الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويتبين من هذا سبب عدول المصنف عن العبارة المشهورة إلى هذه؛ مع التنبه إلى ما سبق أن الأمر في المندوب مجاز على ما أشار إليه المصنف، وسبق بحث المسألة وتقريرها والله أعلم. ومن القيود كذلك: قدرة المكلف على هذه المقدمة وإلا سقطت، ولذلك قال ابن الحاجب
(1)
: "ما لا يتم الواجب إلا به وكان مقدوراً شرطٌ واجبٌ".
المسألة الثانية: تمثيل الشارح بالطهارة للصلاة؛ جرياً على عادة المصنفين بالتمثيل بالمشهور
.
ولكن لماذا اقتصر عليه؟
الذي يظهر أن اقتصاره عليه اختصاراً على المبتدئ، وفيه تنويه إلى نكتة لطيفة، وهي: مذهب المصنف إمام الحرمين في المسألة، وهو: أنه يرى أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، في الشروط الشرعية خاصة كالطهارة للصلاة دون ما عداه من الشروط العقلية، أو العادية وهو مذهب ابن الحاجب
(2)
.
المسألة الثالثة: قاعدة ما لا يتم الوجوب إلا به فليس بواجب؛ كتحصيل النصاب للزكاة والاستطاعة للحج
.
المسألة الرابعة: من الفروع المبنية على القاعدة:
إذا نسى صلاة من الخمس ولم يعلم أيها: لزمه الخمس، وإذا اختلط موتى المسلمين بموتى الكفار: فيجب غسل الجميع، وتكفينهم، والصلاة عليهم، وينوي على المسلمين، وإذا كان عليه زكاة ولم يدر هل هي شاتان أم شاة: فإنه يلزمه الجميع
(3)
.
قوله: "وإذا فعل يخرج المأمور عن العهد" ويتصف ذلك الفعل المأمور به بالأجزاء، وهذه المسألة مشهورة عند الأصوليين بـ:"الإتيان بالمأمور به، هل يقتضي الأجزاء أم لا"
(4)
.
(1)
المصدر السابق 1/ 528 وراجع ما تقدم من الشرح الكبير والمحصول مع شرحه 3/ 1512.
(2)
رفع الحاجب 1/ 531.
(3)
التمهيد للأسنوي ص 85 وما بعدها.
(4)
نفائس الأصول شرح المحصول للقرافي 4/ 1656.
وحاصل هذا المبحث أن من امتثل الأمر وجاء به على الوجه المطلوب، اختلف فيه هل يقتضي ذلك الإجزاء أم لا؟
والإجزاء له تفسيران:
- أحدهما وهو الأصح: أن المراد من كونه مجزياً هو أن الإتيان به كاف في سقوط الأمر، وإنما يكون كافياً إذا كان مستجمعاً لجميع الأمور المعتبرة فيه.
- وثانيهما: أن المراد من الإجزاء: سقوط القضاء.
والخلاف جارٍ على التفسير الثاني، وخالف في ذلك أبو هاشم، وعبدالجبار وغيرهم من الفقهاء الأصوليين
(1)
.
أما على التفسير الأول فلا خلاف:
بيان ذلك أنه إذا أمر الله تعالى بفعل المأمور: إما أن يفعل المأمور به على الوجه الذي تناوله الأمر، أو يزيد على ما تناوله الأمر، أو ينقص، وإن فعل على الوجه الذي تناوله الأمر أجزأه ذلك بمجرد الأمر.
وقال بعض المعتزلة: الأمر لا يدل على الإجزاء، بل يحتاج الإجزاء إلى دليل آخر، وهذا خطأ؛ لأنه قد فعل المأمور به على الوجه الذي تناوله الأمر فوجب أن يعود إلى ما كان عليه قبل الأمر "أي وهي البراءة الأصلية"، فأما إذا زاد على المأمور به بأن يأمره بالركوع ويزيد على ما يقع عليه الإسم، سقط الفرض عنه بأدنى ما يقع عليه الإسم، والزيادة على ذلك تطوع لا تدخل في الأمر.
وقال بعض الناس الجميع واجب داخل في الأمر، وهذا باطل؛ لأن ما زاد على الإسم يجوز له تركه على الإطلاق، فإذا فعله لم يكن واجباً كسائر النوافل.
(1)
شرح المحصول 4/ 1656 ..
"فأما إذا نقص عن المأمور" نظرت، إن نقص ما هو شرط في صحته، كالصلاة بغير قراءة الفاتحة لم يجزئه، ولم يدخل في الأمر؛ لأنه لم يأت بالمأمور به على الوجه الذي أمر به، وإن نقص منه ما ليس بشرط، كالتسمية في الطهارة، أجزأه عن المأمور
(1)
.
إذا تبين هذا فقد قال ابن السبكي في رفع الحاجب: "أن الخلاف بين الفريقين لفظي ولا يترتب عليه أثر في الفروع"
(2)
.
فائدة: من دقائق هذا الكتاب أن المصنّف بين: أن فعل الأمر يلزم منه خروج المأمور عن العهدة، والعهدة هنا هي: المطالبة بالفعل بمعنى ذمة المكلف، فهو يشير إلى نتيجة المسألة في الحقيقة عند الجميع واحدة، وهي الخروج من عهدة الأمر المقتضي براءة الذمة، ويشير بهذا إلى أن الخلاف ليس بحقيقي.
أما الشارح فبين اتصافه بالإجزاء وهو الذي فيه الخلاف المشار إليه، وإنما لم يشر إلى الخلاف اختصاراً؛ لعدم الثمرة الحقيقية للمسألة، ولضعف الخلاف. هذا ما ظهر للعبد الضعيف. والله أعلم.
(1)
راجع اللمع ص 59 وما بعدها.
(2)
رفع الحاجب 1/ 531.