الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه" (1)، وفيه دليل على أن من يسألها لم يكن له من الله إعانة، فلا يكون فيه كفاية لذلك العمل فلا ينبغي أن يولى ولا تحل توليته.
ولا إله إلا الله فقد انقلبت الأمور الشرعية فصار لا يولى إلا من طلب الولاية وبالغ في طلبها، وبذل الرشوة فيها وتوصّل بالشفعاء.
4 -
وَعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَرَجُلَانِ مِنْ بَنِي عَمِّى، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَا رَسُولَ الله! أَمِّرْنَا عَلَى بَعْضِ مَا وَلَاّكَ اللهُ تَعَالَى. وَقَالَ الآخَرُ: مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ:"إِنَّا وَالله لَا نُوَلِّي هَذَا الْعَمَلِ أَحَدًا سَأَلَهُ أَوْ أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ". أخرجه الخمسة (2) إلا الترمذي. [صحيح].
قوله: "في حديث أبي موسى إنا والله لا نولي
…
" الحديث، في إقسامه صلى الله عليه وسلم دليل تحريم تولية من طلب الولاية، ووجه تحريم ذلك ظاهر، فإنه لا يعان من الله تعالى عليها كما صرح به حديث عبد الرحمن بن سمرة، ومن لا يعينه الله لم يكن كفؤاً لما وليه بسؤال، ولا تحل ولاية من ليس بكفؤ، ولما في سؤاله من التهمة، ولما في حرصه من إظهار حب الرياسة. [342 ب].
الفصل الخامس: في وجوب طاعة الإمام والأمير
1 -
عن أنس رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وإِنْ اسْتُعُمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيْبَةٌ، مَا أَقَامَ فِيكُمْ كِتَابَ اللهَ تَعَالَى". أخرجه البخاري (3). [صحيح].
(1) أخرجه أحمد (4/ 393، 409) والبخاري رقم (7149) ومسلم رقم (14/ 1733) وسيأتي تقريباً.
وهو حديث صحيح.
(2)
أخرجه البخاري رقم (7142، 7149) ومسلم رقم (14/ 1733) وأبو داود رقم (2930) والنسائي في "المجتبى"(8/ 224).
(3)
في "صحيحه" رقم (7142). وأخرجه أحمد (3/ 114). وهو حديث صحيح.
جعل "الزَّبِيبَةَ"(1) مثلاً في سواد رأس الأسود، وجعودة شعره.
قوله: "في حديث أنس وإن استعمل " بضم المثناة على البناء للمجهول، أي: جعل عاملاً في ولاية عامة أو خاصة كإقامة الصلاة وجباية الخراج ونحو ذلك.
قوله: "كأن رأسه زبيبة" بالزاي والموحدة، واحدة الزبيب المعروف المأكول شبه بذلك لصغر رأسه، وذلك معروف في الحبشة، وقيل: لسواده، وقيل: لقصر شعر رأسه وتعلفه، ولما تقرر أنّ الأئمة من قريش، فقيل: أراد صلى الله عليه وسلم هنا إذا ولاه الإمام، أو تغلب على البلاد بشوكته وجنده، ولا يجوز عقد الولاية له بعقد الاختيار؛ لأن من شرطها الحرية (2) ولكن شرط السمع [له] (3) والطاعة بقوله:"ما أقام فيكم كتاب الله" أي: ما عمل فيكم بالقرآن، وهكذا هو في "الجامع".
لكن في البخاري (4) في كتاب الأحكام روى حديث أنس هذا وليس فيه لفظ: "ما أقام فيكم كتاب الله" وقال ابن حجر في "الفتح"(5): في شرح حديث أنس: ولمسلم (6) من حديث أم الحصين "اسمعوا وأطيعوا، ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله". انتهى.
ويدل على أنه ليس في البخاري ذكر التقييد بكتاب الله في رواية أنس وقد ذكر البخاري (7) حديث أنس في باب إمامة العبد في كتاب الصلاة وليس فيه التقييد أيضاً، فينظر
(1) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 62).
(2)
انظر "البيان" للعمراني (13/ 20). "البناية في شرح الهداية"(8/ 4).
(3)
زيادة من (أ).
(4)
في "صحيحه" رقم (7142).
(5)
في "فتح الباري"(13/ 122).
(6)
في "صحيحه" رقم (1833).
(7)
في "صحيحه" رقم (693، 696).
هل ذكره في غير هذين المحلين وذكر التقييد، فإني لم أجده في البخاري، والذي في مسلم بلفظ [343 ب]"يقودكم بكتاب الله"، وابن الأثير و [تبعه] (1) المصنف أتيا بلفظ:"ما أقام فيكم كتاب [الله] "(2) ونسباه إلى البخاري.
2 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ الله، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى الله، وَمَنْ يُطِعِ الأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي". أخرجه الشيخان (3) والنسائي (4). [صحيح].
قوله: "في حديث أبي هريرة من أطاعني فقد أطاع الله" وذلك؛ لأن الله أمر بطاعة رسوله، وأمر الرسول بطاعة الأمير فتلازمت الطاعة.
قال الشافعي في "الأم"(5): كانت قريش ومن يليها [247/ أ] من العرب لا يعرفون الإمارة وكانوا يمتنعون من الأمراء، فقال صلى الله عليه وسلم هذا القول يحثّهم على طاعة من يؤمرهم عليهم والانقياد لهم وعدم الخروج عليهم لئلا تفترق الكلمة.
3 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: "عَلَى المَرْءِ المُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، إِلَاّ أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ". أخرجه الخمسة (6). [صحيح].
(1) زيادة من (أ).
(2)
زيادة من (ب).
(3)
البخاري في "صحيحه" رقم (7137) ومسلم رقم (32/ 1835).
(4)
في المجتبى (7/ 154).
(5)
(7/ 496 - 497).
(6)
أخرجه البخاري رقم (7144) ومسلم رقم (38/ 1839) وأبو داود رقم (2626) والترمذي رقم (1707) وابن ماجه رقم (2864). =
قوله: "ما لم يؤمر بمعصية" هذا يقيد ما أطلق في الأحاديث من الأمر بالسمع والطاعة [ولو لحبشي](1).
قوله: "فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة" أي: لا يجب ذلك بل يحرم على من كان قادراً على الامتناع، وفي حديث معاذ عند أحمد (2)"لا طاعة لمن لم يطع الله" وعنده وعند البزار (3) من حديث عمران بن حصين والحكم بن عمرو الغفاري "لا طاعة في معصية الله".
= وهو حديث صحيح.
(1)
زيادة من (أ).
(2)
في "المسند"(3/ 213) بسند ضعيف.
وأخرجه البخاري في "التاريخ الكبير"(6/ 333) تعليقاً، وأبو يعلى في "المسند" رقم (4046) والضياء في "المختارة" رقم (2341).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 225) وقال: رواه أحمد، وأبو يعلى، وفيه عمرو بن زينب ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح.
قلت: وعمرو بن زينب تحرف والصواب عمرو بن زنيب تحريف، والصواب عمرو بن زينب.
وقد ترجم له البخاري في "التاريخ الكبير"(6/ 332) وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(6/ 233) وذكرا له اختلاف حديثه عليه، وأورده ابن حبان في "الثقات"(5/ 174)["الفرائد على مجمع الزوائد" (ص 259 رقم 407)].
وهو حديث صحيح بشواهده.
(3)
في "مسنده"(رقم 1613 - كشف)
وأخرجه أحمد (4/ 426) والطبراني في "المعجم الكبير"(ج 12 رقم 751) وابن أبي شيبة (6/ 544) والحاكم (3/ 443) وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، والطيالسي رقم (856) وعبد الرزاق رقم (20700)، وهو حديث صحيح بشواهده.
قال الحافظ ابن حجر (1): وسنده قوي وأما حديث الأمر بالسمع والطاعة ما لم تروا كفراً بواحاً، فالمراد بيان وقت خلع من رأوا منه كفراً بواحاً، وأنه يجب على كل مسلم القيام في ذلك فمن قدر على ذلك فله الثواب، ومن داهن فعليه الإثم، ومن عجز وجبت عليه الهجرة.
وهذه الأحاديث في الخليفة الأمر بالمعصية، فإنها لا تجب طاعته فيها ولا ينعزل ويجب [344 ب] الخروج عليه بأمره بها.
4 -
وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِ أُمَرَائِكُمْ وَشِرَارِهِمْ؟ خِيَارُهُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتَدْعُونَ لهُمْ وَيَدْعُونَ لَكُمْ، وَشِرَارُ أُمَرَائِكُمُ: الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ". أخرجه الترمذي (2). [صحيح].
قوله: "في حديث عمر رضي الله عنه خياراً أمرائكم الذين تحبونهم ويحبونكم" وذلك أنه لا تلقى محبة الأمير في قلب رعيته إلا لعدله وحسن رعايته لرعيته، وقيامه بحق الله، وهو أيضاً لا يحبهم إلا لحسن انقيادهم للحق، فيلقي الله محبتهم في قلبه كما قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)} (3)، وعكس ذلك في العصاة من الطائفتين.
قوله: "أخرجه الترمذي".
قلت: وقال (4): هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن أبي حميد، ومحمد يضعف في الحديث. انتهى.
(1) في "فتح الباري"(13/ 123).
(2)
في "السنن" رقم (2264) وهو حديث صحيح.
(3)
سورة مريم الآية (96).
(4)
في "السنن"(4/ 526).
5 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ خَرَجَ عَنِ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الجَمَاعَةَ، فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيّةً". أخرجه الشيخان (1). [صحيح].
وفي رواية: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ خَرَجَ عَنِ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الجَمَاعَةَ، فَمَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ، يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِى يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا وَلَا يَفِي بِعَهْدِ ذِي عَهْدِهَا، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ". أخرجه مسلم (2) والنسائي (3). [صحيح].
قوله: "في حديث أبي هريرة من فارق الجماعة". قال ابن الأثير (4): معناه كل جماعة عقدت عقداً يوافق الكتاب والسنة فلا يجوز لأحدهم أن يفارقهم في ذلك العقد فإن خالفهم فقد استحق الوعيد.
قوله: "إلا مات ميتة جاهلية" أي: تشبه ميتة أهل الجاهلية من بعض الوجوه أي: من حيث أنه لا إمام لهم، و"ميتة" بكسر الميم أي حالة موتته كموت أهل الجاهلية، قيل: وهو وارد مورد الزجر والتنفير.
قوله: "تحت راية عميّة" بكسر المهملة وضمها وكسر الميم مشددة، وبالمثناة التحتية مشددة، هو الأمر الأعمى الذي لا يستبين [345 ب] وجهه، قاله أحمد بن حنبل (5) وغيره.
(1) البخاري في "صحيحه" رقم (4143) ومسلم رقم (1849) كلاهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(2)
في "صحيحه" رقم (53/ 1848).
(3)
في "السنن"(7/ 133).
(4)
في "غريب الجامع"(4/ 69).
(5)
انظر "المغني"(12/ 238 - 240).
وفي "النهاية"(1) قيل: هو فعيلة من العماء الضلالة كالقتال في العصبية والأهواء.
قوله: "يغضب لعصبية" الألفاظ الثلاثة بالعين والصاد المهملتين هذا هو الصواب، وحكى القاضي عياض (2) أنه بالضاد والغين المعجمتين في الألفاظ الثلاثة ومعناه: أنه لشهوة نفسه وغضبه لها.
قوله: "لا يتحاشى"(3) أي: لا يكترث لفعله فيها ولا يخاف وباله وعقوبته.
6 -
وعن أبي بكرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَهَانَ سُلْطَانَ الله فِي الْأَرْضِ أَهَانَهُ الله تَعَالَى". أخرجه الترمذي (4). [صحيح].
قوله: "من أهان سلطان الله في الأرض" المراد بالسلطان الدليل والبرهان، وسلطان الله في الأرض هو القرآن، فمن أهانه ولم يعمل به ولا قام بما أمر به ونهى عنه أهانه الله بكل نوع من الإهانة.
ويحتمل أن يراد به الخليفة كما يدل له ذكر المحدثين له هنا، فالمراد به سلطان الحق الواجب الطاعة، وإهانته الإعراض عما يجب من امتثال أوامره واجتناب مخالفته، والخروج عليه وشق عصا المسلمين وعليه يدل سبب رواية أبي بكرة للحديث، فإنه قال زياد بن كسيب العدوي: كنت مع أبي بكرة تحت منبر ابن عامر وهو يخطب وعليه ثياب رقاق، فقال أبو بلال: انظروا إلى أميرنا يلبس ثياب الفساق، ويعظ فقال أبو بكرة، اسكت، سمعت رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم
…
وذكر الحديث.
(1)"النهاية في غريب الحديث"(2/ 259). وانظر "غريب الحديث" للهروي (2/ 9).
(2)
في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(6/ 258).
(3)
انظر "النهاية في غريب الحديث"(1/ 458).
(4)
في "السنن" رقم (2224).
وهو حديث صحيح، والله أعلم.