الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي منع الموانع قال: "وقولكم: هل تسمى الاعتقادات، والنيات، والأقوال أفعالاً؟ جوابه أنها تسمى، وأما كون ذلك بالحقيقة، أو المجاز فيتوقف على نقل اللغة، والأظهر عندي أنه بالحقيقة"
(1)
.
ومن هنا يُعلم أن عدول الآمدي، وابن الحاجب وغيرهما عن لفظ العملية إلى لفظ الفرعية احتجاجاً بأن النية من مسائل الفروع وليست عملاً ليس بجيد لأنها عمل
(2)
.
جـ ـ والاعتقادات من حيث طرق استفادتها وثبوتها مقسمة إلى ثلاثة أقسام:
1 -
ما يثبت بالعقل: كوجود الباري.
2 -
ما ثبت بالعقل، والسمع: كالوحدانية. وهذان خرجا بقولنا الشرعية، وهي ما يتوقف على الشرع.
3 -
ومنه ما لا يثبت إلا بالسمع: كمسألة رؤية المؤمنين لربهم، وأن الجنة مخلوقة، ونحو ذلك، وهذا "قد يقال أنه داخل في الشرعية"
(3)
.
"لأنه ينظر إليه من جهتين: أحدهما أصل ثبوته، وليس ذلك بإنشاء لأن السمع فيه مخبر لا منشئ كقولنا الجنة مخلوقة والصراط حق.
والثانية: وجوب اعتقاده، وذلك حكم شرعي إنشائي، وهو عندنا عملي من مسائل الفقه، وهو داخل في قولنا: الحكم: خطاب الله المتعلق بأفعال المكلف
(4)
.
أقول: وعندي أن الجميع راجع إلى الشرع، وذلك أن ما ثبت بالعقل لا يخلو: إما أن يوافقه الشرع، أو لا يوافقه؛ فإن وافقه فهو راجع إلى الشرع، وإن خالفه بطل أصلاً، وأما
(1)
منع الموانع عن جمع الجوامع لعبد الوهاب السبكي
(2)
راجع الآيات البينات على شرح المحلي لجمع الجوامع وما قبلها 1/ 84.
(3)
الإبهاج للسبكي 1/ 36.
(4)
شرح الكوكب الساطع للسيوطي 1/ 17.
ما ثبت بالسمع والعقل فراجع كذلك إلى الشرع لافتقاره لموافقته. وعليه فالاعتقادات داخلة تحت قولهم: "الشرعية".
والخلاصة: أن الاعتقادات داخلة في الشرعية، وأنها من أعمال القلب، وأن الفقه متعلق بالأعمال على وجه العموم. فيتحصل من هذا: أن الأعمال القلبية فقه، وأنها الفقه الأكبر؛ لتعلقها بمعاملة الباري سبحانه، وأن حد الفقه شامل لها من حيث أنها عمل للمكلف. والله أعلم.
وبهذا التحقيق والتحرير تكشف سبب إغفال إمام الحرمين في متن الورقات لهذه اللفظة أعني "العملية" وذلك لما يرد عليها من إيرادات وما توهمه من إيهامات الحق خلافها.
وسيزداد الأمر جلاءاً في المباحث الآتية الثاني وما يليه.