الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة: شرح ما ذكره المصنف من التفريق بين العبادات، والمعاملات في قاعدة النهي وتحقيق المقام
.
وهو أن النهي يقتضي الفاسد مطلقاً في العبادات وبتفصيل في المعاملات، وهو ما نقله البيضاوي في المنهاج:
1_
ففي العبادات إن ورد النهي سواء كان راجعاً إلى الذات أو إلى أمر خارج عنها؛ لأن الشرع عند أمره بالعبادة قاصد طلبها، وعند نهيه عنها قاصد الترك، ولا يجتمع قصد الفعل وقصد الترك والجمع بينهما غير ممكن.
- مثال ما توجه فيه النهي إلى العين أو الذات: النهي عن صلاة الحائض وصومها، فهذا النهي متوجه إلى ذات الصلاة وقاصد الترك، فإن أدت الحائض الصلاة أو الصوم فقد عملت ما أمرت بتركه ونهيت عن فعله، فخالفت مقصد الشرع في الترك وما خالف الشرع فهو رد.
- ومثال ما توجه فيه النهي إلى وصف مقارن في العبادات: النهي عن صوم يوم العيد، والنهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة، فمن فعل شيئاً من هذا فهو باطل على أصل هذه القاعدة.
فالصوم في أصله مأمور به لكن توجه النهي إلى وصف مقارن هو اليوم، وكذلك الصلاة مأمور بها، وتوجه النهي عنها في الأوقات المكروهة إلى الوقت فهذا معنى المقارن.
أما صلاة الحائض وصومها فقد توجه النهي إلى الشرط وهي الطهارة عن الحيض للصلاة والصيام والشرط يلزم من عدمه العدم.
2_
أما في المعاملات فهو أقسام:
الأول: ما توجه فيه النهي إلى نفس العقد كبيع الحصاة، وله أربعة تفسيرات:
- أن يجعلا نفس الرمي بيعا.
_ أن يقول له بعتك ما وقعت عليه الحصى من السلع.
_ بعتك ما انتهت إليه رمية الحصى من الأرض.
_ أن يقول له ينقطع خيارك برمي الحصى.
فعلى التفسير الأول: عاد النهي الى نفس البيع؛ لأن مجرد الرمي لا يكون عقد بيع
وعلى التفسير الثاني والثالث: يكون النهي عائداً إلى أمر داخل في الماهية، وهو عين المبيع والعلم به ركن للبيع، وهو هنا شديد الجهالة والغرر فبطل لعود النهي إلى الركن.
أما على التفسير الرابع: فالنهي عائد إلى أمر خارجي وهو انقطاع الخيار، فلا إبطال بحسب القاعدة، وعليه فمراد الشارح هو التفسير الأول فقط؛ لأنه عائد إلى نفس البيع وذات العقد.
أما التفسيران الثاني والثالث: فيصلحان مثالاً للنوع الآخر من النهي وهو الآتي:
الثاني: أن يتوجه النهي إلى أمر داخل في العقد ومعنى هذا أن يكون من أركانه أوشروطه. مثاله: بيع الملاقيح، وهي ما في بطون الأمهات من الأجنة.
فإن ما في بطون الأمهات من الأجنة هو المبيع، ومعلوم أن المبيع ركن من أركان العقد، وهو هنا معدوم، أو مجهول شديد الجهالة؛ فاتجه النهي إليه لاختلاله، واختلال الركن يبطل البيع.
الثالث: أن يتجه النهي إلى أمر خارجي عن الماهية والذات، ولكن هذا الأمر الخارجي لازم له. وهي بيوع الربا:
فربا النسيئة والتفرق قبل القبض في الربويات مبطل لها، والنهي متوجه إلى أمر خارجي، عن العقد؛ لأن العقد كامل الأركان والشروط، إلا أن الشرع نهى عن الربا ولم
يسم في الشرع بيعا أصلاً.
فقال تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]، ولو كان بيعاً لقال: وأحل البيع وحرم بيع الربا، فلما جعله قسيما مغايرا، علمنا أنه ليس ببيع أصلا.
لذلك فهو باطل والنهي متوجّه إلى أمر خارجي لازم للعقد وهو كونه نسيئة أو تفرقاً قبل التقابض، وإنما سمي لازما؛ لأن المتعاقدين ألزما عقدهما به.
وأما ما مثل به المصنف، وهو بيع درهم بدرهمين، فالنهي فيه متجه إلى هذه الزيادة، وهي وصف خارجي في العقد لزم بإلزام المتعاقدين لعقدهما به، فأبطله الشرع لأنه ربا.
الرابع: أن يتجه النهي إلى أمر خارجي لا علاقة له بالعقد أصلاً.
وذلك كالنهي عن البيع حال نداء الجمعة، فإن النهي لأجل منع تفويت صلاة الجمعة.
ومثاله كذلك الوضوء بماء مغصوب فإن النهي عن الغصب لا عن الوضوء، فهو أمر خارجي عنه، لأنه حقيقة الغصب موجودة خارج الوضوء، ومنهي عنها عموما بلا ارتباط بينه وبين الوضوء. فلا بطلان في هذا النوع.
تنبيه: قول الشارح: في هذا النوع: "لم يدل على الفساد خلافاً لما يفهمه كلام المصنف"
يشير به إلى أن الوضوء بماء مغصوب باطل على حسب القاعدة التي قررها المصنف، وهي: أن النهي يقتضي الفساد مطلقا في العبادات.
مع أن مذهب الشافعي لا يبطلها، والتحقيق أن مذهب الشافعي التفصيل في العبادات والمعاملات، قال الزركشي: "إن كان لعينه أو لوصفه اللازم له فهو الفساد بخلاف ما لو كان لغيره سواء كان عبادة وعقداً، وهذا الذي ينبغي أن يكون مذهب