الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: "أخرجه الترمذي".
قلت: وقال (1): حسن غريب.
الفصل السادس: في أعوان الأئمة والأمراء [346 ب]
1 -
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَرَادَ الله بِالأَمِيرِ خَيْرًا جَعَلَ لَهُ وَزِيرَ صِدْقٍ إِنْ نَسِيَ ذَكَّرَهُ، وَإِنْ ذَكَرَ أَعَانَهُ، وَإِذَا أَرَادَ الله بِهِ غَيْرَ ذَلِكَ جَعَلَ لَهُ وَزِيرَ سُوءٍ، إِنْ نَسِيَ لَمْ يُذَكِّرْهُ وَإِنْ ذَكَرَ لَمْ يُعِنْهُ". أخرجه أبو داود (2) والنسائي (3). [صحيح].
قوله: "في حديث عائشة إذا أراد الله بالأمير خيراً" إرادة الله الخير بعبده تفضل منه وإحسان جزاءً على عمل صالح أسلفه العبد أو نية حسنة، أو محض فضل منه تعالى، فإرادته الخير بالعبد من باب تيسير اليسرى الذي أفاده قوله تعالى:{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)} (4)، وهو كزيادته الهدى لمن اهتدى {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى} (5). [248/ أ].
قوله: "بالأمير" هو ذو الإمارة والولاية، ولو على أهله كما سلف في حديث (6)"كلكم راع".
(1) في "السنن"(4/ 507).
(2)
في "السنن" رقم (2932).
(3)
في "السنن" رقم (4204). وهو حديث صحيح.
(4)
سورة الليل الآية (5 - 7).
(5)
سورة محمد الآية (17).
(6)
تقدم وهو حديث صحيح.
قوله: "جعل له وزير صدق" في "الكشاف"(1): الوزير من الوزر؛ لأنه يتحمل عن الملك أوزاره ومؤنه، أو من الوزر؛ لأن الملك يعتصم برأيه ويلجئ إليه أموره، أو من المؤازرة وهي المعاونة. انتهى.
وقوله: "صدق" أي صادق فالمصدر بمعنى اسم الفاعل وضع موضعه مبالغة، إن نسي الأمير ذكره الوزير ما نسيه من مصالح عباده ونفسه، وإن ذكر أعانه على فعل ما ذكره بيده ولسانه ونفسه.
قوله: "وإذا أراد الله به غير ذلك" أي غير الخير، لم يقل: وإن أراد به شراً، كما أنه تعالى حكى عن الجن أنهم قالوا:{وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10)} (2) فعبروا عن صنعة إرادة الشر تأدباً.
كذلك "جعل له وزير سوء" ووصفه بما هو كاشف بمعنى السوء بقوله "إن نسي لم يذكره" أي: مع أنه ذاكره لما نسيه الأمير، ويحتمل أنهما ينسيان معاً عقوبة لهما وخذلاناً ليفوت ما فيه صلاح دولتهما، وإن ذكر لم يعنه فلا يتم له مراده، وفيه أن الوزير هو القائد للأمير إلى الخير والشر.
[قوله](3): "أخرجه أبو داود والنسائي" زاد في "الجامع الصغير"(4): والبيهقي في [347 ب]"شعب الإيمان"، قال في "الرياض": رواه أبو داود على شرط مسلم، لكن جرى العراقي على ضعفه، وقال: ضعفه ابن عدي وغيره.
(1)(4/ 79).
(2)
سورة الجن الآية (10).
(3)
زيادة من (أ).
(4)
رقم (302).
2 -
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: "مَا بَعَثَ الله تَعاَلىَ مِنْ نَبِيٍّ وَلَا اسْتَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ إِلَاّ كَانَتْ لَهُ بِطَانَتَانِ: بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالمَعْرُوفِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَالمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ الله تَعَالَى". أخرجه البخاري (1) والنسائي (2). [صحيح].
قوله: "في حديث أبي سعيد وأبي هريرة إلا كانت له بطانتان" في "النهاية"(3): بطانة الرجل صاحب سره وداخلة أمره الذي يشاوره في أحواله. انتهى.
والمراد أن لكل نبي وخليفة جلساء صالحون وجلساء على غير ذلك، فالبطانة الأولى تأمره بالمعروف، وتحضه عليه، والبطانة الأخرى بخلاف ذلك، والمعصوم من العصمة وهي المنعة، والعاصم المانع "من عصم الله" أي: منعه بإلطافه عن متابعة البطانة الطالحة.
قال المهلب (4): غرضه إثبات الأمور لله، فهو الذي يعصم من نزغات الشياطين، فالمعصوم من عصمه الله لا من عصم نفسه.
قال البخاري (5): "البطانة الدخلاء" وهو (6) بضم وفتح جمع دخيل، وهو الذي يدخل على الرئيس في مكان خلوته، ويفضي إليه بسره، ويصدقه فيما يخبره به مما يخفى عليه من أمر رعيته، ويعمل بمقتضاه.
(1) في "صحيحه" رقم (6611، 7198).
(2)
في "السنن" رقم (4202). وهو حديث صحيح.
(3)
"النهاية في غريب الحديث"(1/ 142).
(4)
ذكره الحافظ في "الفتح"(13/ 190).
(5)
في "صحيحه" (13/ 189 الباب رقم 42 - مع "الفتح".
(6)
قاله الحافظ في "الفتح"(13/ 190).
وقد استشكل (1) هذا التقسيم بالنسبة إلى النبي؛ لأنه وإن جاز عقلاً أن يكون فيمن يداخله [من يكون](2) من أهل الشر لكنه لا يتصور منه أن يصغي إليه، ويعمل بقوله لوجود العصمة وأجيب: بأن في بقية الحديث الإشارة إلى سلامة النبي من ذلك بقوله: "والمعصوم من عصمه الله"، فلا يلزم من وجود من يشير على النبي بالشر أن يقبل منه. انتهى.
وقيل: أراد بالبطانتين: القلب والنفس، فالقلب يأمر بالطاعة، والنفس تأمر بالمعصية، ولكل جنود، فأيهما غلب فيه مال الإنسان إلى ما غلب.
والصحيح: أن البطانة خواص الإنسان الذين يستنبطون أمره، وجلساؤه، ومشاوروه، وأهل سره، والحديث تحذير للإنسان من خلطائه وجلسائه الذين يجرونه إلى الشر، وحث على العمل بما تدعو إليه بطانة الخير ومعرفة هذه من هذه أن كل من دعاه إلى الخير وحثه عليه فهو من بطانة الخير، ولا ينافي حديث "جعل له وزيراً صالحاً" لأن هذا مسوق لبيان أنه لا يخلو الإنسان [348 ب] عن أهل الشر ومخالطته لهم ودعوتهم له إلى الشر.
3 -
وَعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أُعِيذُكَ بِالله يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ! مِنْ أُمَرَاءَ يَكُونُونَ مِنْ بَعْدِي، مَنْ غَشِىَ أَبْوَابَهُمْ وَصَدَّقَهُمْ فِي كَذِبِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ، وَلَا يَرِدُ عَلىَّ حَوْضَ، وَمَنْ لَمْ يَغْشَ أَبْوَابَهُمْ، وَلَمْ يُصَدِّقْهُمْ فِي كَذِبِهِمْ، وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، وَسَيَرِدُ عَلَىَّ الحَوْضَ، يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ! الصَّلَاةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ حَصِينَةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ. يَا كَعْبُ بْنَ
(1) ذكره الحافظ في "الفتح"(13/ 190).
(2)
زيادة من "فتح الباري".
عُجْرَةَ! إِنَّهُ لَا يَربُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَاّ كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ". أخرجه الترمذي (1)، وهذا لفظه والنسائي (2) بمعناه. [صحيح].
"السُّحْتُ"(3): الحرام من المكسب، والمطعم، والمشرب.
قوله: "كعب بن عجرة"(4) بضم العين المهملة وسكون الجيم وبالراء، وعجرة هو ابن أمية بن عدي البلوي، بفتح الموحدة وفتح اللام، قيل: إنه حليف للأنصار، وقال الواقدي (5): ليس حليفاً لهم، بل هو من أنفسهم نزل الكوفة ومات بالمدينة سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث وخمسين.
وألفاظ الحديث واضحة ومعناه الإخبار بأنه يكون بعده صلى الله عليه وسلم أمراء تحيف فحذّر من غشيان أبوابهم وهو الإتيان إليهم، ومن تصديقهم في كذبهم، ومن إعانتهم على ظلمهم، وأخبره أن الصلاة برهان أي: حجة للعبد على صحة إيمانه، والصوم حصن يتحصن به صاحبه من عذاب الله، والصدقة تطفئ الخطيئة؛ لأن الخطيئة نار في قلب العبد ونار في الآخرة في بدنه، وهو حث على الثلاثة.
قوله: "أخرجه الترمذي وهذا لفظه"(6).
(1) في "السنن" رقم (614).
(2)
في "السنن" رقم (4207).
(3)
ذكره ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 77).
(4)
انظر "الاستيعاب" رقم (2173) والتقريب (2/ 135 رقم 48).
(5)
ذكره ابن عبد البر في "الاستيعاب"(ص 626 رقم 2173).
(6)
في "السنن" رقم (614) وهو حديث صحيح.