الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان ظاهراً في الجميع ويحتمل إرادة بعضها مجازا، فإذا قال: إلا ثلاثة، فقد بين أن مراده بالعشرة سبعة فقط كما في سائر التخصيصات
(1)
والذي أراه أن العرب استعملت أسلوب الاستثناء كتركيبة واحدة لا ينظر إلى أولها بدون آخرها، فمعنى له على عشرة إلا ثلاثة يساوي له على سبعة.
فيجوز استعمال لفظين عند العرب لإفادة الغرض، أحدهما مركب وهو له على عشرة إلا ثلاثة، والثاني غير مركب له على سبعة.
فهما اسمان لمسمى واحد، ثم اطلعت على أن هذا المذهب نحى إليه إمام الحرمين والباقلاني كما في شرح التحرير.
واعلم أن الاستثناء أبلغ في تقرير الكلام في ذهن السامع لأنه يدل على دقة التفاصيل، ويقصد تأكيد الضبط، لذلك جاء في القرآن:{فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14]. وهذا أبلغ من فلبث فيهم تسعمئة وخمسين عاما؛ لأنه يفهم السامع ويقع في نفسه أبلغ وأشد فهذا المقصود في لغة العرب من الاستثناء.
المسألة الثانية: شروط الاستثناء
.
للاستثناء شروط ذكر منها المصنف شرطين وفي المطولات بسط ذلك،
(2)
وسنقتصر على شرح ما ذكره المصنف.
الشرط الأول: ذكره في قوله: "إن يبقى من المستثنى منه شيء".
نحو له عليَّ عشرة إلا تسعة، فلو قال إلا عشرة، لم يصح، وتلزمه العشرة.
ولهذه المسألة ثلاث صور:
(1)
البحر المحيط في أصول الفقه (4/ 368) التحبير شرح التحرير (6/ 2540)
(2)
راجع هذه المسائل في شرح التلويح على التوضيح (2/ 49) نشر البنود على مراقي السعود (1/ 248) المستصفى (ص: 258) نهاية السول شرح منهاج الوصول (ص: 200) التحبير شرح التحرير (6/ 2539).
1_
استثناء الكل من الكل، وهذا باطل لا يجوز في مذهب الشافعي والثلاثة الأئمة.
2_
استثناء الأكثر من الكل، وهذا جائز في المذهب، وكذا للحنفية.
فتقول له على عشرة إلا سبعة، ومنعه أحمد في المعتمد من المذهب.
3_
استثناء النصف وما دونه، وهو جائز عند الأربعة والأكثر، ونقل عن مالك أنه لا يجيز إلا الأقل قال في المراقي:
والمثل عند الأكثرين مبطل **** ولجوازه يدل المدخل
وجوز الأكثر عند الجل **** ومالك أوجب للأقل
والشرط الثاني: ذكره في قوله: "إن يكون متصلاً بالكلام".
فلو قال جاء الفقهاء، ثم قال بعد يوم إلا زيداً، لم يصح.
ما ذكره المؤلف هو الذي عليه المذاهب الأربعة، وغيرها حاشا ما نقل عن ابن عباس، فقيل عنه إلى سنة، وقيل شهر، وقيل أبدا، وقيل لم يثبت عنه سندا، وقيل رجع.
ونقل بعضهم عن ذيل تاريخ بغداد لابن النجار قصة في هذا حدثت للإمام الشيرزاي، وذلك أنه أراد الخروج مرة من بغداد فاجتاز في بعض الطريق، وإذا برجل على رأسه سلة فيها بقل وهو يقول لآخر: مذهب ابن عباس في تراخي الاستثناء غير صحيح، ولو صح لما قال الله تعالى لأيوب عليه السلام:{وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} [ص: 44]، بل كان يقول له: استثن، ولا حاجة إلى التوسل إلى البر بذلك، فقال الشيخ أبو إسحاق: بلدة فيها رجل يحمل البقل يرد على ابن عباس لا تستحق أن يخرج منها.
(1)
(1)
البحر المحيط في أصول الفقه (4/ 382) التحبير شرح التحرير (6/ 2564)
ولكني لم أجدها لا في تاريخ بغداد ولا في الذيل فلعلها في غير مضنتها منه، أو أنها زيادة من حاشية أو طرة، ولكني وجدتها في طبقات الشافعية الكبرى للسبكي، أن أبا بكر بن العربي رحمه الله قال: سمعت فتاة من بغداد تقول لجارتها: لو كان مذهب ابن عباس في الاستثناء صحيحا لما قال الله تعالى لأيوب عليه السلام: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} [ص: 44]، بل كان يقول استثن. حكاه أبو العباس القرافي.
(1)
فائدة: لا يصح الاستثناء إلا نطقاً في المذاهب الأربعة إلا لخائف ومظلوم. عزاه في التحبير شرح التحرير فينظر
(2)
.
فائدة قال في البحر: الاستثناء من التحريم إباحة، ولم يتعرض لها الأصوليون، وذكرها صاحب "الذخائر" من الفقهاء في باب العدد في قوله صلى الله عليه وسلم:(لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا)
(3)
، واستشكل الاستدلال بالحديث على وجوب الإحداد على المتوفى عنها زوجها. وقال القاضي الحسين في تعليقه: هذا الاستثناء للواجب من المحرم؛ لأن الإحداد على غير الزوج فوق الثلاث حرام، وعلى الزوج واجب، وإنما الصحيح أنه يستثنى الواجب من الجائز، والحرام من المباح، ويمكن الاحتجاج بالحديث على جواز الاستثناء من غير الجنس
(4)
.
(1)
طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (1/ 279)
(2)
التحبير شرح التحرير (6/ 2564)
(3)
متفق عليه: أخرجه البخاري في صحيحه، برقم:(1281)، وأخرجه مسلم في صحيحه، برقم:(1486).
(4)
البحر المحيط في أصول الفقه (4/ 406)