الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال ابن حبان (1): بطل الاحتجاج به. انتهى.
الفصل الثاني: في الذين حدهم النبي صلى الله عليه وسلم
-
قلت: زاد ابن الأثير (2) في الترجمة: وأصحابه ورجمهم من المسلمين وأهل الكتاب.
وهي أوفى مما قاله المصنف.
1 -
عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: أَتَى مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ الأَسْلَمِيَّ رضي الله عنه النّبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَزَنَيْتُ، وإنِّي أُرِيدُ أَنْ تُطَهِّرَنِي. فَرَدَّهُ، فَلمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَاهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ. فَرَدَّهُ الثَّانِيَةَ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ:"هَلْ تَعْلَمُونَ بِعَقْلِهِ بَأْسًا تُنْكِرُونَ مِنْهُ شَيْئًا"، فَقَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ إِلَاّ وَفِيَّ الْعَقْلِ مِنْ صَالحِينَا فِيمَا نَرى، فَأتاهُ الثَّالِثَةَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ أَيْضًا فَسَأَل عَنْهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَا بِعَقْلِهِ، فَلمَّا كَانَ الرَّابِعَةَ حَفَرَ لَهُ حُفْرَةً ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ.
قَالَ: فَجَاءَتِ الْغَامِدِيَّةُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله! إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ فَطَهِّرْني. فَرَدَّهَا، فَلمَّا كَانَ مِنَ الْغَدُ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ لِمَ تَرُدُّنِي، لَعَلَّكَ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزًا، فَوَاللهِ إِنِّي لَحُبْلَى. قَالَ:"إِمَّا لَا فَاذهَبِي حَتَّى تَلِدِي". فَلمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي خِرْقَةٍ، قَالَتْ: هَذَا قَدْ وَلَدْتُهُ. قَالَ: "اذهبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيه" فَلمَّا فَطَمَتْهُ أتتْهُ بِالصَّبِيِّ في يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ، فَقَالَتْ: هَذَا يَا نَبِيَّ الله قَدْ فَطَمْتُهُ وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ. فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إلَى رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا، وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا، فَأَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ رضي الله عنه بِحَجَرٍ فَرَمَى رَأْسَهَا فَنَضَحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِهِ فَسَبَّهَا، فَسَمِعَ نَبِيُّ الله صلى الله عليه وسلم سَبَّهُ إِيَّاهَا، فَقَالَ: "مَهْلاً يَا خَالِدُ! فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ!
(1) في المجروحين (2/ 213).
(2)
في "جامع الأصول"(3/ 515).
لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ". ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ. أخرجه مسلم (1) وأبو داود (2). [صحيح].
قوله: "في حديث بريدة فطهرني" دليل أنه قد علم أن الحدود كفارات كما ورد صريحاً في حديث (3) عبادة "ومن فعل شيئاً من ذلك فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له".
قال ابن حجر (4): ولا نعلم في هذا خلافاً فأراد تكفير ما توسخ به من المعصية.
في مسلم (5): فقال صلى الله عليه وسلم: "ويحك ارجع، فاستغفر الله وتب إليه، فرجع غير بعيد، ثم جاء فقال: يا رسول الله".
وفي مسلم (6): أنه صلى الله عليه وسلم قال لماعز: "أحقٌ ما بلغني عنك؟ قال: وما بلغك عني، قال: بلغني أنك وقعت بجارية آل فلان، قال: نعم، فشهد أربع شهادات ثم أمر به فرجم".
(1) في "صحيحه" رقم (22/ 1695).
(2)
في "السنن" رقم (4432، 4433). وهو حديث صحيح.
(3)
أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (18) وله أطراف منها (3892، 3893، 3999، 4894، 6784
…
) عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، وكان شهد بدراً، وهو أحد النقباء ليلة العقبة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه "بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفي منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه".
(4)
في "فتح الباري"(1/ 67).
(5)
في "صحيحه" رقم (22/ 1695).
(6)
في "صحيحه" رقم (19/ 1693).
قال النووي (1): هكذا وقع [253 ب] في هذه الرواية، والمشهور في الروايات أنه أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: طهرني، قال العلماء: لا تنافي بين الروايتين، فيكون قد جيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم من غير استدعاء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للذي أرسله "لو سترته بثوبك يا هزال! لكان خيراً لك"(2)، وكان ماعز عند هزال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لماعز بعد أن ذكر له الذين حضروا ما جرى له "أحقٌ ما بلغني عنك". إلى آخره. انتهى.
قوله: "حفر له حفرة ثم رجم" وفي مسلم (3) رواية أخرى بلفظ "فما حفرنا له".
قال النووي (4): في الحفر للمرجوم والمرجومة مذاهب للعلماء، قال مالك (5) وأبو حنيفة (6) وأحمد (7) في المشهور عندهم: لا يحفر لواحد منهما، وقال قتادة (8) وأبو ثور (9) وأبو حنيفة (10) في رواية: يحفر لهما، وقال بعض المالكية (11): يحفر لمن يرجم بالبينة لا لمن يرجم بالإقرار، ثم ذكر (12) أقوالاً لأصحابه الشافعية لا دليل عليها.
(1) في شرحه لـ "صحيح مسلم"(11/ 196 - 197).
(2)
أخرجه أبو داود رقم (4377) و (4378) وهو حديث حسن.
(3)
في "صحيحه" رقم (23/ 1695).
(4)
في شرحه لـ "صحيح مسلم"(11/ 197).
(5)
"مدونة الفقه المالكي وأدلته"(4/ 635).
(6)
الاختيار (4/ 340 - 341)"البناية في شرح الهداية"(6/ 216 - 217).
(7)
"المغني"(12/ 311).
(8)
ذكره ابن قدامة في "المغني"(12/ 311).
(9)
فقه الإِمام أبي ثور (ص 719).
(10)
"البناية في شرح الهداية"(6/ 216 - 217)"المبسوط"(9/ 51 - 52).
(11)
"مدونة الفقه المالكي وأدلته"(4/ 635).
(12)
أي النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم"(11/ 197).
ورواية مسلم (1) الأخرى بلفظ "فما أوثقناه ولا حفرنا له" تعارض رواية الحفر فأخذ به من قال: لا يحفر، ولكن رواية الإثبات مقدمة على رواية النفي.
قوله: "إما لا" هو بكسر الهمزة من إما وتشديد الميم، وبالإمالة، ومعناه: إذا أبيت أن تستري على نفسك وتتوبي عن قولك فاذهبي حتى تلدي فترجمي بعد ذلك. [216/ أ].
قوله: "فقالت يا رسول الله! هذا قد فطمته وقد أكل الطعام .. الحديث"، وفي "صحيح مسلم"(2) رواية تعارض هذه مع اتفاقهما في "صحيحه" وهي "أنها جاءت الغامدية بالصبي بعد ولادته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذاً لا نرجمها وندع ولدها صغيراً ليس له من يرضعه، فقام رجل من الأنصار فقال: إليّ رضاعه يا نبي الله! [254 ب] قال: فارجمها"، وفي هذه الرواية أنه صلى الله عليه وسلم إنما أمر برجمها بعد تمام رضاعه وأكل الصبي الطعام.
قال النووي (3): فيجب تأويل الأولى وحملها على وفق الثانية؛ لأنها قضية واحدة، والروايتان صحيحتان، والثانية منهما صريحة لا يمكن تأويلها، والأولى ليست صريحة، فيتعين تأويل الأولى، ويكون قوله في الرواية الأولى: قام رجل من الأنصار فقال: إليّ رضاعه، إنما قاله بعد الفطام، وأراد بالرضاع كفالته وتربيته، وسماه رضاعاً مجازاً. انتهى. ولا يخلو عن تأمل.
(1) في "صحيحه" رقم (20/ 1694).
(2)
في "صحيحه" رقم (22/ 1695).
(3)
في شرحه لـ "صحيح مسلم"(11/ 202).
[قال](1) واعلم أن مذهب الشافعي (2) وأحمد (3) وإسحاق (4)، والمشهور من مذهب مالك (5): أنها لا ترجم حتى تجد من يرضعه، فإن لم تجد أرضعته حتى تفطمه ثم رجمت.
وقال أبو حنيفة (6) ورواية عن مالك (7): إذا وضعته رجمت ولا تنتظر حصول مرضعه.
قوله: "لو تابها صاحب مكس لغفر له".
[المكاس](8) هو الذي يعشر أموال المسلمين، ويأخذ من التجار والمختلفين إذا مروا عليه وعبروا به مكسًا باسم العشر أو المجبى، أو أي عبارة عبرها، والمراد أنها بذلت المرأة نفسها للقتل بأشد القتلات، فلو جعل الله هذا توبة لمكاس لقبلت توبته مع عظم ذنبه، فكيف لا تقبل توبة المرأة المرجومة وهو نظير قوله في الرواية الأخرى (9)"أنها تكفي سبعين من أهل المدينة"، المراد: أنها لو كانت التوبة مما يتجزأ وتصح توبة إنسان عن غيره لكفت سبعين عاصياً تفرق بينهم، والله أعلم.
(1) زيادة من (أ).
(2)
"البيان" للعمراني (12/ 386 - 387).
(3)
"المغني"(12/ 328).
(4)
ذكره ابن قدامة في "المغني"(12/ 328).
(5)
"التهذيب في اختصار المدونة"(4/ 415 - 416).
(6)
المبسوط (9/ 54 - 55).
(7)
انظر المدونة (6/ 250).
(8)
في (ب) الماكس.
(9)
أخرجها مسلم في "صحيحه" رقم (24/ 1696) وفيه "
…
لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم".
قال النووي (1): فيه أنّ المكس من أعظم المعاصي والذنوب الموبقات، وذلك لكثرة مطالبات الناس له [بظلاماتهم](2) عنده، وتكرر ذلك منه وانتهابه للناس، وأخذ أموالهم بغير حقها، وصرفها في غير وجهها.
وفيه (3): أنّ توبة الزاني لا تسقط عنه حد الزنا، وكذا حد السرقة والشرب، وهذا أحد القولين في مذهبنا (4) ومذهب مالك (5)، والثاني: أنها تسقط ذلك، وأما توبة المحارب قبل القدرة عليه فتسقط حد المحاربة بلا خلاف عندنا، وعن ابن عباس وغيره لا تسقط. انتهى.
قلت: الآية قد استثنت التائبين بقوله تعالى [255 ب]: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} (6)، فلذا ذهب الشافعية (7) إلى السقوط، فإن قيل: المكاس لو تاب غفر له ما بينه وبين الله، وأمّا حقوق المخلوقين فهي من الذنب الذي لا يترك ولا تذهبه من ذمته التوبة.
قلت: يحتمل أنه لو تاب توبة محققة فلعل الله يرضي عنه غرماؤه في الآخرة من عنده.
قوله: "فصلى عليها" يحتمل أنه مبني للمعلوم.
قال القاضي (8): هو بفتح الصاد واللام عند جماهير رواة "صحيح مسلم".
(1) في شرحه لـ "صحيح مسلم"(11/ 203).
(2)
كذا في المخطوط والذي في شرح "صحيح مسلم"(وظلاماتهم).
(3)
انظر شرح "صحيح مسلم"(11/ 204).
(4)
انظره مفصلاً في البيان (12/ 510 - 512).
(5)
"مدونة الفقه المالكي"(4/ 582 - 583).
(6)
سورة المائدة الآية (34).
(7)
البيان (12/ 511 - 512).
(8)
أي القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(5/ 523).
قلت: ويدل له ما في الرواية الأخرى (1) بلفظ: "فقال له عمر: نصلي عليها يا نبي الله وقد زنت".
قال القاضي (2): وعند الطبري: بضم الصاد، قال: وكذا هو في رواية ابن أبي شيبة (3) وأبي داود (4)، قال: وفي رواية لأبي داود: "فأمرهم أن يصلوا عليها".
قال القاضي (5): ولم يذكر مسلم صلاته صلى الله عليه وسلم على ماعز، وقد ذكرها البخاري (6). انتهى.
2 -
وعن جابر رضي الله عنه قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم برَجُلٍ زَنَى فَجُلِدَ الحدُّ، ثُمَّ أُخْبِرَ أَنَّهُ مُحْصِنٌ فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ. أخرجه أبو داود (7). [إسناده ضعيف].
قوله: "في حديث جابر أخرجه أبو داود".
قلت: وقال (8) في رواية فيه: قال أبو داود: روى هذا الحديث محمَّد بن بكير البرساني عن ابن جريج، موقوفاً على جابر.
(1) أخرجها مسلم في "صحيحه" رقم (23/ 1695).
(2)
في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(5/ 523).
(3)
في مصنفه (10/ 86 رقم 8858).
(4)
في "السنن" رقم (4440).
وأخرجه مسلم رقم (1696) وابن ماجه رقم (2555) مختصراً، والترمذي رقم (1435) والنسائي رقم (1957)، وهو حديث صحيح.
(5)
في "إكمال المعلم"(5/ 523).
(6)
في "صحيحه" رقم (6820).
(7)
في "السنن" رقم (4438) بإسناد ضعيف.
(8)
أي أبو داود في "السنن"(4/ 586).
ورواه (1) بنحوه ابن وهب، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"إن رجلاً زنى فلم يعلم بإحصانه فجلد ثم علم بإحصانه فرجم". انتهى.
3 -
وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أنَّه رضي الله عنه قَالَ: أَتَتْ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وهِيَ حُبْلَى مِنَ الزِّنَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولُ الله! أَصَبْتُ حَدَاً فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، فَدَعَا نَبِيّ الله صلى الله عليه وسلم وَلِيِّهَا فَقَالَ:"أَحْسِنْ إِلَيْهَا، فَإِذَا وَضَعَتْ فَائْتِني بِهَا"، فَفَعَلْ، فَأَمَرَ بِهَا فَشُدَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا، فَقَالَ عُمَرُ: أتُصَلِّي عَلَيْهَا وَقَدْ زَنَتْ؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَينَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ، وَهَلْ وَجَدْتَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لله عز وجل". أخرجه الخمسة (2) إلا البخاري. [صحيح].
قوله: "في حديث عمران بن حصين فقال: أحسن إليها" قال في "شرح مسلم"(3): هذا "الإحسان له سببان: أحدهما: الخوف عليها من أقاربها أن تحملهم الغيرة وتخوف العار بهم أن يؤذوها، فأوصى بالإحسان إليها تحذيراً لهم من ذلك.
والثاني: أمر به رحمة لها إذ [قد](4) تابت [وحرص](5) على الإحسان إليها لما في نفوس الناس من النفرة عن مثلها، وإسماعها الكلام المؤذي [256 ب] ونحو ذلك، فنهى عن هذا كله.
(1) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (4439) بإسناد ضعيف موقوف.
(2)
أخرجه مسلم في "صحيحه"(24/ 1696) وأبو داود رقم (4440) والترمذي رقم (1435) والنسائي رقم (1957). وأطرافه أحمد (4/ 435). وهو حديث صحيح.
(3)
أي النووي في شرح "صحيح مسلم"(11/ 205).
(4)
زيادة من "شرح مسلم".
(5)
في المخطوط وحرصاً، وما أثبتناه من شرح "صحيح مسلم".
وفيه أنها لا ترجم الحبلى حتى تضع، سواء كان حملها من زنا أو غيره، وهذا مجمع عليه لئلا يقتل جنينها، وكذا لو كان حدها الجلد وهي حامل، لم تجلد بالإجماع حتى تضع، وكذا إذا وجب عليها القصاص وهي حامل لا يقتص منها حتى تضع.
قوله: "فشدت عليها ثيابها"(1) هو هكذا في روايات، وفي أخرى (2)"شكت" بالكاف وهي بمعنى شدت، وهما في مسلم.
قال النووي (3): فيه استحباب جمع ثيابها عليها وشدّها بحيث لا تنكشف في تقلبها وتكرار اضطرابها، واتفق العلماء على أنها لا ترجم إلا قاعدة، وأمّا الرجل فجمهورهم أنه يرجم قائماً، وقال مالك (4): قاعداً، وقال غيره: يتخير الإِمام بينهما. [217/ أ].
قوله: " [لقد](5) تابت توبة
…
الحديث" فإن قيل: ما بال ماعز والغامدية لم يقنعا بالتوبة وهي محصلة لغرضهما وهو سقوط الإثم، بل أصرا على الإقرار و [أحبَّا](6) الرجم؟
فالجواب: أن حصول البراءة بالحد وسقوط الإثم متيقن على كل حال لا سيما وإقامة الحد بأمره صلى الله عليه وسلم، وأما التوبة فقد لا تكون نصوحاً وأن يخل بشيء من شروطها فتبقى المعصية وإثمها دائماً عليه فأراد البراءة بطريق متيقن دونما يتطرق إليه الاحتمال هذا.
وأما هل يحد المحصن أولاً ثم يرجم فيأتي الكلام عليه في حديث علي رضي الله عنه.
(1) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (23/ 1696).
(2)
أخرجها مسلم في "صحيحه" رقم (24/ 1696) وأبو داود رقم (4440).
(3)
في شرحه لـ "صحيح مسلم"(11/ 197).
(4)
"مدونة الفقه المالكي وأدلته"(4/ 635).
(5)
زيادة من (أ).
(6)
في (أ. ب) أحبان، هكذا رسمت، والصواب ما أثبتناه، والله أعلم.
4 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ رضي الله عنهما: أَنَّ أَعْرَابِيَّاً أَتَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسولَ الله! أنشُدُكَ بِالله إِلَاّ قَضيْتَ لِي بِكِتَابِ الله تَعَالَى. فَقَالَ الآخَرُ، وَهُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ: نَعَمْ فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ الله تَعَالَى، وَائْذَنْ لِي. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"قُلْ". فَقَالَ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، وإنِّي أُخبرْتُ [أَنَّ](1) عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمائَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ، فَسَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرَّجْمَ. فَقَالَ "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ: لأَقْضَينَّ بَيْنكُمَا بِكِتَابِ الله تَعَالَى، الْوَليدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ عَلَيْكَ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، اغْدُ يَا أُنَيْسُ - لِرَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ - إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا"، فَغَدَا عَلَيْهَا فَاعترفَتْ، فَأَمَرَ بِهَا النّبيّ صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَتْ. أخرجه الستة (2). [صحيح].
وقال مالك (3)"الْعَسِيفُ" الأجير.
قوله: "في حديث أبي هريرة وزيد بن خالد أنشدك الله" هو بفتح الهمزة وسكون النون وضم الشين المعجمة، أي: أنشدك رافعاً نشدي، أي صوتي، وفي نسخ التيسير هنا: بالله، بإثبات الموحدة، وفي "الصحيحين": الله بحذفها.
قال الحافظ ابن حجر (4): ضمن أنشدك أذكرك، فحذف الباء [257 ب] وكأن إثباتها رواية أحد من أخرجه.
(1) في (ب) بأنَّ.
(2)
أخرجه البخاري رقم (6859) ومسلم رقم (25/ 1697، 1698) وأبو داود رقم (4445) والترمذي رقم (1433) والنسائي رقم (5410) وابن ماجه رقم (2549) ومالك في "الموطأ"(2/ 822).
وأخرجه أحمد (4/ 115 - 116) والدامي (2/ 177) والحميدي رقم (811) والطيالسي رقم (953) و (2514) والبغوي في "شرح السنة"(10/ 274 - 275)، وهو حديث صحيح.
(3)
في "الموطأ"(2/ 822).
(4)
في "فتح الباري"(12/ 138).
قوله: "وكان أفقه منه" في شرح الترمذي (1): يحتمل أن [يكون](2) الراوي كان عارفاً بهما قبل أن يتحاكما، فوصف الثاني بأنه أفقه من الأول، إما مطلقاً [أو](3) في هذه القصة الخاصة.
قوله: "قال: قل" ظاهر السياق بأنه الثاني، وجزم الكرماني (4) بأن القائل هو الأول ورده ابن حجر.
قوله: "إن ابني" زاد في البخاري "هذا" قال ابن حجر (5): فيه دليل أن الابن كان حاضراً فأشار إليه. وخلا معظم الروايات عن [هذه اللفظة](6)[](7).
قوله: "كان عسيفاً" بفتح المهملة بعدها مهملة بزنة أجير، ومعناه سمي الأجير عسيفاً؛ لأن المستأجر يعسفه في العمل والعسف الجور (8).
قوله: "على هذا" في "الفتح"(9): ضمن على معنى عند، بدليل رواية عمرو بن شعيب.
وفي رواية: "في أهل هذا".
(1) ذكره الحافظ في "الفتح"(12/ 138).
(2)
زيادة من "فتح الباري".
(3)
كذا في المخطوط (أ. ب) والذي في "الفتح" وإما.
(4)
في شرحه لـ "صحيح البخاري"(23/ 210).
(5)
في "فتح الباري"(12/ 139).
(6)
كذا في المخطوط، والذي في "الفتح" هذه الإشارة.
(7)
في (أ. ب) كلمة غير مقروءة، ويبدو أنها مشطوبة، والله أعلم.
(8)
انظر "النهاية"(2/ 206) و"الفائق" للزمخشري (2/ 429).
(9)
في "فتح الباري"(12/ 139).
قوله: "بمائة شاة ووليدة" هي الجارية، وفي رواية "وخادم"(1)، وفي رواية مالك (2)"وجارية لي".
قوله: "جلد مائة" بالإضافة للأكثر، وقرأه بعضهم بتنوين جلد مرفوع، وتنوين مائة منصوب على التمييز. قال الحافظ (3): ولم تثبت به رواية.
قوله: بكتاب الله، أي: بحكمه؛ لأن الرجم والتغريب ليسا في القرآن.
قوله: "وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام" محمول على أن الولد (4) كان بكر وعلى أنه اعترف بالزنا، وإلا فإقرار الأب عليه لا يقبل، أو يكون هذا فتيا، أي: إن كان ابنك زنى وهو بكر فعليه كذا وكذا.
قوله: "ردّ عليك" أي: مردودة عليك ومعناه يجب ردّه؛ لأن الحدود لا تقبل الفداء.
قوله: "يا أنيس" مصغر أنس، وهو أنيس (5) بن الضحاك الأسلمي على الصحيح المشهور وغلط من زعم أنه أنس بن [258 ب] مالك صغّره صلى الله عليه وسلم عند خطابه.
وهذا محمول على إعلامها بأن هذا الرجل قذفها بابنه، وأنّ لها عليه حد القذف فتطالبه به أو تعفو، إلا أن تعترف بالزنا، فلا حد عليه، ويجب عليها الرجم إن كانت محصنة، فذهب إليها أنيس فأخبرها فاعترفت بالزنا فرجمها.
(1) المراد بالخادم الجارية المعدة للخدمة بدليل رواية مالك. "فتح الباري"(12/ 139).
(2)
في "الموطأ"(2/ 822).
(3)
في "فتح الباري"(13/ 140).
(4)
قاله النووي في شرح "صحيح مسلم"(11/ 207).
(5)
قاله ابن عبد البر في "الاستيعاب"(1/ 203 رقم 95) وانظر "الإصابة"(1/ 287).
قال النووي (1): ولا بد من هذ التأويل؛ لأن ظاهره أنه بعث [لطلب إقامة](2) حد الزنا وهو غيرمراد؛ لأن حد الزنا لا يحتاط له بالتجسس [والتفتيش](3) عنه بل لو أقرّ به الزاني استحب تلقينه الرجوع كما سبق فحينئذ يتعين تأويل الذي ذكرناه، واختلف (4) أصحابنا في البعث: هل يجب على القاضي إذا قذف إنسان معين في محله أن يبعث إليه ليعرفه حقه من حد القذف أم لا يجب؟ والأصح وجوبه. انتهى.
وفي الحديث إيجاب التغريب (5) وفيه خلاف للحنفية (6) والهادوية (7).
قال ابن المنذر (8)[أقسم](9) النبي صلى الله عليه وسلم في قصة العسيف أنه يقضي بكتاب الله [تعالى](10) ثم قال: إنّ عليه جلد مائة وتغريب عام، وهو المبيّن لكتاب الله [تعالى](11).
وقد بيّنا أدلة المخالفين والكلام عليها في شرح "بلوغ المرام"(12)، وأنّ الحق ثبوت التغريب لأدلته.
(1) في شرحه لـ "صحيح مسلم"(11/ 207 - 208).
(2)
كذا في المخطوط والذي في شرح "صحيح مسلم": لإقامة.
(3)
في (أ) والتنقير، وفي (ب) وشقير هكذا رسمت، وما أثبتناه من شرح "صحيح مسلم".
(4)
قاله النووي في شرح "صحيح مسلم"(11/ 207).
(5)
انظر: "الإشراف" لابن المنذر (2/ 31 - 32). "المغني"(12/ 322).
(6)
"البناية في شرح الهداية"(6/ 229)"الاختيار"(4/ 341).
(7)
"البحر الزخار"(1475).
(8)
في "الإشراف"(2/ 31 - 32).
(9)
في (ب) قسم.
(10)
زيادة من "الإشراف"، وهي من مستلزمات النص.
(11)
زيادة من "الإشراف"، وهي من مستلزمات النص.
(12)
في "سبل السلام"(7/ 199 - 225 بتحقيقي).
5 -
وعن مالك (1) رضي الله عنه قال: بلغني أن عثمان رضي الله عنه أتى بامرأة ولدت في ستة أشهر فأمر برجمها، فقال علي رضي الله عنه: إن الله تعالى يقول: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} ، وقال:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} ، فالحمل ستة أشهر، فأمر عثمان بردها فوجدت قد رجمت. [موقوف صحيح].
قوله: "في حديث مالك أن علياً رضي الله عنه قال: فالحمل ستة أشهر".
يريد أقله لأن آية البقرة دلت على أن مدة الرضاعة لمن أراد أن يتمها حولين ودلت آية الأحقاف على أنّ مدة الرضاع والحمل ثلاثون شهراً، فكانت دالة على أن أقل الحمل ستة أشهر لقوله:{وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ} (2) أي: عن الرضاع {ثَلَاثُونَ شَهْرًا} (3) والقصة [خرجها](4).
أيضاً ابن المنذر (5) وابن أبي حاتم (6) وفيها: "فقال علي: أما سمعت الله يقول: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ [218/ أ] شَهْرًا} (7) وقال: {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} (8) فلم تجده بقي إلا ستة أشهر"، قال عثمان: والله [259 ب] ما فطنت لهذا، عليّ بالمرأة، فوجدوها قد فرغ منها، وكان من قولها لأختها: يا أخيّة لا تحزني، فوالله ما كشف فرجي أحد قط غيره، فشبّ الغلام بعد
(1) في "الموطأ"(2/ 825 رقم 11) وهو أثر موقوف صحيح.
(2)
سورة الأحقاف الآية (15).
(3)
سورة الأحقاف الآية (15).
(4)
في (أ) أخرجها.
(5)
عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(1/ 688).
(6)
في تفسيره (2/ 428 رقم 2264).
(7)
سورة الأحقاف الآية (15).
(8)
سورة البقرة الآية (233).
لأختها: يا أخيّة لا تحزني، فوالله ما كشف فرجي أحد قط غيره، فشبّ الغلام بعد فاعترف به الرجل، وكان أشبه الناس به. الحديث.
واتفق مثلها لعلي مع عمر كما أخرجه عبد الرزاق (1) وعبد بن حميد (2) وابن المنذر (3) من طريق قتادة وفيه: قال: رفع إلى عمر امرأة ولدت لستة أشهر فسأل عنها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال علي: لا رجم عليها، ألا ترى أن الله يقول:{وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ} ، وساق كما سلف، فتركها عمر، قال: ثم بلغنا أنها ولدت آخر لستة أشهر.
ومثلها وقعت لابن عباس مع عمر كما أخرجه عبد الرزاق (4) وابن المنذر (5)، وذكر ابن عباس كما ذكر علي في الآية.
قلت: ولا يخفى أن حديث مالك الذي أتى المصنف [به](6) لا يطابق الترجمة؛ لأنها فيمن حده رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما تناسب ترجمة ابن الأثير (7) التي سقناها.
6 -
وعن أبي إسحاق الشيباني رضي الله عنه قال: سَأَلْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى هَلْ رَجَمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: قَبْلَ سُورَةِ النُّورِ، أَوْ بَعْدَهَا؟ قَالَ: لَا أَدْرِي.
(1) في مصنفه رقم (13446).
(2)
عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(7/ 441).
(3)
عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(7/ 441).
(4)
في مصنفه رقم (13447).
(5)
عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(2/ 688).
(6)
سقطت من (أ. ب).
(7)
في "جامع الأصول"(3/ 515) وهو قوله: في الذين حدَّهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ورجمهم من المسلمين وأهل الكتاب.
أخرجه الشيخان (1). [صحيح].
قوله: [قال](2)"لا أدري".
قلت: يريد السائل أنّ الرجم إن كان وقع قبل سورة النور، فيمكن أن يدعى نسخة لما فيها من النص على أنّ حدَّ الزاني الجلد، وإن كان وقع بعدها فيمكن أن يستدل به على نسخ الجلد في حق المحصن، والمسئول قال: لا أدري، فيقال له (3): وإن لم يدر ابن أبي أوفى فقد قام (4) الدليل على أنّ الرجم بعد سورة النور؛ لأن نزولها في قصة الإفك سنة أربع أو خمس، والرجم كان بعد ذلك فإنه حضره أبو هريرة، وإنما أسلم سنة سبع، وحضره ابن عباس، وإنما جاء مع أمه سنة [260 ب] سبع.
6 -
وَعَنْ الشَّعْبِيَّ رضي الله عنه: أَنَّ عَلِيَّاً رضي الله عنه حِينَ رَجَمَ المَرْأَةَ، ضَرَبَهَا يَوْمَ الخَمِيسِ، وَرَجَمَهَا يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَقَالَ: جَلَدْتُهَا بِكِتَابِ الله، وَرَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه البخاري (5).
قوله: "وعن الشعبي" قال الأئمة: لم يثبت (6) سماع الشعبي من علي رضي الله عنه.
قوله: "حين رجم المرأة" اسمها شراحة (7) بضم الشين المعجمة وبالراء، الهمدانية.
(1) البخاري في "صحيحه" رقم (6813، 6840) ومسلم في "صحيحه" رقم (1702).
(2)
زيادة من (أ).
(3)
انظر: "فتح الباري"(12/ 167 - 168).
(4)
قال الحافظ في "فتح الباري"(12/ 120).
(5)
في "صحيحه" رقم (6812) وفيه: "عن علي رضي الله عنه حين رجم المرأة يوم الجمعة، وقال: قد رجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم" قال ابن حجر في "فتح الباري"(12/ 119) في رواية علي بن الجعد: "أن علياً أتى بامرأة زنت فضربها يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة".
(6)
انظر: "فتح الباري"(12/ 119).
(7)
ذكره الحافظ في "الفتح"(12/ 119).
قوله: "ضربها" أي: جلدها جلد [الزنا](1) وفيه حجة لن يرى الجمع بين الجلد والرجم على الثيب المحصن، وإليه ذهب الحسن البصري (2)، وبه قال إسحاق بن راهويه (3).
وروي عن عمر بن الخطاب رجم ولم يجلد، وإليه ذهب عامة الفقهاء (4)، ورأوا أنّ الجلد منسوخ بالرجم، قالوا: وقد رجم (5) صلى الله عليه وسلم ماعزاً ولم يجلده، وكذلك الغامدية، وكذلك المرأة التي أمر صلى الله عليه وسلم أنيساً أن يرجمها، ورجم اليهوديين ولم يجلدهما.
قوله: "ورجمها يوم الجمعة وقال: جلدتها بكتاب الله" أي: بحكمه، حيث قال:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} (6) الآية.
وقوله: "ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم"[أي](7) فإنه صلى الله عليه وسلم رجم ماعزاً وغيره ممن ذكرنا، وهذه سنة فعلية، والقولية حديث عبادة عند مسلم (8) بلفظ:"الثيب بالثيب جلد مائة والرجم .. الحديث"، وفي رواية: أنه قيل لعلي رضي الله عنه: جمعت بين حدين، فذكره.
(1) في (ب) الزاني.
(2)
ذكره ابن قدامة في "المغني"(12/ 313).
(3)
ذكره ابن قدامه في "المغني"(12/ 313). وانظر: "المحلى"(11/ 233 - 234).
(4)
ذهب مالك والحنفية والشافعية وجمهور العلماء إلى أنه لا يجلد المحصن، بل يرجم فقط، وهو مروي عن أحمد بن حنبل.
انظر: "عيون المجالس"(5/ 2087 المسألة 1506). "الإشراف على مذاهب أهل العلم"(2/ 28)"فتح الباري"(12/ 118)، "البيان" للعمراني (12/ 349)"المغني"(12/ 313 - 314).
(5)
تقدم نصه وتخريجه.
(6)
سورة النور الآية (2).
(7)
زيادة من (أ).
(8)
في "صحيحه" رقم (12/ 1690). =
وقال الأكثرون (1): لا يجمع بينهما، وحديث عبادة منسوخ، قالوا: والناسخ ما ثبت في
قصة ماعز، وهي متأخرة عن حديث عبادة؛ لأن حديث عبادة ناسخ لما شرع أولاً من حبس
الزاني في البيوت، فنسخ الحبس بالجلد، وزيد في حق الثيب الرجم، وذلك صريح في حديث
عبادة، ثم نسخ الجلد في حق الثيب، وذلك بالاقتصار في حق من رجمهم رسول الله صلى الله عليه [261 ب] وآله وسلم على الرجم، وقد أجيب (2) بأنّ عدم ذكر الجلد فيما ذكر ترك ذكره لوضوحه، ولكونه الأصل فلا يرد ما وقع من التصريح به بالاحتمال، وقد ثبت الجمع بينهما بحديث عبادة، وعمل علي رضي الله عنه به، والجمع هو الذي قررناه واخترناه في "منحة الغفار على ضوء النهار"(3).
8 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: زَنَى رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: اذْهَبُوا بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِيِّ فَإِنَّهُ نَبِيٌّ بُعِثَ بِالتَّخْفِيفِ، فَإِنْ أَفْتَانَا بِفُتْيَا دُونَ الرَّجْمِ قَبِلْنَاهَا وَاحْتَجَجْنَا عِنْدَ اللهِ تعالى بِهَا، قُلْنَا: فُتْيَا نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِكَ، فَأَتَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ جَالِسٌ فِي المَسْجِدِ فِي أَصْحَابِهِ، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ! مَا تَرَى فِي رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ زَنَيَا؟ فَلَمْ يُكَلِّمْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى أَتَى
= قلت: وأخرجه أحمد (5/ 313) وأبو داود رقم (4415) والترمذي رقم (1434) وابن ماجه رقم (2550) والدارمي (2/ 181) والطيالسي رقم (584) والبيهقي (8/ 221 - 224) والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(3/ 134)، وهو حديث صحيح.
(1)
ذهب مالك والحنفية والشافعية وجمهور العلماء إلى أنه لا يجلد المحصن، بل يرجم فقط، وهو مروي عن أحمد بن حنبل.
انظر: "عيون المجالس"(5/ 2087 المسألة 1506).
الإشراف على مذاهب أهل العلم (2/ 8)، "فتح الباري"(12/ 118). "البيان" للعمراني (12/ 349)، "المغني"(12/ 313 - 314).
(2)
انظر "المغني"(12/ 313 - 314)"فتح الباري"(12/ 118).
(3)
(7/ 222 - 223 - مع الضوء) بتحقيقي.
بَيْتَ مِدْرَاسِهِمْ، فَقَامَ عَلَى الْبَابِ فَقَالَ: "أَنْشُدُكُمُ اللهَ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، مَا تَجِدُونَ
فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ؟ "، قَالُوا: يُحَمَّمُ وَيُجبَّهُ وَيُجْلَدُ،- وَالتَّجْبِيَةُ: أَنْ يُحْمَلَ الزَّانِيَانِ
عَلَى حِمَارٍ، وَتُقَابَلَ أَقْفِيَتُهُمَا، وَيُطَافَ بِهِمَا - قَالَ وَسَكَتَ شَابٌّ مِنْهُمْ، فَلمَّا رَآهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَكَتَ
أَلَظَّ بِهِ النِّشْدَةَ فَقَالَ: اللهمَّ إِذْ نَشَدْتَنَا فَإِنَّا نَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ الرَّجْمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "فَمَا أَوَّل مَا
ارْتَخَصْتُمْ أَمْرَ اللهِ تَعَالَى". قَالَوا: زَنَى ذُو قَرَابَةٍ مَعَ مَلِكٍ مِنْ مُلوكِنَا فَأَخَّرَ عَنْهُ الرَّجْمَ، ثُمَّ زَنَى
رَجُلٌ آخَرُ فِي أُسْرَةٍ مِنَ النَّاسِ فَأَرَادَ رَجْمَهُ فَحَالَ قَوْمُهُ دُونَهُ وَقَالُوا: لَا يُرْجَمُ صَاحِبُنَا حَتَّى
تَجِيءَ بِصَاحِبِكَ فَتَرْجُمَهُ، فَأَصَّلَحُوا هَذِهِ الْعُقُوبَةِ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "فَإِنَّي أَحْكُمُ بِمَا فِي
التَّوْرَاةِ"، فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا. فَقَالَ الزُّهْرِىُّ: فَبَلَغَنَا أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِمْ: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} (1) وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ. أخرجه أبو داود (2). [إسناده ضعيف].
ومعنى "ألظ به"(3): أي: ألح في سؤاله وألزمه إياه.
قوله: "في حديث أبي هريرة قلنا فتيا نبي من أنبيائك" دليل أنهم يعلمون نبوته ويقرون بها، ويرون قوله صلى الله عليه وسلم حجة عند الله.
قوله: "حتى [أتى] (4) بيت مدراسهم" المدراس: صاحب دراسة كتبهم، ومفعل ومفعال من ألفاظ المبالغة، ومنه الحديث الآخر "حتى أتى المدراس" هو البيت الذي يدرسون
(1) سورة المائدة الآية (44).
(2)
في "السنن" رقم (4450، 4451) بإسناد ضعيف.
(3)
قال ابن الأثير في "غريب الجامع"(3/ 547) ألظَّ فلانٌ بفلان إذا لزمه، ويقال: هو مُلظٌ به: لا يفارقه، وقيل: الإلظاظ: الإلحاح والنشدةُ: السُّؤال.
(4)
في (أ) أتوا.
فيه ومفعال غريب في المكان، قاله في "النهاية"(1).
قوله: "ما تجدون في التوراة" قال الباجي (2): يحتمل أن يكون أعلم بالوحي أن حكم الرجم فيها ثابت على ما شرع لم يلحقه تبديل، ويحتمل أن يكون علم ذلك بإخبار عبد الله بن سلام أو غيره، وقوله: ما تجدون، قال العلماء (3): هذا السؤال ليس لتقليدهم ولا لمعرفة الحكم منهم، وإنَّما هو لإلزامهم بما يعتقدونه في كتابهم.
قوله: "يحمم"(4) بالحاء المهملة أي: يصب عليه ماء حار مخلوط بالرماد، وقيل: يسوّد وجهه بالفحم، والتجبيه (5): بالجيم فموحدة فمثناة تحتية، من جبهة الرجل إذا قابلته بما يكره من قول أو فعل، وقيل: هي بوزن تذكرة ومعناها الركوب معكوساً وهو الذي في [219/ أ] الرواية هنا، وهو مدرج من كلام الزهري؛ لأن أصل الحديث من روايته وحاصله [262 ب] إحتمال أنه من الجبْه من جبهه وهو الاستقبال بالمكروه أو من التجبيه.
(1)"النهاية في غريب الحديث"(1/ 564). وانظر: "المجموع المغيث"(1/ 650).
(2)
في "المنتقى"(7/ 133).
(3)
قاله النووي في شرح "صحيح مسلم"(11/ 208).
(4)
انظر "القاموس المحيط"(ص 1418)"النهاية في غريب الحديث"(1/ 439).
(5)
أصل التجبيه أن يحمل اثنان على دابة، ويجعل قفا أحدهما إلى قفا الآخر، والقياس أن يقابل بين وجوههما؛ لأنه مأخوذ من الجبهة، والتجبية أيضاً: أن ينكس رأسه، فيحتمل أن يكون المحمول على الدابة إذا فُعل به ذلك نكس رأسه، فسمي ذلك الفعل تجبيهًا، ويحتمل أن يكون من الجبْه وهو الاستقبال بالمكروه، وأصله من إصابة الجبهة، يقال: جبهته إذا أصبت جبهته.
"النهاية في غريب الحديث"(1/ 233). غريب الحديث للهروي (4/ 76).
قوله: "وسكت شاب منهم" في حديث جابر عند أبي داود (1) فقال صلى الله عليه وسلم: "ائتوني بأعلم رجلين منكم"، وفي حديث ابن عباس (2):"فأتوه برجلين أحدهما شاب والآخر شيخ قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر".
وفي رواية (3): "أن الشاب ابن صوريا".
قوله: "فرجمهما" قال النووي (4): في هذا دليل على وجوب حد الزنا على الكافر، وأنه يصح نكاحه؛ لأنه لا يجب الرجم إلا على المحصن، فلو لم يصح نكاحه لم يثبت إحصانه، ولم يرجم، وفيه: أن الكفار (5) مخاطبون بفروع الشرع، وفيه: أن الكفار إذا تحاكموا إلينا حكم القاضي بينهم بحكم شرعنا. انتهى.
فإن قيل: هل رجمهما صلى الله عليه وسلم بالبينة أم بالإقرار؟ قيل: الظاهر أنه بالإقرار، وقد جاء في "سنن أبي داود" (6) وغيره: أنه شهد عليهما أربعة منهم رأوا ذكره في فرجها، فإن صح هذا فإن كان الشهود مسلمين فظاهر، وإن كانوا يهوداً فلا اعتبار بشهادتهم، ويتعين أنه كان الرجم عن إقرارهما.
(1) في "السنن" رقم (4452) بسند ضعيف.
(2)
أخرجه الطبراني كما ذكره الحافظ في "الفتح"(11/ 168).
(3)
أخرجه أبو داود في "السنن"(4452) بسند ضعيف.
(4)
في شرحه لـ "صحيح مسلم"(11/ 208).
(5)
انظر: "إرشاد الفحول"(ص 72، 73) المحصول (1/ 240 - 241)، "شرح الكوكب المنير"(1/ 512)
(6)
في "السنن"(4452).
وقال المالكية (1) ومعظم الحنفية (2) وربيعة شيخ مالك (3): شرط الإحصان الإسلام، قالوا: وإنما رجمهما صلى الله عليه وسلم بحكم التوراة، وليس هو من حكم الإسلام في شيء، وإنما هو من باب تنفيذ الحكم عليهم بما في كتابهم، فإنّ في التوراة الرجم على المحصن وغير المحصن، ورده الحافظ ابن حجر (4) فإن الروايات أنه لا رجم إلا على المحصن من اليهود قال ابن العربي (5): في الحديث أن الإسلام ليس شرطاً في الإحصان، ثم ذكر توجيهاً لمن قال إن الإسلام شرطه ورده وقال: الحق أحق أن يتبع ولو [263 ب] جاءوني لحكمت عليهم بالرجم ولم أعتبر الإسلام في الإحصان. انتهى، وما أحسن ما قاله!.
وأما قول الحافظ فإن صحّ هذا - أي حديث الإتيان بالشهود - هو حديث رواه أبو داود (6) بلفظ: "فدعا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالشهود فجاءوا أربعة فشهدوا".
والظاهر أنهم من اليهود إذ يبعد اطلاع المسلمين على رؤية الزانيين من اليهود، وأنهم رأوا ذكر الزاني في فرج المرأة مثل الميل في المكحلة.
فالظاهر قبول شهادة اليهود بهذا، وإن كان قال المنذري (7): فيه مجالد بن سعيد وهو ضعيف.
(1)"الاستذكار"(24/ 61)"التمهيد"(14/ 8 - 9، 10). مدونة الفقه المالكي وأدلته (4/ 622 - 623).
(2)
"البناية في شرح الهداية"(6/ 224).
(3)
"الاستذكار"(24/ 61) مدونة الفقه المالكي وأدلته (4/ 622).
(4)
في "فتح الباري"(12/ 170).
(5)
ذكره الحافظ في "الفتح"(12/ 170).
(6)
في "السنن" رقم (4452) بسند ضعيف.
(7)
في "مختصر السنن"(6/ 265).