الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأن مقام الخوف أفضل من مقام الرجاء، فالعلم محيط بأن الآدمي لا يخلو عن [تقصير ما](1) في كل ما يريد من الخير.
وإنما قال عمر ذلك هضماً لنفسه وإلا فمثله في الفضائل والكمالات أشهر من أن يذكر.
قال في "فتح الباري"(2)، وهذا الحديث لم أجده (3) في كتاب الخوف.
كتاب: خلق العالم
الخلق (4): الإيجاد من العلم، والعالم كل ما سوى الله من السموات والأرض وما فيهما.
روي (5) أنّ ابن عباس "سأله رجل فقال: مم خلق الخلق؟ فقال: من الماء والنور والظلمة والريح والتراب، فقال الرجل: مم خلق هؤلاء؟ فتلا ابن عباس: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} (6) فقال: ما كان ليأتي بهذا إلا رجل من بيت النبي صلى الله عليه وسلم ".
قال البيهقي: أراد حصول الجميع منه من خلقه وإيجاده واختراعه خلق الماء أولاً وما شاء من خلقه لا عن أصل ولا على مثال سبق ثم جعله أصلاً كما خلق ما بعده فهو المبدع والباري لا إله غيره ولا خالق سواه. انتهى.
1 -
عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصيْنٍ رضي الله عنهما قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَتَى نَاسٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالَ:"اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَني تَمِيمٍ"، فَقَالُوا: قَدْ بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا، مَرَّتَيْنِ، فتغَيَّر وَجْهُهُ، ثُمَّ
(1) في (أ. ب) تقصيرينا، هكذا رسمت، وما أثبتناه من "فتح الباري".
(2)
(7/ 254 - 255).
(3)
وهو كما قال.
(4)
انظر "مفردات ألفاظ القرآن"(ص 224).
(5)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (10/ 3291 رقم 18536) وابن كثير في تفسيره (12/ 359).
(6)
سورة الجاثية الآية (13).
دَخَلَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ: "اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا أَهْلَ الْيَمَنِ، إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَميِمٍ"، قَالُوا: قَبِلْنَا يَا رَسُولَ الله، ثُمَّ قَالُوا: جِئْنَاكَ لِنَتَفَقَّهُ فِي الدِّيْنِ، وَلْنَسْأَلَكَ عَنْ أَوَّلَ هَذَا الأَمْرِ مَا كَانَ؟ قَالَ:"كَانَ الله تَعَالَى وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قبْلَهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ". أخرجه البخاري (1) والترمذي (2). [صحيح].
قوله: "في حديث [237/ أ] عمران بن حصين اقبلوا البشرى" بضم أوله وسكون المعجمة والقصر أي: اقبلوا مني ما يقتضي أن تبشروا إذا أخذتم بالجنة، كالتفقه في الدين والعمل به.
قوله: "فقالوا بشرتنا [312 ب] فأعطنا" قائل ذلك الأقرع بن حابس، وتغير وجهه صلى الله عليه وسلم، إمّا للإشفاق عليهم كيف آثروا الدنيا، وإما لكونه لم يحضره ما يعطيهم يتألفهم (3).
قوله: "عن هذا الأمر" أي: الحاضر الموجود (4)، والأمر يطلق ويراد به المأمور، ويراد به الشأن والحكم والحث على الفعل [و](5) غير ذلك.
قوله: "كان الله ولم يكن شيء قَبْلَه" فيه دلالة على أنه لم يكن شيء غيره لا الماء ولا العرش ولا غيرهما، غذ كل ذلك غير الله، ويكون معنى قوله "وكان عرشه على الماء" أنه خلق الماء سابقاً، ثم خلق العرش على الماء، وفيه دليل لمن قال إن أول ما خلق الله الماء، وأوجد منه سائر الأجرام.
(1) في "صحيحه" رقم (31905) وأطرافه (3191، 4365، 4386، 7418).
(2)
في "السنن" رقم (3951).
(3)
ذكره الحافظ في "الفتح"(6/ 288).
(4)
ذكره الحافظ في "فتح الباري"(6/ 289).
(5)
زيادة من (أ. ب) غير موجودة في "فتح الباري".
قال الطيبي (1): إن قوله "وكان عرشه على الماء" فصل مستقل؛ لأن القديم من لم يسبقه شيء ولم يعارضه في [الأزلية](2) لكن أشار بقوله "وكان عرشه على الماء" أي: أنّ الماء والعرش كان مبدأ هذا العالم لكونهما خلقا قبل خلق السموات والأرض فلم يكن تحت العرش إذ ذاك إلا الماء.
وروى السدي (3) في تفسيره بأسانيد متعددة أنّ الله لم يخلق شيئاً مما خلق قبل الماء.
وقد روى عبادة بن الصامت مرفوعاً: "أول ما خلق الله [القلم](4)
…
"، [رواه] (5) أحمد (6) والترمذي (7) وصححه، فيجمع بينه وبين حديث الكتاب بأنّ المراد بالأولوية بالنسبة إلى ما عدا الماء والعرش، وأما حديث (8) "أول ما خلق الله العقل" فليس له طريق ثبت.
(1) في شرحه على "مشكاة المصابيح"(10/ 311).
(2)
كذا في (أ. ب) والذي في شرح "المشكاة": الأولية.
(3)
ذكره الحافظ في "فتح الباري"(6/ 289).
(4)
في (ب) العلم.
(5)
زيادة يستلزمها السياق.
(6)
في "المسند"(5/ 317).
(7)
في "السنن" رقم (2155).
وأخرجه أبو داود الطيالسي في "مسنده" رقم (577)"التاريخ الكبير"(6/ 92) وابن أبي عاصم في السنة (1/ 48، 49 رقم 2 والبيهقي في الاعتقاد (ص 136) والآجري في الشرية (ص 177، 178)، وهو حديث صحيح لغيره.
(8)
قاله الحافظ في "فتح الباري"(6/ 289) ثم قال: وعلى تقدير ثبوته فهذا التقرير الأخير هو تأويله والله أعلم، وهو قوله: بأن أولية القلم بالنسبة إلى ما عدا الماء والعرش، أو بالنسبة إلى ما منه صدر من الكتابة، أي أنه قيل له اكتب أول ما خلق.
قوله: "وكتب" أي قدّر "في الذكر" أي: في محل الذكر، أي اللوح المحفوظ (1)، كل شيء من الكائنات.
2 -
وعن أبي رزين العقيلي رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْل أَنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ؟ قَالَ: "كَانَ فِي عَمَاءِ، وَمَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ، وَمَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ، وَخَلَقَ عَرْشَهُ عَلَى المَاءُ".
قال أحمد، قال يزيد:"الْعَمَاء": أي ليس معه شيء. أخرجه الترمذي (2). [ضعيف].
قوله: "في حديث أبي رزين كان في عماء" قال البيهقي في "الأسماء والصفات"(3): وجدته في كتابي "في عماء" مقيداً بالمد. انتهى.
والعماء في اللغة (4)[313 ب] السحاب الرقيق، وقيل الكثيف، وقيل هو الضباب، والضباب الذي يغشى الأرض كالغبار والسخم، ولا بد في الحديث من حذف مضاف تقديره: كان عرش ربنا فحذف كقوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ} (5) أي: أمر الله، ويدل على هذا المحذوف قوله:"وكان عرشه على الماء".
(1) ذكره الحافظ في "فتح الباري"(6/ 290).
(2)
في "السنن" رقم (3109).
وأخرجه أحمد (4/ 11، 12) وابن حبان رقم (39) وابن ماجه رقم (182) وابن أبي عاصم في "السنة" رقم (612) والطبراني في "الكبير"(ج 19 رقم 468) والبيهقي في "الأسماء والصفات"(2/ 235 - 236 رقم 801) وأبو الشيخ في كتاب العظمة رقم (85) والطيالسي رقم (1093) وابن جرير في "جامع البيان"(12/ 331 - 332).
وهو حديث ضعيف، والله أعلم.
(3)
(2/ 236).
(4)
"القاموس المحيط"(ص 1696).
(5)
سورة البقرة الآية (210).
وحكى عن بعضهم "في عمى" مقصور وهو كل ما لا تدركه الفطن، قال (1) الأزهري (2): قال أبو عبيد (3): إنما تأولنا هذا الحديث عن كلام العرب المنقول عنهم، وإلا فلا ندري كيف كان ذلك العما؟ فنحن نؤمن به ولا نكيف صفته، قاله ابن الأثير (4).
قوله: "ما فوقه هواء" أي: ما فوق السحاب وكذلك قوله "وما تحته هواء" أي: ما تحت السحاب، وقد قيل إن ذلك من العمى مقصور (5)، أي: لا شيء ثابت؛ لأنه مما يعمى على الخلق لكونه غير شيء، فكأنه قال في جوابه: كان قبل أن يخلق خلقه، ولا شيء غيره كما في حديث عمران بن حصين ما فوقه هواء وما تحته هواء "أي ليس فوق العماء الذي هو لا شيء موجود هواء ولا تحته هواء، لأن ذلك إذا كان غير شيء لم يثبت له هواء بوجه، قاله البيهقي في "الأسماء والصفات" (6).
واعلم أن أغرب ما رأيت تفسير العماء بنور (7) النبي صلى الله عليه وسلم، فسّره به الشيخ إبراهيم الكردي في كتابه "قصد السبيل"، وأطال فيه وقال: إنّ النور يسمى عماء، قال؛ لأنه تعالى
(1) في (ب) مكروه.
(2)
في "تهذيب اللغة"(3/ 246).
(3)
في "الغريبين"(4/ 1331).
(4)
في "النهاية في غريب الحديث"(2/ 259).
وانظر "غريب الحديث" للهروي (2/ 9).
(5)
قال ابن الهيثم: (وهو في عمًى) مقصور وقال: وهو كل أمر لا تدركه عقول بني آدم ولا يبلغ كنهه الوصف، ولا تدرك الفطن. انظر الغريبين (4/ 1331).
(6)
(2/ 236).
(7)
انظر: المواجب اللدنية بالمنح المحمدية للعلامة أحمد بن محمد القسطلاني (851 - 923 هـ)(1/ 69 - 70).
سمى النبي صلى الله عليه وسلم رحمة في قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ [314] إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} (1) وسمى الغيث رحمة في قوله {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} (2)، واستدل بحديث جابر المروي في "المواهب اللدنية" حيث قال: "قلت: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي أخبرني عن أول شيء خلق الله قبل الأشياء فقال: يا جابر! إن الله خلق قبل الأشياء نور نبيّك من نوره فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيت شاء الله ولم يكن في ذلك الوقت لوح ولا قلم ولا جنة ولا نار ولا ملك ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا جني ولا إنسي، فلما أراد الله أن يخلق الخلق قسم ذلك النور أربعة أجزاء فخلق من الجزء الأول حملة العرش، ومن الثاني الكرسي، ومن الثالث باقي الملائكة، ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء فخلق من الأول السماوات ومن الثاني الأرضين، ومن الثالث الجنة والنار ثم قسم الرابع أربعة [238/ أ] الحديث.
وأطال في "قصد السبيل" بيان ذلك، وأنّ نوره صلى الله عليه وسلم أصل الأشياء كلها.
3 -
وَعَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ عُمَرَ بِن الخَطّاب رضي الله عنه: قَامَ فِينَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم مقَامًا، فَأَخْبَرَنَا عَنْ بَدْءِ الخَلْقِ حَتَّى دَخَلَ أَهْلُ الجنَّةِ الجنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، حَفِظَ ذَلِكَ مَنْ حَفِظَهُ، وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ. أخرجه البخاري (3). [صحيح].
قوله: "في حديث عمر حتى دخل أهل الجنة الجنة" قال الحافظ في "الفتح"(4): هي غاية، لقوله: "أخبرنا عن مبتدأ الخلق شيئاً بعد شيء
…
إلى أن انتهى إلى الإخبار عن حال
(1) سورة الأنبياء الآية (107).
(2)
سورة الروم الآية (50).
(3)
في "صحيحه" رقم (3192).
(4)
في "فتح الباري"(6/ 290 - 291).
استقرار أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، ووضع الماضي موضع المضارع مبالغة للتحقق المستفاد من خبر الصادق.
وكان السياق يقتضي أن يقول: حتى يدخل، ودلّ ذلك على أنه أخبر في المجلس الواحد بجميع أحوال المخلوقات منذ ابتدأت إلى أن تفنى إلى أن تبعث، فشمل ذلك الإخبار عن المبدأ والمعاش والمعاد، وفي تيسير ذلك كله في مجلس واحد من [خوارق العادات](1)، ويقرب ذلك مع معجزاته أنه صلى الله عليه وسلم أعطي جوامع الكلم، ومثل هذا من جهة أخرى ما رواه الترمذي (2) [315 ب] من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كتابان فقال للذي في يده اليمنى: هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبداً، ثم قال بهذا في شماله مثله في أهل النار، وقال في آخره: وقال بيده فنبذهما، ثم قال:[فرغ](3) ربكم من العباد فريقاً في الجنة وفريقاً في السعير، وإسناده حسن (4).
(1) كذا في (أ. ب) والذي في "فتح الباري"(6/ 291) خوارق العادة أمر عظيم.
(2)
في "السنن" رقم (2140) بإسناد ضعيف.
وأخرجه النسائي في "الكبرى" رقم (11473) وأبو نعيم في "الحلية"(5/ 168) وابن أبي عاصم في السنة رقم (348).
(3)
في (ب) فرمى.
(4)
قاله الحافظ في "الفتح"(6/ 291).
• بل إسناده ضعيف، فيه أبو قبيل المعافري - وهي حسبي بن هانئ - مختلف فيه، وثقة أحمد وابن معين في رواية، وأبو زرعة الفسوي والعجلي، وأحمد بن صالح المصري، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان يخطئ.
وانظر: "تعجيل المنفعة"(ص 277).
ووجه (1) الشبه بينهما أن الأول فيه تيسير القول الكثير في الزمن القليل، وهذا فيه تيسير الجرم الواسع في الظرف الضيق، فظاهر قوله "فنبذهما" بعد قوله "وفي يده كتابان" أنهما كانا مرئيين لهم، والله أعلم.
قال (2): ولحديث الباب شاهد من حديث حذيفة (3)، وسيأتي في القدر، ومن حديث أبي زيد الأنصاري، أخرجه أحمد (4) ومسلم (5) قال:"صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر، ثم نزل فصلى بنا الظهر، ثم صعد المنبر فخطبنا ثم العصر كذلك حتى غابت الشمس، فحدّثنا بما كان وما هو كائن فأعلمنا أحفظنا"، لفظ أحمد، وأخرجه من حديث أبي سعيد (6) مختصراً ومطولاً.
وأخرجه الترمذي (7) من حديثه مطولاً وترجم له (8):
(1) قاله الحافظ في "الفتح"(6/ 291).
(2)
أي الحافظ في "الفتح"(6/ 291).
(3)
أخرجه البخاري رقم (6604) ومسلم رقم (23/ 2891) وأبو داود رقم (4240) والبزار في "مسنده" رقم (2883) وابن حبان رقم (6636) والحاكم (4/ 487) والبيهقي (6/ 313) وأحمد (5/ 386).
(4)
في "مسنده"(5/ 341).
(5)
في "صحيحه" رقم (2892).
وأخرجه أبو يعلى في "مسنده" رقم (6845) وابن حبان رقم (6638) وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"، رقم (2183) والطبراني في "الكبير"(ج 17 رقم 46) والحاكم (4/ 487).
(6)
أخرجه أحمد في "المسند"(3/ 19) والطيالسي رقم (2156) وأبو يعلى في "مسنده" رقم (1101) والحاكم (4/ 505) والبيهقي في "الشعب" رقم (8289) والحميدي رقم (752) والترمذي رقم (2191) والبغوي في "شرح السنة" رقم (4039).
(7)
في "السنن"(2191). وأخرجه ابن ماجه رقم (2873)، (4000) و (4007).
(8)
في "السنن"(4/ 483 الباب رقم 26).
باب ما قام به النبي صلى الله عليه وسلم مما هو كائن إلى يوم القيامة، ثم ساقه بلفظ "صلى لنا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يوماً صلاة العصر ثم قام يحدِّثنا فلم يدع شيئاً يكون إلى قيام الساعة إلا [316 ب] أخبرنا به حفظه من حفظه ونسيه من نسيه .... "، ثم ساق الحديث وقال (1): حسن. انتهى.
4 -
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: "لمَّا خَلَقَ الله تَعَالَى الْعَقْلَ قَالَ لَهُ: أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ، فَقَالَ: مَا خَلَقْتُ خَلْقَاً أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْكَ، وَلَا أَرْكبُكَ إِلَّا فِي أَحَبِّ الخَلْقِ إِلَيَّ. أخرجه رزين (2). [موضوع].
قوله: "في حديث ابن مسعود أخرجه رزين" تقدم قريباً فيما نقلناه عن الحافظ ابن حجر (3)، أنه حديث ليس له إسناد.
وقال بعض (4) الأئمة: كل حديث في العقل فإنه غير صحيح.
(1) أي الترمذي في "السنن"(4/ 484).
(2)
قال الحافظ في "فتح الباري"(6/ 289) فليس له طريق ثبت.
وأخرجه بن أبي الدنيا في "العقل وفضله" رقم (14) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ورقم (15) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
وقال ابن تيمية في "مجموع فتاوى"(27/ 242) و (35/ 153): من جنس فعل الملاحدة في قوله: "أول ما خلق الله العقل
…
" الحديث، فهو كذب موضوع
…
ثم قال والحديث موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث.
وقال ابن القيم في "المنار المنيف في الصحيح والضعيف"(ص 66 رقم 120)، أحاديث العقل كلها كذب.
وقال ابن القيم: "وقال أبو "الفتح" الأزدي: لا يصح في الفعل حديث، قاله أبو جعفر العقيلي، وأبو حاتم ابن حبان.
(3)
في "فتح الباري"(6/ 289).
(4)
انظر "مجموع فتاوى"(27/ 242) و (35/ 153)، "المنار المنيف"(ص 66).
5 -
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: "أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَةِ الله مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ: إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِمِائَةِ عَامٍ". أخرجه أبو داود (1). [صحيح].
قوله: "في حديث جابر أذن لي" إنما قدم صلى الله عليه وسلم هذه المقدمة قبل التحديث؛ لأنه قد ثبت عنه الأمر بأن يحدث عنه الناس بما يعرفون، فأخبر قبل التحديث بأن الله أذن له أن يحدث بالأمر المستغرب [وليلقوا](2) أسماعهم لما يلقيه ويمليه.
قوله: "ما بين شحمة أذنيه" هو موضع خزق القرط، وهو مالان من أسفلها، كما في "النهاية"(3).
"إلى عاتقه" هو موضع الرداء من المنكب، أو بين المنكب والعاتق، كما في "القاموس"(4).
قوله: "مسيرة سبعمائة سنة" وأخرج الطبراني في "الأوسط"(5) من حديث أنس مرفوعاً: "أُذن لي أن أحدث عن ملك من حملة العرش رجلاه في الأرض السفلى وعلى قرنه العرش، وبين شحمة أذنيه وعاتقه خفقان الطير سبعمائة عام"، وتمامه كما في "الجامع الصغير" (6):"يقول سبحانك حيث كنت"، يحتمل أنه بفتح الضمير خطاباً له تعالى: أي حيث كان علمك وقدرتك فيشمل كل ذرة من ذرات الكون، ويحتمل أنه بضمها أي: حيث كنت
(1) في "السنن" رقم (4727) وهو حديث صحيح.
(2)
في (ب) ليتلقوا.
(3)
"النهاية في غريب الحديث"(1/ 847).
(4)
"القاموس المحيط"(ص 1171).
(5)
رقم (6503).
(6)
رقم (853) وهو حديث صحيح، والله أعلم.
أنا، أي: أنزهك في أي محل حللت، وفي أي مكان سكنت، وهذا يحتمل أنه ملك واحد أجمله صلى الله عليه وسلم في رواية، وفسّره في أخرى.
أي أجمل مسافة ما بين شحمة أذنيه وعاتقه في حديث "خفقان الطير" وفسّره في رواية [239/ أ] الكتاب.
قوله: "أخرجه أبو داود" زاد في "الجامع الصغير"(1)، و"الضياء في المختارة" ورمز لصحته [317 ب].
6 -
وَعَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا فِي الْبَطْحَاءِ فِي عِصَابَةٍ فِيهِمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، إِذْ مَرَّتْ بِهِمْ سَحَابَةٌ فَنَظَرَ إِلَيْهَا فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"هَلْ تَدْرُونَ مَا اسْمُ هَذِهِ؟ ". قَالُوا: نَعَمْ، هَذَا السَّحَابَ. قَالَ:"وَالمُزْنَ". قَالُوا وَالمُزْنَ. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "وَالْعَنَانَ". قَالُوا وَالْعَنَانَ. ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم: "هَلْ تَدْرُونَ كَمْ بُعْدُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ". قَالُوا: لَا وَالله. قَالَ: "فَإِنَّ بُعْدَ مَا بَيْنَهُمَا إِمَّا قَالَ: وَاحِدَةٌ، أَوِ اثْنَتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ، وَسَبْعُونَ سَنَةً، وَبُعْدَ السَّمَاءُ الَتِي فَوْقَهَا كَذَلِكَ، وَكَذَلِكَ حَتَّى عَدَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ كَذَلِكْ، "ثُمَّ فَوْقَ السّماءِ السَّابِعَةِ بَحْرٌ بَيْنَ أَعْلَاهُ وأسْفَلِهِ كَمَا مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، وَفَوْقَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَوْعَالٍ بَيْنَ أَظْلَافِهِنْ وَرُكَبِهِنْ كَمَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ فَوْقُ ظُهُورِهِنُ الْعَرْشُ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ مِثْلُ مَا بَيْنَ السَّمَاءٍ إِلَى السَّمَاءٍ، وَالله عز وجل فَوْقَ ذَلِكَ". أخرجه أبو داود (2) والترمذي (3). [ضعيف].
(1) رقم (854). وانظر الصحيحة رقم (151).
(2)
في "السنن" رقم (4723).
(3)
في "السنن" رقم (3320).
وأخرجه أحمد (1/ 206، 207) وابن ماجه رقم (193) وابن خزيمة في التوحيد (1/ 234، 235) والدارمي في الرد على الجهمية رقم (233) وفي الرد على المريسي (ص 90، 91) وابن أبي عاصم في السنة (1/ 253) والآجري في الشريعة (ص 292) وابن أبي شيبة في كتاب العرش رقم (9) وابن منده في التوحيد =
وفي رواية: لم يعزها صاحب "جامع الأصول" إلى أحد من الكتب الستة:
عن قتادة، وعبد الله قالا: بَيْنَمَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ مَعَ أَصْحَابُهُ، إِذْ مَرَّتْ سَحَائِبُ، فَقَالَ:"أَتَدْرُونَ مَا هَذَا؟ هَذَا الْعَنَانُ، هَذِه رَوَايَا الأَرْضِ يَسُوقُهَا الله تَعَالَى إِلَى قَوْمٍ لَا يَعْبُدُونَهُ"، ثُمَّ قَالَ:"أَتَدْرُونَ مَا هَذِهِ السَّمَاءُ؟ مَوْجٌ مَكْفُوفٌ، وَسَقْفٌ مَحْفُوظٌ". وَفَوْقَ ذَلِكَ سَمَاءٌ أُخْرَى، حَتَّى عَدَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ يَقُولُ: أتَدْرُونَ مَا بَيْنَهُما؟ ثُمَّ يَقُولُ: خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، ثُمَّ قَالَ: "أَتَدْرُونَ مَا فَوْقَ ذَلِكَ؟ فَوْقَ ذَلِكَ المَاءِ، وَفَوْقَ الماءِ الْعَرْشِ، وَالله فَوْقَ الْعَرْشِ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ أَعْمَالِ بَني آَدَمَ، ثُمَّ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا هَذِهِ الْأَرْضُ؟ قَالَ: تَحْتَهَا أُخْرَى بَيْنَهُما خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، حَتَّى عَدَّ سَبْعَ أَرَضِيْنَ (1). وذكر الحديث.
قوله: "في حديث العباس هذه السحاب" سميت سحاباً؛ لأنه يسحب بسرعة، قيل: إنه كالمنخل يخرج منه المطر قطرة قطرة ولا تلتقي فيه قطرتان في الجو، إذ لو خرج منه إسبالاً غرق ما أتى كطوفان نوح.
قوله: "إمّا قال واحدة" هذا شك من الراوي، وقد اختلف الخبر الوارد في قدر مسافة ما بين السماء والأرض، ففي هذه الرواية الترديد بين إحدى إلى ثلاثة وسبعين.
وفي رواية للترمذي (2)"أن بينهما مائة عام" وللطبراني (3)"خمسمائة عام".
= رقم (21) والحاكم (2/ 378، 500، 501) وابن الجوزي في "العلل المتناهية"(1/ 9، 10) والعقيلي في "الضعفاء"(2/ 284) وهو حديث ضعيف.
(1)
أخرجه ابن جرير في "جامع البيان"(23/ 80 - 81) وعبد الرزاق في تفسيره (2/ 299) كلاهما عن قتادة.
(2)
في "السنن" رقم (3298) وهو حديث ضعيف. وأخرجه أحمد (2/ 270) وابن أبي عاصم في السنة (1/ 254) وابن الجوزي في "العلل"(1/ 12) وأبو الشيخ في العظمة (2/ 560 - 564).
(3)
في "الكبير"(9/ 228). =
وفي رواية (1): "بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام، وبين كل سماء خمسمائة عام، وغلظ كل سماء مائة عام، وبين السابعة والكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي وبين الماء خمسمائة عام، والعرش فوق الماء، والله فوق العرش".
قالوا: والجمع بين الروايات أن تحمل الخمسمائة على السير البطيء كسير الماشي على هيئته، ويحمل السبعين على السير السريع كسير السعاة ولو التحديد بالزيادة على السبعين لحملنا السبعين [318 ب] على المبالغة ولا تنافي الخمسمائة، ذكر هذا الحافظ في "الفتح"(2).
وقال الحافظ البيهقي (3): رواية "مسيرة خمسمائة عام" أشهر فيما بين الناس ويحتمل أن يختلف ذلك باختلاف قوة السير وضعفه وخفته وثقله.
قوله: "وفي رواية" إلى قوله: "عن قتادة وعبد الله" هو إذا أُطلق ابن مسعود، وليس يراد هنا وإلا لقدمه على قتادة فلعله عبد الله (4) بن عميرة بفتح أوله، كوفي روى هذا الحديث عن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب مرفوعاً.
قال البخاري (5): لا نعلم له سماعاً من العباس.
= وأخرجه ابن خزيمة في التوحيد (1/ 242 - 244) وأبو الشيخ في "العظمة"(2/ 688، 689) والدارمي في الرد على الجهمية رقم (81) وفي الرد على المريسي (ص 73، 90، 105).
(1)
أخرجه ابن خزيمة في التوحيد (1/ 242 - 244) والبيهقي في "الأسماء والصفات" رقم (851) والطبراني في "الكبير"(9/ 228) واللالكائي في "شرح السنة" رقم (659) والدارمي في الرد على الجهمية رقم (82) وذكره الحافظ الذهبي في العلو (ص 63 - 64) وقال: إسناده صحيح.
(2)
في "فتح الباري"(6/ 293).
(3)
في "الأسماء والصفات"(2/ 288 - 289).
(4)
انظر "التقريب"(1/ 438 رقم 521).
(5)
قال البخاري في "التاريخ الكبير"(3/ 1/ 159 رقم الترجمة 494) عبد الله بن عميرة عن الأحنف بن قيس عن العباس
…
إلى أن قال: ولا نعلم له سماعاً عن الأحنف.
7 -
وعن عبد الله رضي الله عنه قَالَ: خَلَقَ الله سَبْعَ سَمَوَاتٍ غِلَظُ كُلِّ وَاحِدَة مَسيرَةُ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ (1). [إسناده حسن].
قلت: ورواية قتادة في "جامع الترمذي"(2) مرفوعة عن الحسن عن أبي هريرة بتقديم وتأخير وزيادة ونقص، والله أعلم.
"الْأوْعَالُ": تيوس الجبال، واحدها وَعِل.
قوله: "في حديث عبد الله غلظ كل واحد" قال ابن عباس: كل سماء مطبقة على الأخرى كالقبة، وسماء الدنيا ملتزمة أطرافها بالأرض، كذا نُقل عنه.
قوله: "عن الحسن عن أبي هريرة".
قلت: وفيها أيضاً اانقطاع؛ لأن الحسن لم يسمع من أبي هريرة، وأثبت بعض المحدثين سماعه، فعليه هي أصح من التي قبلها، وعلى القول الأول يتعارضان وهو اختيار البيهقي، ولهذا جمع بينهما في كتاب "الأسماء والصفات"(3).
8 -
وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه قَالَ: أَتَى أَعْرَابِيٌّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! جُهِدَتِ الأَنْفُسُ، وَضَاعَتِ الْعِيَالُ، وَهَلَكَتِ الأَنْعَامُ، وَنُهِكَتِ الأَمْوَالُ، فَاسْتَسْقِ لَنَا، فَإِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِكَ عَلَى الله تَعَالَى، وَنَسْتَشْفِعُ بِالله عَلَيْكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"وَيْحَكَ أَتَدْرِي مَا تَقُولُ" وَسَبَّحَ صلى الله عليه وسلم، فَمَا زَالَ يُسَبِّحُ حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: "وَيْحَكَ إِنَّهُ لَا يُسْتَشْفَعُ بِالله تَعَالَى عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، شَأْنُ اللهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَيْحَكَ، أَتَدْرِي مَا الله: إِنَّ
(1) انظر التعليقة المتقدمة.
(2)
في "السنن" رقم (2398) وهو حديث ضعيف، وقد تقدم.
(3)
(2/ 289 - 292 رقم 851).
عَرْشَهُ عَلَى سَمَوَاتِهِ - لهَكَذَا - وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ: مِثْلَ الْقُبَّةِ عَلَيْهِ، وإنَّهُ لَيَئِطَّ أَطِيطَ الرَّحْلِ بِالرَّاكِبِ" (1) أخرجهما أبو داود.
قوله: "في حديث جبير بن مطعم وقال بأصابعه مثل القبة" قال الخطابي (2) رحمه الله: هذا الكلام إذا جرى على ظاهره كان فيه نوع من الكيفية، والكيفية عن الله سبحانه وعن صفاته منفية، فعلم أن ليس المراد منه تحقيق هذه الصفة ولا تحديده على هذه الهيئة، وأنما هو كلام تقريب، أريد به تقرير عظمة الله وجلاله، وأنه إنما قصد به إفهام السائل من حيث يدرك فهمه، إذ كان أعرابياً جلفاً لا علم له بمعاني [ما دق](3) من الكلام، وفي الكلام حذف [319 ب] وإضمار فمعنى قوله:"أتدري ما الله؟ " معناه: أتدري ما عظمة الله وجلاله؟
وقوله: "حتى لتأط به" معناه أنه تعجز عن عظمته وجلاله حتى تئط له، إذ كان معلوماً أن أطيط الرجل بالراكب إنما يكون لقوة ما فوقه، ولعجزه عن احتماله، فقرر بهذا النوع من التمثيل عنده معنى عظمة الله وجلاله، وارتفاع عرشه ليعلم أنّ الموصوف يعلو الشأن وجلالة القدر، وفخامة الذكر لا يجعل شفيعاً إلى من هو دونه في القدر وأسفل منه في الدرجة، وتعالى الله أن يكون مشبهاً بشيء أو متكيفاً بصورة خلق أو مدركاً بحد {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} (4) انتهى (5).
9 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: أخذَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِيَدِي، فَقَالَ: "خَلَقَ الله التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ، وخَلَقَ فِيهَا الجِبَالَ يَوْمَ الأَحَدِ، وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ، وَخَلَقَ المَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ،
(1) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (4736) وهو حديث ضعيف.
(2)
في "معالم السنن"(5/ 95 - 96 - مع "السنن").
(3)
في المخطوط (أ. ب) مبادئ وما أثبتناه من "معالم السنن".
(4)
سورة الشورى الآية (11).
(5)
أي كلام الخطابي: "معالم السنن"(5/ 95 - 96 - مع "السنن").
وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ، وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الخَمِيسِ، وَخَلَقَ آدَمَ عليه السلام بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الُجمعَةِ فِي آخِرِ الخَلْقِ فِى آخِرِ سَاعَةٍ مِن ساعَاتِ النَّهارِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ". أخرجه مسلم (1). [صحيح].
قوله: "في حديث أبي هريرة خلق الله التربة يوم السبت" في تفسير (2) ابن كثير في سورة (3) الأعراف أن يوم السبت لم يقع فيه خلق؛ لأنه اليوم السابع.
قوله: "النور" بالراء وروي بالنون أي الحوت.
"أخرجه مسلم" تكلم عليه النووي والبخاري (4) وغير واحد من الحفاظ، وجعلوه من كلام كعب أن أبا هريرة إنما سمعه منه فاشتبه على بعض الرواة فجعله مرفوعاً، قاله ابن كثير في تفسيره (5).
وقال البيهقي في كتاب "الأسماء والصفات"(6): وزعم بعض أهل العلم بالحديث أنه غير محفوظ بمخالفته ما عليه أهل التفسير وأهل التواريخ.
(1) في "صحيحه" رقم (2789) وهو حديث صحيح.
وأخرجه أبو يعلى (10/ 513، 514) وابن أبي حتم في تفسيره (1/ 103 رقم 305) وابن مندة في التوحيد رقم (58) وابن كثير في تفسيره (6/ 319) وهو حديث صحيح.
(2)
(6/ 319).
(3)
الآية (54).
(4)
ذكره البخاري في "التاريخ الكبير"(1/ 413، 414) من طريق إسماعيل بن أمية به، ثم قال:"وقال بعضهم عن أبي هريرة عن كعب وهو أصح"، قال الألباني في "الصحيحة" معقباً على قول البخاري هذا: "فمن هذا البعض وما حاله في الضبط والحفظ حتى يرجع على رواية عبد الله بن رافع؟ وقد وثقه النسائي وابن حبان، واحتج به مسلم، وروى عنه جمع، ويكفي في صحة الحديث أن ابن معين رواه ولم يعله بشيء.
(5)
(6/ 319).
(6)
(2/ 251). =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قال العلامة عبد الرحمن المعلمي في "الأنوار الكاشفة"(ص 188 - 192): "
…
ويمكن تفصيل سبب الإنكار بأوجه:
الأول: أنه لم يذكر خلق السماء وجعل خلق الأرض في ستة أيام.
الثاني: أنه جعل الخلق في سبعة أيام، والقرآن يبين أن خلق السموات والأرض كان في ستة أيام، أربعة منها للأرض ويومان للسماء.
الثالث: أنه مخالف للآثار القائلة أن أول الستة يوم الأحد وهو الذي تدل عليه أسماء الأيام - الأحد - الاثنان - الثلاثاء - الأربعاء - الخميس - فلهذا حاولوا إعلاله، فأعله ابن المديني بأن إبراهيم بن أبي يحيى، قد رواه عن أيوب، قال ابن المديني:"وما أرى إسماعيل بن أمية أخذ هذا إلا عن إبراهيم بن أبي يحيى" - انظر الأسماء والصفات - يعني وإبراهيم مرمي بالكذب فلا يثبت الخبر عن أيوب ولا من فوقه، ويرد على هذا أن إسماعيل ابن أمية ثقة عندهم غير مدلس. فلهذا والله أعلم لم يرتض البخاري قول شيخه ابن المديني وأعل الخبر بأمر آخر فإنه ذكر طرفه في ترجمة أيوب من التاريخ (1/ 1/ 413) ثم قال:"وقال بعضهم عن أبي هريرة عن كعب وهو أصح" اهـ. ومؤدي صنيعه أنه يحدس أن أيوب أخطأ.
وهذا الحدس مبني على ثلاثة أمور، الأول: استنكار الخبر لما مر، الثاني: أن أيوب ليس بالقوي، وهو مقل لم يخرج له مسلم إلا هذا الحديث كما يعلم من الجميع بين رجال "الصحيحين"، وتكلم فيه الأزدي ولم ينقل توثيقه عن أحد من الأئمة إلا أن ابن حبان ذكره في ثقاته، وشرط ابن حبان في التوثيق فيه تسامح معروف، الثالث: الرواية التي أشار إليها بقوله: "وقال بعضهم" وليته ذكر سندها ومتنها فقد تكون ضعيفة في نفسها وإنما قويت عنده للأمرين الآخرين، ويدل على ضعفها أن المحفوظ عن كعب وعبد الله بن سلام ووهب بن منبه ومن يأخذ عنهم أن ابتداء الخلق كان يوم الأحد وهو قول أهل الكتاب المذكور في كتبهم وعليه بنوا قولهم في السبت، انظر الأسماء والصفات وأوائل تاريخ ابن جرير.
وفي "الدر المنثور"(3/ 91) أخرج ابن أبي شيبة عن كعب قال: "بدأ الله بخلق السموات والأرض يوم الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة، وجعل كل يوم ألف سنة"، وأسنده ابن جرير في أوائل التاريخ (1/ 22) واقتصر على أوله:"بدأ الله بخلق السموات والأرض يوم الأحد والاثنين"، فهذا يدفع أن يكون ما في الحديث من قول كعب، وأيوب لا بأس به وصنيع ابن المديني يدل على قوته عنده وقد أخرج له =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= مسلم في "صحيحه" كما علمت وإن لم يكن حده أن يحتج به في الصحيح، فمدار الشك في هذا الحديث على الاستنكار وقد يجاب عنه بما يأتي.
أما الوجه الأول فيجاب عنه بأن الحديث وإن لم ينص على خلق السماء فقد أشار إليه بذكره في اليوم الخامس النور وفي السادس الدواب وحياة الدواب محتاجة إلى الحرارة، والنور والحرارة مصدرهما الأجرام السماوية، والذي فيه أن خلق الأرض نفسها كان في أربعة أيام كما في القرآن، والقرآن إذ ذكر خلق الأرض في أربعة أيام لم يذكر ما يدل على أن من جملة خلق النور والدواب، وإذ ذكر خلق السماء في يومين لم يذكر ما يدل أنه في أثناء ذلك لم يحدث في الأرض شيئًا، والمعقول أنها بعد تمام خلقها أخذت في التطور بما أودعه الله تعالى فيها، والله سبحانه لا يشغله شأن عن شأن.
ويجاب عن الوجه الثاني: بأنه ليس في هذا الحديث أنه خلق في اليوم السابع غير آدم، وليس في القرآن ما يدل أن خلق آدم كان في الأيام الستة، ولا في القرآن ولا السنة ولا المعقول أن خالقية الله عز وجل وقفت بعد الأيام الستة بل هذا معلوم البطلان، وفي آيات خلق آدم أوائل البقرة وبعض الآثار ما يؤخذ منه أنه كان في الأرض عمار قبل آدم عاشوا فيها دهراً، فهذا يساعد القول بأن خلق آدم متأخر بمدة عن خلق السموات والأرض، فتدبر الآيات والحديث على ضوء هذا البيان يتضح لك إن شاء الله أن دعوى مخالفة هذا الحديث لظاهر القرآن قد اندفعت. ولله الحمد.
وأما الوجه الثالث: فالآثار القائلة أن ابتداء الخلق يوم الأحد ما كان منها مرفوعاً فهو أضعف من هذا الحديث بكثير، وأما غير المرفوع فعامته، من قول عبد الله بن سلام وكعب ووهب ومن يأخذ عن الإسرائيليات، وتسمية الأيام كانت قبل الإسلام تقليداً لأهل الكتاب فجاء الإسلام وقد اشتهرت وانتشرت فلم ير ضرورة إلى تغييرها؛ لأن إقرار الأسماء التي عرفت واشتهرت وانتشرت لا يعد اعترافاً بمناسبتها لما أخذت منه أو بنيت عليه إذ قد أصبحت لا تدل على ذلك وإنما تدل على مسمياتها فحسب، ولأن القضية ليست مما يجب اعتقاده أو يتعلق به نفسه حكم شرعي، فلم تستحق أن يحتاط لها بتغيير ما اشتهر وانتشر من تسمية الأيام.
وقد ذكر السهيلي في "الروض الأنف"(1/ 271) هذه القضية وانتصر لقول ابن إسحاق وغيره الموافق لهذا الحديث حتى قال: "والعجب من الطبري على تبحره في العلم كيف خالف مقتضى هذا الحديث، وأعنف في الرد على ابن إسحاق وغيره ومال إلى قول اليهود إن الأحد هو الأول
…
"، وفي بقية كلامه لطائف: منها: أن =
10 -
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فِي المَسْجِدِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسُ، فَقَالَ:"يَا أَبا ذَرٍّ! أَتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ هَذِهِ الشَّمْسُ"، فَقُلْتُ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "تَذْهَبُ لِتَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَتَسْتَأْذِنَ فَيُؤْذَنَ لهَا، وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ فَلَا يُقْبَلَ مِنْهَا، وَتَسْتَأْذِنَ فَلَا يُؤْذَنَ لهَا، وَيُقَالُ لهَا: ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَىَ {وَالشَّمْسُ
= تلك التسمية خصت خمسة أيام لم يأت في القرآن منها شيء وجاء فيه أسماء اليومين الباقيين - الجمعة والسبت - لأنه لا تعلق لهما بتلك التسمية المدخولة، ومنها: أنه على مقتضى الحديث يكون الجمعة سابعاً وهو وتر مناسب لفضل الجمعة كما ورد: "إن الله وتر يحب الوتر" ويضاف إلى هذا يوم الاثنين فإنه على هذا الحديث يكون الثالث وهو المناسب لفضله.
وفي الصحيح "فيه ولدت وفيه أنزل علي"، فأما الخميس فإنما ورد فضل صومه، وقد يوجه ذلك بأنه لما امتنع صوم اليوم الفاضل وهو الجمعة؛ لأنه عيد الأسبوع عوض عنه بصوم اليوم الذي قبله. وفي ذلك ما يقوي شبه الجمعة بالعيد، وفي "الصحيحين" في حديث الجمعة:"نحن الآخرون السابقون .... " والمناسب أن يكون اليوم الذي للآخرين هو آخر الأيام.
هذا وفي البداية لابن كثير (1/ 17): "وقد رواه النسائي في "التفسير" عن إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني عن محمد بن الصباح عن أبي عبيدة الحداد عن الأخضر بن عجلان عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيدي فقال: "يا أبا هريرة! إن الله خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش يوم السابع، وخلق التربة يوم السبت، وذكر بتمامه بنحوه فقد اختلف على ابن جريج .... "، أقول: في صحة هذه الرواية عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح نظر لا أطيل ببيانه، فمن أحب التحقيق فليراجع "تهذيب التهذيب" (7/ 213) و"فتح الباري" (8/ 511) ومقدمته (ص 373) وترجمتي أخضر وعثمان بن عطاء من "الميزان" وغيره، والله الموفق". انتهى.
تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)} [يس: 38] ". أخرجه الشيخان (1) والترمذي (2). [صحيح].
قوله: "وعن أبي ذر".
قلت: تقدم بلفظه في تفسير سورة "يس" وتقدم الكلام عليه مستوفى.
11 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: "الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يُكَوَّرَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". أخرجه البخاري (3). [صحيح].
"التَّكْويرُ": لف العمامة، والمراد أن السماء والأرض تجمعان، وتلفان كما تلف العمامة (4).
قوله: "وعن أبي هريرة".
قوله: "يكوّران" زاد البزار (5)"في النار" قال الخطابي (6): وليس ذلك تعذيباً لهما، بل تبكيتاً لمن كان يعبدهما في الدنيا كما أنّ في النار ملائكة العذاب، وليست معذبة لهم بل وقيل
(1) البخاري في "صحيحه" رقم (3199، 4802، 7424) ومسلم رقم (159).
(2)
في "السنن" رقم (2186، 3227).
قلت: وأخرجه النسائي في "الكبرى" رقم (11430) وابن حبان رقم (6154) وأحمد (5/ 145، 165) وأبو داود رقم (4002) من طرق وقد تقدم.
(3)
في "صحيحه" رقم (3200).
(4)
قاله ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 28).
(5)
ذكره الحافظ في "الفتح"(6/ 300).
(6)
ذكره الحافظ في "الفتح"(6/ 300).
أنهما خلقا من النار فأعيدا إليها.
12 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: سَأَلتْ يَهُودُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ الرَّعْدِ مَا هُوَ؟ قَالَ: "مَلَكٌ مُوَكَلٌ بِالسَّحَابِ وَمَعَهُ مَخَارِيقُ مِنْ نَارٍ يَسُوقَها حَيْثُ شَاءَ الله". قَالُوا: فَمَا هَذَا الصَّوْتُ الَّذِي نَسْمَعُ؟ قَالَ: "زَجْرُهُ بِالسَّحَابِ حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى حَيْثُ أُمِرَتْ". قَالُوا: صَدَقْتَ، فَأَخْبِرْنَا عَمَّا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ قَالَ:"اشْتَكَى عِرْقَ النَّسَا فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا يُلَائِمُهُ، يَعْنِي الْعِرْقَ إِلَاّ لحُومَ الإِبِلِ وَأَلْبَانَهَا، فَلِذَلِكَ حَرَّمَهَا". قَالُوا صَدَقْتَ. أخرجه الترمذي (1). [حسن].
"المَخارِيقُ": جمع مخراق، وهو في الأصل، منديل يفتل ويلوى ويجعل كالحبل تتضارب به الصبيان (2).
قوله: "عرق النسا" بفتح النون والقصر عرق يخرج من الورك يستبطن (3) الفخذين حتى يمرّ بالعرقوب حتى يبلغ الحافر، ويأتي في الطب النبوي.
قوله: "أخرجه الترمذي".
قلت: وقال (4) هذا حديث حسن غريب وفي نسخة حسن صحيح غريب.
(1) في "السنن" رقم (3117) وهو حديث حسن دون قصة الرعد، وأخرجه أحمد (1/ 274).
وأخرجه دون قصة الرعد، أحمد في "المسند"(1/ 279) والطيالسي في "مسنده"(2731) وابن سعد في "الطبقات الكبرى"(1/ 174 - 176) وابن جرير في تفسيره (1/ 431 - 432) وابن أبي حاتم رقم (951) والبيهقي في "الدلائل"(6/ 266 - 267) والطبراني في "الكبير" رقم (13012) من طرق.
وهو حديث حسن.
(2)
قاله ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 39).
(3)
انظر: "المجموع المغيث"(3/ 296)، "النهاية في غريب الجامع"(2/ 739).
(4)
في "السنن"(5/ 294).
13 -
وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقَالَتْ: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ". أخرجه الشيخان (1) والترمذي (2). [صحيح].
قوله: "اشتكت النار" اختلف في هذه الشكوى هل هي بلسان المقال أو الحال، واختار كلاً طائفة.
وقال ابن عبد البر (3): لكلا القولين وجه ونظائر والأول أرجح.
وقال عياض (4) إنه الأظهر، وقال القرطبي (5): لا إحالة في حمل اللفظ على حقيقته، وإذا أخبر الصادق بأمر جائز لم يحتج إلى تأويله فحمله على الحقيقة أولى.
وقال الزين (6) ابن المنير: المختار حمله على الحقيقة لصلاحية القدرة لذلك.
قلت: ويؤيده قوله فقالت: فإنَّه في لسان المقال. [240/ أ].
قوله: "بنفسين" بفتح الفاء، والنفس هو ما يخرج من الجوف، ويدخل فيه من الهواء.
قوله: "نفس في الشتاء ونفس في الصيف" بالجر فيهما على البدل أو البيان، ويجوز الرفع، والمصدرية.
(1) أخرجه البخاري رقم (537) وطرفه رقم (3260) ومسلم رقم (617).
(2)
في "السنن" رقم (2592). وهو حديث صحيح، والله أعلم.
(3)
ذكره الحافظ في "الفتح"(2/ 19).
(4)
في إكمال "المعلم بفوائد مسلم"(2/ 582 - 583).
(5)
في "المفهم"(2/ 244).
(6)
ذكره الحافظ في "الفتح"(2/ 19).
قوله: "أشد" يجوز الكسر فيه، بمعنى البدل، قال ابن [321 ب] (1) حجر: لكنه في روايتنا بالرفع.
قال البيضاوي (2): هو خبر مبتدأ محذوف تقديره فذاك أشد، والمراد بالزمهرير شدة البرد، واستشكل وجوده في النار ولا إشكال؛ لأن المراد بالنار محلها وفيها طبقة زمهريرية وسياق القصة قد يتوهم منها مشروعية تأخير الصلاة في وقت شدة البرد، ولم يقل به أحد؛ لأنها تكون غالباً في وقت الصبح، فلا تزول إلا بطلوع الشمس، فلو أخرت لخرج الوقت، قاله في "الفتح"(3).
14 -
وعن قتادة رضي الله عنه قَالَ: خُلْقَتْ هَذِهِ النُّجُومُ لِثَلَاثِ: جَعَلَهَا الله زِيْنَةً لِلسَّمَاءِ، وَرُجُوْمَاً لِلشّيَاطِيْنِ، وَعَلَامَاتٍ يُهْتَدَىَ بِهَا، فَمَنْ تَأَوَّلَ فِيْهَا غيْرَ ذَلِكَ، فَقَدْ أَخْطَأَ حَظَّهُ، وَأَضَاعَ نَصِيْبَهُ، وَتَكَلَّفَ مَا لَا يَعْنِيْهِ، وَمَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَمَا عَجَزَ عَنْ عِلْمِهِ الْأَنْبِيَاءُ وْالمَلَائِكَةُ، وَالله مَا جَعَل الله فِي نَجْمٍ حَيَاةَ أَحَدٍ، وَلَا رِزْقِهِ، وَلَا مَوْتِهِ، إِنَّمَا يَفْتَرُونَ عَلَى الله الْكَذِبَ، وَيَتَعَلَّلُونَ بِالنُّجُومِ.
أخرجه البخاري (4) استشهاداً إلى قوله ما لا علم له به، وأخرج باقيه رزين.
(1) في "فتح الباري"(2/ 19).
(2)
ذكره الحافظ في "الفتح"(2/ 19).
(3)
في "فتح الباري"(2/ 19).
(4)
في "صحيحه" رقم (6/ 295 الباب رقم 3) تعليقاً.
وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان"(23/ 123) وأبو الشيخ في "العظمة" رقم (706) وابن أبي حاتم في تفسيره (9/ 2913) وعبد بن حميد في تفسيره كما في التغليق (3/ 489).
قوله: "في حديث قتادة جعلها زينة للسماء" وهو صريح قوله تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} (1).
قوله: "وعلامات" هو صريح: {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)} (2).
قوله: "فمن تأول فيها غير ذلك" كالذين يجعلون لها أحكاماً من سعادة ونحاسة وغير ذلك، فقد تكلم بما لا علم لديه.
والحديث ظاهر [أنه](3) موقوف على قتادة، والبخاري (4) أخرجه تعليقاً فقال: قال قتادة.
قال ابن حجر (5): وصله عبد بن حميد من طريق شيبان عنه به، وزاد في آخره: "وإنّ [ناساً](6) أحدثوا في هذه النجوم كهانة: من غرس بنجم كذا كان كذا، ومن سافر بنجم كذا كان كذا، ولعمري ما من النجوم نجم إلا يولد به الطويل والقصير، والأحمر والأبيض، والحسن والذميم، وما علم هذه النجوم، وهذه الدابة وهذا الطائر [بشيء من الغيب](7). انتهى.
(1) سورة الملك الآية (5).
(2)
سورة النحل الآية (16).
(3)
زيادة من (أ).
(4)
في "صحيحه"(6/ 295 الباب رقم 3) تعليقاً.
(5)
في "فتح الباري"(6/ 295).
(6)
كذا في (أ. ب) والذي في "فتح الباري": [ناساً جهلة بأمر الله قد].
(7)
كذا في (أ. ب) والذي في "فتح الباري"[نشيء من هذا الغيب].
قال الداودي (1): قول قتادة في النجوم حسن إلا قوله: "أخطأ وأضاع نصيبه"، فإنه قصر في ذلك، بل من قال [322 ب] ذلك كافر (2). انتهى.
15 -
وَعَن أَبُي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ الله تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الأَرْضِ، فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الأَرْضِ، مِنْهُمُ الأَحْمَرُ وَالأَبْيَضُ وَالأَسْوَدُ، وَبَيْنَ ذَلِكَ، وَالسَّهْلُ وَالحَزْنُ، وَالخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ". أخرجه أبو داود (3) والترمذي (4). [صحيح].
قوله: "في حديث أبي موسى فجاء بنو آدم على قدر الأرض" ومثله ما أخرجه ابن جرير (5) عن علي عليه السلام: "إن آدم خلق من أديم الأرض فيه الطيب والصالح والرديء، فكل ذلك أنتَ رآءٍ في ولده".
وفي الباب عدة أحاديث بمعناه، وقد قال الله:{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} (6) وقال: {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} (7) فقد قدّر الاختلاف في الألوان قبل إيجادهم.
(1) ذكره الحافظ في "الفتح"(6/ 295).
(2)
قال الحافظ في "الفتح"(6/ 295) ولم يتعين الكفر في حق من قال ذلك، وإنما يكفر من نسب الاختراع إليها، وأما من جعلها علامة على حدوث أمر في الأرض فلا.
(3)
في "السنن" رقم (4693).
(4)
في "السنن" رقم (2955). وهو حديث صحيح.
(5)
في "جامع البيان"(1/ 512).
(6)
سورة الروم الآية (22).
(7)
سورة فاطر الآية (28).
قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي".
قلت: وصحّحه وأخرجه ابن سعد (1) وعبد بن حميد (2)، والحكيم في "نوادر الأصول"(3)، وابن جرير (4)، وابن المنذر (5)، وأبو الشيخ في "العظمة"(6)، والحاكم (7) وصححه، وابن مردويه (8)، والبيهقي في "الأسماء والصفات"(9).
وأخرج ابن جرير (10) والبيهقي في "الأسماء والصفات"(11)، وابن عساكر (12) عن ابن مسعود وناس من الصحابة قالوا:"بعث الله جبريل إلى الأرض ليأتيه بطين منها، فقالت الأرض: أعوذ بالله منك أن تقبض مني، فرجع ولم يأخذ شيئاً وقال: يا رب! إنها عاذت بك فأعذتها، فبعث ملك الموت فعاذت منه قال: أنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره، فأخذ من وجه الأرض وخلط ولم يأخذ من مكان واحد وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء، فلذلك خرج بنو آدم مختلفين .. " الحديث.
(1) في "الطبقات الكبرى"(1/ 26).
(2)
رقم (548).
(3)
عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(1/ 115).
(4)
في "جامع البيان"(1/ 513).
(5)
عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(1/ 115).
(6)
رقم (4/ 10).
(7)
في "المستدرك"(2/ 261).
(8)
عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(1/ 115).
(9)
رقم (715، 815).
(10)
في "جامع البيان"(1/ 487 - 488، 512).
(11)
رقم (773).
(12)
في "تاريخه"(7/ 377 - 378).
16 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لمَّا خَلَقَ الله تَعَالَى آدَمَ عليه السلام، وَنَفَخَ فيهِ الرُّوحَ عَطَسَ، فَقَالَ الحَمْدُ لله، فَحَمِدَ الله بِإِذْنِهِ، فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: يَرْحَمُكَ الله يَا آدَمُ، اذْهَبْ إِلَى أُولَئِكَ المَلَائِكَةِ إِلَى مَلإٍ مِنْهُمْ جُلُوسٍ فَقُلِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. فَقَالُوا: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى رَبِّهِ فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ بَنِيكَ بَيْنَهُمْ. فَقَالَ الله تَعَالَى: وَيَدَاهُ مَقْبُوضَتَانِ اخْتَرْ أَيَّهُمَا شِئْتَ قَالَ: اخْتَرْتُ يَمِينَ رَبِّي، وكِلْتَا يَدَيْ رَبِّي يَمِينٌ مُبَارَكَةٌ، فَبَسَطَهَا، فَإِذَا فِيهَا آدَمُ وَذَرِّيَّتُهُ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ! مَا هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ ذُرِّيَّتُكَ فَإذَا كُلُّ إِنْسَانٍ مَكْتُوبٌ عُمْرُهُ بَيْنَ عَيْنيْهِ، وَإِذَا فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْ أَضْوَئِهِمْ. فَقَالَ: يَا رَبِّ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: ابْنُكَ دَاوُدُ، وَقَدْ كَتَبْتُ لَهُ عُمْرَ أَرْبَعِينَ سَنَةً. قَالَ: زِدْ فِي عُمُرِهِ. قَالَ: ذَاكَ الَّذِي كَتَبْتُ لَهُ. قَالَ: أَيْ رَبِّ! فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُ لَهُ مِنْ عُمْرِي سِتِّينَ سَنةً، قَالَ: أنْتَ وَذَاكَ. قَالَ ثُمَّ أُسْكِنَ الجَنَّةَ مَا شَاءَ الله، ثُمَّ أُهْبِطَ مِنْهَا، وَكَانَ آدَمُ عليه السلام يَعُدُّ لِنَفْسِهِ. فَأَتَاهُ مَلَكُ المَوْتِ، فَقَالَ لَهُ: قَدْ عَجِلْتَ، أَلَيْسَ قَدْ كُتِبَ لِي أَلْفُ سَنَةٍ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنَّكَ جَعَلْتَ لِابْنِكَ دَاوُدَ مِنْهَا سِتَّينَ سَنَةً، فَجَحَدَ آدَمُ، فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ، وَنَسِيَ فَنَسِيَتْ ذُرَّيَّتُهُ. قَالَ: فَمِنْ يَوْمِئِذٍ أُمِرَ بِالْكِتَابِ وَالشُّهُودِ". أخرجه الترمذي (1)، [صحيح] وتقدم في [تفسير] (2) سورة الأعراف: بدون هذا.
قوله: "في حديث أبي هريرة وقد جعلت [323 ب] له عمر أربعين سنة".
تقدم في تفسير الأعراف في حديث أبي هريرة "أنه سأل آدم ربه فقال: رب كم جعلت عمره؟ قاله: ستين سنة، قال: رب زده من عمري أربعين سنة.
قوله: "فجحد فجحدت ذريته" أي أنه تخلّق الأبناء بخلق الآباء في الجحد والنسيان، وجحد الذرية ما حكاه الله عنهم من تكذيب العهد الذي عهده تعالى إليهم، والنسيان من آدم
(1) في "السنن" رقم (3368). وهو حديث صحيح.
(2)
في (ب) تفسيره في.
أراد به أكله من الشجرة كما قال تعالى: {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)} (1)، وفيه أن أخلاق الآباء يرثها الأبناء، ولذا قال قوم مريم:{مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28)} (2)، وقال أولاد [يعقوب] (3):{إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} (4)، فأهل الخير لا يأتي منهم الشر، وأهل الشر لا يستنكر منهم إتيانه منهم.
قوله: "فمن يومئذ" أي: من يوم إذ جحد آدم "أمر الله بالكتاب" أي: كتب ما يحتاج إلى الكتب مما يجوز إنكاره والشهود عليه.
قوله: "وتقدم في سورة الأعراف" أي: من حديث أبي هريرة وتخريج الترمذي وتصحيحه له.
17 -
وعن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: "خُلِقَتِ المَلَائِكَةُ مِنَ نُورٍ، وَخُلِقَ الجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آَدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ". أخرجه مسلم (5). [صحيح].
قوله: [324 ب]"في حديث عائشة من مارج من نار" قال ابن عباس (6): مارج من نار، من لهبها من وسطها، وعنه (7): خالص النار، وعن مجاهد (8) من مارج من نار قال: اللهب الأخضر والأصفر الذي يعلو النار.
(1) سورة طه الآية (115).
(2)
سورة مريم الآية (28).
(3)
في (أ) يوسف.
(4)
سورة يوسف الآية (77).
(5)
في "صحيحه" رقم (2996). وأخرجه أحمد (6/ 153، 168) وأبو الشيخ في "العظمة"(2/ 726).
(6)
أخرجه ابن جرير في "جامع البيان"(22/ 195).
(7)
أخرجه ابن جرير في "جامع البيان"(22/ 195) وابن أبي حاتم في تفسيره (7/ 467).
(8)
أخرجه ابن جرير في "جامع البيان"(22/ 196).
قوله: "والملائكة" جمع ملك بفتح اللام فقيل: مخفف عن مالك، وقيل: من [الألوكة](1) وهي الرسالة (2).
قال جمهور أهل الكلام من المسلمين: الملائكة أجسام لطيفة، أعطيت قدرة على التشكل بأشكال مختلفة، ومسكنها السموات وأبعد من قال أنها الكواكب أو أنها الأنفس الخيرية التي فارقت أجسامها، وغير ذلك من الأقوال التي لا يوجد [241/ أ] في الأدلة السمعية شيء منها.
وقد جاء في كثرة الملائكة وصفاتهم أحاديث منها حديث "أطت السماء" وفيه: "ما فيها موضع أربع أصابع إلا وعليها ملك ساجد .. " الحديث، تقدم من أخرجه.
ولفظ السماء للجنس يشمل السبع السموات، ويدل له ما أخرجه الطبراني (3) من حديث جابر مرفوعاً:"ما في السموات السبع موضع قدم ولا شبر ولا كف إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد"، ومنهم الملائكة الذين ينزلون في السحاب، والملائكة الذين يدخلون البيت المعمور، ففي حديث أخرجه [الطبري] (4) عن قتادة (5) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(1) كذا في المخطوط (أ. ب) والذي في "النهاية" الألوك.
(2)
"النهاية في غريب الحديث"(2/ 679).
(3)
في "الأوسط" رقم (3568).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(10/ 358) وفيه عروة بن مروان، قال الدارقطني: ليس بقوي في الحديث، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(4)
في (أ) الطبراني.
(5)
أخرجه الطبري في "جامع البيان"(21/ 565) والبيهقي في "الشعب" رقم (3994) وعبد الرزاق في تفسيره (2/ 246) عن قتادة {وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4)} ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوماً لأصحابه: "هل =
"البيت المعمور مسجد في السماء بحذاء الكعبة لو خرّ لخرّ عليها، يدخله سبعون ألف ملك كل يوم إذا خرجوا منه، لا يعودوا"(1).
وروى ابن مردويه (2) وابن أبي حاتم (3) من حديث أبي هريرة مرفوعاً وفيه: "وفي السماء نهر يقال له الحيوان يدخله جبريل [325 ب] كل يوم فينغمس فيه ثم يخرج فينتفض فيخر منه سبعون ألف قطرة يخلق الله من كل قطرة ملكاً، منهم الذين يصلون فيه - أي في البيت المعمور - ثم لا يعودون". وإسناد حديث أبي هريرة [ضعيف](4) ومنهم الملائكة الذين يكتبون الناس يوم الجمعة وغير ذلك.
قال الحافظ ابن حجر (5): وقد اشتمل كتاب العظمة (6) لأبي الشيخ من ذكر الملائكة على أحاديث وآثار كثيرة فليطلبها منه من أراد الوقوف على ذلك، وفي كلام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام في ذكر الملائكة، منهم الأمناء على وحيه، والحفظة لعباده، والسدنة بجناته.
قوله: "أخرجه مسلم".
= تدرون ما البيت المعمور؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:"فإنه مسجد في السماء بحيال الكعبة لو خر لخر عليها أو عليه، يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك، إذا خرجوا منه لم يعودوا آخر ما عليهم".
(1)
انظر "التعليقة المتقدمة"، وصوابه لم يعودوا.
(2)
عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(7/ 627).
(3)
في تفسيره (10/ 3314 رقم 18673).
(4)
زيادة من "فتح الباري"(6/ 309) وقد سقطت من (أ. ب).
(5)
في "فتح الباري"(6/ 308).
(6)
(ص 162 - 173) رقم (341 - 377).
قلت: وأخرجه عبد بن حميد (1)، وابن المنذر (2)، وابن مردويه (3)، والبيهقي في "الأسماء والصفات"(4).
18 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قَالَ: لَا وَالله مَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعِيسَى أَحْمَرُ، وَلَكِنْ قَالَ:"بَيْنَمَا أنَّا نَائِمٌ رَأَيتُنيْ أَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ سَبْطُ الشَّعَرِ، يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً، أَوْ يُهَرَاقُ مَاءً، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: ابْنُ مَرْيَمَ، فَذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ، فَإِذَا رَجُلٌ أَحْمَرُ جَسِيمٌ، جَعْدُ الشَّعَرِ، أَعْوَرُ عَيْنِهِ الْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ. قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا الدَّجَّالُ، وَأَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا ابْنُ قَطَنٍ".
قال الزهري: رَجُلٌ مِن خُزَاعَةَ هَلَكَ فِي الجَاهِلِيّةِ، أخرجه الثلاثة (5)، ولم يخرج مسلم قول الزهري. [صحيح].
قوله: "في حديث ابن عمر لا والله ما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعيسى أحمر".
اللام (6) في قوله: "لعيسى" بمعنى عن، وهي مثل قوله:{قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} (7)، ظنّ ابن عمر أن الوصف اشتبه على الراوي، وأن
(1) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(7/ 695).
(2)
عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(7/ 695).
(3)
عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(7/ 695).
(4)
(2/ 258 - 259 رقم 818) بسند صحيح، رجاله ثقات.
(5)
أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (3440) وأطرافه في (3441، 5902، 6999، 7026، 7128) ومسلم رقم (169) ومالك في "الموطأ"(2/ 920).
(6)
ذكره الحافظ في "فتح الباري"(6/ 486).
(7)
سورة الأحقاف الآية (11).
الموصوف بكونه أحمر هو الدجال لا عيسى، وقرب ذلك أن كلاً منهما يقال له المسيح، وهي صفة مدح لعيسى وصفة ذم للدجال.
وكأن (1) ابن عمر قد سمع سماعاً جزماً في وصف عيسى بأنه آدم فساغ له الحلف على ذلك لما غلب على ظنه أنه من وصفه بأنه أحمر واهم.
واعلم أنه وقع في نعت عيسى أنه أحمر، والأحمر عند العرب الشديد البياض مع الحمرة، والأدم الأسمر، ويمكن الجمع بينهما بأنه أحمر لونه بسبب، كالتعب وهو في الأصل [326 ب] أسمر، وقد وافق أبو هريرة على أنّ عيسى أحمر، فظهر أنّ ابن عمر أنكر شيئاً حفظه غيره، وورد أيضاً في شعر عيسى [أنه سبط كما هنا ووقع في أخرى أنه جعد (2) وجمع بينهما](3) أن السبط شعره، والجعد جسمه لا شعره، والمراد بذلك اجتماعه واكتنازه (4).
قوله: "سبط (5) الشعر" بفتح المهملة وكسر الموحدة أي: ليس بجعد، وهو نعت لشعر رأسه.
قوله: "يهادى"(6) أي: يمشي مائلاً بينهما.
قوله: "ينطف" بكسر الطاء المهملة أي: يقطر ومنه النطفة.
(1) ذكره الحافظ في "الفتح"(6/ 486).
(2)
أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (3441).
(3)
زيادة من (أ).
(4)
ذكره الحافظ في "فتح الباري"(6/ 486).
(5)
انظر "النهاية"(1/ 748).
(6)
قال ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 36) تهادى الرجل في مشيته: إذا تمايل، ورأيت فلاناً يهادى بين رجلين، إذا كان يمشي متكئاً عليهما من ضعف وتمايل.
قوله: "أعور عينه اليمنى" كذا بالإضافة، وعينه بالجر وهو للأكثر من إضافة الموصوف إلى صفته وهو جائز عند الكوفيين، وتقديره (1) عند البصريين عين صفحة وجهه اليمنى.
قوله: "طافية" أي: بارزة، وهو من طفا الشيء يطفو بغير همز، إذا علا على غيره وشبهها بالعنبة التي تقع في العنقود بارزة عن نظائرها.
قوله: "أقرب الناس به شبهاً ابن قطن" بفتح القاف والمهملة، قال ابن حجر (2): قلت: اسمه عبد العزى بن قطن بن عمرو بن جندب (3).
قوله: "هلك في الجاهلية" قد أتى في رواية "أنه قال ابن قطن: يا رسول الله! هل يضرني شبهه بي؟ قال: لا أنت مسلم، وهو كافر، فينظر أيهما أصح.
قوله: "ولم يخرج مسلم قول الزهري" بأنه من خزاعة هلك في الجاهلية لكنه قال ابن حجر (4): إنّ كلام الزهري وردّ الإسناد المذكور. [242/ أ][327 ب].
19 -
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: "عُرِضَ عَلَيَّ الأَنْبِيَاءُ عليهم السلام، فَإِذَا مُوسَى عليه السلام ضَرْبٌ مِنَ الرِّجَالِ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَرَأَيْتُ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ عليه السلام فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام، فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا صَاحِبُكُمْ - يَعْنى نَفْسَهُ - وَرَأَيْتُ جبرِيلَ عليه السلام فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ".
(1) قاله ابن حجر في "فتح الباري"(6/ 485).
(2)
في "فتح الباري"(6/ 488).
(3)
ابن سعيد بن عائداً بن مالك بن المصطلق، وأمه هالة بنت خويلد، أفاده الدمياطي، "فتح الباري"(6/ 488).
(4)
في "فتح الباري"(6/ 488).
أخرجه مسلم (1) والترمذي (2). [صحيح].
20 -
وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: "سَامٌ أَبُوْ الْعَرَبِ، وَيَافِثٌ أَبُو الرُّومِ، وَحَامٌ أَبُو الحَبَشِ". أخرجه الترمذي (3). [ضعيف].
21 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ زَكرِيَّا كَانَ نَجَّارَاً". أخرجه مسلم (4). [صحيح].
(1) في "صحيحه" رقم (167).
(2)
في "السنن" رقم (3649).
وهو حديث صحيح.
(3)
في "السنن" رقم (3231) ورقم (3931).
وهو حديث ضعيف، والله أعلم.
(4)
في "صحيحه" رقم (2379) وهو حديث صحيح.