الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب السابع: في الشفاعة، والتسامح في الحدود
1 -
عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي رَاشِدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ تعالى، فَقَدْ ضَادَّ الله عز وجل، وَمَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللهِ تَعَالَى حَتَّى يَنْزِعَ، وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ الله رَدْغَةَ الخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ، وَمَنْ أَعَانَ عَلَى خُصُومَةٍ بِظُلْمٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ الله تَعَالَى". أخرجه أبو داود (1). [صحيح].
"الرَّدْغَةُ": بسكون الدال وتحريكها بعدها غين معجمة: الطين والوحل الكثير.
قوله: "عن يحيى بن أبي راشد" هو يحيى (2) بن راشد الدمشقي، سمع ابن عمر، وروى عنه عمارة بن غزية في الحدود.
قال ابن الأثير (3): ونسخ التيسير يحيى بن أبي راشد، ولفظ "سنن أبي داود"(4) و"الجامع"(5) وغيرهما (6) ابن راشد بدون لفظ أبي.
قوله: "من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله" أي: صار ممانعاً لله كما يمانع الضد ضده عن مراده، وهو تحريم للشفاعة في الحدود بعد بلوغها إلى الإمام لا قبله، فإنه
(1) في "السنن" رقم (3597).
وأخرجه أحمد (2/ 70) والحاكم في "المستدرك"(4/ 383) والطبراني في "المعجم الكبير" رقم (13084).
وهو حديث صحيح.
(2)
انظر: "التقريب"(2/ 347 رقم 58).
(3)
في "الجامع"(3/ 599).
(4)
في "السنن" رقم (3597).
(5)
(3/ 599).
(6)
انظر مصادر تخريج الحديث.
يجوز، بل يندب كما أفاده حديث "تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب". أخرجه أبو داود (1).
ومثل ما قال صلى الله عليه وسلم لهزال في قصة ماعز: "لو سترته بثوبك كان خيراً لك". أخرجه أبو داود (2)، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم لصفوان:"هذا قبل أن تأتيني به"(3) بل لقن صلى الله عليه وسلم السارق أن يقول ما يسقط معه القطع بقوله صلى الله عليه وسلم: "ما أخالك سرقت"(4) مرتين أو ثلاثاً.
قوله: "ومن خاصم في باطل وهو يعلمه" أي: يعلم كونه باطلاً يجادل فيه ليدحض به الحق، وهذا يشمل كل من جادل بباطل من المتمذهبة وأهل علم الكلام، ويدخل فيه دخولاً أولياً كثير من الذين يتوكلون عند الحكام في الخصومات.
قوله: "ومن قال في مؤمن ما ليس فيه" أي: مما يسوءه ويشونه [288 ب] ويحط من شأنه لا من قال فيه خيراً ليصلح بينه وبين خصمه، فقد أباح ذلك الشارع.
(1) في "السنن" رقم (4376).
وأخرجه النسائي رقم (4886) والحاكم في "المستدرك"(4/ 383) وهو حديث صحيح.
(2)
في "السنن" رقم (4377) وهو حديث حسن، وقد تقدم.
(3)
أخرجه أبو داود رقم (4394) والنسائي (8/ 69) وابن الجارود رقم (828) والشافعي (2/ 84 رقم 287) وأحمد (3/ 401) وابن ماجه رقم (2595) والحاكم (4/ 380) والبيهقي (8/ 265) من طرق، وهو حديث صحيح.
(4)
أخرجه أبو داود رقم (4380) وأحمد (5/ 293) والنسائي (8/ 67 رقم 4877) وابن ماجه رقم (2597) والدارمي (2/ 173) والبيهقي (8/ 276) من حديث أبي أمية المخزومي.
وهو حديث ضعيف، والله أعلم.
قوله: "ردغة الخبال" بفتح الراء ودال مهملة وغين معجمة، والخبال بفتح الخاء المعجمة فموحدة. قال ابن الأثير (1): عصارة أهل النار، قال: والردغة بفتح الدال وسكونها الماء والطين.
قوله: "حتى يخرج مما قال" أي: في المؤمن وخروجه عنه بعد الموت لا يتم؛ لأنه لا يخرج إلا بالتوبة، ولا توبة بعد الموت، فليس إلا العذاب كما يشاءه الله أو عفو المؤمن عنه.
واعلم أن حديث أبي داود عن يحيى بن [](2) راشد انتهى إلى هنا، وأما قوله:"ومن أعان على خصومة بظلم فقد جاء بغضب من الله"، فليس من رواية يحيى بن راشد، بل أخرجها أبو داود (3) رواية منفصلة من طريق أخرى عن نافع عن ابن عمر، إلا أن في هذه الطريق كما قال المنذري (4) مطر بن طهمان الوراق، وقد ضعفه غير واحد، وفيه أيضاً المثنى بن يزيد، وهو مجهول، انتهى كلام المنذري (5).
وهو كما قال، فالعجب من سياق المصنف للروايتين وخلط المضعفة بالصحيحة، وما كان يحسن ذلك، فهو نوع من الغش فإنه صريح في أن هذه الزيادة من رواية يحيى بن راشد، وليست من روايته، بل عن نافع عن ابن عمر، وأما ابن الأثير في "الجامع" (6) فإنه ساق في الأولى إلى قوله:"مما قال" ثم قال: "زاد في رواية: "ومن أعان" إلى آخر الحديث، ثم قال:
(1) في "غريب الجامع"(3/ 600).
(2)
في (أ. ب) زيادة أبي وهو خطأ، وانظر ما تقدم.
(3)
في "السنن" رقم (3598). وأخرجه ابن ماجه رقم (2320).
وهو حديث ضعيف، والله أعلم.
(4)
في مختصره (5/ 216).
(5)
في "مختصر السنن"(5/ 216).
(6)
(3/ 597 - 598).
أخرجه أبو داود، فهو وإن كان [قد](1) أهمل تضعيف الثانية فقد أفاد أنه رواية أخرى، وليس من طريقته بيان التضعيف وغيره فلا أعتراض عليه.
2 -
وَعَن الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ رضي الله عنه: أَنَّهُ لَقِيَ رَجلاً قَدْ أَخَذَ سَارِقًا يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِهِ إِلَى السُّلْطَانِ فَشَفَعَ لَهُ الزُّبَيْرُ لِيُرْسِلَهُ، فَقَالَ: لَا، حَتَّى أَبْلُغَ بِهِ إِلَى السُّلْطَانَ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: إِنَّمَا الشَّفَاعَةُ قَبْلَ أَنْ يُبَلَّغُ السُّلْطَانُ، فَإِذَا بُلِّغَ السُّلْطَانَ لعِنَ الله الشَّافِعَ وَالمُشَفِّعَ. أخرجه مالك (2). [موقوف صحيح].
قوله: "فشفع له الزبير" معنى الشفاعة [289 ب] كلام الشفيع إلى من هو فوقه في حاجة يسألها (3) لغيره، وهي من الشفع الذي هو خلاف الوتر، كأنه بانضمامه إلى المشفوع له صارا شفعاً.
قوله: "لعن الشافع [والمشفع] "(4) بكسر الفاء، وذلك لأنهما تعاونا على إسقاط حق الله وما شرعه من الزواجر.
3 -
وَعَنْ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ رضي الله عنه: أَنَّهُ توَسَّدَ رِدَاءَهُ فِي المَسْجِدِ، وَنَامَ فَجَاءَهُ سَارِقٌ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ، فَأَخَذَ صَفوَانُ السَّارِقَ، فَجَاءَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فأَمَرَ بِهِ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ، فَقَالَ صَفْوَانُ:
(1) في (أ) في.
(2)
في "الموطأ"(3/ 835 رقم 29).
قال ابن عبد البر في "الاستذكار"(34/ 176): "هذا خبر منقطع، ويتصل من وجه صحيح"، وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(8/ 333) بسند صحيح.
وهو أثر موقوف صحيح، والله أعلم
(3)
قال ابن الأثير في "النهاية"(1/ 877) الشفاعة: هي السؤال في التجاوز عن الذنوب والجرائم بينهم.
انظر: "غريب الحديث" للهروي (2/ 92).
(4)
سقطت من (ب).
إِنِّي لَمْ أُرِدْ هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ، هُوَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"فَهَلَاّ قَبْلَ أَنْ تَأْتِينِي بِهِ". أخرجه الأربعة (1) إلا الترمذي. [صحيح].
4 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ادْرَءُوا الحُدودَ عَنِ المُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِن كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سبِيلهُ، فَإِنَّ الإِمَامَ أَنْ يُخْطئَ فِي الْعَفْو خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ". أخرجه الترمذي (2). [صعيف].
ولأبي داود عنها (3): أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: "أَقِيْلُوا ذَوِيْ الهيْئَاتِ عَثرَاتِهِمْ إِلَّا الحُدُودَ. [صحيح].
قوله: "في حديث عائشة أخرجه الترمذي".
(1) أخرجه أبو داود رقم (4394) والنسائي (8/ 69) وابن ماجه رقم (2595) وهو حديث صحيح، وقد تقدم تخريجه.
(2)
في "السنن" رقم (1424) وهو حديث ضعيف.
وأخرجه الحاكم (4/ 384 - 385) وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وقال الذهبي: قال النسائي: يزيد بن زياد شامي متروك.
وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(8/ 238) وفي إسناده يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف ["التاريخ الكبير" (8/ 334) والمجروحين (3/ 99) "الميزان" (4/ 423)].
(3)
في "السنن" رقم (4375).
وأخرجه أحمد (6/ 181) والنسائي في "الكبرى" رقم (7294 - العلمية)، والطحاوي في شرح "مشكل الآثار" رقم (2377) وأبو نعيم في "الحلية"(9/ 43) وابن حزم في "المحلى"(11/ 405) من طريق عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا عبد الملك بن زيد، عن محمد بن أبي بكر، عن أبيه، عن عمرة، عن عائشة، به.
قال ابن حزم: وقد أورد طرقه أحسنها كلها حديث عبد الرحمن بن مهدي، فهو جيد والحجة به قائمة.
وهو حديث صحيح، والله أعلم.
قلت: وقال (1): حديث عائشة لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث محمد بن ربيعة عن يزيد ابن زياد الدمشقي، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه وكيع عن يزيد بن زياد نحوه ولم يرفعه، ورواية وكيع أصح.
وقد روي نحو هذا عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا مثل ذلك، ويزيد بن زياد الدمشقي ضعيف في الحديث، انتهى كلامه.
قوله: "ولأبي داود عنها أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود" قال الشافعي (2): وذووا الهيئة من لم يظهر منه ريبة، وفيه دليل أن الإمام يخير في التعزير إن شاء عزر، وإن شاء ترك، إذ لو كان التعزير واجباً لكان ذوو الهيئة وغيرهم سواء في ذلك.
ورواية أبي داود قال فيها المنذري (3): في إسناده عبد الملك بن زيد العدوي وهو ضعيف. انتهى.
5 -
وَعَنْ ابْنِ المُسَيَّبِ رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلَاً مِنْ أَسْلَمَ يُقَالُ لَهُ هَزَّالٌ شَكَا رَجُلاً إلى رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم بِالزِّنَا، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِل:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} الْآيَةَ، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"يَا هَزَّالُ! لَوْ سَتَرْتَهُ بِرِدَائِكَ لَكَانَ خَيْرًا لَكَ". أخرجه مالك (4)، وأبو داود (5). [حسن].
(1) في "السنن"(4/ 33 - 34).
(2)
"الأم"(7/ 368)"الحاوي الكبير"(13/ 404).
(3)
انظر "فتح الباري"(12/ 87 - 88).
(4)
في "الموطأ"(2/ 821).
(5)
في "السنن" رقم (4377).
وهو حديث حسن، وقد تقدم.
قوله: "في [290 ب] حديث ابن المسيب يقال له: هزال" بفتح الهاء وتشديد الزاي، وهو ذياب بن بريدة، وقيل ابن بريد الأسلمي، وهو صاحب [229/ أ] الجارية التي وقع عليها ماعز، قاله الكاشغري.
وسبب قوله صلى الله عليه وسلم لهزال: "لو سترته لكان خيراً لك"، ما رواه أبو داود (1) وغيره عن محمد بن المنكدر: أن هزالاً أمر ماعزاً أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم.
وروي (2) في موضع آخر أن [ماعزاً](3) كان يتيماً في حجر هزال، فأصاب جارية من الحي فقال هزال: ائت النبي صلى الله عليه وسلم لعله يستغفر لك، وذكر الحديث في قصة رجمه.
6 -
وعن هانئ بن نيار رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ إِلَّا فِي حَدِّ مِنْ حُدُودِ الله تَعَالَى". أخرجه الشيخان (4) وأبو داود (5). [صحيح].
قوله: "وعن هانئ بن نيار" هو خال البراء بن عازب، وهو هاني بن نيار بن عمرو البلوي، حليف الأنصار غلبت عليه كنيته (6).
(1) في "السنن" رقم (4378) وهو حديث حسن.
(2)
أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (4419) وهو حديث صحيح دون قوله: (لعله أن يتوب).
(3)
في المخطوط (أ. ب) هزال، والصواب ما أثبتناه من "السنن".
(4)
البخاري في "صحيحه" رقم (6850) ومسلم رقم (40/ 1708).
(5)
في "السنن" رقم (4491).
وأخرجه أحمد (3/ 466) والترمذي رقم (1463) وابن ماجه رقم (2601) والنسائي في "الكبرى" رقم (7330 - 7332 - العلمية)، والدارقطني (3/ 207 رقم 371) والدارمي (2/ 176) والبيهقي (8/ 568) والبغوي في "شرح السنة" رقم (2609) وابن أبي شيبة في المصنف (6/ 567) وهو حديث صحيح، والله أعلم.
(6)
أي أبو بردة بن نيار.
وانظر "التقريب"(2/ 394 رقم 8).
قوله: "لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله" قال النووي (1): ضبطوا الجلد بوجهين: أحدهما بفتح الياء وكسر اللام، والثاني بضم الياء وفتح اللام، وكلاهما صحيح، ذكر العلماء (2) أنه حديث منسوخ بعمل الصحابة على خلافه من غير إنكار.
فقالت الشافعية (3): تجوز الزيادة على عشرة أسواط، واختلف العلماء (4) في التعزير هل يقتصر فيه على عشرة أسواط فما دونها، ولا تجوز الزيادة أو تجوز؟
فقال أحمد (5) وجماعة (6): لا تجوز، وذهب الجمهور الصحابة والتابعين فمن بعدهم إلى جوازها، ثم اختلفوا؛ فقال طائفة: لا ضبط لعدد الضربات، بل ذلك إلى رأي (7) الإمام، وله أن يزيد على قدر الحدود؛ لأن عمر ضرب من نقش على خاتمه مائة، وقالت طائفة (8): لا يبلغ به أربعين، وآخرون (9) لا يبلغ به ثمانين، وفيه أقوال أُخر كلها من غير دليل ناهض.
7 -
وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه قَالَ: نَهَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُسْتَقَادَ فِي المَسْجِدِ، وَأَنْ تُنْشَدُ فِيْهِ الْأَشْعَارُ، وَأَنْ تُقَامَ فِيْهِ الحُدُودَ. أخرجه أبو داود (10). [حسن لغيره].
(1) في شرحه لـ "صحيح مسلم"(11/ 221).
(2)
ذكره النووي في شرح "صحيح مسلم"(11/ 222).
(3)
انظر "البيان" للعمراني (12/ 534).
(4)
قاله النووي في شرح "صحيح مسلم"(11/ 221).
(5)
"المغني"(12/ 524).
(6)
"إعلام الموقعين"(2/ 342 - 346)"بدائع الصنائع"(5/ 212).
(7)
انظر "المفهم"(5/ 139)"البحر الزخار"(5/ 212).
(8)
ذكره النووي في شرح "صحيح مسلم"(11/ 221 - 222).
(9)
انظر: تفصيل ذلك في "إعلام الموقعين"(2/ 342 - 346)، الطرق الحكمية في السياسة الشرعية لابن القيم (ص 106 - 108).
(10)
في "السنن" رقم (4490). =
8 -
وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الأَنْصَارِ قَالَ: اشْتَكَى رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ حَتَّى أُضْنِىَ، فَعَادَ جِلْدَةً عَلَى عَظْمٍ، فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ جَارِيَةٌ لِبَعْضِهِمْ فَهَشَّ بها فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رِجَالُ مِنْ قَوْمِهِ يَعُودُونَهُ، فَأَخبَرَهُمْ بِذَلِكَ، وَقَالَ: اسْتَفْتُوا لِي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِنِّي وَقَعْتُ عَلَى جَارِيَةٍ دَخَلَتْ عَلَيَّ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالُوا مَا رَأَيْنَا بِأَحَدٍ مِنَ الضُّرِّ مِثْلَ الَّذِي هُوَ بِهِ، وَلَوْ حَمَلْنَاهُ إِلَيْكَ لَتَفَسَّخَتْ عِظَامُهُ، مَا هُوَ إِلَاّ جِلْدٌ عَلَى عَظْمٍ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْخُذُوا لَهُ مِائَةَ شِمْرَاخٍ فَيَضْرِبُوهُ بِهَا ضَرْبَةً وَاحِدة أخرجه أبو داود (1) والنسائي (2). [صحيح].
قوله: "في حديث أبي أمامة حتى أضني" أي: أصابه الضنا وهو شدة المرض وسوء الحال [291 ب] حتى ينحل بدنه من الهزال، وفيه من الفقه أن المريض إذا كان ميئوساً منه ومن معاودة الصحة والقوة له، وقد وجب عليه حد يتناول بالضرب الخفيف الذي لا يجهده، وممن قال بهذا الشافعي وجماعة من العلماء، وقال مالك (3) وأصحاب (4) الرأي لا يعرف الحد إلا حداً واحداً، والمريض والزمن في ذلك سواء، ولا يخفى أنه ردٌّ للحديث.
= وأخرجه الحاكم في "المستدرك"(4/ 369) والدارقطني (3/ 86 رقم 14) والبيهقي في "السنن الكبرى"(8/ 328) وابن أبي شيبة (10/ 42 رقم 8696) وهو حديث حسن لغيره.
(1)
في "السنن"(4472) وهو حديث صحيح.
(2)
في "السنن الكبرى" رقم (7301).
(3)
انظر: مدونة الفقه المالكي (4/ 638 - 639).
(4)
"بدائع الصنائع"(7/ 61 - 63).
9 -
وَعَنْ عَليٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَصَابَ حَدًّا فَعُجِّلَ عُقُوبَتُهُ فِي الدُّنْيَا، فَالله أَعْدَلُ مِنْ أَنْ يُثَنَّىَ عَلَى عَبْدِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الآخِرَةِ، وَمَنْ أَصَابَ حَدًّا فَسَتَرَهُ الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَفَا عَنْهُ، فَالله أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَعُودَ فِي شَيْءٍ قَدْ عَفَا عَنْهُ". أخرجه الترمذي (1). [صحيح].
قوله: "في حديث علي فالله أكرم من أن يعود في شيء قد عفا عنه" الحديث في "الصحيحين"(2) بأبسط من هذا ولفظه: "أنه صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب شيئاً من ذلك فعوقب به. فهو كفارة، ومن أصاب شيئاً من ذلك فستره الله عليه فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه".
وهو في "سنن الترمذي"(3) بهذا اللفظ من حديث عبادة بن الصامت ثم قال (4): وفي الباب عن علي، وجرير بن عبد الله، وخزيمة بن ثابت، قال: وحديث عبادة حديث حسن صحيح.
وقال الشافعي (5): لم أسمع في هذا الباب أن الحد يكون كفارة لأهله شيئاً أحسن من هذا الحديث، وقال الشافعي: واجب لمن أذنب ذنباً [292 ب] فستره الله عليه أن يستر نفسه ويتوب فيما بينه وبين ربه. انتهى.
(1) في "السنن" بإثر الحديث رقم (2625).
(2)
البخاري رقم (18) ومسلم رقم (43/ 1709) وقد تقدم، من حديث عبادة بن الصامت.
(3)
في "السنن" بإثر الحديث رقم (2625).
(4)
في "السنن" بإثر الحديث رقم (2625).
(5)
انظر شرح "صحيح مسلم"(11/ 223 - 224).
ولفظ حديث علي كما ذكر لم أجده في الترمذي، وإنما رأيت قوله: وفي الباب (1) عن علي.
وفي "شرح مسلم"(2) على الحديث المذكور ما لفظه: واعلم أن هذا الحديث عام مخصوص، وموضع التخصيص قوله:"ومن أصاب شيئاً من ذلك .. إلى آخره" المراد به ما سوى الشرك، وإلا فإن الشرك لا يغفر له، ولا تكون عقوبته كفارة له.
وفي هذا الحديث فوائد منها (3): تحريم هذه المذكورات، وما في معناها، ومنها الدلالة لمذهب أهل الحق أن المعاصي غير الكفر لا يقطع لصاحبها بالنار إذا مات ولم يتب منها، بل هو في مشيئة الله إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه، ومنها أن من ارتكب ذنباً يوجب الحد فحد سقط الإثم.
قال القاضي (4): قال أكثر العلماء: الحدود كفارة استدلالاً بهذا الحديث، قال: ومنهم من وقفه بحديث أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا أدري الحدود كفارة"(5) قال: ولكن
(1) أي الترمذي في "السنن" بإثر الحديث (2625).
(2)
(11/ 223).
(3)
ذكره النووي في شرح "صحيح مسلم"(11/ 223 - 224).
(4)
في إكمال "المعلم بفوائد مسلم"(5/ 550).
(5)
أخرجه الحاكم في "المستدرك"(1/ 36) و (2/ 488) وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولا أعلم له علة، ووافقه الذهبي.
وأخرجه البزار في "مسنده" رقم (1543 - كشف).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 265) وقال: "رواه البزار بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح، غير أحمد بن منصور الرمادي وهو ثقة".
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(1/ 66) وهو صحيح على شرط الشيخين.
[حديث عبادة](1) الذي نحن فيه أصح إسناداً، ولا تعارض بين الحديثين، فيحتمل أن حديث أبي هريرة قبل حديث عبادة، فلم يعلم صلى الله عليه وسلم ثم علم. انتهى.
10 -
وعنه رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاَثةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمُ، وَعَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ. أخرجه أبو داود (2) والترمذي (3). [صحيح].
وزاد أبو داود (4) في أخرى: "وَعَنِ الخَرِفِ".
قوله: "وعنه" أي: علي عليه السلام "رفع القلم" أي: قلم الحفظة الذين يكتبون ما على العباد من الخطايا، لا قلم كتابة الخير، فإنه يكتب للصبي لحديث (5):"ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر"، ويقاس عليه النائم، والذي لا يعقل، فلو أتوا بشيء يوجب حداً على غيرهم لما وجب عليهم فضلاً من الله.
قلت: وزاد في أخرى: "وعن الخرف" مثلث الراء هو فساد (6) العقل مع [الكبر](7)، وله ألفاظ في مسلم هذا أحدها. [230/ أ][293 ب].
(1) في (أ. ب) عبارة، وما أثبتناه من شرح "صحيح مسلم"(11/ 224).
(2)
في "السنن" رقم (4403).
(3)
في "السنن" رقم (1423).
وهو حديث صحيح.
(4)
في "السنن" بإثر الحديث رقم (4403) قال أبو داود: رواه ابن جريج عن القاسم بن يزيد عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم زاد فيه "والخرف".
قلت: هذه الزيادة لا تصح؛ لأن القاسم بن يزيد مجهول وقد تفرد بها.
(5)
تقدم نصه وتخريجه وهو حديث صحيح.
(6)
انظر "القاموس المحيط"(ص 1038).
(7)
في (ب) الكره.