الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدنيا، ويؤيده قوله:"ويتوب الله على من تاب"، ومعناه: أن الله يقبل التوبة من الحرص المذموم وغيره مما يذم، وهو تحذير من الحرص وحب المال وإخبار بأنه يكون ذلك مع الهرم الذي ينبغي معه خلاف ذلك، وأن يجاهد نفسه في دفع الأمرين عنها.
كتاب: الحياء
الحياء: بالمد هو: لغة تغير وانكسار يلحق الإنسان من خوف ما يعاب، وشرعاً: خلق يبعث على (1) اجتناب القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق.
وفي "التعريفات"(2): الحياء انقباض النفس عن عادة انبساطها في ظاهر البدن، لمواجهة ما تراه نقصاً حيثُ يتعذّرُ عليها الفرار بالبدن.
وقيل: انقباض [301 ب] النفس عن شيء حذراً من الملام، وهو نوعان نفساني: وهو المخلوق في النفوس كلِّها كالحياء عن كشف العورة والجماع بين الناس، وإيماني: وهو أن يمتنع المسلم عن فعل المحرم خوفاً من الله. انتهى.
1 -
عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اسْتَحْيُوا مِنَ الله حَقَّ الحَيَاءِ"، قُلْنَا: إِنَّا لَنَسْتَحْيِي مِنَ اللهِ يا رسولَ اللهِ، وَالحَمْدُ للهِ: قَالَ: "لَيْسَ ذَلكَ، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنَ الله حَقَّ الحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، الْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وتَذْكُر المَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا، وَآثَرَ الْآَخِرَة عَلَى الْأُوْلَى، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ". أخرجه الترمذي (3). [صحيح].
(1)"مفردات ألفاظ القرآن"(ص 270).
(2)
"التوقيف على مهمات التعاريف"(ص 302). وانظر "التعريفات" للجرجاني (ص 100). الكليات (2/ 260).
(3)
في "السنن" رقم (2458) وهو حديث صحيح. =
والمراد (1)"بما وعى الرأس" السمع والبصر واللسان، و"بما حوى البطن" المأكول والمشروب، والمراد: الحث على طلب الحلال من الرزق، واستعمال هذه الجوارح في مرضاة الله تعالى.
قوله: "في حديث ابن مسعود حق الحياء" من إضافة الصفة إلى الموصوف، أي: الحياء (2) الحق الذي لا باطل فيه، وفيه إشارة إلى أن من الحياء ما هو باطل، وهو الذي يفضي بصاحبه إلى الإخلال بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقوله: "أن يحفظ الرأس وما وعى [233/ أ] " يقال: وعاه يعيه، أي: حفظه، والرأس قد جعله وعاءً وحافظاً للسمع والبصر واللسان والأنف، والمصنف ترك ذكرها ولا بد منها، فهي مما يحفظ عن شم المحرم والاستنشاق به وغير ذلك، وحفظ الرأس نفسه أن لا يحلقه إلا لله ولا يكرم شعره بالترجيل والدهن إلا لمقصد صالح لا لغيره من التزين في محلات الزينة، وحفظ اللسان أن لا ينطق إلا بخير ولا يحبسها عن ذكر، وأمر بمعروف أو نهي عن منكر، وإرشاد إلى علم، وأن لا يلوك بها حراماً وغير ذلك.
= وأخرجه أحمد (1/ 387) وأبو يعلى رقم (5047) ومحمد بن نصر في الصلاة (450) وابن أبي الدنيا في "مكارم الأخلاق" رقم (90) والطبراني في "الكبير" رقم (10290) والبيهقي في "الشعب" رقم (7730) و (10561) وأبو نعيم في "الحلية"(4/ 209) وابن أبي شيبة رقم (34320) والحاكم (4/ 359).
وهو حديث صحيح، والله أعلم.
(1)
قاله ابن الأثير في "غريب الجامع"(3/ 616).
(2)
انظر "مدارج السالكين"(2/ 327 - 330).
وقال صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"(1)، وآفات اللسان التي يجب حفظها منها كثيرة وقد بسطها الغزالي في "الإحياء"(2) كما بسط آفات غيرها من الجوارح، وحفظ العين، ألا ينظر بها محرماً ولا سيما مما نهى الشارع عنه، وحفظ السمع أن يصونه عما نهى عنه الشارع، وحفظ الأنف عما ذكرناه وغيره، وقد بسطنا الكلام أكثر من هذا في "التنوير شرح الجامع الصغير"(3).
قوله: "والبطن وما حوى" أي: يحفظه وهي [302 ب] كلمة جامعة كالأولى، فإن البطن قد حوى أشرف مضغة في الإنسان وهي القلب، فإنه معدن الخير والشر، وهي المضغة التي إن صلحت صلح الجسد كله، وإن فسدت فسد الجسد كله وهو مقر الإيمان والكفر والاعتقادات الحقة والباطلة، ومحطُّ رحال الوساس، وهو الملك الذي سائر الجوارح خدم له وجواسيس تابعة بالخير والشر، وجميع الحواس طلائعه ورسله، وقد بسطنا هذا في "التنوير" في شرح هذا الحديث في حرف الهمزة.
قوله: "ويتذكر الموت والبِلَى" بكسر الموحدة من بلي الثوب يبلى بلاً، وبلاء وقد أكثر في الأحاديث التوصية بذكر الموت، وبيّن صلى الله عليه وسلم فائدة ذكره بأنه يوسع على العبد ضيق عيشه، ويضيق على الموسع سعيه، وبأنه يمحص الذنوب ويزهد في الدنيا.
(1) أخرجه البخاري رقم (10) ومسلم رقم (40) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه".
• وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! أي المسلمين أفضل؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده".
[البخاري رقم (11) ومسلم رقم (42) والنسائي (8/ 107) والترمذي رقم (2504)].
(2)
(3/ 107 - 162) وهي عشرون آفة.
(3)
وهو قيد التحقيق ط. ابن الجوزي - الدمام.
قوله: "ومن [ذكر] (1) الآخرة" أي: نعيمها الذي أعدّه الله لأوليائه ترك زينة الحياة الدنيا ذكرها الله في قوله: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ} (2) الآية، وقي قوله:{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (3) وليس المراد أن لا يكون له أهل ولا مال، فإنه قد كان للأنبياء عليهم السلام أهل ومال، إنما المراد أن لا يجعلها أكبر همه وجل [مطلبه] (4) كما قال صلى الله عليه وسلم:"اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا"(5)، وهو المراد من قوله:{وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38)} (6).
قوله: "فمن فعل ذلك" أي: كل ما ذكر منه استحيا من الله حق الحياء، فلا يتصف به إلا من اتصف بما ذكر. [303 ب].
قوله: "أخرجه الترمذي".
(1) كذا في الشرح والذي في المتن: أراد.
(2)
سورة آل عمران في الآية (14).
(3)
سورة الكهف الآية (46).
(4)
في (ب) مطلبته.
(5)
أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (3502) من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه: "اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا يأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا". وهو حديث حسن، والله أعلم.
(6)
سورة النازعات الآية (38).
قلت: زاد في "الجامع الصغير"(1) أحمد (2) والحاكم (3) والبيهقي في "الشعب"(4) ورمز السيوطي لصحته.
قال شارحه: لعله اغترار منه بتصحيح الحاكم وتقرير الذهبي، وليس بسديد فقد تعقب بأن فيه أبان بن إسحاق قال الأزدي: تركوه، لكن وثّقه العجلي عن الصباح بن مرة، قال في "الميزان" (5): واهٍ (6).
وقاله الترمذي (7): غريب، لا نعرفه إلا من حديث أبان ابن إسحاق عن الصباح، قال المنذري (8): وأبان فيه مقال، والصباح مختلف فيه، وقيل إنه موقوف.
2 -
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَشَدَّ حَيَاءِ مِنَ العْذْرَاءَ فِي خِدْرِهَا، وكَانَ إِذَا رَأَى شَيْئَاً يَكْرَهُهُ [عَرَفْنَاهُ](9) في وَجْهِهِ. أخرجه الشيخان (10). [صحيح].
قوله: "في حديث الخدري من العذراء في خدرها" العذراء: البكر، وخدرها: سترها.
(1)(1/ 222 رقم 935) وقد حسنه الألباني في "صحيح الجامع".
(2)
في "المسند"(1/ 387).
(3)
في "المستدرك"(4/ 359).
(4)
رقم (7730، 10561).
(5)
(1/ 5 رقم 1).
(6)
قال الذهبي في "الميزان"، والصباح: واهٍ.
(7)
في "السنن" رقم (4/ 637).
(8)
قال المنذري في "الترغيب والترهيب"(3/ 383): قال المحافظ: أبان بن إسحاق فيه مقال، والصباح مختلف فيه، وتكلم فيه لرفعه هذا الحديث، وقالوا: الصواب عن ابن مسعود موقوف، ورواه الطبراني مرفوعاً عن عائشة، والله أعلم.
(9)
في (أ) عرفنا ذلك، وما أثبتناه من (ب) والبخاري ومسلم.
(10)
البخاري رقم (3562، 6102، 6119) ومسلم رقم (2320).
3 -
وعن زيد بن طلحة بن ركانة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقَاً، وَخلُقُ الْإِسْلَامِ الحَيَاءُ". أخرجه مالك (1). [صحيح لغيره].
4 -
وعن أنس رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: "مَا كَانَ الْفُحْشُ فِي شَيْء إِلَّا شَانَهُ، وَمَا كَانَ الحَيَاءَ فِي شَيْء إِلَّا زَانَهُ". أخرجه الترمذي (2). [صحيح].
(1) في "الموطأ"(2/ 905 رقم 9) وهو حديث صحيح لغيره.
(2)
في "السنن"(1974).
وأخرجه ابن ماجه رقم (4185)، وهو حديث صحيح.