الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشافعي، وتصرفه في الأدلة يقتضيه"
(1)
.
المسألة الرابعة: مذاهب العلماء في قاعدة النهي يدل على الفساد
.
ولتسهيل هذا الأمر يمكن تقسيم البحث كالتالي:
- أولاً: من ذهب إلى أن النهي لا يقتضي الفساد مطلقا لا في العبادات ولا في المعاملات،
سواء رجع إلى ذاته أو وصفه أو لغيره وهذا مذهب معزو للمتكلمين، ونقل عن الأشعري والقاضيين عبد الجبار وأبي بكر
(2)
قلت: وتفرد الغزالي من بين أصحاب الشافعي في القول بهذا المذهب في المعاملات،
(3)
ونقله الزركشي عن القفال الشاشي في البحر، وبالغ صاحب المحصول فجعله عن أكثر الفقهاء، وإن صح النقل عنه فهو متعقب؛ لأن المذاهب الأربعة والظاهرية على القول بالفساد على تفاصيل كما سيأتي فأي فقهاء يعنيهم.
- ثانياً: ذهب الأئمة الأربعة والظاهرية وبعض المتكلمين إلى أن النهي إذا عاد إلى عين وذات الشيء اقتضى فساده؛ عبادة أو معاملة، قال الخطابي: هذا مذهب العلماء في قديم الدهر وحديثه.
(4)
قال الشيخ أبو حامد الإسفراييني: مذهبنا الذي نص عليه الشافعي، وأكد القول فيه في باب:" البحيرة والسائبة " أن النهي إذا ورد متجرّدا اقتضى فساد الفعل المنهي عنه، وبه قال مالك، وأبو حنيفة، وداود، وأهل الظاهر، وكافة أهل العلم. انتهى
(5)
(1)
البحر المحيط في أصول الفقه (3/ 388).
(2)
البحر المحيط في أصول الفقه (3/ 385)
(3)
المستصفى (ص: 223).
(4)
شرح التلويح على التوضيح (1/ 424) نشر البنود على مراقي السعود (1/ 202) البحر المحيط في أصول الفقه (3/ 384) مختصر التحرير شرح الكوكب المنير (3/ 94)
(5)
البحر المحيط في أصول الفقه (3/ 384)
- ثالثاً: إذا عاد النهي إلى وصف لازم اقتضى الفساد، وهذا مذهب الشافعي وأحمد ومالك.
(1)
قلت: وإنما خالف الحنفية هنا فقالوا يقتضي الفساد في وصفه لا في أصله فبيع درهم بدرهمين يصحح بإسقاط الدرهم الزائد؛ لأن النهي متعلق به
(2)
.
رابعا: إن توجه النهي إلى المجاور أو ما يسمى بالمقارن غير اللازم.
كالنهي عن البيع وقت نداء الجمعة، والوضوء بماء مغصوب، فهذا يقتضي الفساد عند الحنابلة، ونقله في شرح التحرير عن الظاهرية والمالكية.
(3)
وإن يك الأمر عن النهي انفصل
…
فالفعل بالصحة لا الأجر اتصل
وذا إلى الجمهور ذو انتساب
…
وقيل بالأجر مع العقاب
وقد روى البطلان والقضاء
…
وقيل ذا فقط له انتفاء
مثل الصلاة بالحرير والذهب
…
أو في مكان الغصب والوضو انقلب
ومعطن ومنهج ومقبرة
…
كنيسة وذي حميم مجزرة
قال الآمدي: لا خلاف أنه لا يقتضي الفساد إلا ما نقل عن مالك وأحمد. قلت:
ما نقله عن مالك هو ما نقله عنه ابن العربي في المحصول، حيث حكى أن
(1)
البحر المحيط في أصول الفقه (3/ 397) مختصر التحرير شرح الكوكب المنير (3/ 94) وما بعدها، ونشر البنود على مراقي السعود (1/ 202) قال في المراقي مع شرحه:
وجاء في الصحيح للفساد *** إن لم يجي الدليل للسداد
بعدم النفع وزيد الخلل
يعني: أن النهي لفظيا كان أو نفسيا، تحريما كان أو تنزيها في العبادات والمعاملات، مستلزم لفساد المنهي عنه والفساد ضد الصحة لكن المراد منه هنا لازمه وهو عدم الاعتداد بالمنهي عنه إذا وقع بمعنى الفساد في العبادات وقوعها على نوع من الخلل يوجب بقاء الذمة مشغولة بها ومعناه في المعاملات عدم ترتب آثارها عليها إلا أن يتصل بها ما يقرر آثارها على أصولنا في البيع وغيره.
(2)
شرح التلويح على التوضيح (1/ 421)
(3)
مختصر التحرير شرح الكوكب المنير (3/ 94)
أصحاب مالك رووا عنه قولين: ثم بين أن الصحيح من المذهب أن النهي على قسمين:
- نهي يكون لمعنى في المنهي عنه.
- ونهي يكون لمعنى في غيره.
فإن كان لمعنى في المنهي عنه دل على فساده،
وإن كان لمعنى في غير المنهي عنه فذلك يختلف، إلا أن الأغلب فيه أنه لا يدل على الفساد،
(1)
لكن المنقول في معتمد المذهب الصحة.
(2)
ومعنى قوله: إلى الجمهور، يعني: جمهور المالكية وغيرهم. فدل هذا على أن جمهور المالكية يرون هذا التفصيل وفاقاً للشافعي، لكن في المعاملات لهم تفاصيل حتى أن القرافي على تمكنه من المذهب يقول: قاعدة أهل المذهب أن النهي يدل على الفساد، وتفاريعهم تقتضي أنه يدل على شبهة الصحة.
بل أطلق في الذخيرة اقتضاؤه للفساد في العبادات والمعاملات.
(3)
خامسا: إن توجه النهي إلى غير العقد بل إلى وسائله ونحوها.
مثاله تلقي الركبان، أو نجش، أو سوم على سوم أخيه، أو خطبته، أو تدليس أو تصرية، فهذه الأمور: النهي متوجه فيها إلى غير العقد بل إلى وسائله، أومقدماته ونحوها.
فهذا لا يفسد عند الأكثر منهم المذاهب الأربعة.
(4)
(1)
المحصول لابن العربي (ص: 71)
(2)
نشر البنود على مراقي السعود (1/ 179)
(3)
الذخيرة للقرافي (1/ 86) نشر البنود على مراقي السعود (1/ 203)
(4)
راجع شرح التلويح على التوضيح (1/ 424) وما بعدها ونشر البنود على مراقي السعود (1/ 202) وما بعدها والبحر المحيط في أصول الفقه (3/ 384) وما بعدها ومختصر التحرير شرح الكوكب المنير (3/ 94) وما بعدها.
الخلاصة: أن النهي توجّه إلى العين فهو يقتضي الفساد عند الأربعة، والظاهرية وغيرهم.
وإذا توجه إلى وصف لازم اقتضى الفساد عندهم كذلك، سوى أبي حنيفة.
وإذا توجه النهي إلى العقد لوصف خارجي قارنه، اقتضى الفساد عند الحنابلة، والظاهرية فقط، ونقل عن المالكية في قول.
وإذا توجه إلى أمر غير العقد بل إلى مقدماته كالسوم على سوم أخيك، فلا يقتضي الفساد عند الكل وينظر الظاهرية.
واعلم أن في الأصول أقوال أخرى، لكن ما ذكرته لك هو الزبدة، فإن الكلام منتشر جدا في هذا الموضع، أما في الفروع فهو أكثر انتشارا؛ نظرا للاختلاف في تطبيق القاعدة في ذلك الفرع المعين، فتجد مخالفات في كل مذهب لأصله في القاعدة، وسبب ذلك ليس عدم عمله بالقاعدة، بل لورود ما يعارضها في ذلك الفرع المعين، فتتنازع عنده المدارك فيختلف الحكم.