المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

آثر الزوج ذلك وطلبه وحرص عليه زالت المفسدة التي لأجلها - التحبير لإيضاح معاني التيسير - جـ ٣

[الصنعاني]

فهرس الكتاب

- ‌حرف الجيم

- ‌الكتاب الأول: في الجهاد

- ‌الباب الأول: في فضله

- ‌الفصل الأول: في فضل الجهاد والمجاهدين

- ‌الفصل الثاني: في فضل الشهادة والشهداء

- ‌الباب الثاني: في الجهاد وما يتعلق به

- ‌الفصل الأول: في وجوبه والحث عليه

- ‌الفصل الثاني: في آدابه

- ‌الفصل الثالث: في صدق النية [والإخلاص

- ‌الفصل الرابع: في أحكام القتال والغزو

- ‌الفصل الخامس: في أسباب تتعلق بالجهاد

- ‌الباب الثالث: في فروع الجهاد

- ‌الفصل الأول: في الأمان والهدنة

- ‌الفصل الثاني: في الجزية وأحكامها

- ‌الفصل الثالث: في الغنائم والفيء

- ‌الفصل الرابع: في الشهداء

- ‌ كتاب الجدال والمراء

- ‌[حرف الحاء

- ‌كتاب الحج والعمرة

- ‌الباب الأول: في فضائلهما

- ‌الباب الثالث: في الميقات والإحرام

- ‌الفصل الأول: في الميقات

- ‌الفصل الثاني: في الإحرام [وما يحرم فيه]

- ‌الفرع الثالث: في جزاء الصيد

- ‌[الباب الرابع: في الإفراد والقران والتمتع

- ‌الفصل الأول: في الإفراد]

- ‌الفصل الثاني: في القران

- ‌الفصل الثالث: في التمتع وفسخ الحج

- ‌الباب الخامس: في الطواف والسعي

- ‌الفصل الأول: في كيفيتهما

- ‌في طواف الزيارة

- ‌في طواف الوداع

- ‌في طواف الرجال مع النساء

- ‌في الطواف من وراء الحجر

- ‌السعي بين الصفا والمروة

- ‌الدعاء في الطواف والسعي

- ‌[الفصل الثالث: في دخول البيت]

- ‌الفصل الأول: في الوقوف وأحكامه

- ‌الفصل الثاني: في الإفاضة

- ‌الفصل الثالث: في التلبية بعرفة والمزدلفة

- ‌الباب السابع: في الرمي

- ‌الفصل الأول: في كيفيته

- ‌الفصل الثاني: في وقت الرمي

- ‌[الفصل الثالث: في الرمي راكبًا وماشيًا

- ‌[الفصل الرابع: في أحاديث متفرقة]

- ‌الباب الثامن: في الحلق والتقصير

- ‌الفصل الأول: في تقديم بعض أسبابه على بعض

- ‌الفصل الثاني: في وقت التحلل وجوازه

- ‌الباب العاشر: في الهدي والأضاحي

- ‌الفصل الأول: في إيجابها [وأسنانها]

- ‌الفصل الثاني: في الكمية والمقدار

- ‌الفصل الثالث: فيما يجزي منها

- ‌الفصل الرابع: فيما لا يجزي منها

- ‌الفصل الخامس: في الإشعار والتقليد

- ‌الفصل السادس: في وقت الذبح ومكانه

- ‌الفصل السابع: في كيفية الذبح

- ‌الفصل الثامن: في الأكل من الأضحية

- ‌الفصل التاسع: فيما يعطب من الهدي

- ‌الفصل العاشر: في ركوب الهدي

- ‌الفصل الحادي عشر: في المقيم إذا أهدى إلى البيت [أو ضحى هل يحرم أم لا]

- ‌الباب الحادي عشر في الفوات والإحصار والفدية

- ‌الفصل الأول: فيمن أحصره المرض والأذى

- ‌الفصل الثاني: فيمن أحصره العدو

- ‌الفصل الثالث: فيمن غلط في العدد

- ‌الفصل الرابع: في أحاديث متفرقة

- ‌الباب الثاني عشر: في دخول مكة والنزول بها والخروج منها

- ‌الباب الرابع عشر: في أحكام متفرقة تتعلق بالحج

- ‌الفصل الأول: في التكبير في أيام التشريق

- ‌الفصل الثالث: في حج الصبي

- ‌الفصل الرابع: في الاشتراط في الحج

- ‌الفصل الخامس: في حمل السلاح في الحرم

- ‌الفصل السادس: في ماء زمزم

- ‌الفصل السابع: في أحاديث متفرقة

- ‌الباب الخامس عشر: في حج النبي صلى الله عليه وسلم وعمرته

- ‌كتاب: الحدود

- ‌الباب الأول: في حد الردة، وقطع الطريق]

- ‌الباب الثاني: في حد الزنا [وفيه فصلان]

- ‌الفصل الأول: في أحكامه

- ‌الفصل الثاني: في الذين حدهم النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الثالث: في حديث اللواط وإتيان البهيمة

- ‌الباب الرابع: في حد القذف

- ‌الباب الخامس: في حد السرقة

- ‌الباب السادس: في حد الخمر

- ‌الباب السابع: في الشفاعة، والتسامح في الحدود

- ‌كتاب: الحضانة

- ‌كتاب: الحسد

- ‌كتاب: الحرص

- ‌كتاب: الحياء

- ‌حرف الخاء

- ‌كتاب: الخلق]

- ‌كتاب: الخوف

- ‌كتاب: خلق العالم

- ‌كتاب: الخلافة والإمارة

- ‌الباب الاول: في [أحكامهما]

- ‌[الفصل الأول: في الأئمة من قريش]

- ‌الفصل الثاني: في من تصلح إمامته وإمارته

- ‌الفصل الثالث: في ما يجب على الإمام وعلى الأمير

- ‌الفصل الرابع: في كراهية الإمارة

- ‌الفصل الخامس: في وجوب طاعة الإمام والأمير

- ‌الفصل السادس: في أعوان الأئمة والأمراء [346 ب]

- ‌الباب الثاني: في ذكر الخلفاء الراشدين وبيعتهم رضي الله عنهم

- ‌كتاب الخلع

الفصل: آثر الزوج ذلك وطلبه وحرص عليه زالت المفسدة التي لأجلها

آثر الزوج ذلك وطلبه وحرص عليه زالت المفسدة التي لأجلها سقطت الحضانة، والمقتضى قائم فيترتب عليه أثره.

قوله: "وقضى بها [296 ب] لجعفر" تسامح وإلا فالقضاء بها للخالة، ولذا قال "الخالة بمنزلة الأم".

‌كتاب: الحسد

في "التعريفات"(1) أنه: تمني زوال النعمة عن مستحقٍ لها، ويُقال: ظلم ذي النّعمة بتمني زوالها عنه وصيرورتها إلى الحاسد.

1 -

عَنِ بْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا حَسَدَ إِلَاّ فِي اثْنَتَيْنِ، رَجُلٌ آتَاهُ الله الحِكْمَةَ، فَهْوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا، وَرَجُلٌ آتَاهُ الله مَالاً فَسُلِّطَهُ عَلَى هَلكَتِهِ فِي الحَقِّ". أخرجه الشيخان (2). [صحيح].

قوله: "في حديث ابن مسعود لا حسد" المراد بالحسد (3) هنا المنافسة، والفرق بين الحسد والمنافسة، أن المنافسة المبادرة إلى الكمال الذي تشاهده من غيرك فتنافسه فيه حتى تلحقه أو تجاوزه فهو من شرف النفس وعلو الهمة وكبر القدر وطلب المعالي.

(1) قاله المناوي في التوقيف على مهمّات التعاريف (ص 278).

وانظر: "التعريفات" للجرجاني (ص 92).

(2)

البخاري في "صحيحه" رقم (73، 1409، 7141، 7316) ومسلم في "صحيحه" رقم (816).

(3)

قال الحافظ في "فتح الباري"(1/ 167): وأما الحسد المذكور في الحديث فهو الغبطة، وأطلق الحسد عليها مجازاً، وهي أن يتمنى أن يكون له مثل ما لغيره من غير أن يزول عنه، والحرص على هذا يسمى منافسة، فإن كان في الطاعة فهو محمود، ومنه {فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)} ، وإن كان في المعصية فهو مذموم، ومنه "لا تنافسوا" وإن كان في الجائزات فهو مباح.

ص: 633

والحسد خلق نفس ذميمة وضيعة ساقطة ليس فيها حرص على الخير ولا همة عليه، فلعجزها ودنائتها تحسد من يكسب الخير والمحامد، ويفوز بها دونها، فتمني أنه لو فاته كسبها حتى يساويها في عدم الهمة في كسب الخير، ومراد الحديث: لا غبطة إلا في هاتين الخصلتين، فعبّر بالحسد عن الغبطة اتساعاً في ذلك لتقاربهما.

وقال الكرماني (1): يحتمل أن يكون الحديث من قبيل قوله تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} (2) كأنه قيل: لا حسد إلا في هاتين والذي فيهما غبطة فلا حسد أصلاً، فإن قيل (3): الحسد قد يكون في غيرهما فما وجه الحصر قيل: إما لأن القصد لا حسد جائز في شيء إلاّ في اثنتين، أو: لا رخصة في الحسد إلا فيهما ونحو ذلك، قال الخطابي (4) معنى الحديث "الترغيب" في التصدق وتعلم العلم.

وقال ابن بطال (5): إن الغني إذا قام بشروط المال وفعل فيه ما يرضي الله كان أفضل من الفقير العاجز.

وقال عبد الله بن أحمد: إنه وجد الحديث في "المسند" بخط أبيه "لا تنافس [297 ب] بينكم إلا في اثنتين"، فعلى هذا معناه: نفي مشروعية الحسد أو النهي عنه إلا في الخصلتين المذكورتين.

قوله: "رجل آتاه الله الحكمة" وهي العلم والعمل به، ويأتي في حديث ابن عمر "آتاه الله القرآن" فيحتمل أنه المراد بالحكمة هنا.

(1) في شرحه لـ "صحيح البخاري"(2/ 43).

(2)

سورة الدخان الآية (56).

(3)

قاله الكرماني في شرحه لـ "صحيح البخاري"(2/ 42).

(4)

ذكره الكرماني في شرحه لـ "صحيح البخاري"(2/ 42).

(5)

في شرحه لـ "صحيح البخاري"(1/ 158).

ص: 634

وقوله: "فهو يقتضي بها ويعلمها" أي: يبذلها تعليماً للعباد وإبلاغاً للحجة، وفي "النهاية" (1): القضاء أصله القطع والفصل، يقال: قضى إذا فصل وحكم، وقضاء الشيء إحكامه وإمضاؤه والبلوغ منه بمعنى الحلق. انتهى.

قوله: "على هلكته" بفتح اللام (2) أي: إهلاكه، وعبّر بذلك ليدل على أنه لا يبقى منه شيئاً.

وقوله: "في الحق" أي: في الطاعات ليزيل عنه إيهام الإسراف المذموم.

2 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا حَسَدَ إِلَاّ عَلَى اثْنَتَيْن: رَجُلٌ آتَاهُ الله الْقُرْآنَ، فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُل أَعْطَاهُ الله مَالاً فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ". أخرجه الشيخان (3) والترمذي (4). [صحيح].

قوله: "في حديث ابن عمر فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار" أي: ساعات ليله وساعات نهاره، ومعنى قيامه به تلاوته وتدبره وتفسيره وتعليمه العباد.

3 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: "إِيَّاكُمْ وَالحَسَدَ، فَإِنَّهُ يَأْكُلُ الحَسَنَاتِ كَمَا تأْكُلُ النَّارُ الحَطَبَ، أَوْ قَالَ الْعُشْبَ. أخرجه أَبو داود (5). [حسن بشواهده].

(1) النهاية في "غريب الحديث"(2/ 467).

(2)

قاله الحافظ في "فتح الباري"(1/ 167).

(3)

أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (5025، 7529) ومسلم رقم (815).

(4)

في "السنن" رقم (1937).

(5)

في "السنن" رقم (4903). وأخرجه البيهقي في "الشعب" رقم (6608).

وهو حديث حسن بشواهده.

ص: 635

قوله: "في حديث أبي هريرة إياكم والحسد" تحذير من الاتصاف به، في "النهاية" (1): الحسد أن يرى الرجل [على أخيه](2) نعمة فيتمنَّى أن تزول عنه، وتكون له دونه، [والغبطة](3) أن يتمنى أن يكون له مثلها ولا يتمنَّى زوالها عنه. انتهى.

فالحديث تحذير عن ذلك فإن تمني زوال (4) النعمة عمن أنعم الله عليه قبيح، بل الإنسان مأمور أن يرى لأخيه ما يرى لنفسه، وهو يحب دوام النعمة عليه فيجب عليه أن يحب لأخيه ذلك فكيف يحب زوال نعمته؟ وانتقالها إليه، بل يسأل الله [298 ب] أن يديم نعمته على أخيه ويرزقه مثل ما رزقه.

قوله: "كما تأكل النار الحطب أو قال العشب" شك من الراوي أي: حسنات الحاسد يذهبها الحسد (5) كما تذهب النار الحطب، وهذا من بديع الكلام، فإنه لما كان الحسد جمرة تلتهب في فؤاد الحاسد أكلت نار حسده حسناته، فلم يحصل من حسده إلا التهاب قلبه،

(1) النهاية في "غريب الحديث"(1/ 374 - 375).

(2)

كذا في المخطوط والذي في "النهاية": لأخيه.

(3)

كذا في المخطوط والذي في "النهاية" الغَبْط.

(4)

قال الغزالي في "الإحياء"(3/ 192) وأمّا مراتب الحسد فأربع: الأولى: أن يحب زوال النعمة عنه وإن كان ذلك لا ينتقل إليه، وهذا غاية الخبث.

الثانية: أن يحب زوال النعمة إليه لرغبته في تلك النعمة، مثل رغبته في دار حسنة، أو امرأة جميلة

وهو يحب أن تكون له، ومطلوبه تلك النعمة لا زوالها عنه.

الثالثة: أن لا يشتهي عينها لنفسه، بل يشتهي مثلها، فإن عجز عن مثلها أحب زوالها كيلا يظهر التفاوت بينهما.

الرابعة: أن يشتهي لنفسه مثلها، فإن لم تحصل فلا يحب زوالها عنه.

وهذا الأخير هو المعفو عنه إن كان في الدنيا، والمندوب إليه، إن كان في الدين.

(5)

انظر: "إحياء علوم الدين"(3/ 192 - 196).

ص: 636

وذهاب حسناته، ومن حسده لا يؤثر فيه حسده شيئاً، بل ربما زاده الله خيراً عقوبة للحاسد؛ لأنه لم يرض بقسمة الله له ولا لأخيه، فعاقبه الله بأن زاد المحسود من فضله ما يغيظ به الحاسد.

ودواء (1) داء الحسد أن يعلم العبد أنه إضرار بنفسه فيجاهدها بتركه وسؤال الله من فضله [232/ أ].

(1) قال الغزالي في "الإحياء"(3/ 169 - 197):

اعلم أن الحسد من الأمراض العظيمة للقلوب، ولا تداوى أمراض القلوب إلا بالعلم والعمل، والعلم النافع لمرض الحسد هو أن تعرف تحقيقاً أن الحسد ضرر عليك في الدنيا والدين، وأنه لا ضرر فيه على المحسود في الدنيا والدين بل ينتفع به فيهما.

ومهما عرفت هذا عن بصيرة ولم تكن عدو نفسك وصديق عدوك فارقت الحسد لا محالة.

أما كونه ضرراً عليك في الدين فهو أنك بالحسد سخطت قضاء الله تعالى، وكرهت نعمته التي قسمها بين عباده، وعدله الذي أقامه في ملكه بخفي حكمته، فاستنكرت ذلك واستبشعته، وهذه جناية على حدقة التوحيد، وقذى في عين الإيمان، وناهيك بهما جناية على الدين.

وقد انضاف إلى ذلك أنك غششت رجلاً من المؤمنين وتركت نصيحته، وفارقت أولياء الله وأنبياءه في حبهم الخير لعباده تعالى، وشاركت إبليس وسائر الكفار في محبتهم للمؤمنين البلايا وزوال النعم، وهذه خبائث في القلب تأكل حسنات القلب كما تأكل النار الحطب، وتمحوها كما يمحو الليل النهار.

وأما كونه ضرراً عليك في الدنيا فهو أنك تتألم بحسدك في الدنيا أو تتعذب به، ولا تزال في كمد وغم إذ أعداؤك لا يخليهم الله تعالى عن نعم يفيضها عليهم، فلا تزال تتعذب بكل نعمة تراها وتتألم بكل بلية تنصرف عنهم، فتبقى مغموماً محروماً متشعب القلب ضيق الصدر، قد نزل بك ما يشتهيه الأعداء لك وتشتهيه لأعدائك فقد كنت تريد المحنة لعدوك فتنجزت في الحال محنتك وغمك نقداً، ومع هذا فلا تزول النعمة عن المحسود بحسدك.

ولو لم تكن تؤمن بالبعث والحساب لكان مقتضى الفطنة إن كنت عاقلاً أن تحذر من الحسد لما فيه من ألم القلب ومساءته مع عدم النفع، فكيف وأنت عالم بما في الحسد، من العذاب الشديد في الآخرة، فما أعجب من =

ص: 637

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= العاقل كيف يتعرض لسخط الله تعالى من غير نفع يناله بل مع ضرر يحتمله وألم يقاسيه فيهلك دينه ودنياه من غير جدوى ولا فائدة، وأما أنه لا ضرر على المحسود في دينه ودنياه فواضح لأن النعمة لا تزول عنه بحسدك، بل ما قدره الله تعالى من إقبال ونعمة فلا بد أن يدوم إلى أجل غير معلوم قدره الله سبحانه، فلا حيلة في دفعه، بل كل شيء عنده بمقدار، ولكل أجل كتاب.

ثم قال الغزالي في "الإحياء"(3/ 199).

• وأما العمل النافع فيه فهو أن يحكم الحسد فكل ما يتقاضاه الحسد من قول وفعل فينبغي أن يكلف نفسه نقيضه، فإن حمله الحسد على القدح في محسوده كلف لسانه المدح له والثناء عليه، وإن حمله على التكبر عليه ألزم نفسه التواضع له والاعتذار إليه، وإن بعثه على كف الإنعام عليه ألزم نفسه الزيادة في الإنعام عليه، فمهما فعل ذلك عن تكلف وعرفه المحسود طاب قلبه وأحبه، ومهما ظهر حبه عاد الحاسد فأحبه، وتولد من ذلك الموافقة التي تقطع مادة الحسد؛ لأن التواضع والثناء والمدح وإظهار السرور بالنعمة يستجلب قلب المنعم عليه ويسترقه ويستعطفه ويحمله على مقابلة ذلك بالإحسان، ثم ذلك الإحسان يعود إلى الأول فيطيب قلبه ويصير ما تكلفه أولاً: طبعاً آخراً ولا يصدنه عن ذلك قول الشيطان له: لو تواضعت وأثنيت عليه حملك العدو على العجز، أو على النفاق، أو الخوف، وأن ذلك مذلة ومهانة، وذلك من خداع الشيطان ومكايده، بل المجاملة - تكلفاً كانت أو طبعاً - تكسر سورة العداوة من الجانبين، وتقل مرغوبها، وتعود القلوب التآلف والتحاب وبذلك تستريح القلوب من ألم الحسد وغم التباغض.

فهذه هي أهوية الحسد وهي نافعة جداً، إلا أنها مرة على القلوب جداً، ولكن النفع في الدواء المر، فمن لم يصبر على مرارة الدواء لم ينل حلاوة الشفاء، وإنما تهون مرارة هذا الدواء، أعني التواضع للأعداء والتقرب إليهم بالمدح والثناء بقوة العلم بالمعاني التي ذكرناها وقوة الرغبة في ثواب الرضا بقضاء الله تعالى وحب ما أحبه، وعزة النفس وترفعها عن أن يكون في العالم شيء على خلاف مرادها جهل، وعند ذلك يريد ما لا يكون، إذ لا مطمع في أن يكون ما يريد وفوات المراد ذل وخسة.

ولا طريق إلى الخلاص من هذا الذل إلا بأحد أمرين: إما بأن يكون ما تريد أو بأن تريد ما يكون، والأول ليس إليك ولا مدخل للتكلف والمجاهدة فيه، وأما الثاني: فللمجاهدة فيه مدخل، وتحصيله بالرياضة ممكن، فيجب تحصيله على كل عاقل هذا هو الدواء الكلي. =

ص: 638

ولذا قيل (1):

ألا قل لمن بات لي حاسداً

أتدري على من أسأت الأدب؟

أسأت على الله في فعله

[لأنك](2) لم ترض لي ما وهب (3)

وفي إحياء علوم (4) الدين أبحاث واسعة في الحسد.

4 -

وَعَنْ الزُّبَيْرَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: "دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلكُمُ: الحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ، وَهِيَ الحَالِقَةُ، أَمَا إِنِّي لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَا تَدْخُلُون الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا تَحَابُّونَ بِهِ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ". أخرجه الترمذي (5). [حسن لغيره].

= فأما الدواء المفصل: فهو تتبع أسباب الحسد من الكبر وغيره وعزة النفس وشدة الحرص على ما لا يغني، فإنها مواد هذا المرض ولا ينقمع المرض إلا بقمع المادة، فإن لم تقمع المادة لم يحصل بما ذكرناه إلا تسكين وتطفئة، ولا يزال يعود مرة بعد أخرى ويطول الجهد في تسكينه مع بقاء مواده، فإنه ما دام محباً للجاه فلا بد وأن يحسد من استأثر بالجاه والمنزلة في قلوب الناس دونه، ويغمه ذلك لا محالة، وإنما غايته أن يهون الغم على نفسه، ولا يظهر بلسانه ويده، فأما الخلو عنه رأساً فلا يمكنه.

(1)

ذكره الأمير الصنعاني في "سبل السلام"(8/ 209 - بتحقيقي).

(2)

في (ب) لذلك.

(3)

وزاد الصنعاني بيتاً ثالثاً:

فجازاك عني بأن زادني

وسدَّ عليك وجوه الطلب

(4)

(3/ 186 - 199).

(5)

في "السنن" رقم (2510).

وأخرجه أحمد (1/ 167) والطيالسي في "مسنده"(ص 27) والبيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 232)، وعبد الرزاق في مصنفه (10/ 385 - 386).

وهو حديث حسن لغيره، والله أعلم.

ص: 639

قوله: "في حديث الزبير دب إليكم داء الأمم من قبلكم الحسد والبغضاء" هما بدل من داء الأمم أو عطف بيان له، وهو تحذير وتنبيه على افتقاد أنفسهم هل حصل ذلك فيهم فيطهرون أخلاقهم عنهما، فإن الحسد داء ضرره على الحاسد كما عرفناك.

وداء البغضاء كذلك، إلا أن التباغض يتعدى ضرره فيسعى كل باغض في ضرّ أخيه، وهو خلاف ما أمر به، ولذا حذّر تعالى المؤمنين من اتخاذ بطانة من دونهم، وأنها {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} (1) وعرفوا [299 ب] البغض (2) بأنه نفور النفس عن الشيء الذي يرغب عنه، وهو ضد الحب فإنه انجذاب النفس إلى الشيء الذي يرغب فيه.

قوله: "وهي" أي: البغضاء "الحالقة" ويحتمل والمذكورة من الحسد والبغضاء.

"تحلق الدين" شبه ما ذكر بالموسى والنورة ونحوهما ما يقلع الشعر من البدن، فلا يبقى له أثر، كذلك ما ذكر يقلع الدين من القلب، فلا يبقى له أثر، فإن الحاسد والباغض لا يبقى في قلبه رقة ولا رأفة ولا محبة ولا نصيحة لمن يحسده ويبغضه، وهو مراد الشيطان الذي أخبر الله به عباده في شربهم الخمر بقوله:{إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} (3).

قوله: "ولا تؤمنوا حتى تحابوا"، أقسم صلى الله عليه وسلم أنهم لا يدخلون الجنة حتى يؤمنوا، فإنه لا يدخلها إلا مؤمن، ولذا كان صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يأمر من ينادي أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة،

(1) سورة آل عمران الآية (118).

(2)

قاله الراغب في "مفردات ألفاظ القرآن"(ص 136). وانظر: التوقيف على مهمات التعاريف (ص 138).

(3)

سورة المائدة الآية (91).

ص: 640