الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني: في الجهاد وما يتعلق به
وفيه خمسة فصول:
الفصل الأول: في وجوبه والحث عليه
1 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الجِهَادُ وَاجِبٌ عَلَيْكُمْ مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا، وَالصَّلَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْكُمْ خَلْفَ كُلِّ مُسْلِمٍ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا، وَإِنْ عَمِلَ الكَبَائِرَ، وَالصَّلَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا، وَإِنْ عَمِلَ الكَبَائِرَ". أخرجه أبو داود (1).
قوله: "في حديث أبي هريرة، وإن عمل الكبائر" قال المنذري في مختصر (2) السنن: إنه حديث منقطع مكحول لم يسمع من أبي هريرة. انتهى.
قلت: لأنه أخرجه أبو داود عن مكحول عن أبي هريرة إلا أنه أخرج أبو داود (3) من حديث أنس بن مالك حديث: "الجهاد ماضٍ منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال لا يبطله جور جائر، ولا عدل عادل". قال المنذري (4): رواه مسلم والترمذي والنسائي [13 ب] فلو أتى المصنف بهذه الرواية (5) لكان أولى.
(1) في "السنن" رقم (594).
قلت: وأخرجه الدارقطني في "السنن"(2/ 56) بمعناه، والبيهقي (3/ 121) وابن الجوزي في "العلل المتناهية"(1/ 425) من طريق مكحول عن أبي هريرة.
وهذا منقطع؛ لأن مكحول لم يسمع من أبي هريرة كما قال أبو داود والدارقطني، فالحديث ضعيف، والله أعلم.
(2)
(3/ 380).
(3)
في "السنن" رقم (2532) وهو حديث ضعيف.
(4)
وليس كذلك، بل قال المنذري والرواية عن أنس يزيد بن أبي نشبة، وهو في معنى المجهول.
(5)
وهي رواية ضعيفة أيضاً.
2 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم:"جَاهِدُوا المُشْرِكِينَ بِأمْوَالِكُمْ وَأنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ". أخرجه أبو داود (1) والنسائي (2). [صحيح]
قوله: "في حديث أنس جاهدوا المشركين بأموالكم" بأن يتجهز المجاهد من ماله، ويجهز غيره إن استطاع، وبنفسه [أن يخرج](3) باذلاً لها في سبيل الله، وبلسانه، بالتحريص على جهادهم، وهجوهم بالشعر، وغير ذلك. [صحيح]
3 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ الفَتْحِ: "لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ، وَلكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فانْفِرُوا". أخرجه الخمسة (4).
قوله: "في حديث ابن عباس: لا هجرة بعد الفتح" قال في "التوشيح": أي: من مكة بعد ما فتحت، أما من سائر بلاد الكفر، فالهجرة منها باقية، ولفظ الإسماعيلي من حديث أبي عمر:"انقطعت الهجرة بعد الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار" أي: ما دام في الدنيا دار كفر.
4 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله- صلى الله عليه وسلم: "مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِغَزْوٍ مَاتِ عَلَى شُعْبَةٍ مِنَ النِّفَاقِ".
قال ابن المبارك: فَنَرى أنَّ ذلكِ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه مسلم (5) وأبو داود (6) والنسائي (7). [صحيح]
(1) في "السنن" رقم (2504).
(2)
في "السنن" رقم (3096، 3192)، وهو حديث صحيح.
(3)
زيادة من (أ).
(4)
أخرجه البخاري رقم (2783) ومسلم رقم (83/ 1863)، وأبو داود رقم (2480) والترمذي رقم (1590) والنسائي رقم (4170) وهو حديث صحيح.
(5)
في "صحيحه" رقم (1910).
(6)
في "السنن" رقم (2502).
(7)
في "السنن" رقم (3097)، وهو حديث صحيح.
5 -
وفي رواية لأبي داود (1): عَنْ أَبِي أُمَامَةُ رضي الله عنه: مَنْ لَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُجَهّزْ غَازِيَاً أَوْ يَخْلُفْ غَازِيَاً فِي أَهْلِهِ بِخَيرٍ أَصَابَهُ الله تَعَالَى بِقَارعَةٍ قَبْلَ يَوْمِ القِيَامَةِ. [حسن]
قوله: "في حديث أبي هريرة: قال ابن المبارك إلى آخره" هذا الذي قاله (2) ابن المبارك محتمل، وقال غيره أنه عام، والمراد أن من فعل هذا فقد أشبه المنافقين المتخلفين عن الجهاد في هذا الوصف، فإن ترك الجهاد أحد شعب النفاق.
قوله: قارعة في النهاية (3): أي: بداهية مهلكة، يقال: قرعهُ أمر إذا أتاه فجاءة. انتهى.
6 -
وَعَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ عَبْدُ الله بْنُ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنهما قال: إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا العَدُوَّ يَنْتَظِرُ حَتَّى مَالَتِ الشَّمْسُ فَقَامَ فِيهِمْ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ! لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ، وَاسْأَلُوا الله العَافِيَةَ، وَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ"، ثُمَّ قَالَ:"اللهمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الأَحْزَابِ: اهْزِمْهُمْ، وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ". أخرجه الشيخان (4) وأبو داود (5). [صحيح]
قوله: "في حديث ابن أبي أوفى: لا تتمنوا لقاء العدو" قال ابن بطال (6): الحكمة في النهي أن المرء لا يعلم ما يؤول [14 ب] إليه الأمر خصوصاً أن لقاء الموت من أشق الأشياء على النفس، فلا يأمن عدم الصبر عند ملاقاة العدو.
(1) في "السنن"(2503) وهو حديث حسن.
(2)
قاله النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم"(13/ 56).
(3)
"النهاية في غريب الحديث"(2/ 441).
(4)
أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (3024، 3025) ومسلم رقم (1742).
(5)
في "السنن" رقم (2631).
(6)
في شرحه لـ "صحيح البخاري"(5/ 185).
قال النووي (1): وقد كثرت الأحاديث بسؤال العافية، ومن الألفاظ العامة المتناولة [144/ أ] لدفع جميع المكروهات، اللهم إني أسألك العافية لي، ولجميع أحبائي، ولجميع المسلمين.
قوله: "إن الجنة تحت ظلال السيوف" قال القرطبي (2): هذا من الكلام النفيس "الجامع" الموجز المشتمل على البلاغة، وعذوبة اللفظ فإنه أفاد الحض على الجهاد، والإخبار بالثواب عليه، والحث على مقاومة العدو، واستعمال السيوف، والاجتماع حين الزحف حتى تصير السيوف تظلل المقاتلين. انتهى.
وفي "الجامع"(3) جعل ظلال السيوف في القتال شاملة للجنة؛ لأن من دخل تحت ظل السيف في سبيل الله فقد دخل الجنة، ومعناه: الدنو من القرن حتى يعلوه ظل سيفه، ولا يفر منه.
قوله: "اللهم منزل الكتاب إلى آخره"[إشارة](4) بهذا الدعاء إلى وجوه النصر عليهم "فبالكتاب" إلى قوله تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} (5)، "وبمجري السحاب" إلى القدرة (6) الظاهرة إلى تسخير السحاب حيث تحركه الرياح بمشيئة الله، وحيث تستقر سحابة مع هبوب الريح، وحيث تمطر تارةً، وأخرى لا تمطر، فأشار بحركته إلى إعانة المجاهدين في حركتهم في القتال، وبوقوفه إلى إمساك أيدي الكفار عنهم، وبإنزال المطر إلى غنيمة ما معهم حيث يتفق قتلهم، وإلى هزيمتهم حيث لا يحصل الظفر بشيء منهم، وكلها أحوال صالحة
(1) في شرحه لـ "صحيح مسلم"(12/ 46).
(2)
في "المفهم"(3/ 525).
(3)
(2/ 568 - 569) ولم أجده بهذا النص.
(4)
في (أ) أشار.
(5)
سورة التوبة الآية (14).
(6)
قاله الحافظ في "الفتح"(6/ 157).
للمسلمين، وأشار (1)"بهازم الأحزاب" إلى التوسل بالنعمة السابقة، وإلى تجريد التوكل، واعتقاد أن الله هو المنفرد بالفعل، وفيه التنبيه على عظم هذه النعم الثلاث، فإن بإنزال الكتاب حصلت النعمة الأخروية، وهو الإسلام وبتسخير السحاب حصلت النعمة [15 ب] الدنيوية، وهي الرزق، وبهزيمة الأحزاب حصل حفظ النعمتين، فكأنه قال: اللهم كما أنعمت بعظيم النعمتين الدنيوية والأخروية، وحفظهما فأبقهما، ذكره في "فتح الباري"(2).
7 -
وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُفَيْلٍ الكِنْدِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ يُقَاتِلُونَ عَلَى الحَقِّ وَيُزِيغُ الله تَعَالَى لهُمْ قُلُوبَ أَقْوَامٍ وَيَرْزُقُهُمْ مِنْهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، وَحَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ الله، وَالخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الخَيْرُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَهُوَ يُوحَى إِلَيَّ أَنِّى مَقْبُوضٌ غَيْرَ مُلَبَّثٍ، [وَأَنْتُمْ] (3) تَتَّبِعُونِي، أَلَا فَلَا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، وَعُقْرُ دَارِ المُؤْمِنِينَ الشَّامُ". أخرجه النسائي (4). [صحيح]
"عُقْرُ الدَّار"(5) بضم العين المهملة وفتحها: أصلها، وأشار بذلك إلى أن الشام تكون عند ظهور الفتن آمنة، والمسلمون بها أسلم.
قوله: "في حديث سلمة بن نفيل: يُريع (6) الله لهم" بالراء، ومثناة تحتية، فعين مهملة من الريع النماء والزيادة، وكأن المراد يلقي لهم محبة زائدة في قلوب أقوام من الأمة فيصلونهم بالأرزاق
قوله: حتى تقوم الساعة، فيه استمرار الجهاد، وداومه.
(1) قاله الحافظ في "الفتح"(6/ 157).
(2)
(6/ 157).
(3)
في المخطوط (أ. ب)(وأنكم) وما أثبتناه من سنن النسائي.
(4)
في "السنن" رقم (3561) وهو حديث صحيح.
(5)
"الفائق" للزمخشري (2/ 169)"النهاية في غريب الحديث"(2/ 236).
(6)
"غريب الحديث" للهروي (3/ 329)، "المجموع المغيث"(1/ 835).