الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَاحِدًا. وفي رواية: ثُمَّ انْطَلَقَ يُهِلُّ بِهِمَا جَمِيعًا حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، وَطَافَ بِالبَيْتِ، وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَنْحَرْ، وَلَمْ يَحْلِقْ، وَلَمْ يُقَصِّرْ، وَلَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ عَلَيْهِ حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ فَنَحَرَ وَحَلَقَ وَرَأَى أَنْ قَدْ قَضَى طَوَافَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الأَوَّلِ. وَقَالَ كَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم.
زاد في رواية: "وأهدى" أخرجه الثلاثة (1) والنسائي (2). [صحيح].
قوله: "بقديد" بالقاف والمهملات [133 ب] مصغر قرية جامعة بين مكة والمدينة وفيه جواز تأخر [(3)] الهدي عن ابتداء الإهلال.
قوله: "بطوافه الأول" أي: سعيه بين الصفا والمروة.
الفصل الثالث: في التمتع وفسخ الحج
فسخ الحج هو الإحرام بالحج لم يتحلل منه بعمل عمرة فيصير متمتعاً.
1 -
عَنْ عَبْدِ الله بْنُ شَقِيقٍ قَالَ: كَانَ عُثْمَانُ رضي الله عنه يَنْهَى عَنِ المُتْعَةِ، وَكَانَ عَلِيٌّ رضي الله عنه يَأْمُرُ بِهَا، فَقَالَ عُثْمَانُ لِعَلِيٍّ رضي الله عنهما كَلِمَةً، فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: لَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّا تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَجَلْ وَلَكِنَّا كُنَّا خَائِفِينَ. أخرجه مسلم (4) والنسائي (5). [صحيح].
قوله: "كلمة" أي: قال عثمان لعلي: دعنا عنك فقال علي: إني لا أستطيع أن أدعك، فلما رأى علي ذلك أهلّ بهما جميعاً.
(1) أخرجه البخاري رقم (1807) ورقم (4184) ومسلم رقم (181/ 1230) ومالك في "الموطأ"(1/ 337 رقم 42).
(2)
في "السنن" رقم (2746).
(3)
في (أ) غير مقروءة، وبياض في (ب).
(4)
في "صحيحه" رقم (158/ 1223).
(5)
في "السنن"(5/ 152) وهو حديث صحيح.
قوله: "ولكن كنا خائفين" قال النووي (1): لعلّه أشار إلى عمرة القضية سنة سبع، لكن لم يكن في تلك السنة حقيقة التمتع بل كانت عمرة وحدها. انتهى.
قال الحافظ (2) بعد كلام النووي: قلت: هي - أي رواية عبد الله بن شقيق - رواية شاذة، فقد روى الحديث مروان بن الحكم وسعيد بن المسيب وهما أعلم من عبد الله بن شقيق فلم يقولا ذلك، والتمتع إنما كان في حجة الوداع وقد قال ابن مسعود كما ثبت عنه في الصحيح (3) "كنا [134 ب] آمن ما يكون الناس" قال: وقال القرطبي (4): قوله: "خائفين" أي: من أن يكون أجر من أفرد أعظم من أجر من تمتع، كذا قال وهو جمع حسن لكن لا يخفى بعده ثم ذكر احتمالاً من عنده فيه بعد وطول.
2 -
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ: تَمتَّعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ رضي الله عنهم، وَأَوَّلُ مَنْ نَهَى عَنْهَا مَعَاوِيَةُ. أخرجهُ الترمذي (5) والنسائي (6).
قوله: "في حديث ابن عباس وأول من نهى عنها معاوية" كأنّ المراد إشاعة النهي وإذاعته، وإلا فلا ريب أنه ثبت عن عمر النهي عنها وسمعته الآن في الرواية عن عثمان.
3 -
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: لقد تمتعنا مع رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يعني معاوية كافر بالعرش يعني بالعرش بيوت مكة في الجاهلية.
أخرجه مسلم (7)[صحيح]
(1) في شرحه لـ "صحيح مسلم"(8/ 202).
(2)
في "فتح الباري"(3/ 425).
(3)
انظر "فتح الباري"(2/ 563 - 564 الحديث رقم (1083) وطرفه (1656) ومسلم رقم (20/ 696).
(4)
في "المفهم"(3/ 349).
(5)
في "السنن" رقم (822) وقال: حديث ابن عباس حديث حسن.
(6)
في "السنن" رقم (2737).
(7)
في "صحيحه" رقم (164/ 1225) وهو حديث صحيح.
ومالك (1) والترمذي (2) والنسائي (3)[حسن]، وهذا لفظ مسلم. [صحيح].
قوله: "في حديث سعد بن أبي وقاص: تمتعنا مع رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهذا - يعني معاوية - كافر بالعرش".
يريد سعد تمتعوا متعة مفردة معه صلى الله عليه وسلم قبل فتح مكة وإسلام معاوية، وهي متعة القضاء سنة سبع، ولكن لا يخفى أنّ معاوية لا ينكر المتعة المفردة، إنما نهى وأنكر وادّعى أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة، لا أنه نهى عن مطلق العمرة، وكذلك عمر وعثمان نهيا عن الجمع بين الحج والعمرة.
وقوله: "بالعرش" بضم المهملة جمع عريش والمراد بها بيوت مكة، وإنما سميت بذلك؛ لأنها كانت عيدان تُنصب وتُظلَّل، وتسمى أيضاً عروشاً واحدها عَرْشٌ، قاله ابن الأثير (4). [135 ب].
4 -
وَعَنْ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ بِالعُمْرَةِ إِلَى الحجِّ وَأَهْدَى، فَسَاقَ مَعَهُ الهدْيَ مِنْ ذِي الحُلَيْفَةِ، وَبَدَأَ فَأَهَلَّ بِالعُمْرَةِ، ثُمَّ أَهَلَّ بِالحَجِّ، وَتمَتَّعَ النَّاسُ مَعَهُ بِالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ، فَكَانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ، فَلمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ، قَالَ لِلنَّاسِ:"مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِىَ حَجَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالبَيْتِ، وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَلْيُقَصِّرْ، وَلْيَحَلِّلْ، ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالحَجِّ وَلْيُهْدِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ". أخرجه الخمسة (5) إلا الترمذي. [صحيح].
(1) في "الموطأ"(1/ 344 رقم 60).
(2)
في "السنن" رقم (823).
(3)
في "السنن" رقم (2734)، وهو حديث حسن.
(4)
في "غريب الجامع"(3/ 115)، وانظر:"القاموس المحيط"(ص 770).
(5)
أخرجه البخاري رقم (1691) ومسلم رقم (174/ 1227) وأبو داود رقم (1805) والنسائي رقم (2757). =
قوله: "في حديث ابن عمر ومن لم يكن منكم أهدى" أي: لم يسق هدياً معه "فليطف بالبيت" أي: طواف العمرة.
"وبالصفا والمروة وليقصر" الحديث، هذا هو الفسخ الذي أمر صلى الله عليه وسلم به أصحابه، وأوجبه عليهم، وشق عليهم ذلك وتعاظموه، وتكلموا فيه بكلام كثير فأحلّوا وأتوا النساء ولبسوا الثياب.
وقوله: "ثم ليهل بالحج" هذا الإهلال قد عيّن لهم وقته وهو يوم التروية، وأوجب عليهم الهدي أو الصيام لمن لم يجد هدياً، وقد فصل حديث ابن عباس الآتي ما أجمل في حديث ابن عمر هذا.
5 -
وَعَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: سُئِلَ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ مُتْعَةِ الحجِّ، فَقَالَ أَهَلَّ المُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ وَأَهْلَلْنَا، فَلمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"اجْعَلُوا إِهْلَالَكُمْ بِالحَجِّ عُمْرَةً إِلَاّ مَنْ قَلَّدَ الهَدْيَ"، فَطُفْنَا بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَأَتَيْنَا النِّسَاءَ، وَلَبِسْنَا الثِّيَابَ وَقَالَ:"مَنْ قَلَّدَ الهَدْيَ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْىُ مَحِلَّهُ"، ثُمَّ أَمَرَنَا عَشِيَّةَ التَّرْوِيَةِ أَنْ نُهِلَّ بِالحَجِّ، فَإِذَا فَرَغْنَا مِنَ المنَاسِكِ جِئْنَا فَطُفْنَا بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوةِ وَقَدْ تَمَّ حَجُّنَا، وَعَلَيْنَا الهَدْيُ كَمَا قَالَ تَعَالَى:{فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} الآية. أخرجه (1) البخاري تعليقاً (2). [صحيح].
6 -
وعن أبي ذر رضي الله عنه قَالَ: كَانَتِ المُتْعَةُ فِي الحَجِّ لَأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً. أخرجه مسلم (3) واللفظ له، وأبو داود (4) والنسائي (5). [صحيح موقوف].
= وأخرجه أحمد (2/ 139 - 140) والبيهقي في "السنن الكبرى"(5/ 17) وهو حديث صحيح.
(1)
في "صحيحه" رقم (1572) وهو حديث صحيح.
(2)
في "صحيحه"(3/ 433 الباب رقم 37 - مع "الفتح").
(3)
في "صحيحه" رقم (160/ 1224).
(4)
في "السنن" رقم (1807) بنحوه.
(5)
في "السنن" رقم (2810). وهو حديث صحيح موقوف.
قوله: "وعن أبي ذر كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد خاصة" يريد كان فسخ الحج إلى المتعة خاصاً بأصحابه صلى الله عليه وسلم دون غيرهم.
وهذه المسألة قد أطال ابن القيم (1) فيها المقال غاية الإطالة وردّ دعوى الاختصاص بل اختار أخيراً أنّ الفسخ عام للمسلمين إلى يوم القيامة، وأنه من دخل مكة حاجاً وطاف
(1) قال ابن القيم: في "زاد المعاد"(2/ 180 - 182) وقد روى عن عثمان مثل قول أبي ذر في اختصاصي ذلك بالصحابة ولكنهما جميعاً مخالفان للمروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك للأبد بمحض الرأي، وقد حمل ما قالاه على محامل:
أحدها: أنهما أرادا اختصاص جواز ذلك بالصحابة، وهو الذي فهمه من حرم الفسخ.
الثاني: "اختصاص وجوبه بالصحابة، وهو الذي كان يراه شيخنا قدس الله روحه يقول: إنهم كانوا قد فرض عليهم الفسخ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم به، وحتمه عليهم، غضبه عندما توقفوا في المبادرة إلى امتثاله وأما الجواز والاستحباب فللأمة إلى يوم القيامة
…
".
الثالث: "أنه ليس لأحد من بعد الصحابة أن يبتدئ حجاً قارناً أو مفرداً بلا هدي، بل هذا يحتاج معه إلى الفسخ، لكن فرض عليه أن يفعل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في آخر الأمر من التمتع لمن لم يسق الهدي، والقران لمن ساق، كما صح عنه ذلك، وأما أن يحرم بحج مفرد، ثم يفسخه عند الطواف إلى عمرة مفردة، ويجعله متعة، فليس له ذلك، بل هذا إنما كان للصحابة
…
".
ثم قال: وإذا تأملت هذين الاحتمالين الأخيرين، رأيتهما إما راجحين على الاحتمال الأول، أو مساويين له، وتسقط معارضة الأحاديث الثابتة الصريحة به جملة، وبالله التوفيق.
وأما ما رواه مسلم في "صحيحه" عن أبي ذر، أن المتعة في الحج كانت لهم خاصة، فهذا إن أريد به أصل المتعة، فهذا لا يقول به أحد من المسلمين، المسلمون متفقون على جوازها إلى يوم القيامة، وإن أريد به متعة الفسخ احتمل الوجوه الثلاثة المتقدمة.
وقال الأثرم في سننه، وذكر لنا أحمد بن حنبل، أن عبد الرحمن بن مهدي حدثه عن سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبي ذر، المتعة في الحج كانت لنا خاصة، فقال أحمد بن حنبل: رحم الله أبا ذر، هي في كتاب الله عز وجل:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196]. =
انفسخ حجه شاء أو أبى، وفي إرشادنا إلى كلامه كفاية، والدال على الخير كفاعله، إذ نقله واستيفاء (1) ما فيه يستغرق الكلام، ويخرج عن المرام من تأليف هذه التعليقة.
7 -
وعند أبي داود (2): كَانَ أَبُو ذَرٍّ يَقُولُ فِيْمَنْ حَجَّ ثُمَّ فَسَخَهَا عُمْرَةً لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِلَّا لِلرَّكْبِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً. [صحيح موقوف].
8 -
وَعَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ المُتْعَةِ فَأَمَرَنِي بِهَا، وَسَأَلْتُهُ عَنِ الهَدْىِ فَقَالَ فِيهَا جَزُورٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ شَاةٌ أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ، قَالَ: وَكَأَنَّ نَاسًا كَرِهُوهَا، فَنِمْتُ فَرَأَيْتُ فِي المنَامِ قَائِلَاً يَقُولُ: عُمْرَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ وَحَجٌّ مَبْرُورٌ، فَأتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَأَخبرْتُهُ فَقَالَ: الله أَكْبَرُ سُنَّةُ أَبِي القَاسِمِ صلى الله عليه وسلم. أخرجه الشيخان (3). [صحيح].
قوله: "وعن أبي [136 ب] جمرة"(4) بالجيم والراء هو نصر - بالصاد المهملة - بن عمران بن عصام بن صعصعة الضبعي، بضم الضاد المعجمة وفتح الموحدة النصري، روى عن ابن عباس وغيره وليس في البخاري ومسلم أبو جمرة سواه.
وقد روى عن ابن عباس جماعة كلهم أبو حمزة بالمهملة والزاي، إلّا هذا، فإنه بالجيم والراء إن أطلق، فإن أرادوا غيره مما هو بالمهملة قيّدوه بالاسم أو بالوصف أو باللقب.
وقال الحاكم أبو أحمد ليس في المحدثين من يكنى أبو جمرة سواه.
قوله: "فأخبرته" فقال لي: أقم عندي وأجعل لك سهماً من مالي، قال شعبة: فقلت: لم؟ فقال: للرؤيا التي رأيت.
= وانظر: مزيد تفصيل "زاد المعاد"(2/ 181 - 182).
(1)
انظر "نيل الأوطار"(9/ 147 - 167 - بتحقيقي).
(2)
في "السنن" رقم (1817) وهو أثر صحيح موقوف، انظر ما تقدم من كلام ابن القيم.
(3)
البخاري رقم (1567، 1688) ومسلم رقم (1242).
(4)
انظر: "التقريب"(2/ 407 رقم 28)، "تهذيب التهذيب"(4/ 220).
قوله: "فقال الله أكبر سنة أبي القاسم"[بفتح سنة أي: وافقت سنة أبي القاسم](1) وكبّر سروراً بذلك سيما [179/ أ] وقد منع العمرة في أشهر الحج من منع سوى ابن عباس؛ لأنه من القائلين بعدم النهي عنها (2).
9 -
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: مَنِ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الحَجِّ ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى يُدْرِكَهُ الحَجُّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ إِنْ حَجَّ وَعَلَيْهِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ. أخرجه مالك (3). [موقوف صحيح].
وقال (4): وَذَلِكَ أَقَامَ حَتَّى أَتَى الحَجُّ ثُمَّ حَجَّ.
وله (5) في أخرى قال: وَالله لَأَنْ أَعْتَمِرَ قَبْلَ الحجِّ وَأُهْدِيَ أَحَبُّ إِلَيِّ مِنْ أَنْ أَعْتَمِرَ بَعْدَ الحَجِّ فِي ذِي الحِجَّةِ. [موقوف صحيح].
10 -
وعن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي: أَنَّ رَجُلَاً سَأَلَ سَعِيْدَ بْنَ المُسِيبِ قَالَ: أعْتَمِرُ قَبْلَ أَن أَحُجّ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَدِ اعْتَمَرَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَبْلِ أَنْ يَحِجّ (6). [صحيح لغيره].
11 -
وعن ابن المسيب: أَنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلْمَةَ اسْتَأْذَنَ عُمَرَ رضي الله عنه أَنْ يَعْتَمِرَ فِي شَوَّالٍ فَأَذِنَ لَهُ، فَاعْتَمَرَ ثُمَّ قَفَلَ إِلَى أَهْلِهِ وَلَمْ يَحِجّ (7). [موقوف صحيح].
(1) زيادة من (أ).
(2)
انظر "فتح الباري"(3/ 430 - 433).
(3)
في "الموطأ"(1/ 344 رقم 62) وهو موقوف صحيح.
(4)
أي مالك في "الموطأ"(1/ 344).
(5)
أخرجه مالك في "الموطأ"(1/ 344 رقم 61) وهو موقوف صحيح.
(6)
أخرجه مالك في "الموطأ"(1/ 343 رقم 57) وهو صحيح لغيره.
(7)
أخرجه مالك في "الموطأ"(1/ 343 رقم 58) وهو موقوف صحيح.
12 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: الصِّيَامُ لِمَنْ تَمَتَّعَ بِالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا مَا بَيْنَ أَنْ يُهِلَّ بِالحَجِّ إِلَى يَوْمِ عَرَفَةَ، فَإِنْ لَمْ يَصُمْ صَامَ أيَّامَ مِنًى، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول ذلك (1). [موقوف صحيح]. أخرج هذه الأحاديث الثلاثة مالك.
13 -
وَعَنْ جَابِرِ رضي الله عنه قَالَ: أَهَلَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالحَجِّ، وَلَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ سِوَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَطَلْحَةَ رضي الله عنه، وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنَ اليَمَنِ وَمَعَهُ هَدْيٌ، فَقَالَ: أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؛ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، وَيَطُوفُوا، وَيُقَصِّرُوا وَيَحِلُّوا، إِلَاّ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَقَالُوا: أَنَنْطَلِقُ إِلَى مِنًى، وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ، وَلَوْلَا أَنَّ مَعِي الهَدْىَ لأَحْلَلْتُ"، وَحَاضَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها، فَنَسَكَتِ المَنَاسِكَ كُلَّهَا، غَيْرَ أَنَّهَا لَمْ تَطُفْ بِالبَيْتِ، فَلمَّا طَهُرَتْ طَافَتْ. وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله! تَنْطَلِقُونَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَأَنْطَلِقُ بِحَجّةٍ؟ فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَاَ إِلَى التَّنْعِيمِ، فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الحَجِّ. أخرجه الخمسة إلا الترمذي، وهذا لفظ الشيخين (2). [صحيح].
قوله: " (3) وعن جابر" الحديث.
قوله: "سوى النبي صلى الله عليه وسلم وطلحة" وأبي بكر وعمر والزبير فجملة من أهدى [137 ب] من الصحابة خمسة كما قاله القاضي مجد الدين الشيرازي في "سفر السعادة"(4).
قوله: "ولولا أن معي الهدي
…
الحديث" معناه: أنه صلى الله عليه وسلم ما منعه من موافقتهم فيما أمرهم به إلا سوقه الهدي، وأنه لو استقبل هذا الرأي، وهو الإحرام بالعمرة في أشهر الحج
(1) أخرجه مالك في "الموطأ"(1/ 426 رقم 255) وهو موقوف صحيح، وأخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (1999).
(2)
أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (1651) ومسلم رقم (136/ 1213).
(3)
في (أ) زيادة "وعن ابن عمر" مضروب عليها.
(4)
لم أجده.
من أول أمره لم يسق الهدي، وفي هذه الرواية تصريح بأنه لم يكن متمتعاً، قاله في "شرح مسلم"(1).
وقال السهيلي (2) عن شيخه أبي بكر بن العربي: أنه صلى الله عليه وسلم إنما ندم على ترك ما هو أسهل وأرفق لا على ترك ما هو أفضل وأوفق، وذلك لما رأى من كراهة أصحابه لمخالفته.
14 -
وفي أخرى للبخاري (3): قَالَ لَهُمْ: "أَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكُمْ، وَاجْعَلُوا الَّتِي قَدِمْتُمْ بِهَا مُتْعَةً، فَقَالُوا: كَيْفَ نَجْعَلُهَا مُتْعَةً وَقَدْ سَمَّيْنَا الحَجَّ؟ فَقَالَ: "افْعَلُوا مَا أَقُولُ لَكُمْ، فَلَوْلَا أَنَّي سُقْتُ الهَدْيَ لَفَعَلْتُ مِثْلَ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ، وَلَكِنْ لَا يَحِلُّ مِنِّي حَرَامٌ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْىُ مَحِلَّهُ فَفَعَلُوا". [صحيح].
قوله: "ولكن لا يحل مني"(4) بكسر الحاء وتشديد منّي مضاف إلى الياء وهو تجريد، أي: لا أحل عن إحرامي. [138 ب].
15 -
وفي أخرى (5): قَدِمْنَا مَكَّةَ لَأَرْبَعٍ خَلوْنَ مِنْ ذِي الحِجّةِ. [صحيح].
قوله: "لأربعٍ خلون من ذي الحجة" وكان خروجهم من المدينة لخمس بقين من ذي القعدة، وقد أطال ابن القيم في "الهدي"(6) في تعيين [يوم](7) خروجه صلى الله عليه وسلم، وقرّر أنه السبت، وردّ على من زعم أنه خرج الجمعة أو الخميس.
(1) في شرحه لـ "صحيح مسلم"(8/ 144).
(2)
في "الروض الأنف"(4/ 248).
(3)
في "صحيحه" رقم (1568).
(4)
انظر "فتح الباري"(3/ 431).
(5)
في "صحيحه" رقم (2505، 2506).
(6)
في "زاد المعاد"(2/ 97 - 98).
(7)
زيادة من (أ).
16 -
وفي رواية (1): أَمَرَنَا أَنْ نَحِلَّ وَنَجْعَلَهَا عُمْرَةً، فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيْنَا وَضَاقَتْ بِهِ صُدُورُنَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَما نَدْرِي شَيْءٌ بَلَغَهُ مِنَ السَّمَاءِ أَمْ شَيْءٌ مِنْ قِبَلِ النَّاسِ، فَقَالَ:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَحِلُّوا، فَلَوْلَا الهَدْيُ الَّذِي مَعِي فَعَلْتُ كَمَا فَعَلْتُمْ"، فَأَحْلَلْنَا حَتَّى وَطِئْنَا النِّسَاءَ، وَفَعَلْنَا مَا يَفْعَلُ الحَلَالُ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَجَعَلْنَا مَكَّةَ بِظَهْرٍ أَهْلَلْنَا بِالحَجِّ. [صحيح].
قوله: "وجعلنا مكة بظهر" أي: خلفنا، وذلك أنهم لم يهلوا من نفس مكة بل من خارجها.
17 -
وفي أخرى لمسلم (2): أَقْبَلْنَا مُهِلِّينَ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بِحَجٍّ مُفْرَدٍ وَأَهَلَّتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها بِعُمْرَةٍ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِسَرِفَ عَرَكَتْ حَتَّى إِذَا قَدِمْنَا طُفْنَا بِاَلكَعْبَةِ وَالصَّفَا وَالمَرْوَةِ وَأَمَرَنَا أَنْ يَحِلَّ مِنَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، قُلْنَا حِلُّ مَاذَا؟ قَالَ:"الحِلُّ كُلُّهُ". فَوَاقَعْنَا النِّسَاءَ، وَتَطَيَّبْنَا بِالطِّيبِ، وَلَبِسْنَا ثِيَابَنَا، وَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَرَفَةَ إِلَاّ أَرْبَعُ لَيَالٍ، ثُمَّ أَهْلَلْنَا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها وَهِيَ تَبْكِي، فَقَالَ:"مَا شَانُكِ؟ "، قَالَتْ: حِضْتُ وَقَدْ حَلَّ النَّاسُ وَلَمْ أَحِلَّ وَلَمْ أَطُفْ، وَالنَّاسُ يَذْهَبُونَ الآنَ إِلَى الحَجِّ، فَقَالَ:"إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ الله عَلَى بَنَاتِ آدَمَ فَاغْتَسِلِي ثُمَّ أَهِلِّي بِالحَجِّ"، فَفَعَلَتْ وَوَقَفَتِ المَوَاقِفَ كُلَّهَا حَتَّى إِذَا طَهَرَتْ طَافَتْ، فَقَالَ:"قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ [جَمِيعًا] "(3). فَقَالَتْ: إِنِّي أَجِدُ فِي نَفْسِي أَنِّي لَمْ أَطُفْ بِالبَيْتِ حَتَّى حَجَجْتُ، قَالَ:"فَاذْهَبْ بِهَا يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَأَعْمِرْهَا مِنَ التَّنْعِيمِ". وَذَلِكَ لَيْلَةَ الحَصْبَةِ، وَكَانَ صلى الله عليه وسلم رَجُلَاً سَهْلَاً إِذَا هَوِيتْ شَيْئَاً تَابَعَهَا عَلَيْهِ. [صحيح].
(1) أخرجها مسلم في "صحيحه" رقم (142/ 1216).
(2)
في "صحيحه" رقم (136/ 1213) و (137/ 1213).
(3)
في (أ) جميعها، وما أثبتناه من (ب) و"صحيح مسلم".
قوله: "وأهلت عائشة بعمرة" هذا أحد الأقوال وقيل: أهلت لحج، ومن قال أهلت بعمرة فإنه أمرها صلى الله عليه وسلم أن تدخل عليها الحج فكانت قارنة كما دلّ له قوله فيما يأتي "فاغتسلي وأهلّي بالحج"، وقرر هذا ابن القيم (1).
قوله: "عركت"(2) بفتح العين والراء معناه حاضت، يقال: عركت تعرك عركاً، كقعد يقعد.
قوله: "طافت" أي: بالبيت وبين الصفا والمروة.
قوله: "قد حللت من حجك وعمرتك جميعاً" هذا صريح أنها كانت قارنة بعد إدخالها الحج على العمرة، فعمرتها من التنعيم عمرة ثانية طيب بها خاطرها [139 ب] لما قالت: إني أجد في نفسي أني لم [أطف](3) بالبيت حين حججت، أي: كما طاف القارنون والفاسخون، فالقارنون طافوا وسعوا للحج والعمرة والفاسخون طافوا للعمرة (4).
قوله: "من التنعيم" هو مكان معروف خارج مكة سمي بذلك؛ لأن عن يمينه جبل يقال له تنعيم، وآخر يقال له ناعم، والوادي يقال له نعمان.
قوله: "ليلة الحصبة" بالحاء المهملة مفتوحة وصاد مهملة وموحدة، وهي الليلة التي نزلوا فيها بالمحصب، وهو المكان الذي نزلوا فيه بعد النفر من منى خارج مكة.
قوله: "سهلاً" أي: سهل الأخلاق كريم الشمائل.
"إذا هويت شيئاً تابعها عليه" أي: شيئاً لا نقص فيه في الدنيا مثل الاعتمار ونحوه.
18 -
وفي رواية له (5): وَأُمِرْنَا أَنْ يَشْتَرِكَ فِي الإِبِلِ وَالبَقَرِ كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ. [صحيح].
(1) في "زاد المعاد"(2/ 159 - 160).
(2)
"النهاية في غريب الحديث"(2/ 194)"غريب الحديث" للهروي (1/ 54).
(3)
في (ب) طفت، والصواب ما أثبتناه من مصدر الحديث و (أ).
(4)
انظر: "المغني"(5/ 312)"المجموع شرح المهذب"(7/ 168).
(5)
في "صحيحه" رقم (138/ 1213).
قوله: "وأمرنا أن [نشترك] "(1) أي: لما لزم الفاسخين الهدي بيّن لهم صلى الله عليه وسلم أنّ البدنة والبقرة عن سبعة، وقد أتت رواية (2)"في عشرة في الإبل".
19 -
وفي رواية له (3): لَمْ يَطُفِ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم وَلَا الصَّحَابَةُ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ إِلَّا طَوَافَاً وَاحِدَاً طَوَافَهُ الأَوَّلِ. [صحيح].
قوله: "إلا طوافاً واحداً" هو طوافهم حي قدموا، فإنه أجزى للعمرة والحج، وذلك لأن الحق أنها لا تثنى أعمال القارن (4)، بل يكفيه طواف واحد لحجه وعمرته [140 ب] وسعي واحد، فقوله:"ولا أصحابه" أي: الذين ساقوا (5) وصاروا قارنين، وأمّا الذين فسخوا فطافوا طوافين وسعوا سعيين.
20 -
وعند أبي داود (6). والنسائي (7). فقالَ سُرَاقَةُ بنُ مَالِكٍ: يَا رَسُولَ الله أَرَأَيْتَ مُتْعَتَنَا هَذ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلأَبَدِ؟ فَقَالَ: "بَلْ هِيَ لِلْأبَدِ". [صحيح].
(1) في المخطوط نشرك، وما أثبتناه من "صحيح مسلم".
(2)
عن ابن عباس قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فحضر الأضحى فذبحنا البقرة عن سبعةٍ والبعير عن عشرة.
أخرجه أحمد (1/ 275) والترمذي رقم (905) وقال: هذا حديث حسن غريب والنسائي رقم (4392) وابن ماجه رقم (3131) وهو حديث صحيح.
(3)
أي لمسلم في "صحيحه"(140/ 1215).
(4)
انظر "تهذيب المدونة"(1/ 524)"المجموع شرح المهذب"(8/ 241).
(5)
انظر: "فتح الباري"(3/ 495).
"المجموع شرح المهذب"(8/ 241 - 243).
(6)
في "السنن"(1787).
(7)
في "السنن" رقم (2805).
وأخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (2506) و (7230) ومسلم بمعناه رقم (1216)، وابن ماجه رقم (2980).
قوله: "أم للأبد" الأبد الدهر ومعناه: أنّ العمرة يجوز فعلها في أشهر الحج إلى يوم القيامة، والقصد به إبطال ما كانت الجاهلية تزعم من أنه لا عمرة في أشهر الحج ويرونه من أفجر الفجور كما يأتي، وقيل: معناه: أَفَسخُ الحج إلى العمرة بنا خاصة؟ أم لكل أحد إلى الأبد وهو اختيار ابن القيم (1).
21 -
وللخمسة (2) إلا الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كَانُوا يَرَوْنَ العُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الفُجُورِ فِي الأَرْضِ، وَكانُوا يُسَمُّونَ المُحَرَّمَ صَفَرَ، وَيَقُولُونَ: إِذَا بَرَأَ الدَّبَرْ وَعَفَا الأَثَرْ وَانْسَلَخَ صَفَرْ حَلَّتِ العُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرْ، قَالَ: فَقَدِمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةِ رَابِعَةٍ مُهِلِّينَ بِالحَجِّ. فَأَمَرَهُمْ النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، فتعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله: أَيُّ الحِلِّ؟ قَالَ: "الحِلُّ كُلُّهُ". [صحيح].
وعند النسائي (3): عَفَا الوَبَرُ بَدَلَ الأَثَرِ.
وزاد بَعْدَ قولهِ (4): وَانْسلَخَ صَفَرُ، أَوْ قال: وَدَخَلَ صَفَرُ.
قوله: "وكانوا يرون" أي: يعتقدون.
قوله: "صفر" كذا في جميع الأصول "الصحيحة".
قال النووي (5): كان ينبغي أن يكتب بالألف لكن على تقدير حذفها؛ لأنه من صفراً.
(1) في "زاد المعاد"(2/ 172 - 174).
(2)
أخرجه البخاري رقم (1564)، ومسلم رقم (198/ 1240)، وأبو داود رقم (1986)، وأحمد (1/ 252)، والنسائي رقم (2813).
(3)
في "السنن" رقم (2813).
(4)
في "السنن" رقم (2813).
(5)
في شرحه لصحيح مسلم (8/ 225).
بالألف منصوباً لأنه مصروف بلا خلاف، والمراد بتسميتهم ذلك لأنهم كانوا يؤخرون حرمة المحرم إلى صفر، فيسمون المحرم صفراً ويستحلونه بالغارات والنهب، ويحرمون بدله صفراً، ويسمونه المحرم فرارًا من توالي ثلاثة أشهر محرمة لضيقها عليهم وقد ضللهم الله في ذلك.
قوله: "إذا برأ الدبر"(1) بفتح الدال المهملة والموحدة، ما يحصل بظهور الإبل من الحمل عليها ومشقة السفر، فإنه كان يبرأ بعد انصرافهم من الحج.
قوله: "وعفا الأثر"(2) بالمثلثة بعد همزة مفتوحة، أي: أندرس أثر الإبل في سيرها، ويحتمل أثر الدبر المذكور وانسلخ صفر أي: المحرم الذي سموه صفراً بزعمهم وهذه الراءات تقرأ ساكنة لإرادة السجع. [180/ أ].
قوله: "صبيحة رابعة" بفتح الصاد المهملة والمراد برابعة ليلة رابعة من ذي الحجة.
قوله: "أي الحلّ" لأنهم كانوا يعرفون أنّ للحج تحلتين فأرادوا بيان ذلك فبين لهم أنهم يتحللون الحل كله؛ لأنّ العمرة ليس لها إلاّ تحلل واحد بخلاف الحج فإنه تحللين:
الأول: بعد رمي جمرة العقبة، فإنه يحل كل شيء ما عدا النساء.
والثاني: بعد طواف الإفاضة فإنه يحل كل شيء.
22 -
وعند مسلم (3) والترمذي (4): قال صلى الله عليه وسلم: "دَخَلَتِ العُمْرَةُ في الحَجِّ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ": أَيْ دَخَلَ عَمَلُهَا في عَملِ الحَجِّ لِلْقَارِن. [صحيح].
(1) انظر: "النهاية في غريب الحديث"(1/ 550)، "المجموع المغيث"(1/ 636).
(2)
انظر: "القاموس المحيط"(1693)، "النهاية في غريب الحديث"(2/ 230).
(3)
في "صحيحه" رقم (203/ 1240).
(4)
في "السنن"(932).
وأخرجه أبو داود رقم (1790)، والنسائي رقم (2815)، وهو حديث صحيح.
ومعنى "بَرَأَ الدُّبُرَ"(1) أي: اندمل العَقْر الذي يكون في ظهر البعير وشفي.
ومعنى "عَفَا الأَثَرُ"(2) أي: اندَرَس لعدم الذهاب والمجيء في الطُّرق.
قوله: "أي دخل عملها في أعمال الحج" كما قررناه قريباً أنه لا تثني أعمالهما وهذا أحد التفسيرين.
قال [141 ب] الخطابي (3): اختلف الناس في تأويل ذلك فقال قوم: إنّ العمرة واجبة، وقال أصحاب الرأي: ليست واجبة، واستدلوا بقوله:"دخلت العمرة في الحج" فسقط فرضها بالحج، وقيل: بل معناه دخلت في وقت الحج وشهوره.
23 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِي أَشْهُرِ الحَجِّ، وَحُرُمِ الحَجِّ وَلَيَالِي الحَجِّ، فَنَزَلْنَا بِسَرِفَ. فقَالَ:"مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ الهَدْي فَلَا. قَالَتْ: فَالآخِذُ بِهَا وَالتَّارِكُ لهَا مِنْ أَصْحَابِهِ. فَأَمَّا رَسُوُل الله صلى الله عليه وسلم وَرِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَكَانُوا أَهْلَ قُوَّةٍ، وَكَانَ مَعَهُمُ الهَدْيُ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى العُمْرَةِ. قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَأَنا أبْكِي. فَقَالَ: "مَا يُبْكِيكِ يَا هَنْتَاهْ؟ ". فَقُلْتُ: سَمِعْتُ قَوْلَكَ لأَصْحَابِكَ فَمُنِعْتُ العُمْرَةَ. فَقَالَ: "وَمَا شَأْنُكِ؟ ". قُلْتُ لَا أُصَلِّي. قَالَ: "لَا يَضُرُّكِ إِنَّمَا أَنْتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ كتَبَ الله عَلَيْكِ مَا كتَبَ عَلَيْهِنَّ، فَكُونِي فِي حَجَّتِكِ، فَعَسَى الله تعالى أَنْ يَرْزُقَكِيهَا". أخرجه الستة إلا الترمذي (4). [صحيح].
قوله: "في حديث عائشة وحرم الحج" بضم الحاء والراء أي: أمكنته وأزمنته وحالاته.
(1) تقدم شرحها.
(2)
تقدم شرحها.
(3)
في "عالم السنن"(2/ 388 - مع "السنن").
(4)
أخرجه البخاري رقم (1560، 1788)، ومسلم رقم (123/ 1211)، وأبو داود رقم (1782)، والنسائي (2741)، وابن ماجه رقم (2963).
قوله: "فليفعل" أي: يفسخ حجه إلى عمرة، وهذا كان أول الأمر جعله إلى اختيارهم ثم حصلت العزيمة عليهم بمكة بإيجاب الفسخ.
قوله: "فمنعت العمرة" مُنعت مبني للمجهول.
قوله: "لا أصلي" كناية عن أنها حاضت، وكان حيضها بسرف يوم السبت وكان طهرها يوم النحر.
قوله: "أن يرزقكيها" كأنه صلى الله عليه وسلم أراد أي يجعل لك أجرها لدخولها في حجك أو المراد منفردة فرزقها عمرة التنعيم [142 ب].
24 -
وفي أخرى (1): فَلَمْ أَزَلْ حَائِضًا حَتَّى كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَلَمْ أُهْلِلْ إِلَاّ بِعُمْرَةٍ، طهُرْتُ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَنْقُضَ رَأْسِي وَأَمْتَشِطَ، وَأُهِلَّ بِالحَجٍّ، وَأَتْرُكَ العُمْرَةَ، فَفَعَلْتُ حَتَّى قَضَيْتُ حَجِّي. [صحيح].
قوله: "أن أنقض رأسي وأمتشط وأهل بالحج" قال ابن حزم (2): إنه لا دليل على تحريم مشط الشعر على المحرم، والإهلال بالحج هو بإدخالها إياه على العمرة.
وقولها: "وأترك العمرة" ليس المراد إبطالها بالكلية والخروج منها، فإنّ الحج والعمرة لا يصح الخروج منهما بعد الإحرام إنما يخرج منهما بالتحلل بعد الفراغ منهما بل معناه ترك أعمالها من الطواف والسعي والتقصير فهو أمر بالإعراض عن إتمام فعالها، وأن تحرم بالحج فتصير قارنة، وإنما أمر عبد الرحمن أن يعمرها من التنعيم ليحصل لها عمرة مفردة كسائر الناس الذين فسخوا الحج إلى العمرة من مكة، ثم أهلّو بالحج يوم التروية فحصل لهم حجة مفردة وعمرة مفردة ونقض رأسها والامتشاط لا يلزم منه إبطال العمرة لأنهما جائزان في الإحرام.
(1) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (112/ 1211).
(2)
"المحلى"(7/ 208).
25 -
وفي رواية (1) قالتْ: فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا مِنًى يَوْمَ النَحْرِ وَطَهَرْتُ، ثُمَّ خَرَجْتُ مِنْ مِنًى فَأَفَضْتُ بِالبَيْتِ، ثُمَّ خَرَجَتْ مَعَهُ فِي النَّفْرِ الآخِرِ حَتَّى نَزَلَ المُحَصَّبَ، فَدَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فقَالَ:"اخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِنَ الحَرَمِ، فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ افْرُغَا، ثُمَّ ائْتِيَا هَا هُنَا، فَإِنِّي أَنْظُرُكُمَا حَتَّى تَأْتِيَا". فَخَرَجْتُ حَتَّى إِذَا فَرَغْتُ مِنَ الطَّوَافِ جِئْتُهُ بِسَحَرَ فَأَذَنَ بِالرَّحِيلِ فَارْتَحَلَ النَّاسُ، فَمَرَّ مُتَوَجِّهًا إِلَى المَدِينَةِ. [صحيح].
26 -
وفي رواية (2): فَمَرَّ بالبَيْتِ وَطَافَ بِهِ قبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ ثُمَّ خَرَجَ إلى المَدِينَةِ. [صحيح].
قوله: "فطاف به قبل الصبح" هذا هو طواف الوداع.
27 -
وفي أخرى (3): خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍ، وَأَهَلَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِالحَجِّ. فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرةٍ فَحَلَّ. وَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ أَوْ جَمَعَ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ فَلَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ. [صحيح].
وَ"أحلّ رسول الله عليه وآله وسلم بالحج" أي: مفردًا وهذا أول الأمر كما قدمناه ثم أتاه آتٍ من ربه وهو بالعقيق يأمره أن يدخل العمرة على الحج فصار قارنًا وعلى هذا يحمل اختلاف الروايات في إحرامه صلى الله عليه وسلم فيمن روى أنه مفرد أو قارن، وأمّا من قال: أنه كان متمتعًا فأراد التمتع اللغوي وهو الانتفاع والارتفاق وقد ارتفق صلى الله عليه وسلم بالقران كارتفاق المتمتع وزيادة وهو الاقتصار على فعل واحد [143 ب] وبهذا يجتمع شمل الأحاديث (4).
(1) أخرجها البخاري رقم (1560، 1788)، ومسلم رقم (123/ 1211).
(2)
انظر: التعليقة المتقدمة.
(3)
أخرجها البخاري في "صحيحه" رقم (1562، 4408)، ومسلم رقم (117/ 1211)، وأبو داود رقم (1783)، والنسائي (2803).
(4)
انظر: "زاد المعاد"(2/ 172 - 176).
قوله: "وأما من أهل بحج أو جمع الحج والعمرة فلم يحلوا حتى كان يوم النحر".
هذا يشكل حينئذٍ من قولها: "وأمّا من أهل بحج" فإنّ المهلين بالحج أُمروا بالفسخ وحلوا في مكة ثم أحرموا بالحج يوم التروية، هذا الذي اتفقت فيه الروايات، وأمّا من جمع فنعم لم يحلوا إلاّ يوم النحر، فهذه اللفظة شاذة (1).
28 -
وعند أبي داود (2): قال صلى الله عليه وسلم: "يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ! أَرْدِفْ أُخْتَكَ فَأَعْمِرْهَا مِنَ التَّنْعِيمِ، فَإِذَا هَبَطْتَ بِهَا مِنَ الأكَمَةِ فَلْتُحْرِمْ فَإِنَّهَا عُمْرَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ". [صحيح].
29 -
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُنِيخٌ بِالبَطْحَاءِ فَقَالَ: "بِمَ أَهْلَلْتَ؟ ". فَقُلْتُ: بِإِهْلَالٍ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. قَالَ: "هَلْ سُقْتَ الهَدْيَ.؟ ". قُلْتُ: لَا. قَالَ "فَطُفْ بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ ثُمَّ أَحِلَّ". فَفَعَلْت، ثُمَّ أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِي فَمَشَطَتْنِي وَغَسَلَتْ رَأْسِي فَكُنْتُ أُفْتِي بِذَلِكَ النَّاسَ فِي إِمَارَةِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه، فَلمّا مَاتَ وَكان عُمَرُ رضي الله عنه فَإنِّي لَقَائمٌ بِالمَوْسِمِ إِذْ جَاءَنِي رَجُلٌ فَقَالَ: اتَّئِدْ في فُتْيَاكَ، إِنَّكَ لَا تَدْرِى مَا يُحدِثُ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ فِي شَأْنِ النُّسُكِ. فَقُلْتُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ: مَنْ كُنَّا أَفْتَيْنَاهُ بِشَيءٍ فَلْيَتَّئِدْ فَهَذَا أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ قَادِمَ عَلَيْكُمْ فَبِهِ فَائْتَمُّوا. فَلمَّا قَدِمَ قُلْتُ له: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ مَا هَذَا الَّذِي بَلَغني؟ أَحْدَثْتَ فِي شَأْنِ النُّسُكِ، فَقَالَ: أَنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ الله تعَالى فَإِنَّ الله تعَالى يَقُولُ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} وَأَنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَدْ قَالَ:"خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُم"، فَإِن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لمْ يَحل حتَى نَحَرَ الهَدْيَ.
"المغني"(5/ 252 - 254).
"فتح الباري"(3/ 429).
(1)
انظر: "فتح الباري"(3/ 423 - 425) و (8/ 104).
(2)
في "السنن" رقم (1995). صحيح.
أخرجه الشيخان (1) والنسائي (2). [صحيح].
قوله: "في حديث أبي موسى منيخ بالبطحاء" أي: بطحاء مكة (3) وهو موضع خارجها ويقال له: الأبطح وهو بجنب المحصب.
قوله: "فقال: أن نأخذ بكتاب الله
…
الحديث" حاصل جواب عمر في منعه الناس عن العمرة أنّ كتاب الله دال على المنع وكذا السنة، أمّا الكتاب فلأمر الإتمام وذلك يقتضي استمرار الإحرام إلى فراغ الحج، وأمّا السُنة فلأنه صلى الله عليه وسلم لم يحل حتى بلغ الهدي محله.
والجواب عن ذلك: أنّ قوله صلى الله عليه وسلم: "لولا أنّ معي الهدي لأحللت" دالٌ على جواز الإحلال لمن ليس معه هدي.
قال المازري (4): قيل: إنّ المتعة التي نهى عنها عمر فسخ الحج إلى العمرة.
قال النووي (5): أنه نهى عن المتعة المعروفة وهي الاعتمار في أشهر الحج ثم الحج من عامه، ونهيه محمول على التنزيه للترغيب في الإفراد.
(1) في "صحيحه" رقم (1559) وله أطراف (1565، 1724، 1795، 4397).
(2)
في "السنن" رقم (2738).
وأخرجه مسلم رقم (154/ 1221)، وأحمد (4/ 395، 396).
(3)
قال ابن الأثير في "النهاية"(1/ 140) أبطح مكة: وهو مسيل واديها، ويجمع البِطاح والأباطح.
وانظر: "المجموع المغيث"(1/ 167).
(4)
في "المعلم بفوائد مسلم"(2/ 56).
(5)
في شرحه لـ "صحيح مسلم"(8/ 203).
30 -
وفي أخرى لمسلم (1) والنسائي (2): أَنَّ أَبَا مُوسى كانَ يُفْتِي بِالمتْعةِ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ فَعَلَهُ وَأَصْحَابُهُ، وَلَكِنْ كِرهْتُ أَنْ يَظَلُّوا مُعَرِّسِينَ بِهِنَّ في الأَرَاكِ ثُمَّ يَرُوحُونَ في الحَجِّ تَقْطُرُ رُءُوسُهُمْ. [صحيح].
قوله: "فَلْيّتئِدْ" أمر بالتَّؤَدة، وهي التأني في الأمر والتثبت (3).
قوله: "ولكن كرهت أن يظلوا معرسين في الأراك ثم يروحون إلى الحج تقطر رءوسهم، كرهت أن يظلوا" أي: الحجاج.
"معرسين" أي: بنسائهم.
"في الأراك"(4) محل بالقرب [144 ب] من مكة.
"ثم يروحون" بعد التعريس بنسائهم.
"تقطر رءوسهم" أي: من الماء الذي اغتسلوا به عن التعريس، وجوابه أنّ هذه الكراهة لا وجه لها فإنّ إتيان النساء للحلال حلال اتفاقًا ولو قبل إحرامه بلحظة، فهذه الكراهة لا مستند لها بل قد أذن لهم صلى الله عليه وسلم بعد الفسخ أن يأتوا كل ما يأتيه الحلال حتى يهلوا يوم التروية، وقد قالوا لمّا أمرهم بالفسخ "فقالوا: ننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر، قال: نعم وسطعت المجامر" (5) وهم لا يطلعون إلى منى إلاّ يوم التروية فأباح صلى الله عليه وسلم لهم إتيان النساء إلى يوم التروية.
(1) في "صحيحه" رقم (157/ 1222).
(2)
في "السنن" رقم (2735).
(3)
قاله ابن الأثير في "غريب الجامع"(3/ 155).
(4)
انظر: "القاموس المحيط". (ص 1202).
(5)
تقدم تخريجه وهو حديث صحيح.
فهذه الكراهة التي ذكرها عمر لا وجه لها، وهذا رأي من عمر، ودليل [181/ أ] على أنه لم يحرم العمرة بل إنما هو من باب تركه الأولى ولا يسلم له ذلك.
31 -
وعن البراء رضي الله عنه قال: كُنْتُ مَعَ عَلِيٍّ رضي الله عنه حِينَ أَمَّرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم علَى اليَمَنِ فَأَصَبْتُ مَعَهُ أَوَانِيَ فَلمَّا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَجَدَ فَاطِمَةَ وَقَدْ نَضَحَتِ البَيْتَ بِنَضُوحٍ فَغَضِبَ. فقَالَت: مَالَكَ؟ إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قدْ أَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَحَلُّوا. فَأَتَيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقَال لي: "كَيْفَ صَنَعْتَ؟ ". قُلْتُ: أَهْلَلْتُ بإِهْلَال النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: إِنِّي سُقْتُ الهَدْيَ وَقَرَنْتُ. قال: وقال لي: انْحَرْ مِن البُدْنِ سَبْعًا وَسِتِّينَ أَوْ سِتًّا وَسِتَين وَأَمْسِكْ لِنَفْسِكْ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ وَأَمْسِكَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ مِنْها بَضعَةً. أخرجه أبو داود (1) والنسائي (2). [إسناده حسن].
"النَّضُوخُ"(3) بخاء معجمة: ضَرْب من الطيب (4).
قوله: "في حديث البراء"(5).
32 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: بَاتَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بذِي الحُلَيْفَةِ حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ عَلَى البَيْدَاءِ، حَمِدَ الله وَسَبَّحَ وَكَبَّر وَهَلَّلَ، ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهِمَا، فَلمَّا قَدِمَ أمرَ النَّاسَ فَحَلُّوا، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَهَلُّوا بِالحَجِّ. فَلمَّا قَضى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الحَجِّ نَحَرَ سَبْعَ بَدَنَاتٍ بِيَدِهِ قِيَامًا. (6)[صحيح].
(1) في "السنن" رقم (1797).
(2)
في "السنن" رقم (2725، 2745) بإسناد حسن.
(3)
انظر: الفائق للزمخشري (3/ 440)، "النهاية" في غريب الحديث (2/ 754).
(4)
ويقال: نضحت البيت بالماء: إذا رششته. قاله ابن الأثير في غريب "الجامع"(3/ 156).
(5)
في (ب) بياض بمقدار سطر.
(6)
أخرجه أحمد (3/ 268)، والبخاري رقم (1551)، وأبو داود رقم (1796، 2793).
33 -
وفي رواية عن بلال بن الحارث: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! فَسْخُ الحَجِّ لَنَا خَاصَّةً أَوْ لِمَنْ بَعْدَنَا؟ قَالَ: "بَلْ لكُمْ خَاصَّةً". أخرجه أبو داود (1). [ضعيف منكر].
وأخرج منه النسائي (2): فَسْخُ الحَجِّ فَقَطْ، وَفَسْخُ الحَجِّ: هو أن يكون قد نوى بالحج ثم يجعله عمرة ويحل ثم يعود ويُحْرِم به.
قوله: "وفي رواية عن بلال بن الحارث" إلى قوله: "أخرجه أبو داود".
قلت: قال المنذري (3): وأخرجه النسائي وابن ماجه.
قال الدارقطني (4): تفرد به ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن الحارث عن أبيه، تفرّد به الدراوردي عنه، هذا آخر كلامه.
(1) في "السنن" رقم (1808).
وأخرجه أحمد في "المسند"(3/ 469)، والنسائي رقم (2808).
وابن ماجه رقم (2984)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني رقم (111).
والطحاوي في شرح مشكل الآثار (2/ 194)، والدارقطني في "السنن"(2/ 241)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(5/ 41). وهو حديث ضعيف منكر.
- قال ابن القيم في "زاد المعاد"(2/ 179): نحن نشهَدُ بالله أن حديث بلال بن الحارث هذا لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلط عليه.
ثم قال ابن القيم: ثم كيف يكون هذا ثابتاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عباس يُفتي بخلافة ويناظر عليه طول عمره بمشهد من الخاصّ والعام، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون ولا يقول له رجل واحد منهم: هذا كان مختصًا بنا ليس لغيرنا
…
(2)
في "السنن" رقم (2808).
(3)
في مختصر "السنن"(2/ 331).
(4)
انظر: "ميزان الاعتدال"(1/ 432 رقم 1111).
والحارث [145 ب] هو ابن بلال وهو شبه المجهول، وقد قال الإمام أحمد بن حنبل (1) في حديث بلال هذا: ولا يثبت، هذا آخر كلامه، انتهى كلام المنذري.
وقد قدمنا الإشارة إلى خلاف الناس (2) في خصوصية الفسخ أو عمومه إلى يوم القيامة.
قال النووي في "شرح مسلم"(3): فسخ الحج إلى العمرة قد اختلف فيه العلماء: هل هو خاص بالصحابة في تلك "السنة" خاصة أو باق لهم ولغيرهم إلى يوم القيامة؟ بالثاني قال أحمد بن حنبل (4) وطائفة: فيجوز لكل من أحرم بحج ولا هدي معه أن يقلب إحرامه عمرة ويتحلل بأعمالها.
وبالأول قال مالك (5) والشافعي (6).
وأبو حنيفة (7) والجمهور فلا يجوز بعدها لهم ولا لغيرهم، وإنما أُمروا به تلك السنة ليخالفوا ما كان عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج. انتهى.
(1) قال الذهبي في "الميزان"(1/ 432): الحارث بن بلال بن الحارث عن أبيه في "فسخ الحج لهم خاصة" رواه عنه ربيعة الرأي - ربيعة بن أبي عبد الرحمن - وحده، وعنه الدراوردي - عبد العزيز بن محمد.
وقال أحمد بن حنبل: لا أقول به، وليس إسناده بالمعروف." اهـ.
(2)
انظر: "زاد المعاد"(2/ 166 - 206).
(3)
(8/ 203 - 204).
(4)
"المغني"(5/ 251 - 255).
(5)
مدونة الفقه المالكي وأدلته (2/ 101).
(6)
"البيان" للعمراني (4/ 88 - 90)، "المجموع شرح المهذب"(7/ 162).
(7)
البناية في شرح الهداية (4/ 209).
قلت: وهذا عذرٌ بارد، أمّا أوّلاً: فلأنه صلى الله عليه وسلم قد اعتمر ثلاث عمر (1): الحديبية والقضية وعمرة الجعرانة كلها في ذي القعدة من أشهر الحج فيمن علم كل أحد أنّ شرعه صلى الله عليه وسلم جواز العمرة في أشهر الحج.
وأمّا ثانيًا: فلأن حجة الوداع ما كان في مكة ولا [حولها](2) مشرك حتى يتبين له هذا الحكم بل كلّهم مسلمون، وبرسول الله صلى الله عليه وسلم مقتدون، والأصل عدم الخصوصية وليس في الباب بها إلاّ حديث بلال وقد أنكرت وفيه ما سمعت وإلاّ أثر أبي ذر (3) وقد تقدم لكنه موقوف.
34 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أَهَلَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بِعُمْرَةٍ وَأَهلَّ أَصْحَابُهُ بِحَجٍّ. أخرجه أبو داود (4). [صحيح].
قوله: "في حديث ابن عباس: أهلّ النبي صلى الله عليه وسلم بعمرة" أي: مع الحج لا بد من تقييده بهذا [146 ب] لتتطابق الأحاديث.
35 -
وعن عكرمة بن خالد المخزومي قال: سَأَلْتُ ابنَ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ العُمْرَةِ قَبْلَ الحَجِّ. فقَالَ: لَا بأْسَ اعتَمَرْ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ الحَجِّ. أخرجه البخاري (5). [صحيح].
(1) أخرجه أحمد (3/ 134)، والبخاري رقم (1780)، ومسلم رقم (217/ 1253) من حديث أنس رضي الله عنه.
(2)
في (ب): حوليها.
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
في "السنن" رقم (1804).
وأخرجه مسلم رقم (1239)، والنسائي (2814)، وأحمد (1/ 240) وهو حديث صحيح.
(5)
في "صحيحه" رقم (1774).
قوله: "في حديث ابن عمر: "اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم قبل الحج" كأنه يريد العمرة المفردة، واعتمر مع الحج في حجة الوداع.
قوله: "أخرجه البخاري" قال الحافظ ابن حجر (1): هذا السياق - أي: سياق البخاري - لحديث عكرمة يقضي أنّ هذا الإسناد مرسلٌ؛ لأن ابن جريج لم يدرك سؤال عكرمة لابن عمر (2). (3)
36 -
وله في أخرى (4) عن ابن عباس رضي الله عنهما: أّنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أبَا بَكْرٍ عَلَى الحَجِّ يُخْبِرُ النَّاسَ بِمَنَاسِكِهِمْ وَيُبَلِّغُهُمْ عَنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حتى أَتَوْا عَرَفَةَ مِنْ قِبَلِ ذِي المجَازِ فَلَمْ يَقْرَبِ الكَعْبَةَ وَلَكِنْ شَمَّرَ إلى ذِي المجَازِ، وَذلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا اسْتَمْتَعُوا بِالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ.
37 -
وعن ابن المسيب: أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أَتَى عُمَرَ رضي الله عنه فَشَهِدَ عِنْدَهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى في مَرَضِهِ الذِي قُبِضَ فيهِ عَن العُمْرَةِ قَبْلَ الحَجِّ. أخرجه أبو داود (5). [ضعيف].
(1) في "الفتح"(3/ 599).
(2)
وتمام عبارة ابن حجر: ولهذا استظهر البخاري بالتعليق عن ابن إسحاق المصرح بالاتصال ثم بالإسناد الآخر عن ابن جريج، فهو يرفع هذا الإشكال المذكور حيث قال عن ابن جريج قال: وقال عكرمة، فإن قيل أن ابن جريج ربما دلس فالجواب: أن ابن خزيمة أخرجه من طريق محمد بن بكر عن ابن جريج قال: قال عكرمة بن خالد. فذكره.
(3)
في (ب) زيادة: "بذاتها وتحققها". أسقطناها؛ لأنه لا داعي لها.
(4)
لم أجده عند البخاري.
(5)
في "السنن" رقم (1793).
قوله: "وعن ابن المسيب أنّ رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتى عمر بن الخطاب فشهد عنده أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي قبض فيه ينهى عن العمرة قبل الحج، أخرجه أبو داود".
قلت: قال المنذري (1): قال الخطابي (2): في إسناد هذا الحديث مقال، وقد اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم قبل حجه، وجواز ذلك بإجماع أهل العلم لم يذكر فيه خلاف.
ويحتمل أن يكون النهي استحباباً وأنه إنما أمر بتقديم الحجُ؛ لأنه أعظم الأمرين ووقته محصور، وأيام السنة كلها تتسع للعمرة، وقد قدّم الله اسم الحج عليها فقال:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (3) انتهى.
(1) في "مختصر السنن"(2/ 317).
(2)
في "معالم السنن" (2/ 390 - مع "السنن".
(3)
سورة البقرة الآية (390).