الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأخبر بأنهم لا يؤمنون حتى يحب بعضهم بعضاً، فالتّحاب مراد لله بين عباده، ولذا يغفر كل اثنين وخميس للعباد، إلا المتهاجرين (1) ومن بينهم شحناء فيقال: اتركوهما حتى يصطلحا، ثم دلّهم صلى الله عليه وسلم على سبب التّحاب وهو إفشاء (2) السلام بينهم أي: نشره.
كتاب: الحرص
في "التعريفات"(3): الحرص فرط الشهوة وفرط الإرادة.
وقال أبو البقاء: شدة الإنكماش على الشيء والجد في طلبه، وعبّر عنه بعضهم بقوله طلب الشيء باجتهاد في إصابته.
(1) يشير إلى الحديث الذي أخرجه مالك (2/ 909) ومسلم رقم (2565) وأبو داود رقم (4916) والترمذي (2023) وهو حديث صحيح.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعرض الأعمال في كل يوم اثنين وخمسين، فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئ لا يشرك بالله شيئاً إلا امرأً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول: اتركوا هذين حتى يصطلحا".
وأخرج ابن ماجه في "السنن" رقم (1740) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم الاثنين والخميس، فقيل: يا رسول الله! إنك تصوم الاثنين والخميس، فقال: "إن يوم الاثنين والخميس يغفر الله فيهما لكل مسلم إلا مهتجرين يقول: دعهما حتى يصطلحا.
وهو حديث صحيح لغيره.
(2)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم".
أخرجه مسلم رقم (54) وأبو داود رقم (5193) والترمذي رقم (2688) وابن ماجه رقم (3692).
وهو حديث صحيح.
(3)
قاله المناوي في "التوقيف على مهمات التعاريف"(ص 274).
وانظر: "التعريفات" للجرجاني (ص 90).
وقال [الحرالي](1): هو طلب الاستغراق فيما فيه الحظ. انتهى.
1 -
عن أنس رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: "يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ وَيَشِبُّ فِيْهِ اثْنَتَانِ: الحِرْصُّ عَلَى المَالِ، وْالحِرْصُ عَلَى الْعُمُرْ". أخرجه الشيخان (2) والترمذي (3). [صحيح].
قوله: "في حديث أنس [300 ب] يهرم المرء" الهرم الكبر، وفي حديث آخر (4)"إن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء إلا الهرم".
في "النهاية"(5): جعل الهرم داء؛ لأن الموت يتعقبه كالأدواء.
قوله: "ويشب فيه اثنتان" بفتح المثناة التحتية وفتح الشين المعجمة وهو بمعنى: قلب الشيخ (6) شاب على حب اثنتين، والحرص على الدنيا وحب المكاثرة فيها مذموم.
(1) في (أ) ولعله الغزالي.
انظر: "مفردات ألفاظ القرآن"(ص 227 - 228).
(2)
البخاري رقم (6421) ومسلم رقم (1047).
(3)
في "السنن" رقم (2339). وهو حديث صحيح.
(4)
أخرجه أبو داود رقم (3855) وابن ماجه رقم (3436) والترمذي رقم (2038) وأحمد في "المسند"(4/ 288). وهو حديث صحيح.
(5)
"النهاية في غريب الحديث"(2/ 903).
(6)
قال النووي في شرح "صحيح مسلم"(7/ 138) هذا مجاز واستعارة، ومعناه أن قلب الشيخ كامل الحب للمال محتكم في ذلك كاحتكام قوة الشاب في شبابه.
وانظر "فتح الباري"(11/ 241).
2 -
وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لهَا مِنْ حِرْصِ المَرْءِ عَلَى المَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ". أخرجه الترمذي (1) وصححه. [صحيح].
(1) في "السنن" رقم (2376).
وأخرجه أحمد (3/ 456، 460) وابن حبان رقم (3288) والدارمي (2/ 304) والطبراني في "الكبير"(19/ 96 رقم 189) والبيهقي في الأدب (ص 322 رقم 974) والبغوي في "شرح السنة" رقم (4054) وابن أبي شيبة في "المصنف"(13/ 241).
• وأخرجه البزار في "مسنده" رقم (3608 - كشف) عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ذئبان ضاريان في حظيرة يأكلان ويفسدان بأضر فيها من حب الشرف وحب المال في دين المرء المسلم".
قال البزار: لا نعلمه يروى عن ابن عمر إلا من هذا الوجه.
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(10/ 25) وقال: "رواه البزار وفيه قطبة بن العلاء، وقد وثق، وبقية رجاله ثقات".
وأخرجه أبو نعيم في "الحلية"(7/ 89) والقضاعي في "مسند الشهاب"(2/ 26 رقم 812) والعقيلي في الضعفاء (3/ 487).
• وأخرجه الطبراني في "الأوسط" رقم (855) وفي الكبير (رقم 10779) عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ذئبان ضاريان في غنم، بأفسد لها من حب ابن آدم الشرف والمال".
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(10/ 250) وقال: رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه عيسى بن ميمون وهو ضعيف، وقد وثق، ولم ينسبه الهيثمي للطبراني في "الكبير" كما هو شرطه.
وأخرجه أبو نعيم في "الحلية"(3/ 220) وقال: "وهذا حديث غريب من حديث محمد بن كعب عن ابن عباس، لم نكتبه إلا من هذا الوجه".
• وأخرجه أبو يعلى في "مسنده"(11/ 331 رقم 609، 6449) عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما ذئبان ضاريان جائعان في غنم، افترقت أحدهما في أولها، والآخر في آخرها بأسرع فساداً من امرئ في دينه يحب شرف الدنيا ومالها". =
ومعناه: [أَنَّ حِرْصَ المَرْءِ عَلَى المَالَ وَالشَّرَفِ وَحُبَّهُمَا مُفْسِدٌ لِدِينِهِ كَمَا يُفْسِدُ الذِّئْبَانِ الجَائِعَانِ الْغَنَمِ إِذَا أُرْسِلَا فِيْهَا وَلَمْ يَمْنَعَا مِنْهَا.
= وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(10/ 250) وقال: "رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن عبد الملك بن زنجويه، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وقد وثقا".
وأورده ابن حجر في "المطالب العالية"(3/ 207 رقم 3272) وعزاه إلى أبي يعلى وقال البوصيري: "رواه أبو يعلى والطبراني بإسناد جيد".
وأخرجه أبو نعيم في "الحلية"(7/ 89) والقضاعي في "مسند الشهاب"(2/ 25 رقم 81)، (2/ 26 رقم 813) والطبراني في "الأوسط" رقم (776) من طرق أخرى.
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(10/ 250) وقال: رواه الطبراني في "الأوسط" وإسناده جيد.
• وأخرجه الطبراني في "الأوسط" والضياء في "المختارة"، كما في تخريج أحاديث "إحياء علوم الدين" (4/ 1886) عن أسامة بن زيد بلفظ: "ما ذئبان ضاريان باتا في حظيرة فيها غنم يفترسان ويأكلان بأسرع فساداً من طلب المال والشرف في دين المسلم.
وأخرجه الطبراني في الصغير (2/ 149 رقم 943 - الروض الداني).
• وأخرجه الطبراني في "الأوسط" كما في "مجمع الزوائد"(10/ 250) عن أبي سعيد الخدري بلفظ: "ما ذئبان ضاريان في زريبة غنم بأسرع فيها فساداً من طلب المال والشرف في دين المسلم". وفيه: خالد بن يزيد العمري، وهو كذاب.
• وأخرجه الطبراني في "الأوسط" كما في "مجمع الزوائد"(10/ 250) عن عاصم بن عدي الأنصاري رضي الله عنه، قال: اشتريت أنا وأخي مائة سهم من سهام خيبر، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"ما ذئبان عاديان ظلا في غنم أضاعها ربها من طلب المسلم المال والشرف لدينه".
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(10/ 250): وإسناده حسن.
3 -
وعن أنس رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى إليهما ثَالِثًا، وَلَا يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَاّ التُّرَابُ، وَيَتُوبُ الله عَلَى مَنْ تَابَ". أخرجه الشيخان (1)، وهذا لفظهما، والترمذي (2) بمعناه. [صحيح].
قوله: "لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب" أي: لا يزال حريصاً على الدنيا حتى يموت ويمتلئ قلبه (3) من تراب قبره، وهذا الحديث خرج على حكم غالب بني آدم في الحرص على
(1) البخاري رقم (6439) ومسلم رقم (1048).
(2)
في "السنن" رقم (2337).
وهو حديث صحيح.
• قال الطيبي في شرح "مشكاة المصابيح"(9/ 393 رقم 5273):
معناه: أنه لا يزال حريصاً على الدنيا حتى يموت، ويمتلئ جوفه من تراب قبره، وهذا الحديث خرج على حكم غالب بني آدم في الحرص على الدنيا، ويؤيده قوله:"ويتوب الله على من تاب"، وهو متعلق بما قبله، ومعناه: إن الله تعالى: يقبل التوبة من الحرص المذموم وغيره من المذمومات.
ثم قال: وموقع قوله: "لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب"، موقع التذييل والتقرير للكلام السابق، ولذلك أعاد ذكر ابن آدم ونيط به حكم أشمل وأعم، كأنه قيل: ولا يشجع من خلق من التراب إلا بالتراب.
وانظر "فتح الباري"(11/ 256).
(3)
وعلاج الحرص والطمع لهذا الداء، يعتمد على دواء مركب من ثلاثة أركان: الصبر، والعلم، والعمل، وهي أمور لا بد منها لكلِّ من أصابه هذا الداء.
1) وهو العمل، الاقتصاد في المعيشة والرفق في الإنفاق، فمن أراد عز القناعة فينبغي أن يسد عن نفسه أبواب الخروج ما أمكنه، ويرد نفسه إلا ما لا بد له منه، فمن أكثر خرجه، واتسع إنفاقه، لم تمكنه القناعة التي منها الإجمال في الطلب والاقتصاد في المعيشة، وهو والأصل في القناعة، ونعني به الرفق في الإنفاق وترك الخرق فيه.
2) أنه إذا تيسر لك في الحال ما يكفيك فلا ينبغي أن تكون شديد الاضطراب لأجل المستقبل، ويعينك على ذلك قصر الأمل، والتحقق بأن الرزق الذي قدر لك لا بد وأن يأتيك وإن لم يشتد حرصك، فإن شدة =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الحرص ليست هي السبب لوصول الأرزق، بل ينبغي أن يكون واثقاً بوعد الله تعالى، إذ قال عز وجل:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} وذلك لأن الشيطان يعدك الفقر ويأمرك بالفحشاء، ويقول: إن لم تحرص على الجمع والادخار فربما تمرض وربما تعجز، وتحتاج إلى احتمال الذل في السؤال، فلا يزال طول العمر يتعبك في الطلب خوفاً من الفقر، ويضحك عليك في احتمالك التعب نقداً مع الغفلة عن الله لتوهم تعب في ثاني الحال، وربما لا يكون وفي مثله قيل:
ومن ينفق الساعات في جمع ماله
…
وسدَّ عليك وجوه الطلب
3) أن يعرف ما في القناعة عز الاستغناء وما في الحرص والطمع من الذل، فإذا تحقق عنده ذلك انبعثت رغبته إلى القناعة؛ لأنه في الحرص لا يخلو من تعب، وفي الطمع لا يخلو من ذل، وليس في القناعة إلا ألم الصبر عن الشهوات والفضول، وهذا ألم لا يطلع عليه أحد إلا الله، وفيه ثواب الآخرة.
وذلك مما يضاف إليه نظر الناس وفيه الوبال والمأثم، ثم يفوته عز النفس والقدرة على متابعة الحق، فإن من أكثر طمعه وحرصه كثرت حاجته إلى الناس، فلا يمكنه دعوتهم إلى الحق ويلزمه المداهنة، وذلك يهلك دينه، ومن لا يؤثر عز النفس على شهوة البطن فهو ركيك العقل، ناقص الإيمان.
4) أن يكثر تأمله في تنعم اليهود والنصارى وأراذل الناس، ومن لا دين لهم ولا عقل، ثم ينظر إلى أحوال الأنبياء والأولياء، وإلى سمت الخلفاء الراشدين وسائر الصحابة والتابعين، ويستمع أحاديثهم، ويطالع أحوالهم، ويخير عقله بين أن يكون على مشابهة أراذل الناس أو على الاقتداء بمن هو أعز أصناف الخلق عند الله، حتى يهون عليه بذلك الصبر على الضنك، والقناعة باليسير.
5) أن يفهم ما في جمع المال من الخطر، وما فيه من خوف السرقة والنهب والضياع، وما في خلو اليد من الأمن والفراغ، ويتأمل آفات المال مع ما يفوته من المدافعة عن باب الجنة إلى خمسمائة عام، فإنه إذا لم يقنع بما يكفيه ألحق بزمرة الأغنياء، وأخرج من جريرة الفقراء، ويتم ذلك بأن ينظر أبداً إلى من دونه في الدنيا، لا إلى من فوقه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم".
[البخاري رقم (6490) بنحوه، ومسلم رقم (9/ 2963) والترمذي رقم (2513) وابن ماجه رقم (4142)].