الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب: الحدود
جمع حد (1)، والحد أصله ما يحجر به بين الشيئين فيمنع اختلاطهما، سميت هذه العقوبات (2) حدودًا لكونها تمنع عن المعاودة، ويطلق الحد على التقدير، وهذه الحدود مقدرة من الشارع، ويطلق الحد (3) على نفس المعاصي نحو قوله تعالى:{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} (4)، وعلى فعل فيه شيء مقدر نحو [قوله تعالى] (5):{وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} (6).
[وفيه سبعة أبواب
الباب الأول: في حد الردة، وقطع الطريق]
(7)
قوله: "في حد الردة" في "التعريفات"(8): الردة لغة: الرجوع [237 ب] عن الشيء إلى غيره، وشرعاً: قطعُ الإِسلامِ بنيَّةٍ أو قولٍ أو فعلٍ مُكَفِّرٍ. انتهى.
(1) انظر: "القاموس المحيط"(ص 352). "النهاية في غريب الحديث"(1/ 345).
(2)
قال الجرجاني في "التعريفات"(ص 87): الحدود جمع حدٍّ، وهو في اللغة: المنع، وفي الشرع: هي عقوبة مقدّرة وجبت حقًّا لله تعالى.
(3)
انظر: مفردات ألفاظ القرآن (ص 221).
(4)
سورة البقرة الآية (287).
(5)
زيادة من (أ).
(6)
سورة الطلاق الآية (1).
(7)
زيادة من (ب).
(8)
في "التوقيف على مهمَّات التعاريف"(361 - 362).
1 -
عن زيد بن أسلم رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ غَيَّرَ دِينَهُ فَاضْربُوا عُنُقَهُ" أخرجه مالك (1)[صحيح لغيره].
وقال في "تفسيره"(2) معناه: أَنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ الإِسْلَامِ إِلَى غَيْرهِ مِثْلُ الزَّنَادِقَةِ وَأَشْبَاهِهِمْ، فَأَولَئِكَ إِذَا ظُهِرَ عَلَيْهِمْ يُقْتَلُونَ وَلَا يُسْتَتَابُون؛ لأَنَّهُ لَا تُعْرَفُ تَوْبَتُهُمْ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُسِرُّونَ الْكُفْرَ، وَيُعْلِنُونَ الإِسْلَامَ، فَلَا أَرَى أَنْ يُسْتَتَابَ هَؤُلَاءِ إِذَا ظَهَرَ عَلَى كُفْرِهِمْ بِمَا يَثْبُتُ بهِ. قَالَ: وَالْأَمْرُ عِنْدَنا أنّ مَنْ خَرَجَ مِنَ الإِسْلامِ إِلى الْرِّدَّةِ أَنْ يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ، وَإِلَا قُتِلَ.
قَالَ: وَمَعْنَى قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ ترَكَ دِيْنَهُ فَاقْتُلُوهُ" أَيْ: مَنْ خَرَجَ مِنَ الإِسْلامِ إِلى غَيْرِهِ، لَا مَنْ خَرَجَ مِنْ دِيْنٍ غَيْرِ الإِسْلَامِ إِلَى غَيْرِهِ، كَمَنْ خَرَجَ مِنْ يَهُودِيَّةٍ إِلَى نَصْرَانِيةٍ، أَوْ مَجُوسِيَّةٍ، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْذِّمَّةِ لَمْ يُسْتَتَبْ وَلَمْ يُقْتَلْ.
قوله: "أخرجه مالك وقال" أي: مالك.
قوله: "مثل الزنادقة" جمع زنديق، في "القاموس" (3): بالكسر من الثَّنَويَّة أو القائل: بالنور والظلمة، أو من لا يؤمن بالآخرة وبالربوبية، أو من يبطن الكفر ويظهر الإيمان، أو هو معرَّب جمعه زنادقة وزناديق. انتهى.
(1) في "الموطأ"(2/ 736 رقم 15)، وهو أثر صحيح لغيره.
- وأخرج أحمد (1/ 282)، والبخاري رقم (6922)، وأبو داود رقم (4351)، والترمذي رقم (1458)، والنسائي رقم (4060)، وابن ماجه رقم (2535) من حديث ابن عباس وفيه:"ومن بدَّل دينه فاقتلوه".
(2)
في "الموطأ"(2/ 736).
(3)
"القاموس المحيط"(ص 1151). وانظر: "تهذيب اللغة"(9/ 400).
قال أبو حاتم السجستاني وغيرها الزنديق: فارسيٌ معرَّب، أصله: زنده كرداي، أي: يقول بدوام الدهر؛ لأن (زنده) الحياة و (كرد) العمل، ويطلق على من يكون دقيق النظر في الأمور.
"تهذيب اللغة"(9/ 400)، "فتح الباري"(12/ 270). =
قوله: "إذا أظهر عليهم" مغير صيغة أي: اطلع على ذلك منهم يقتلون للأمر بقتلهم.
قوله: "لأنها لا تعرف توبتهم" إلى آخره، هذا بيان تفسير الزندقة بإبطان الكفر وإظهار الإسلام (1).
قوله: "فلا أرى أن يستتاب هؤلاء" أفاد أنه رأي له علّله بأنهم يظهرون خلاف ما يضمرون، فإظهارهم التوبة غير مقبول منهم.
وفي قوله: "فاقتلوه" بالفاء دليل على تعقيب القتل للتغيير بلا مهلة وانتظار استتابته.
قوله: "بما يثبت به" من إقرارهم أو شهادة عادلة.
قوله: "والأمر عندنا أنّ من خرج من الإِسلام إلى الردة أن يستتاب" فرّق مالك بين الزنادقة، وقد فسّرهم بما عرفت فقال:"لا يستتابون (2) ولا تقبل لهم توبة"، وبين من ارتد من الإِسلام إلى الكفر فقال:"يستتاب"، وللعلماء خلاف مبسوط في شروح الحديث وكتب
= وقال ثعلب: ليس في كلام العرب زنديق، وإنما يقال: زندقي لمن يكون شديد التحيل، وإذا أرادوا ما تريد العامة، قالوا: ملحد، ودهريٌّ.
"تهذيب اللغة"(9/ 400)، "الصحاح"(4/ 2489).
وقال الحافظ في "الفتح"(12/ 271)، والتحقيق ما ذكره من صنف في "الملل والنحل": أنَّ أصل الزندقة أتباع ويصان ثم ماني ثم مزدك.
وحاصل مقالتهم: أنّ النور والظلمة قديمان، أنَّهما امتزجا فحدث العالم كلُّه، وأنه يجب أن يسعى في تخليص النور من الظلمة، فيلزم إزهاق كل نفس، وكان بهرام جدُّ كسرى تحيَّل على ماني حتى حضر عنده وأظهر له أنه قبل مقالته، ثم قتله وقتل أصحابه، وبقيت منهم بقايا اتبعوا مزدك المذكور.
"الملل والنحل"(1/ 296 - 298).
(1)
وهو جماعة من الشافعية. "روضة الطالبين"(10/ 75).
(2)
وقد ذهب الشافعي إلى أنّه يستتاب الزنديق كما يستتاب غيره "المهذب"(5/ 200)، "البيان" للعمراني (12/ 270).
الفروع في المسألتين، والذي اختاره مالك (1) من عدم استتابة من ذكر خلاف [ما ذكره مالك فيما رواه عن عمر فإنه اختار استتابة المرتد وظاهره مطلقًا، ولك أن تحمله على المرتد عن الإِسلام](2)، وهي المسألة الثانية لمالك فيكون موافقًا لفتوى عمر، والقرينة على ذلك أنه لم يكن اعتقاد الزنادقة قد عرف في عصر عمر ومن قبله، فليس فيه إلاّ تبديل الإِسلام بالكفر، وهو المراد في الحديث الصحيح (3):"ولا يحل دم امرئ مسلم إلاّ بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان .. " الحديث، والحديث الذي رواه مالك عن عمر لم يذكره المصنف، وذكره ابن الأثير (4) [238 ب] فقال: عبد الرحمن بن محمَّد بن عبد الله بن عبدٍ القاري عن أبيه قال: قدم على عمر ابن الخطاب في زمن خلافته رجل من اليمن من قبل أبي موسى الأشعري، فسأله عمر عن الناس، ثم قال: هل كان فيكم من مغربة خبر؟ قال: نعم، رجل كفر بعد إسلامه، قال: فما فعلتم؟ قال: قرّبناه فضربنا عنقه، قال: فهلاّ حبستموه ثلاثًا أطعمتموه كل يوم رغيفًا
(1) وَحُكي عن مالك أنه إن جاء تائبًا قبل وإلا فلا، وبه قال أبو يوسف واختاره أبو إسحاق الإسفراييني، وأبو منصور البغدادي.
انظر: عيون المجالس (5/ 2081). "فتح الباري"(12/ 272).
(2)
زيادة من (أ).
(3)
أخرجه أحمد (6/ 58)، والنسائي رقم (4017) من حديث عائشة رضي الله عنها وفيه: "
…
أو كفرَ بعد ما أسلَم
…
" وهو حديث صحيح.
وأخرجه أحمد في "المسند"(1/ 382، 428/ 444)، والبخاري رقم (6878)، ومسلم رقم (25/ 1676)، وأبو داود رقم (4352)، والترمذي رقم (1402)، والنسائي رقم (4721)، وابن ماجه رقم (2534) من حديث ابن مسعود.
(4)
في "الجامع"(3/ 480 - 481).
واستتبتموه لعله يتوب ويراجع أمر الله؟ اللهمَّ إني لم أحضُرْ ولم آمر، ولم أرضَ إذ بلغني". أخرجه "الموطأ" (1). انتهى.
2 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كَانَ عَبْدُ الله بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي السَّرْحِ يَكْتُبُ لِرَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فَأَزَلَّهُ الشَّيْطَانُ، فَلَحِقَ بِالْكُفَّارِ، فَأَمَرَ بِهِ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقْتَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَاسْتَجَارَ لَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ رضي الله عنه، فَأَجَارَهُ صلى الله عليه وسلم. أخرجه أبو داود (2)، وتقدم في حديث طويل في تفسير سورة النحل من رواية النسائي (3).
قوله: "في حديث ابن عباس: ابن أبي السرح" هو بالتنكير في "الجامع"(4) ابن أبي سرح.
قوله: "فأزله الشيطان فلحق بالكفار" ذكر أبو عمر في "الاستيعاب"(5): عبد الله بن سعد بن أبي سرح أنه أسلم قبل الفتح وهاجر، وكان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ارتدّ مشركًا وصار إلى قريش بمكة وقال لهم: إني كنت أصرف محمدًا حيث أريد، كان يملي عليّ عزيز حكيم، فأقول: أو عليٌّ حكيم، فيقول: نعم كل صواب، فلما كان يوم الفتح أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله، ففرّ عبد الله إلى عثمان، وكان أخاه من الرضاعة فغيبّه عثمان حتى أتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما أطمأن أهل مكة فاستأمنه له، فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلاً، ثم قال: نعم، فلما انصرف عثمان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن حوله:"ما صمتُّ إلاّ ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه"، فقال له رجل من الأنصار: هلاّ أومأت إليّ يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا ينبغي أن يكون له خائنة الأعين".
(1) في "الموطأ"(2/ 737 رقم 16)، وهو أثر موقوف ضعيف.
(2)
في "السنن" رقم (4358) بسند حسن.
(3)
في "السنن" رقم (4069).
(4)
(3/ 484).
(5)
رقم الترجمة (1486).
ثم أسلم ابن أبي سرح عام الفتح وحسن إسلامه، ولم يظهر عليه شيء ينكر عليه بعد ذلك.
ثم ولاّه عثمان بعد ذلك مصر في سنة خمس وعشرين، وفتح على يديه إفريقية سنة سبع وعشرين. انتهى.
قوله: "وتقدم في حديث طويل" هذا زيادة من المصنف لم يذكرها ابن الأثير.
3 -
وعن أنس رضي الله عنه: أَنَّ نَاسًا مِنْ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَتَكَلَّمُوا بِالإِسْلَامِ وَقَالُوا: يَا رَسولُ الله! إِنَّا كُنَّا أَهْلَ ضَرْعٍ، وَلمْ نَكُنْ أَهْلَ رِيفٍ. وَاسْتَوْخَمُوا المَدِينَةَ فَأَمَرَ لَهُمْ بِذَوْدٍ وَرَاعٍ، [وَأَمَرَهُمْ](1) أَنْ يَخْرُجُوا فِيهِ، فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِنَاحِيَةَ الحَرَّةِ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ، وَقَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ فَبَلَغَ ذلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَبَعَثَ الطَّلَبَ في آثَارِهِمْ فَأَمَرَ بِهِمْ فَسَمَّرُوا أَعْيُنَهُمْ، وَقَطَّعُوا أَيْدِيَهُمْ، وَتُرِكُوا فِي نَاحِيَةِ الحَرَّةِ حَتَّى مَاتُوا عَلَى حَالهِمْ. أخرجه الخمسة (2).
قوله: "أَهْلَ ضَرْعٍ"(3) أي: بادية وماشية، "ولم نكن أهل ريف" الرِّيفُ: الأرض ذات الزرع والخصب.
قوله: "في حديث أنس: من عكل [240 ب] " بضم العين المهملة وسكون الكاف، و"عرينة" بضمها أيضاً بعد الراء مثناة تحتية فنون، قبيلتان.
(1) في (ب): وأمر.
(2)
أخرجه البخاري رقم (6802، 6803، 6804، 6805، 6899)، وانظر: رقم (233، 1501، 3018، 4192، 4193، 4610، 5685، 5686، 5727)، ومسلم رقم (1671)، والترمذي رقم (72، 1845)، وأبو داود رقم (4364، 4365، 4366، 4367، 4368، 4371)، والنسائي (306، 4024 - 4035)، وابن ماجه رقم (2578).
(3)
ذكره ابن الأثير في "غريب الجامع"(3/ 490 - 491).
وعند أبي عوانة (1) عن أنس: "كانوا أربعة من عرينة وثلاثة من عكل".
وللبخاري (2) في الدّيات: أنهم ثمانية [211/ أ]، وكان الثامن من غير القبيلتين أو من أتباعهم، وعكل: قبيلة من بني تميم الرباب، وعرينة: حي من بجيلة وكان قدومهم على ما ذكر ابن إسحاق بعد غزوة ذي قرد وكانت في جمادى الآخرة سنة ست.
قوله: "استوخموها" في رواية لمسلم (3): "فاجتووها" بالجيم والمثناة فوق، معناه: استوخموها، كما فسّره في الرواية الأخرى: أي لم توافقهم فكرهوها لسقم أصابهم قال: وهو مشتق من الجوى (4) وهو داء في الجوف.
قوله: "وسمر أعينهم" في أكثر النسخ: سمل باللام عوض الراء، قال النووي في شرح مسلم (5): هكذا هو في معظم النسخ "سمل" باللام، ومعناه باللام: نقاها وأذهب ما فيها، ومعنى "سمر"(6) بالراء أكحلها بمسامير محماة، وقيل: هما بمعنى.
قوله: "حتى ماتوا" قال النووي (7): هذا الحديث أصل في عقوبة المحاربين وهو موافق لقوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (8).
(1) في "مسنده" رقم (6098)، وأخرجه الطبري في "جامع البيان"(4 ح 6/ 207).
(2)
في "صحيحه" رقم (6899).
(3)
في "صحيحه" رقم (9/ 1671).
(4)
انظر: "مقاييس اللغة"(ص 212). "فتح الباري"(1/ 337).
(5)
(11/ 155 - 156)
(6)
انظر: أعلام الحديث للخطابي (1/ 285).
(7)
في شرحه لـ "صحيح مسلم"(11/ 153).
(8)
سورة المائدة الآية (33).
واختلف (1) العلماء في المراد بهذه الآية الكريمة، فقال بعضهم: هي للتخيير، فيخير الإِمام بين هذه الأمور إلاّ أن يكون المحارب قد قتل فيتمم قتله.
وقال أبو حنيفة (2) وأبو مصعب المالكي: الإِمام بالخيار وإن قتلوا (3)، وقال الشافعي (4) وآخرون: هي على التقسيم، فإن قتلوا ولم يأخذوا [240 ب] المال قتلوا، وإن قتلوا وأخذوه قتلوا وصلبوا، وإن أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، فإن أخافوا السبيل ولم يأخذوا شيئًا ولم يقتلوا طلبوا حتى يعزروا، وهو المراد بالنفي عندنا، قال أصحابنا: لأنّ ضرورة هذه الأفعال تختلف فكانت عقوباتها مختلفة ولم تكن للتخيير، وثبتت هذه المعاقبة في الصحراء وهل تثبت في الأمصار؟ فيه اختلاف، قال أبو حنيفة (5): لا تثبت، وقال مالك (6) والشافعي (7): تثبت.
(1) قاله النووي في شرح "صحيح مسلم"(11/ 153).
(2)
انظر: بدائع الصنائع (7/ 93).
(3)
انظر: مواهب الجليل (8/ 429)، حاشية الدسوقي (6/ 359).
(4)
"البيان" للعمراني (12/ 500)، "المهذب"(5/ 450 - 451).
(5)
انظر: بدائع الصنائع (7/ 491).
(6)
في رواية عن مالك إذا كانوا على ثلاثة أميال من المصر أو القرية فمحاربون لا دون ذلك، إذ يلحقه الغوث.
وفي رواية عن مالك: لا فرق بين المصر وغيره؛ لأنَّ الآية لم تفصل، وبه قال الأوزاعي، وأبو ثور، وأبو يوسف، ومحمد، والشافعي والناصر والإمام يحيى.
انظر: مواهب الجليل (8/ 427 - 428). حاشية الدسوقي (6/ 359). روضة الطالبين (10/ 154).
(7)
"المهذب"(5/ 448).
قال القاضي (1): واختلف العلماء في معنى حديث العرنيين هذا، فقال بعض السلف: كان هذا قبل نزول الحدود وآية المحاربة والنهي عن المثلة وهو منسوخ.
وقيل: ليس بمنسوخ وفيهم نزلت آية المحاربة، وإنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بهم ما فعل قصاصًا؛ لأنّهم فعلوا [بالرعاة](2) حينئذٍ مثل ذلك، وقد رواه مسلم (3) في بعض طرقه، ورواه ابن إسحاق وموسى بن عقبة وأهل السِّيَر والترمذي (4)، وقال بعضهم: النهي عن المثلة نهي تنزيه وليس بحرام. انتهى كلامه.
إلاّ أنه بالرواية الآتية بعد هذه تدل على القول بنسخ الآية وهو قوله:
4 -
وعن أبي الزناد قال: لمَّا قَطَعَ النَّبيُّ الَّذِينَ سَرَقُوا لِقَاحَهُ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ بِالنَّارِ عَاتَبَهُ الله تَعَالَى فِي ذَلِكَ وَنَزَلَ: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية. أخرجه أبو داود (5) والنسائي (6). [ضعيف].
"وعن أبي الزناد"(7) هو بكسر الزاي فنون بعد الألف دال مهملة، وهو عبد الله بن ذكوان القرشي المدني ثقة فقيه.
(1) أي: القاضي عياض في "إكمال المعلم" بفوائد مسلم (5/ 463).
(2)
في (ب): الرعاء.
(3)
في "صحيحه" رقم (14/ 1671).
(4)
في "السنن" رقم (72).
(5)
في "السنن"(4370).
(6)
في "السنن" رقم (4042).
وهو حديث ضعيف، والله أعلم.
(7)
"التقريب"(1/ 413 رقم 286).