الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذين كانوا معه في حجته وفسخوا حجهم بأن يهلوا يوم التروية.
الباب الخامس عشر: في حج النبي صلى الله عليه وسلم وعمرته
1 -
عن جابر رضي الله عنه قال: حَجَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حَجَّتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ، وَحَجَّةً بَعْدَ مَا هَاجَرَ مَعَهَا عُمْرَةٌ، فَسَاقَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً. وَجَاءَ عَليٌّ رضي الله عنه مِنَ الْيَمَنِ بِبَقِيَّتِهَا فِيهَا جَمَلٌ فِي أَنْفِهِ بُرَةٌ مِنْ فِضَّةٍ فَنَحَرَهَا فأمر النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَطُبِخَتْ وَشَرِبَ مِنْ مَرَقِهَا. أخرجه الترمذي (1). [صحيح].
قوله: "في حديث جابر: أخرجه الترمذي"(2).
قلت: وقال (3): هذا حديث غريب من حديث سفيان لا نعرفه إلاّ من حديث زيد بن حباب، ورأيت عبد الله بن عبد الرحمن رَوَي هذا الحديث [232 ب] في كتبه عن عبد الله بن أبي زياد.
قال: وسألت محمداً عن هذا فلم يعرفه من حديث الثوري عن جعفر عن أبيه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم ورأيته لم يعد هذا الحديث محفوظًا.
وقال: إنما يروى عن الثوري عن ابن إسحاق عن مجاهد مرسلاً.
حدثنا إسحاق بن منصور قال: حدثنا حبّان بن هلال قال: حدثنا همام قال: حدثنا قتادة قال: قلت لأنس بن مالك: كم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: حجة واحدة، واعتمر أربع عمر
…
" الحديث (4).
(1) في "السنن" رقم (815). وأخرجه ابن ماجه رقم (3076). وهو حديث صحيح.
(2)
في "السنن"(3/ 179).
(3)
أي: الترمذي في "السنن"(3/ 179).
(4)
أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (815 م).
قال أبو عيسى (1): هذا حديث حسن صحيح، وحَبَّان بن هلال أبو حبيب البصري هو جليل ثقة، وثّقه يحيى بن سعيد القطان. انتهى كلامه.
قوله (2): زيد بن حُباب، في "التقريب" (3): زيد بن الحُباب بضم المهملة وموحدتين، أصله من خراسان، وكان بالكوفة ورحل في طلب الحديث فأكثر منه وهو صدوق يخطئ في حديث الثوري. انتهى.
وفي "الميزان"(4): أحاديثه عن الثوري مقلوبة، وقال أحمد (5): صدوق كثير الخطأ. انتهى.
نعم، وجمل أبي جهل الذي في أنفه بُرة إنما أهداه صلى الله عليه وسلم في عمرته في الحديبية، هذا المحفوظ في كتب الحديث (6) والسيرة (7).
2 -
وعن عروة بن الزبير قال: كُنْتُ أنَّا وَابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما مُسْتَنِدَيْنِ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَأَنَا أَسْمَعُ صوْتَهَا بِالسِّوَاكِ تَسْتَنُّ. فَقُلْتُ: يَا أبا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! أعْتَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في رَجَبٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها: أَيُّ أُمَّتَاهُ أَلَا تَسْمَعِينَ مَا يَقُولُ أبو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَتْ: وَمَا
(1) أي الترمذي في "السنن"(3/ 180).
(2)
أي: قول الترمذي في "السنن"(3/ 179 الحديث رقم (815).
(3)
(1/ 273 رقم 168).
(4)
(2/ 100 - 101 رقم 2997).
(5)
قال ابن هشام: جعل في رأسه بُرَة من فضّة.
- والبُرّة حلقة تُجعل في أنف البعير ليذل ويرتاض وأكثر ما تكون من صفر - النحاس الجيد - وإن كانت من شعر فهي خزامة، وإن كانت من خشب فهي خشاس.
(6)
انظر: مسند أحمد (1/ 234).
(7)
"السيرة النبوية"(3/ 444).
يَقُولُ؟ قُلْتُ: يَقُولُ: اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي رَجَبٍ. فَقَالَتْ: يَغْفِرُ الله لأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَعَمْرِي مَا اعْتَمَرَ في رَجَبٍ ولَا اعْتَمَرَ مِنْ عُمْرَةٍ إِلَاّ وَإِنَّهُ لمَعَهُ. وَابْنُ عُمَرَ يَسْتَمِعُ فَمَا قَالَ: لَا وَلَا قال: نَعَمْ. سَكَتَ. أخرجه الخمسة (1) إلا النسائي. [صحيح].
قوله: "في حديث عروة بن الزبير: تستن" بالسين المهملة فمثناة قوقية فنون، قال ابن الأثير (2): الاستنان: التسوك بالسواك.
وقوله: "لعمري ما اعتمر في رجب قط" ابن عمر أثبت عمرته صلى الله عليه وسلم في رجب وعائشة نفت ذلك وأقرّها ابن عمر ولم يرد عليها فدلّ على صحة كلامها، قالوا: سكوته دليل على اشتباه الأمر عليه أو نسيانه.
وقال القرطبي (3): عدم إنكاره على عائشة، يدل أنه كان على وهم وأنّه رجع لقولها.
قوله: "أخرجه الخمسة".
قلت: بألفاظ مختلفة ساقها ابن الأثير (4) والمراد منها [233 ب] هل اعتمر صلى الله عليه وسلم في رجب أم لا؟ ولذا بوّب الترمذي (5): باب ما جاء في عمرة رجب، ثم قال بعد إخراجه (6).
(1) أخرجه البخاري رقم (1775)، (1776)، ومسلم رقم (219/ 1255)، وأبو داود رقم (1991، 1992)، والترمذي رقم (936، 937).
(2)
قاله في "غريب الجامع"(3/ 452).
(3)
في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(4/ 330).
(4)
في "الجامع"(3/ 449 - 457).
(5)
في "السنن"(3/ 274 الباب رقم 93 الحديث رقم 936).
(6)
الحديث رقم (93).
قال أبو عيسى (1): هذا حديث غريب، سمعت محمدًا يقول: حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة ابن الزبير. انتهى.
وهذا الذي وقع لابن عمر عدّه أئمة الحديث من سفر الوهم من زمان إلى زمان، واتفقوا على أنّه صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رجب (2) وقرروا أنّ عمره صلى الله عليه وسلم الأربع كلها في ذي القعدة كما يأتي في حديث ابن عباس.
3 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: اعْتَمَرَ النَبيُّ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَ عُمَرٍ: عُمْرَةَ الحُدَيْبِيَةِ، وعُمرةَ الثَّانِيَةَ مِنْ قَابِلٍ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ في ذِي الْقَعْدَة، وعُمرةَ الثّالِثَة مِنَ الجِعرَّانَةِ، وَالرَّابِعَةَ [الَّتِي](3) مَعَ حَجَّتِهِ. أخرجه أبو داود (4) والترمذي (5). [صحيح].
قوله: "الحديبية وعمرة القضاء" هاتان في ذي القعدة (6) اتفاقًا وعمرة الجعرانة بعد قسمته غنائم الطائف والعمرة مع حجته؛ لأنه كان قارنًا.
4 -
وعن عروة قال: اعتمرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ عُمَرٍ إِحْدَاهُنَّ في شَوَّالِ، وثنتانِ في ذِي الْقَعْدةِ. أخرجه مالك (7).
(1) في "السنن"(3/ 275).
(2)
انظر: "زاد المعاد"(2/ 89). وقد تقدم بنصه.
"المغني"(5/ 17 - 19)، "المجموع"(7/ 137 - 141).
(3)
سقطت من (ب).
(4)
في "السنن" رقم (1993).
(5)
في "السنن" رقم (816). وأخرجه ابن ماجه رقم (3003).
وهو حديث صحيح.
(6)
انظر: زاد المعاد (2/ 89 - 95).
(7)
في "الموطأ"(1/ 342 رقم 55)، وهو أثر صحيح لغيره.
قوله: "في حديث عروة ثلاث عمر" كأنه يريد المنفردات كما يدل له حديث مالك [الآتي](1)، والرابعة مع حجته.
وقوله: "إحداهن في شوال" كأنه يريد [بها](2) عمرة الجعرانة؛ لأنه قد قيل: إنها كانت في آخر شوال، وفي رواية الشيخين (3) من حديث أنس:"أنه صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر كلها في القعدة إلاّ التي مع حجته" يريد بأنها كانت أعمالها من الطواف والسعي في ذي الحجة، وأمّا الإحرام بها فقد كان في ذي القعدة لما تقرر من أنّه صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة لخمس بقين من ذي القعدة، وأهلّ بالحج والعمرة، فمن قال: كلها أي الأربع في ذي القعدة فهو صحيح، ومن استثنى عمرته مع حجته فهو صحيح.
5 -
وعن مالك (4): أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنّ الَّنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: اعْتَمَرَ ثَلَاثًا، عَام الحُدَيْبِيَّة، وَعَامَ الْقَضِيَّةِ وَعَامَ الجِعرَّانَةِ. [صحيح لغيره].
6 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كُنَّا نَتَحَدَّثُ عَنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ ورسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَظْهُرِنَا، وَلَا نَدْرِي مَا حَجَّةُ الْوَدَاعِ، حَتى حَمِدَ الله تَعَالى وَأثنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ المَسِيحَ الدَّجَّالَ فَأطْنَبَ في ذِكْرِهِ وَقَالَ: "مَا بَعَثَ الله مِنْ نَبِيٍّ إِلَاّ أنذَرَهُ أُمَّتَهُ، لَقَدْ أنذَرَهُ نُوحٌ وَالنَّبِيُّونَ بَعْده، وإنَّهُ يَخْرُجُ فِيكُمْ، فما خَفِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ شَأْنِهِ فَلَيْسَ يَخْفَى عَلَيْكُمْ إِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وإنَّهُ أَعْوَرُ عَيْنِ الْيُمْنَى، كأنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طافِيَةٌ ألاّ وإنّ الله تَعَالَى حَرّم عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالكُمْ كحُرْمَةِ يَوْمِكمْ هَذَا في بَلَدكُمْ هذَا. ألَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قال: اللهمَّ اشْهَدْ ثَلَاثًا. وَيْلكُمْ أَوْ
(1) زيادة من (أ).
(2)
زيادة من (أ).
(3)
البخاري في "صحيحه" رقم (1780)، ومسلم رقم (217/ 1253).
(4)
في "الموطأ" رقم (1/ 342 رقم 55)، وهو أثر صحيح لغيره.
وَيْحَكُمْ لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كفّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ". أخرجه الشيخان (1) واللفظ للبخاري. [صحيح].
قوله: "في حديث ابن عمر: وما ندي ما حجة الوداع" حجة هنا بفتح الحاء وكسرها والوداع بفتح الواو، وسميت بذلك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ودّع الناس فيها وعلّمهم في خطبته [234 ب] أمور دينهم وأوصاهم بتبليغ الشريعة فقال:"ليبلغ الشاهد منكم الغائب"[فقول](2) ابن عمر: "لا ندري ما حجة الوداع" كأنه شيء ذكره لهم النبي صلى الله عليه وسلم وما فهموه فتحدثوا به، والمراد به وداع النبي صلى الله عليه وسلم لأمته حين وقعت وفاته عقيبها بقليل ففهموا ذلك.
وفي "الفتح"(3): لما قال البخاري: "فودَّع الناس" وقع في طريق ضعيفة عند البيهقي [من](4) حديث ابن عمر سبب ذلك ولفظه: "أنزلت {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)} على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق، وعرف أنه الوداعُ، فأمر براحلته القصواء فرحلت له فركب ووقف [209/ أ] بالعقبة، فاجتمع الناس إليه فقال: يا أيها الناس! .. " فذكر الحديث.
واعلم أنه حذف المصنف من آخر الحديث قول الراوي: "فطفق النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهمَّ اشهْد [ثم ودّع](5) الناس فقالوا: هذه حجة الوداع" انتهى.
ففي هذه بيان قول ابن عمر: ما كنا ندري
…
إلى آخره، وأحاديث الدجّال ستأتي في الفتن.
(1) البخاري رقم (1742، 4403، 6043، 6166، 6785، 6868، 7077)، ومسلم رقم (66).
(2)
في (أ): فقوله.
(3)
في "فتح الباري"(3/ 577).
(4)
في (ب): في، وما أثبتناه من (أ) وفتح الباري.
(5)
كذا في المخطوط والذي في "الفتح"(3/ 57): وودَّع.
قوله: "دماءكم وأموالكم" سقط من نسخ التيسير ومن "الجامع" الكبير لفظ: "وأعراضكم" فإنه ثابت في البخاري (1) في رواية ابن عمر.
وهو أيضاً ثابت في رواية (2) ابن عباس، وفي رواية أبي بكرة (3)، فإنّ البخاري أخرج هذا الحديث عن الثلاثة.
قوله: "اللهم فاشهد" إنما قال ذلك أنه كان فرضًا عليه أن يبلغ، فأشهد الله على أنه أدّى ما أوجبه عليه.
قوله: "ثلاثًا" كرّر قوله: "اللهم فاشهد" ثلاث مرات.
قوله: "أخرجه الشيخان واللفظ للبخاري" إلاّ أنه قال ابن الأثير (4) بعد هذا: وأخرج مسلم (5) طرفًا منه وهو قوله: "ويحكم" أو قال: "ويلكم" إلى قوله: "بعض"، وأخرج أيضاً البخاري (6) هذا الفصل مفردًا [235 ب]، وأخرجا (7) جميعًا الفصل الذي فيه:"أتدرون أي يوم هذا؟ " وتحريم الدماء والأعراض في موضع بعده، دون ذكر الدجال [ولا ترجعوا](8) بعدي كفاراً". انتهى.
(1) في "صحيحه" رقم (1742).
(2)
أخرجها البخاري في "صحيحه" رقم (1739).
(3)
أخرجها البخاري في "صحيحه" رقم (1741).
(4)
في "الجامع"(3/ 458 - 459).
(5)
في "صحيحه" رقم (120/ 66).
(6)
في "صحيحه" رقم (4403).
(7)
البخاري في "صحيحه" رقم (4406)، ومسلم في "صحيحه" رقم (29/ 1679).
(8)
في المخطوط: ولا ترجعون. والصواب ما أثبتناه.
وبهذا يعرف أنّ المراد من قولهم: أخرجه الشيخان أنهما اتفقا على إخراجه في الجملة بمعناه، وإن لم يسرد لفظه، ولذا قال: واللفظ للبخاري.
وقول ابن الأثير (1): وتحريم الدماء والأعراض سقط عليه لفظ: "الأموال" وقد عرفناك قريبًا أنّ الثلاثة الألفاظ: "الدماء والأموال والأعراض" ثابتة في رواية الثلاثة من الصحابة، على أنّ أكثر ألفاظ هذه الرواية عن ابن عمر ليست موجودة في خطبة الحج الذي السياق فيها، ولعلّ البخاري كرّرها في موضع آخر بهذه الألفاظ.
7 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: انْطَلَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم منَ المَدِينَةِ، بَعْدَ مَا ترَجَّلَ وَادَّهَنَ وَلَبِسَ إِزَارَهُ وَرِدَاءَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَلَمْ يَنْهَ عَنْ شَيءٍ مِنَ الأَرْدِيَةِ وَالأُزْرِ تُلْبَسُ إِلَاّ المُزَعْفَرَةَ الَّتِي تَرْدعُ عَلَى الجِلْدِ، فَأَصْبَحَ بِذِي الحُلَيْفَة، فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ حَتَّى اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ، أَهَلَّ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَقَلَّدَ بُدْنَة، وَذَلِكَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، وَقَدِمَ مَكَّةَ لأَرْبَعٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الحَجَّةِ، وَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوةِ، وَلَمْ يَحِلَّ مِنْ أَجْلِ بُدْنِهِ؛ لأَنَّهُ قَلَّدَهَا، ثُمَّ نَزَلَ بِأَعْلَى مَكَّةَ عِنْدَ الحَجُونِ، وَهْوَ مُهِلٌّ بِالحَجِّ، وَلَمْ يَقْرَبِ الْكَعْبَةَ بَعْدَ طَوَافِهِ بِهَا حَتَّى رَجَعَ مِنْ عَرَفَةَ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوةِ، ثُمَّ يُقَصِّرُوا رُءُوسِهِمْ ثُمَّ يَحِلُّوا، وَذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بَدَنَةٌ قَلَّدَهَا، وَمَنْ كَانَتْ مَعَهُ امْرَأَتُهُ فَهِيَ لَهُ حَلَالٌ، وَالطِّيبُ وَالثِّيَابُ. أخرجه البخاري (2).
"تَرْدَعُ"(3) بعين مهملة: أي: تنْفُضُ صِبغها عليه.
(1) في "الجامع"(3/ 459).
(2)
في "صحيحه" رقم (1545)، وطرفاه في (1625، 1731).
(3)
قاله ابن الأثير في "النهاية"(1/ 649).
وقال في "غريب الجامع"(3/ 477): تردع: ثوب رديعٌ، أي: صبيغ، وقد ردعتُهُ بالزّعفران، والمراد: الذي يؤثر صبغه في الجسد، فيصبغه من لونه.
قوله: "في حديث ابن عباس: بعد ما تَرَجَّل" بفتح المثناة الفوقية [فراء ساكنة](1) فجيم مشددة، والترجل: تسريح الشعر.
قوله: "فأصبح بذي الحليفة" أي: وصل إليها نهارًا، ثم بات بها كما ثبت صريحًا في غيره.
قوله: "وذلك لخمس بقين من ذي القعدة" اسم الإشارة إلى مصدر: "انطلق" في أول الحديث، أي: وانطلاقه من المدينة لخمس، لا أنّ المراد "وذلك" أي: إهلاله وأصحابه، أو الاستواء على البيداء كما تفيده الروايات الثانية الثابتة، واختلف في تعيين (2) يوم خروجه من المدينة فقيل: يوم الخميس، وإليه جنح ابن حزم، وقيل: يوم السبت، وإليه جنح ابن القيم، وبيّن في الهدي (3) أدلة القولين، فمن [أحبَّ](4) راجعه.
وقال [236 ب] الحافظ ابن حجر (5): يؤيد أنّ خروجه كان يوم السبت ما رواه ابن سعد والحاكم في "الإكليل"(6): أنّ خروجه صلى الله عليه وسلم من المدينة كان يوم السبت لخمس بقين من ذي القعدة.
قوله: "لأربع خلون من ذي الحجة" يقتضي أن يكون دخلها صبح يوم الأحد، وبه صرّح الواقدي كما قاله ابن حجر (7).
(1) في حاشية المخطوط (ب)(كذا ولعلها مفتوحة) قلت: وهو الصواب.
(2)
انظر: "فتح الباري"(3/ 407).
(3)
في زاد المعاد (2/ 97).
(4)
في (ب): أحبه.
(5)
في "فتح الباري"(3/ 407).
(6)
ذكره الحافظ في "الفتح"(3/ 407).
(7)
في "فتح الباري"(3/ 407).
قوله: "وأمر أصحابه" هذا هو الفسخ الذي أمرهم صلى الله عليه وسلم به.
قوله: "والطيب والثياب" أي: كذلك له حلال.
8 -
وعن علي رضي الله عنه قال: وَقَفَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِعَرَفَةَ وَقَالَ: "هَذِهِ عَرَفَةُ وَهُوَ المَوْقِفُ وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ". ثُمَّ أَفَاضَ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَجَعَلَ يُشِيرُ بِيَدِهِ عَلَى هَيْئَتِهِ وَالنَّاسُ يَضْرِبُونَ يَمِينًا وَشِمَالاً لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِمْ. وَيَقُولُ:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ! عَلَيْكُمُ السَّكِينَةَ". ثُمَّ أَتَى جَمْعًا فَصَلَّى بِهِمُ الصَّلاتَيْنِ جَمِيعًا. فَلمَّا أَصْبَحَ أَتَى قُزَحَ فَوَقَفَ عَلَيْهِ. وَقَالَ: "هَذَا قُزَحُ، وَهُوَ المَوْقِفُ وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ". ثُمَّ أَفَاضَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى وَادِي مُحَسِّرٍ، فَقَرَعَ نَاقَتَهُ فَخَبَّتْ حَتَّى جَاوَزَ الْوَادِيَ فَوَقَفَ وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ، ثُمَّ أتى الجمْرَةَ فَرَمَاهَا، ثُمَّ أتى إِلَى المَنْحَرَ فَقَالَ:"هَذَا المَنْحَرُ وَمِنًى كلُّهَا مَنْحَرٌ". وَاسْتَفْتَتْهُ جَارِيَةٌ شَابَّةٌ مِنْ خَثْعَمٍ قَالَتْ: يَا رَسولَ الله إنّ أبِي شَيْخٌ كَبِير قَدْ أَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ الله تَعَالَى في الحَجِّ، أَفَيُجْزِي أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ قَالَ:"حُجِّي عَنْ أَبِيكِ". قَالَ: وَلَوَى عُنُقَ الْفَضْلِ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ رضي الله عنه: يَا رَسُولَ الله! لِمَ لَوَيْتَ عُنُقَ ابْنِ عَمِّكَ؟ قَالَ: "رَأَيْتُ شَابًّا وَشَابَّةً، فَلَمْ آمَنِ الشَّيْطَانَ عَلَيْهِمَا". فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله إِنِّي أَفَضْتُ قَبْلَ أَنْ أَحْلِقَ؟ فقَالَ: "احْلِقْ وَلَا حَرَجَ". وَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! إِنِّي ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ فَقَالَ: "ارْمِ وَلَا حَرَجَ". قَالَ: ثُمَّ أتى الْبَيْتَ فَطَافَ بِهِ ثُمَّ أتى زَمْزَمَ فَقَالَ: "يَا بَني عَبْدِ المُطَّلِبِ! لَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَيْهِ لنَزَعْتُ". أخرجه الترمذي (1).
قوله: "في حديث علي رضي الله عنه ": تقدمت أكثر فصوله والكلام عليها [210/ أ].
(1) في "السنن" رقم (885).