الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: في من تصلح إمامته وإمارته
1 -
عن أبي سعيد رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا بُويعَ لخَلِيْفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآَخِرَ مِنْهُمَا". أخرجه مسلم (1). [صحيح].
قوله: "في حديث أبي سعيد فاقتلوا الآخر منهما" ظاهر الحديث أن الآخر باغٍ ومثير فتنة، وأنه إذا لم يندفع شره إلا بقتله قتل، وهو شامل له قوله تعالى:{فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} (2) ويوضحه حديث عرفجة بن شريح عند مسلم (3) أيضاً كما يأتي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه" أخرجه مسلم (4) من طريق يونس بن أبي يعفور عن أبيه عن زياد بن [علاقة](5) عن عرفجة.
وروى مسلم (6) وأبو داود (7) والنسائي (8) من ثمان طرق، لمسلم (9) منها ست طرق كلها عن زياد بن علاقة عن عرفجة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"من أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهم جميع فاضربوا رأسه بالسيف كائناً من كان".
(1) في "صحيحه" رقم (1852) وهو حديث صحيح.
(2)
سورة الحجرات الآية (9).
(3)
في "صحيحه" رقم (60/ 1852).
(4)
في "صحيحه" رقم (60/ 1852).
(5)
في (ب) علامة، والصواب ما أثبتناه من (أ) ومصادر الحديث.
(6)
في "صحيحه" رقم (59/ 1852).
(7)
في "السنن" رقم (4762).
(8)
في "السنن" رقم (4020، 4022).
(9)
في "صحيحه" رقم (59 - 60/ 1852).
وزياد بن علاقة متفق عليه عند الجماعة ولم يتكلم عليه بشيء، وعرفجة صحابي (1) كوفي مشهور، روى عنه، جماعه فالحديث صحيح بالرواية الثابتة على شرط الجماعة، والله أعلم.
وأما حديث "الأئمة من قريش"، الذي تقدم أول الباب فقال الحافظ ابن حجر أنه قد جمع فيه تأليفاً سمّاه:"لذة العيش بطرق الأئمة من قريش"(2).
2 -
وَعَنْ عَرْفَجَةَ بْن شُرَيح رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ". أخرجه مسلم (3). [صحيح].
3 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: "كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ عليهم السلام، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِى، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: أَوْفُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ، ثُمَّ أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، وَاسْأَلُوا الله تَعَالَى الَّذِي لَكُمْ، فَإِنَّ الله تَعَالَى سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ". أخرجه الشيخان (4). [صحيح].
قوله: "في حديث أبي هريرة تسوسهم الأنبياء" أي: يتولون [أمروهم](5) كما يفعل [333 ب] الأمراء والولاة بالرعية.
(1) انظر "التقريب"(2/ 18 رقم 151).
(2)
وهو "لذة العيش بطرق حديث الأئمة من قريش"، جزء ضخم.
انظر: الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر (2/ 675).
(3)
في "صحيحه" رقم (1852) وهو حديث صحيح.
وأخرجه أحمد في "المسند"(4/ 261، 341)(5/ 23 - 24).
(4)
أخرجه البخاري رقم (3455) ومسلم رقم (44/ 1842)، وأخرجه أحمد (2/ 297).
(5)
في (ب) أمرهم.
والسياسة [القيام](1) على الشيء بما يصلحه، وفي هذا الحديث جواز أن يقال: هلك فلان إذا مات، وقال الله تعالى:{حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا} (2).
قوله: "فيكثر" بالمثلثة من الكثرة هذا هو الصواب، قال القاضي (3): وضبطه بعضهم فيكبر بالباء (4) الموحدة، كأنه من إكبار قبيح فعالهم وهذا تصحيف.
وفي هذا الحديث معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعنى هذا الحديث: إذا بويع لخليفة بعد خليفة فبيعة الأول صحيحة، يجب الوفاء بها وبيعة الثاني باطلة يحرم الوفاء بها، ويحرم عليه طلبها وسواءً عقدوا للثاني عالمين بعقد [الأول](5) أم جاهلين، وسواء كانا [244/ أ] في بلد أو بلدين، أو أحدهما في بلد الإمام المنفصل، والآخر في غيره، هذا [هو](6) الصواب الذي عليه أصحابنا وجماهير العلماء، قاله النووي في "شرح مسلم".
(1) في (أ. ب) رسمت السا، ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2)
سورة غافر (34).
قال الحافظ في "الفتح"(6/ 497): قوله: (تسوسهم الأنبياء):
أي: أنهم كانوا إذا ظهر فيهم فساد بعث الله لهم نبياً يقيم لهم أمرهم ويزيل ما غيروا من أحكام التوراة، وفيه إشارة إلى أنه لا بد للرعية من قائم بأمورها يحملها على الطريق الحسنة، وينصف المظلوم من الظالم.
(3)
في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(6/ 250) حيث قال: وضبطه: "فتكثر" كأنه من إكثار قبيح أفعالهم وما ينكر منهم.
(4)
لم أقف عليه في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"، وذكره النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم"(12/ 231).
(5)
في (أ. ب) الأولين، وما أثبتناه من شرح "صحيح مسلم".
(6)
سقطت من (ب).
4 -
وعن أنس رضي الله عنه قَالَ: استَخْلَفَ رَسُولِ صلى الله عليه وسلم ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ عَلَى المَدِينَةِ مَرَّتَيْنِ. أخرجه أبو داود (1). [صحيح].
قوله: "في حديث أنس استخلف ابن أم مكتوم" قال ابن الأثير (2): هو عمرو بن قيس ابن زائدة من بني عامر بن لؤي القرشي، وقيل اسمه: عبد الله بن عمرو، والأول أكثر وأشهر، وأم مكتوم اسمها عاتكة بنت عبد الله المخزومية، وهو ابن خال خديجة بنت خويلد أسلم قديماً بمكة، وكان من المهاجرين الأولين مع مصعب بن عمير.
قوله: "مرتين" قال ابن الأثير (3): إنه استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة مرة في غزواته على المدينة، وكان ضريراً مات بالمدينة وقيل: قتل شهيداً بالقادسية. انتهى.
فقوله "مرتين" لا مفهوم له، قيل: ويحتمل أنه استخلفه مرتين على المدينة وباقي المرات استخلفه على الصلاة لكنه [334 ب] قال أبو عمر بن عبد البر في "الاستيعاب"(4): أنه صلى الله عليه وسلم استخلف ابن أم مكتوم على المدينة ثلاثة عشر مرة وعدّها.
ثم قال: وأما رواية قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلفه مرتين، فلم يبلغه ما بلغ غيره. انتهى.
(1) في "السنن" رقم (2931) وهو حديث صحيح.
(2)
في "أسد الغابة"(4/ 251 رقم 4011).
(3)
في "أسد الغابة"(4/ 251 رقم 4011). انظر: "شذرات الذهب"، و"الطبقات الكبرى"(1/ 53).
(4)
(ص 493 - 494) الأعلام.
وقال الخطابي (1): إنما ولاه الصلاة بالمدينة دون القضايا والأحكام؛ لأن الضرير لا يجوز له أن يقضي بين الناس؛ لأنه لا يدرك الأشخاص ولا يثبت الأعيان (2)، وإنما ولاه الإمامة إكراماً له وإجلالاً لما عاتبه الله في أمره بقوله:{عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2)} ، وفيه دليل على أن إمامة الضرير غير مكروهة. انتهى.
وترجم له في "الاستيعاب" فيمن اسمه عبد الله (3) وفيمن اسمه عمرو (4)؛ لأنه قد وقع خلاف في اسمه.
5 -
وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: لَقَدْ نَفَعَنِي الله تَعَالَى بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أَيَّامَ الجَمَلِ، بَعْدَ مَا كِدْتُ أَنْ أَلْحَقَ بِأَصْحَابِ الجَمَلِ فَأُقَاتِلَ مَعَهُم، قَالَ لمَّا بَلَغَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بنْتَ كِسْرَى، قَالَ:"لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً". أخرجه البخاري (5) والترمذي (6) والنسائي (7). [صحيح].
(1) في "معالم السنن"(3/ 345 - مع "السنن").
(2)
وتمام العبارة من المعالم: ولا يدري لمن يحكم وعلى من يحكم، وهو مقلد في كل ما يليه من هذه الأمور، والحكم بالتقليد غير جائز، وقد قيل إنه صلى الله عليه وسلم
…
.
(3)
رقم (1474).
(4)
برقم (1750).
(5)
في "صحيحه" رقم (4425، 7099).
(6)
في "السنن"(2262).
(7)
في "السنن" رقم (5388).
وأخرجه أحمد (5/ 38، 43، 47، 51) والحاكم (3/ 118، 119)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 90)(10/ 117، 118) والبغوي في "شرح السنة" رقم (2486) والطيالسي رقم (878) والقضاعي في "مسند الشهاب" رقم (864، 865) من طرق.
وهو حديث صحيح.
وزاد الترمذي (1): فَلمَّا قَدِمَتْ عَائِشَةُ الْبَصْرَةَ ذَكَرْتُ ذَلِكَ فَعَصَمَنِي الله تَعَالَى بِهِ. [صحيح].
قوله: "أبو بكرة" اسمه نفيع، مصغر بن مسروح (2)، وقيل: ابن الحارث بن كلدة وهو من ثقيف، وكان أبو بكرة يقول: أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأبى أن ينتسب، وكان قد نزل يوم الطائف من حصن الطائف وأسلم وأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع غلمان من غلمان أهل الطائف نزلوا إليه صلى الله عليه وسلم فأعتق الجميع، كان أبو بكرة من فضلاء الصحابة، وكان مثل النصل من العبادة، توفي بالبصرة سنة إحدى وقيل اثنتن وخمسين، وأوصى أن يصلي عليه أبو برزة الأسلمي فصلى عليه، وكان أولاده أشرافاً بالبصرة بالولايات والعلم، وله عقب كثير، قيل: أن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم كناه بأبي بكرة؛ لأنه تعلق ببكرة من حصن الطائف فنزل إليه صلى الله عليه وسلم.
قوله: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" هو دليل على العمل بالعموم، وأنه معنى لغوي تعرفه العرب بالسليقة؛ لأن لفظ "قوم" ولفظ "امرأة"(3) نكرتان وقعتا في سياق النفي فعمتا كل قوم وكل امرأة، والمراد الولاية في الأمور لعظائم فلا يعارضه قوله [335 ب] في الحديث الآتي:"والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسئولة عن رعيتها"(4).
[قال الخطابي (5): اشتركوا - أي الإمام ومن ذكر في التسمية، أي في الوصف بالراعي، ورعايتهم مختلفة، فرعاية الإمام الأعظم حياطة الشريعة وإقامة الحدود والعدل في الحكم، ورعاية الرجل أهله بسياسة أمورهم وإيصال حقوقهم، ورعاية المرأة تدبير أمر البيت
(1) في "السنن" رقم (2262). وهو حديث صحيح.
(2)
قاله ابن عبد البر في "الاستيعاب"(ص 782 - 783) رقم (285).
(3)
انظر "فتح الباري"(13/ 145 - 146).
(4)
وهو حديث صحيح وسيأتي نصه وتخريجه قريباً.
(5)
ذكره الحافظ في "الفتح"(3/ 113).