه فأغلق بابه عنهم، فحاصروه عشرين أو أربعين يوماً، وكان معه ستمائة رجل في الدار، فطلبوا منه الخروج للقتال فكره وقال: إنما المراد نفسي فسأقي المسلمين بها، فدخلوا عليه من دار ابن حزم الأنصاري، فقتلوه والمصحف بين يديه، آخر ذي الحجة من سنة خمس (3) وثلاثين، وصلى عليه الزبير ودفن بالبقيع.

وكان قتله أول فتنة انفتحت بين المسلمين واستمرت من يومئذ فلم تغلق إلى يوم القيامة. [378 ب].

قوله: "فقتل من يومه" قيل: إنه لما حوصر عثمان دخل محمَّد بن أبي بكر الصديق ليقتله فقال له عثمان: لو رآك أبوك لساءه فعلك فتركه وخرج (4).

(1) في (ب) بياض، وفي (أ) قولهم، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(2)

انظر "الطبقات الكبرى"(3/ 64).

(3)

أخرج ابن سعد في "الطبقات"(3/ 77) عن عبد الله بن عمرو بن عثمان قال: بويع عثمان بن عفان بالخلافة أول يوم من المحرم سنة أربع وعشرين، وقتل - يرحمه الله - يوم الجمعة لثماني عشرة، ليلة خلت من ذي الحجة سنة ست وثلاثين بعد العصر، وكان يومئذ صائماً، ودفن ليلة السبت بين المغرب والعشاء في حش كوكب بالبقيع.

(4)

انظر "الطبقات الكبرى"(3/ 73).

ص: 788

قوله: "والهوادة"(1) هي بفتح الهاء والدال المهملة.

12 -

وَعَن الحَسَنَ الْبَصْرِي رضي الله عنه قَالَ: اسْتَقْبَلَ وَالله الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ مُعَاوِيَةَ بِكَتَائِبَ أَمْثَالِ الجِبَالِ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لمِعَاوِيَة: إِنِّي واللهِ لأَرَى كَتَائِبَ لَا تُوَلِّى حَتَّى تَقْتُلَ أَقْرَانَهَا. فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: وَكَانَ وَالله خير الرَّجُلينِ: أَيْ عَمْرُو [أَرَأَيْتَ](2) إِنْ قَتَلَ هَؤُلَاءِ هَؤُلَاءِ، وَهَؤُلَاءِ هَؤُلَاءِ، مَنْ لِي بِأُمُورِ المُسْلِمِينَ، مَنْ لِي بِنِسَائِهِمْ، مَنْ لِي بِضَيْعَتِهِمْ؟ فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَجُلينِ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، وَعَبْدَ اللهِ [بْنَ](3) عَامِرِ، فَقَالَ اذْهَبَا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ وَاعْرِضَا عَلَيْه، وَقُولَا لَهُ، وَاطْلُبَا إِلَيْهِ. فَأَتَيَاه فَدَخَلَا عَلَيْهِ فَتَكلَّمَا، وَقَالَا لَهُ، وَطَلَبَا إِلَيْهِ، فَقَالَ لهما الحَسَنُ رضي الله عنه: إِنَّا بَنُو عَبْدِ المُطَّلِبِ، قَدْ أَصَبْنَا مِنْ هَذَا المَالِ، وإنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ قَدْ عَاثَتْ في دِمَائِهَا. قَالَا فَإِنَّهُ يَعْرِضُ عَلَيْكَ كَذَا وَكَذَا وَيَطْلُبُ إِلَيْكَ وَيَسْأَلُكَ. قَالَ فَمَنْ لِي بِهَذَا؟ قَالَا نَحْنُ لَكَ بِهِ. فَمَا سَأَلَهُمَا شَيْئًا إِلَاّ قَالَا نَحْنُ لَكَ بِهِ. فَصَالَحَهُ.

قَالَ الحَسَنُ الْبَصْريُّ: [وَلَقَدْ](4) سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى المِنْبَرِ وَالحسَنُ بْنُ عَليٍّ إِلَى جَنْبِهِ، وَهْوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً وَعَلَيْهِ أُخْرَى وَيَقُولُ:"إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ الله تَعَالَى أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بينَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ". أخرجه البخاري (5). [صحيح].

(1) الهوادة: السكون والرخصة والمحاباة. "النهاية في غريب الحديث"(2/ 917)، "الفائق" للزمخشري (4/ 119).

(2)

زيادة من (أ).

(3)

زيادة من البخاري رقم (2704).

(4)

زيادة من البخاري رقم (2704).

(5)

في "صحيحه" رقم (2704) وأطرافه في (3629، 3746، 7109).

ص: 789

"الكتائب" جمع كتيبة (1)، وهي قطعة من الجيش مجتمعة، وقوله:"عاثت": أي: أفسدت، "والعيث": الفساد (2).

قوله: "في حديث الحسن البصري استقبل والله الحسن بن عليّ معاوية بكتائب".

الكتائب بالمثناة الفوقية آخره موحدة، جمع كتيبة بوزن عظيمة وهي طائفة من الجيش تجمع وهي فعلية بمعنى مفعولة؛ لأن كبير الجيش إذا رتبهم وجعل كل طائفة على حدة كتبهم في ديوان (3).

قوله: "أمثال الجبال" أي: لا يرى لها طرف لكثرتها، ويحمل أن يريد شدة البأس، وأشار الحسن البصري بهذه القصة إلى ما اتفق بعد قتل علي عليه السلام فإنه لما انقضى التحكيم ورجع أمير المؤمنين عليه السلام إلى الكوفة يتجهز لقتال أهل الشام مرة بعد أخرى، فشغله قتال الخوارج بالنهروان (4) وذلك في سنة ثمان (5) وثلاثين وتجهز في سنة تسع وثلاثين، فلم يتم له ذلك لافتراق أهل العراق عليه، فلما قتل، واستخلف الحسن خرج لقتال معاوية جعل عله مقدمة أهل العراق قيس بن سعد بن عبادة في اثني عشر ألفاً، وكان الذي مع الحسن أربعين ألفاً بايعوه على الموت، وكان معاوية لما بلغه قتل (6) علي عليه السلام خرج في عساكره من الشام،

(1) ذكره ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 131)

(2)

انظر "النهاية في غريب الحديث"(2/ 277)، "المجموع المغيث"(2/ 528).

(3)

ذكر ذلك ابن التين عن الداودي. "فتح الباري"(13/ 62).

(4)

انظر "تاريخ الطبري"(5/ 91 - 92).

(5)

أخرجه الطبري في "تاريخه"(5/ 92) عن أبي مريم "

كان معلوماً أن الوقعة كانت بينه وبينهم في سنة ثمان وثلاثين" بإسناد حسن.

(6)

أخرج الطبراني في "المعجم الكبير"(ج 1 رقم 164) ثنا أبو الزنباع روح بن الفرج، ثنا يحيى بن بكير قال: قتل علي بن أبي طالب يوم الجمعة سبعة عشر من شهر رمضان سنة أربعين. =

ص: 790

وخرج الحسن بن علي عليه السلام حتى نزل المدائن فوصل معاوية إلى مسكن، وكان الحسن [379 ب] لا يحب القتال، لكن أراد أن يشترط على معاوية لنفسه، وعرف أن قيس بن سعد لا يطاوعه على الصلح فنزعه وأمر عبيد الله بن العباس.

قلت: وفي كلام الحسن البصري ما يدل على أن الحسن بن علي عليه السلام كان في أقوام كثيرة، وهو يرد قول من قال أنه إنما صالح معاوية لقلة من عنده من الأجناد، وأشرت إلى ذلك في أبيات (1) أحث بعض الدعاة على الصلح بينه وبين من خرج عليه، منها:

قد صالح الحسن ابن هند وهو في الـ

أبطال من أبناء عبد مناف

وأتى بجيش كالجبال يقودهم

يمشون في ظل القنا الرعاف

قوله: "لا تولي" بالتشديد، لا ترتد حتى تقتل أقرانها، جمع قرن بكسر القاف وسكون الراء.

قوله: "من لي بأمور المسلمين" فسّرها بقوله: "من لي بنسائهم، من لي بضيعتهم" يريد به الأطفال والضعفاء سموا باسم ما يؤول إليه أمرهم؛ لأنهم إن تركوا ضاعوا لعدم من يقوم بهم وعدم استقلالهم بأمر المعاش (2).

وهو بهذا الكلام يشير إلى أن رجال العسكر معظم من في الإقليمين فإذا قتلوا ضاع أمر الناس وفسد حال أهلهم بعدهم وذراريهم.

قوله: "فبعث" أي: معاوية "إليه" أي: إلى الحسن بن علي عليه السلام.

= وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(9/ 146) وقال: رجاله ثقات.

انظر تاريخ خليفة (198)، "الطبقات الكبرى"(3/ 37).

(1)

انظر: ديوان الأمير الصنعاني (ص 282).

(2)

ذكره الحافظ في "الفتح"(13/ 64).

ص: 791

"رجلين من قريش من بني عبد شمس" أي: ابن عبد مناف بن قصي وفسرهما قوله: "عبد الرحمن بن سمرة" قد تقدم ذكره في حديث عبد الرحمن بن سمرة [380 ب]"لا تسأل الإمارة"، و"عبد الله بن عامر" أي: ابن كثير بمثلثة مصغر كثير وهو [الذي](1) ولاه معاوية البصرة بعد [258/ أ] تمام الصلح (2).

قوله: "واعرِضَا عليه" أي: ما شاء من المال.

"وقولا له" أي: في حقن دماء المسلمين بالصلح، وطلبا إليه خلع نفسه من الخلافة وتسليم الأمر إلى معاوية.

قوله: "إنّا بنو عبد المطلب" منصوب [باعنِّي](3) ونحوه.

"قد أصبنا من هذا المال" قال في "الفتح"(4): أي جبلنا على الكرم والتوسعة على أتباعنا من الأهل والموالي، وكنا نتمكن من ذلك في الخلافة حتى صار ذلك لنا عادة.

قوله: "وإن هذه الأمة" أي العسكرين الشامي والعراقي (5).

وَ"عاثت" بالمهملة والمثلثة، أي: قتل بعضها بعضاً فلا يكفون عن ذلك إلا بالصلح عما مضى منهم والتأليف بالمال، وأراد الحسن عليه السلام بهذا كله تسكين الفتنة، وتفرقة المال على من لا يرضيه إلا المال فوافقاه على ما شرط من جميع ذلك (6).

قوله: "فمن لي بهذا" أي: من يضمن لي الوفاء من معاوية.

(1) زيادة من "فتح الباري".

(2)

ذكره الحافظ في "الفتح"(13/ 64).

(3)

كذا في (أ. ب) غير مقروءة، ولعلها (بـ أعني).

(4)

في "فتح الباري"(13/ 56).

(5)

ذكره الحافظ في "فتح الباري"(13/ 65).

(6)

ذكره الحافظ في "فتح الباري"(13/ 65).

ص: 792

"قالا نحن لك به" أي: نضمن لك به.

قوله: "فصالحه" في الحديث بيان أنّ معاوية هو الذي طلب الصلح من الحسن، وأرسل إليه من ذكر وصالحه الحسن على أمور منها أنه يكون الخليفة بعد معاوية، وفي القصة وما شرطه طول، مستوفاة في كتب السيرة وغيرها.

قوله: "فصالحه" فيه منقبة للحسن بن علي عليه السلام، فإنه ترك الملك لا لقلة [381 ب] ولا لذلة، بل لرغبته فيما عند الله لما رآه من حقن دماء المسلمين، فراعى أمر الدين ومصلحة الأمة، وفيه جواز خلع الخليفة نفسه إذا رأى ذلك صلاحاً للمسلمين، وفيه جواز ترك الوظائف الدينية والدنيوية بالمال وجواز أخذ المال على ذلك.

قوله: "سمعت أبا بكرة" فيه تصريح بأن الحسن البصري أدرك أبا بكرة وسمع منه.

قوله: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر والحسن بن علي رضي الله عنه إلى جانبه ويقول: إن ابني هذا سيد".

هو مشتق من السؤدد (1)، وقيل: من السواد لكونه ترأس على السواد الأعظم من الناس، أي: الأشخاص الكثيرة.

قال المهلب (2): الحديث دلّ على أنّ السيادة إنما يستحقها من ينتفع به الناس، لكونه علق السيادة بالإصلاح، ومنه إطلاق الابن علي ابن البنت.

قلت: وفي تسميته هنا سيد إشارة إلى أنه وإن ترك الخلافة لغيره فإن سيادته ثابتة له.

قوله: "ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين" هذا من أعلام النبوة، وفيه رد على الخوارج الذي كانوا يكفرون معاوية، ومن معه وعلياً ومن معه، لشهادة النبي

(1) انظر "النهاية في غريب الحديث"(1/ 822)، "فتح الباري"(13/ 65).

(2)

ذكره الحافظ في "فتح الباري"(13/ 67).

ص: 793