الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني عشر: في دخول مكة والنزول بها والخروج منها
1 -
عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ مِنْ كدَاءَ مِنْ الثّنِيّةِ الْعُلْيَا التي عندَ البَطْحاءِ. وخرجَ مِنِ الثّنِيّةِ السُّفْلى. أخرجه الخمسة (1) إلا الترمذي. [صحيح].
"كداء"(2) بفتح الكاف والمدِّ من أعلى مكة، وبضمها والقصر مصروفًا من أسفلها.
قوله: "في حديث ابن عمر: دخل مكة من كدا" يأتي ضبطها، قال أبو عبيد (3): لا تصرف، وهذه الثنية هي التي ينزل منها إلى [المعلاة](4) مقبرة أهل مكة، وهي التي يقال لها: الحجون بفتح المهملة وضم الجيم، وكانت صعبة المرتقى فسهلها معاوية ثم عبد الملك ثم المهدي على ما ذكره الأزرقي (5)، ثم سهلت كلها في زمن سلطان [217 ب] مصر الملك المؤيد في حدود العشرين وثمانمائة، وكل عقبة في جبل أو طريق عال يسمى ثنية.
قوله: "وبضمها والقصر" أي: ضم الكاف مقصورة هي السفلى عند باب الشبيكة بقرب شعب الشاميين من ناحية قعيقعان، وبمكة موضع ثالث يقال له: كدي، بالضم والتصغير، يخرج منه إلى [203/ أ] جهة اليمن.
(1) أخرجه البخاري رقم (1575)، ومسلم رقم (223/ 1257)، وأبو داود رقم (1866) ، والنسائي رقم (2865)، وابن ماجه رقم (2940)، وأخرجه أحمد (2/ 21).
(2)
انظر: "المجموع المغيث"(3/ 23 - 24). "النهاية في غريب الحديث"(2/ 528).
(3)
ذكره الحافظ في "الفتح"(3/ 437).
(4)
كذا في المخطوط والذي في "الفتح": المعلى، وفي "النهاية": المعلا.
(5)
ذكره الحافظ في "الفتح"(3/ 437). وانظر: "المفهم"(3/ 371 - 372).
قال المحب (1) الطبري: حققه [العذري](2) عن أهل "المعرفة" بمكة، قال: وقد بني عليها باب بمكة الذي يدخل منه أهل اليمن.
وقال النووي (3): وأما كدي بضم الكاف وتشديد الياء فهو في طريق الخارج إلى اليمن، وما ليس من هذين الطريقين في شيء، قاله في "الفتح"(4).
2 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّهُ كانَ يَبِيتُ بِذِي طُوًى بَيْنَ الثَّنِيَّتَيْنِ، ثُمَّ يَدْخُلُ مِنَ الثَّنِيَّةِ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ، وَكَانَ إِذَا قَدِمَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا لَمْ يُنِخْ نَاقَتَهُ إِلَاّ عِنْدَ بَابِ المَسْجِدِ، ثُمَّ يَدْخُلُ وَيَأْتِي الرُّكْنَ الأَسْوَدَ فَيَبْدَأُ بِهِ، ثُمَّ يَطُوفُ سَبْعًا: ثَلَاثًا سَعْيًا، وَأَرْبَعًا مَشْيًا، ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيُصَلِّي سَجْدَتَيْنِ، مِنْ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَيَطُوفُ بينَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَكَانَ إِذَا صَدَرَ عَنِ الحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ أناخَ بِالْبَطْحَاءِ الَّتِي بِذِي الحُلَيْفَةِ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُنِيخُ بِهَا. أخرجه الستة (5) إلا الترمذي. [صحيح].
قوله: "في حديث ابن عمر: بذي طوى"(6) مثلث الطاء والفتح أفصح، وهو مقصور ومنوّن وادٍ بقرب مكة معروف وفيه استحباب دخول مكة نهارًا.
(1) في أخبار مكة (2/ 286). وذكره الحافظ في "الفتح"(3/ 438).
(2)
في المخطوط (أ. ب). العدوي. وما أثبتناه من "فتح الباري"(3/ 438).
- قال الحافظ: حكى الحميدي عن أبي العباس العذري: أن بمكة موضعًا ثالثًا يقال له: كُديّ، وهو بالضم والتصغير يخرج منه إلى جهة اليمن.
(3)
في شرحه لصحيح مسلم (9/ 4)، ثم قال: هذا قول الجمهور.
(4)
في "فتح الباري"(3/ 438).
(5)
أخرجه البخاري رقم (1573، 1769)، ومسلم رقم (1259)، وأبو داود رقم (1865)، وابن ماجه رقم (2941)، والنسائي رقم (2862). ومالك في "الموطأ"(1/ 324). وهو حديث صحيح.
(6)
انظر: "فتح الباري"(3/ 593). "النهاية في غريب الحديث"(2/ 130).
3 -
وعن نافع قال: كانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يُصَلِّي بِالمُحَصَّبِ الظهرَ وَالْعَصْرَ وَالمَغْرِبَ والْعِشَاءَ، وَيَهْجَعُ هَجْعَةً، وَيَذْكُرُ ذَلِكَ عن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه الستة (1) إلا النسائي. [صحيح].
قوله: "في حديث نافع: يصلي بالمحصب"، أي: بعد نزوله من منى، والمحصب محل معروف نزل به رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم، ومستند ابن عمر حديث أنس:"أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء [ثم] (2) رَقَدَ رقدَة بالمحصَّب، ثم ركب إلى البيت فطاف به" أخرجه البخاري (3)
4 -
وفي رواية مسلم (4): كانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يَرَى التَّحْصِيبَ سُنَّةً.
قوله: "يرى التحصيب" أي: [نزول](5) المحصب؛ لأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل به.
5 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّهُ قال: لَيْسَ التَّحْصِيبُ بِشَيْءِ إِنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه الشيخان (6) والترمذي (7). [صحيح].
(1) أخرجه البخاري رقم (1768)، ومسلم (1257)، وأبو داود رقم (2013)، ومالك في "الموطأ"(1/ 405).
(2)
في (ب): و.
(3)
في "صحيحه" رقم (1756).
(4)
في "صحيحه" رقم (338/ 1310).
(5)
في (أ): النزول.
(6)
أخرجه البخاري رقم (1766)، ومسلم رقم (341/ 1312).
(7)
في "السنن" رقم (922).
وقوله: "في حديث ابن عباس: ليس التحصيب بشيء" أي: ليس نزوله [218 ب] سُنَّة كما رآه ابن عمر، قال الترمذي (1): التحصيب نزول الأبطح، قال (2): وهذا حديث حسن صحيح - أي: حديث ابن عباس - ووافقته عائشة، تقدم حديثها.
6 -
وفي أخرى لهم ولأبي داود رحمه الله. عن عائشة رضي الله عنها قالت: إِنَّمَا نَزَلَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنَّهُ كانَ أسْمَحَ لخروجه (3). [صحيح].
وقولها: "أسمح [لخروجه] "(4) أي: أسهل لتوجهه إلى المدينة.
7 -
وعن أبي رافع رضي الله عنه قال: لَمْ يأْمُرْنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ أَنْزِلَ بِالأَبْطَحَ حِينَ خَرَجَ مِنْ مِنًى وَلَكِنِّي جِئْتُ فَضَرَبْتُ فِيهِ قُبَّهُ فَجَاءَ فَنَزَلَ. أخرجه مسلم (5) وأبو داود (6). [صحيح].
قوله: "في حديث أبي رافع: أنه لم يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل بالأبطح". أي: المحصب عن الأدلة على أنه ليس بسنة وعلى أنّه لم ينزله صلى الله عليه وسلم لكونه أسمح لتوجهه بل وجد القبة ضربت به فنزل به.
8 -
وعن نافع: أنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما كانَ يَغْتَسِلُ لِدُخُولِ مكةَ (7).
(1) في السنن (3/ 263).
(2)
أي: الترمذي في "السنن"(3/ 263).
(3)
أخرجه أحمد (6/ 41)، والبخاري رقم (1765)، ومسلم رقم (1311) وأبو داود رقم (2008)، والترمذي رقم (923)، وابن ماجه رقم (3067).
(4)
في (أ): بخروجه.
(5)
في "صحيحه" رقم (1313)
(6)
في "السنن" رقم (2009). وهو حديث صحيح.
(7)
أخرجه الترمذي في "السنن"(3/ 208) بإثر الحديث رقم (852). =
9 -
وفي رواية: اغْتَسَلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لِدُخُولِ مَكَّةَ. أخرجه الترمذي (1).
قوله: "في حديث نافع: اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم لدخول مكة". أخرجه الترمذي.
قلت: أخرج المرفوع فقط ثم قال: قال أبو عيسى (2): هذا حديث غير محفوظ، والصحيح ما روى نافع عن ابن عمر: أنه كان يغتسل لدخول مكة، وبه يقول الشافعي: يستحب الاغتسال لدخول مكة، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف في الحديث، ضعّفه أحمد بن حنبل، وعلي ابن المديني وغيرهما، ولا يعرف هذا مرفوعًا إلاّ من حديثه. انتهى.
10 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول: لَيَالِي مِني لَا يَبِيتَنَّ أَحَدٌ مِنْ الحاجِّ وَراءَ عَقبَةِ مِنًى (3). [موقوف صحيح].
11 -
وفي أخرى: كان عمر رضي الله عنه يبْعَثُ رِجَالاً يُدْخِلونَ النَّاسَ من وَرَاءِ الْعَقَبَةِ (4). أخرجهما مالك. [موقوف ضعيف].
= عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنّه كان لا يقدم مكَّة إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل ثم يدخل مكة نهارًا، ويذكر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه فعله.
- أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (226/ 1259)، والبخاري في "صحيحه" رقم (1573) بمعناه. وأبو داود رقم (1866)، والنسائي (5/ 200).
- وأخرج مالك في "الموطأ"(1/ 322) عن نافع: أنّ عبد الله بن عمر كان يغتسل لإحرامه قبل أن يُحرم، ولدخول مكَّة، ولوقوفه عشية عرفه. بإسناد صحيح.
وأخرج الحاكم في "المستدرك"(1/ 447) عن ابن عمر أنّه قال: إن من "السنة" أن يغتسل إذا أراد أن يحرم، وإذا أراد أن يدخل مكة، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(1)
في "السنن" رقم (852).
(2)
في "السنن"(3/ 208 - 209).
(3)
أخرجه مالك في "الموطأ"(1/ 406 رقم 209)، وهو أثر صحيح.
(4)
أخرجه مالك في "الموطأ"(1/ 406 رقم 208)، وهو أثر موقوف ضعيف.
12 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ العبَّاسَ استأذنَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يمكُثَ لياليَ مِنًى مِنْ أجْلِ سِقايتهِ فَأَذِنَ لَهُ. أخرجه الشيخان (1) وأبو داود (2). [صحيح].
قوله: "في حديث ابن عمر: أنّ العباس استأذن النبي صلى الله عليه وسلم .. " الحديث.
قال في "شرح مسلم"(3): هذا يدل لمسألتين: أحدهما: أن المبيت بمنى ليالي أيام التشريق مأمور به، وهذا متفق عليه، لكن اختلفوا: هل هو واجب أو سنة؟ والأصح عند الشافعي (4) أنه واجب، وبه قال أحمد (5)، وفي قدر الواجب من هذا المبيت: الأصح معظم الليل.
المسألة الثانية: يجوز لأهل السقاية أن يتركوا هذا المبيت ويذهبوا إلى مكة ليستقوا بالليل الماء من زمزم ويجعلوه في الحياض مسبلًا للشاربين وغيرهم، ولا يختص ذلك عند الشافعي [219 ب] بآل العباس بل كل من تولى السقاية كان له هذا، وكذلك لو حدثت سقاية أخرى كان للقائم بشأنها ترك المبيت.
13 -
وعن العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المُهَاجِرُ يُقِيمُ بمكةَ بعدَ قضاءِ نسُكِهِ ثَلَاثًا". أخرجه الخمسة (6). [صحيح].
14 -
وعن جابر رضي الله عنه أنه قيل له: أَيَرْفَعُ الرَّجُلُ يَدَيْهِ إِذَا رَأَى الْبَيْتَ؟ قَالَ: حَجَجْنَا مَعَ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم أَفَكُنَّا نَفْعَلُهُ؟
(1) أخرجه البخاري رقم (1634)، ومسلم رقم (346/ 1315).
(2)
في "السنن"(1959).
(3)
(9/ 63).
(4)
انظر: "المجموع شرح المهذب"(8/ 218).
(5)
انظر: "المغني"(5/ 328).
(6)
أخرجه البخاري رقم (2933)، ومسلم رقم (1352)، وأبو داود رقم (2022)، والترمذي رقم (949)، وابن ماجه رقم (173).
أخرجه أصحاب السنن (1). وهذا لفظ الترمذي. [ضعيف].
قوله: "وفي حديث جابر: وهذا لفظ الترمذي".
قلت: وقال: قال أبو عيسى (2): رفع اليد عند رؤية البيت إنما نعرفه من حديث شعبة عن أبي قَزَعة، واسم أبي قَزَعة سُوَيد بن حُجَيْر. انتهى.
وفي "التقريب"(3): سويد بن حُجير بتقديم المهملة مصغر، الباهلي أبو قزعة البصري ثقة. انتهى.
وقول جابر: "أفكنا" استفهام إنكار وقد صرّح بأنهم لم يكونوا يفعلونه.
15 -
وعند أبي داود (4) والنسائي (5): سُئِلَ عَنْ ذلِكَ. فقال: مَا كُنْتُ أرَى أنَّ أَحَدًا يَفْعَلُه إِلَاّ الْيَهُودَ. وقد حَجَجْنَا مَعَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَلَمْ نَكُنْ نَفْعَلَهُ. [ضعيف].
وأمّا قوله: "إلاّ اليهود" فكأنه كان ذلك عند أن كانوا يدخلون الحرم.
16 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أَقْبَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ مَكَّةَ فَأَقْبَلَ إِلَى الحَجَرِ الأسْوَدِ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ أَتَى الصَّفَا حَيْثُ يَنْظُرُ إِلَى الْبَيْتِ فَرَفَعَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَذْكُرُ الله تعالى مَا شَاءَ الله تَعَالَى أَنْ يَذْكُرَهُ وَيَدْعُو وَالأنصَارُ تَحْتَهُ. أخرجه أبو داود (6). [صحيح].
(1) أخرجه أبو داود رقم (1870)، والترمذي رقم (855)، والنسائي رقم (2895).
(2)
في "السنن"(3/ 211).
(3)
(1/ 340 رقم 594).
(4)
في "السنن" رقم (1870).
(5)
في "السنن" رقم (2895). وهو حديث ضعيف.
(6)
في "السنن" رقم (1872). وأخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (84/ 1780) مطولاً.
وهو حديث صحيح.
17 -
وعن نافع: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَقْبَلَ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِقُدَيْدٍ جَاءَهُ خَبَرٌ مِنَ المَدِينَةِ فَرَجَعَ فَدَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ. أخرجه مالك (1). [موقوف صحيح].
الباب [الثالث عشر](2): في النيابة في الحج
1 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كَانَ الْفَضْلُ بْنُ العباس رَدِيفَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ تَسْتَفْتِيهِ فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ. فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ. قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله! إِنَّ فَرِيضَةَ الله عَلَى عِبَادهِ في الحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا، لَا يَسْتَطِيْعُ أَنْ يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ:"نَعَمْ". وَذَلِكَ في حَجَّةِ الْوَدَاعِ.
أخرجه الستة (3). [صحيح].
قوله: "في حديث ابن عباس: فجاءت امرأة من خثعم فجعل الفضل ينظر إليها".
في رواية (4): "وكان الفضل رجلًا وضيئًا" أي: جميلاً، "وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة".
قوله: "يصرف وجه الفضل" أي: عن نظره إليها.
(1) في "الموطأ"(1/ 423 رقم 248)، وهو أثر موقوف صحيح.
(2)
في (أ): الثاني عشر.
(3)
أخرجه البخاري رقم (1513، 1854، 1855، 4399). ومسلم رقم (407، 408/ 1335)، وأبو داود رقم (1809). والترمذي رقم (928)، والنسائي رقم (2641)، وابن ماجه رقم (2907)، ومالك في "الموطأ"(1/ 359 رقم 97).
(4)
أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (6228).
قوله: "شيخًا لا يثبت على الراحلة" قال الطيبي (1): شيخًا حال، ولا يثبت صفة له، ويحتمل أن يكون حالاً أيضاً، ويكون من الأحوال المتداخلة.
قوله: "أفأحج عنه؟ " أي: أيجوز لي أن أنوب عنه فأحج عنه؛ لأنّ ما بعد الفاء الداخلة على الهمزة معطوف على مقدر، قال: نعم، وفيه دليل على جواز الحج عن الغير.
واستدل [220 ب] الكوفيون بعمومه على صحة حج من لم يحج نيابة عن غيره، وخالفهم الجمهور (2) فخصّوه بمن حج عن نفسه، واستدلوا بحديث "السنن" وصحيح ابن خزيمة وغيره من حديث ابن عباس وهو الآتي هنا قريبًا في حديث شبرمة، واختلف: هل تجب عليها النيابة أو يجوز لها فقط؟.
فقال الحافظ (3): وليس في شيء من طرقه التصريح بالوجوب وإنما الكلام في جواز النيابة، قال القاضي (4): إنّ قولها: "إنّ فريضة الله على عباده" أنّ إلزام الله عباده بالحج الذي وقع بشرط الاستطاعة صادف أي: بصفة من لا يستطيع فهل أحج عنه؟ أي: هل يجوز لي ذلك؟ أو هل فيه أجر ومنفعة؟ فقال: "نعم".
وتعقّب بأنّ في بعض طرقه التصريح في السؤال عن الإجزاء.
قال الحافظ (5): وفي مسلم (6): "إنّ أبي عليه فريضة الله في الحج". ولأحمد في رواية: "والحج مكتوب عليه [204/ أ] " انتهى.
(1) ذكره الحافظ في "الفتح"(4/ 69).
(2)
انظر: "المغني"(5/ 41). "المجموع شرح المهذب"(7/ 103).
(3)
في "فتح الباري"(4/ 69).
(4)
أي القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(4/ 436).
(5)
في "الفتح"(4/ 69).
(6)
في "صحيحه" رقم (408/ 1335).
قلت: وهذا يرد قول الحافظ: إنه ليس في شيء من طرقه تصريح بالوجوب.
وقوله: "فاقض الله فهو أحق بالقضاء"(1) دليل على الوجوب، وأمّا صرفه صلى الله عليه وسلم وجه الفضل فيأتي في باب النظر إلى الأجنبية.
2 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أَتَى رَجُلٌ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ أَكُنْتَ قاضيتهُ عَنْهَا؟ ". قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "فَاقْضِ الله تعالى، فَهْوَ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ". أخرجه الشيخان (2) والنسائي (3). [صحيح].
قوله في الحديث الثاني: "إنّ أختي" قد اختلف في ألفاظ هذا الحديث، وفي السائل والمسئول عنه، ففي البخاري (4) في كتاب الحج:"إنّ امرأة من جهينة قالت: إنّ أمي نذرت أن تحج .. " الحديث، قال الحافظ (5): كذا رواه أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس من رواية أبي عوانة عنه، وسيأتي في النذور (6) من طريق شعبة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس بلفظ:"أتى رجلٌ النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: إنّ أختي نذرت أن تحج وأنها ماتت" فإن كان محفوظًا احتمل أن يكون كل من الأخ يسأل عن أخته، والبنت سألت عن أمها، وسيأتي في الصيام (7) بلفظ:"قالت امرأة: إنّ أمي ماتت وعليها صوم شهر" فهو محمول على أنّ المرأة سألت عن كلٍّ
(1) في "المسند"(1/ 213).
(2)
البخاري في "صحيحه" رقم (6699)، ولم يخرجه مسلم.
(3)
في "السنن" رقم (2632).
(4)
في "صحيحه" رقم (1852).
(5)
في "الفتح"(4/ 65).
(6)
رقم (6699).
(7)
أخرجه البخاري رقم (1953)، ومسلم رقم (1148).
من الحج والصوم [221 ب] ويدل له ما رواه مسلم (1) عن بريدة: "أنّ امرأة قالت: يا رسول الله إني تصدقت على أمي بجارية وإنها ماتت قال: وجب أجرك وردها عليك الميراث، قالت: إنه كان عليها صوم شهر، أفأصوم عنها؟ قال: صومي عنها، قالت: إنها لم تحج، أفأحج عنها؟ قال: حجي عنها".
انتهى من "الفتح" ببعض تلخيص.
وقد سرد ابن الأثير في كتابه "الجامع"(2) الروايات كلها.
قوله: "أرأيت .. إلى آخره" فيه مشروعية القياس وضرب المثل ليكون أوضح وأوقع في نفس السامع، وأقرب إلى سرعة فهمه، وفيه تشبيه ما اختلف فيه، وأشكل بما اتفق عليه، وفيه أنّ وفاء الدين المالي عن الميت كان معلومًا عندهم مقرّرًا، ولهذا حسن الإلحاق به.
قوله: "قاضيه" وزن فاعله، قال الحافظ (3):[إنّ للأكثر](4) أكنت قاضيته، بضمير يعود عله الدين، وفيه دليل على أنّ من مات وعليه حج وجب على وليّه أن يجهز من يحج عنه من رأس المال، كما أنّ عليه قضاء ديونه، فقد أجمعوا على أنّ دين الآدمي من رأس المال، فكذلك ما شبّه به في القضاء ويلتحق بالحج كل حق ثبت في ذمته من كفارة أو نذر أو زكاة أو غير ذلك.
وفي قوله: "فالله أحق بالوفاء" دليل على أنه مقدّم على حق الآدمي، وهو أحد أقوال الشافعية، وقيل: بالعكس، وقيل: هما سواء.
قلت: قوله: "أحق" صريح في الأول ولا يقاومه غيره.
(1) في "صحيحه" رقم (1149).
(2)
(3/ 418 - 422).
(3)
في "الفتح"(4/ 66).
(4)
كذا في المخطوط والذي في "الفتح": كذا للأكثر.
قال الطيبي (1): في [الجواب](2) إشعار بأنّ المسئول عنه خلف مالاً فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بأنّ حق الله أقدم من حق العباد، وأوجب عليه الحج والجامع علة المالية.
قال الحافظ (3): قلت: [ولم يفهم من](4) الجواب المذكور أن يكون خلّف مالاً كما زعم؛ لأنّ [222 ب] قوله: "أكنت قاضيتهُ؟ " أعم من أن يكون المراد ممّا خلّفه أو تبرعًا.
3 -
وعنه أيضاً رضي الله عنه قال: سَمِعَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يَقُولُ: لَبَّيْكَ عنْ شُبرمةَ. قال: "وَمَنْ شُبْرُمَةُ؟ " قال: أخٌ لي أوْ قَرِيبٌ لي فَقَالَ: "أَحَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟ ". قَالَ: لَا. قَالَ: "فَحُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ". أخرجه أبو داود (5). [صحيح].
(1) ذكره الحافظ في "الفتح"(4/ 66).
(2)
كذا في المخطوط والذي في "الفتح": الحديث.
(3)
في "الفتح"(4/ 66).
(4)
كذا في المخطوط والذي في "الفتح": ولم يتحتم في.
(5)
في "السنن" رقم (1811)، وهو حديث صحيح.
وأخرجه ابن ماجه رقم (2903)، وابن حبان في "صحيحه" رقم (3988)، والدارقطني في "السنن"(2/ 270 رقم 157)، والبيهقي في "السنن" الكبرى (4/ 336)، وابن خزيمة رقم (3039)، وابن الجارود رقم (499)، كلهم من طريق عبدة بن سليمان، عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، عن عزرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم
…
فذكره.
قال البيهقي (4/ 336): هذا إسناد صحيح، وليس في الباب أصح منه.
وقال الحافظ في "التلخيص"(2/ 427): "قال الطحاوي: الصحيح أنه موقوف، وقال أحمد بن حنبل: رفعه خطأ، وقال ابن المنذر: لا يثبت رفعه".
وقال البيهقي (4/ 336): "رفعه حفاظ ثقات، فلا يضر خلاف من خالفه".
قلت: وللحديث طرق أخرى كثيرة.
وقد رجح رواية الرفع ابن حبان، والبيهقي، وعبد الحق، وابن القطان، وابن حجر، والنووي وغيرهم. =