الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذاً فالإيجاب لله، والوجوب صفه للحكم، والواجب صفه لفعل المكلف، فظهر من خلال هذا أن الإيجاب ينظر فيه إلى الحكم، وأن الوجوب ينظر فيه إلى تعلقه بالحكم وينظر فيه إلى تعلقه بالمكلف، فهو واسطة بين الإيجاب والواجب، وأن الواجب ينظر فيه إلى فعل المكلف فقط. فالإيجاب هو الحكم، والوجوب صفته المتعلقة بفعل المكلف، والواجب هي صفة فعل المكلف.
ثمرة المسألة
(1)
:
1 -
لها ثمرة في التعاريف، فتعريف الإيجاب والوجوب غير تعريف الواجب
(2)
.
2 -
من حيث المعتقد وهو: أن الإيجاب متعلق بالكلام الأزلي، فالإيجاب هو الحكم وهو صفة لله تعالى. وأما الوجوب فهو من وجب إذا استقر وسقط، وهو هنا استقراره على المكلف بحسب الشروط التكليفية من فهم وقدرة، فالوجوب من هذه الحيثية هو الوجوب التنجيزي وهو الحادث. ومن حيثية تعلقه بالإيجاب الذي هو الحكم فهو قديم فيقال: في الإيجاب والوجوب حكم والحكم صفة الله تعالى، وأما الواجب فهو: فعل المكلف.
قال الإمام القرافي: "والذي ذكره (يعني الرازي) ليس حكماً؛ لأن حكم الله -تعالى- هو الوجوب لا الواجب، بل الواجب هو فعل المكلف، فهو متعلق الحكم لا نفس الحكم، فشرع عند الحكم حد متعلقه، وأحدهما مباين للآخر؛ فإن الحكم صفة الله تعالى، ومتعلقه صفة للعبد، وأحدهما مباين للآخر؛ لأنه فعله فكان المتعيّن أن يقول: الوجوب هو الذي يذم تارك متعلقه شرعاً على بعض الوجوه، وهذا السؤال مطرد في جميع حدوده، وهذا التعبير لازم في الجميع.
(3)
.
(1)
الأحكام للآمدي 1/ 92 - 93.
(2)
الايجاب: خطاب الله تعالى التكليفي والوجوب: هو استقرار الحكم على المكلف والواجب: هو مايلزم من فعله
(3)
نفائس الأصول في شرح المحصول (1/ 265).
ولذلك نرى أهل الأصول يعرّفون الإيجاب أو الوجوب غير تعريفهم الواجب؛ ملاحظين هذه النكتة: ففي شرح الجلال المحلى مثلاً: "فحد الإيجاب الخطاب المقتضي للفعل اقتضاءً جازماً"
(1)
.
وقال ابن الحاجب: "فإن كان طلباً لفعل غير كف ينتهض تركه في جميع وقته سبباً للعقاب فوجوب، والواجب الفعل المتعلق للوجوب"
(2)
. فهم يفسّرون الوجوب، والإيجاب بالخطاب وبالطلب، بخلاف الواجب فتراهم يفسرونه بالفعل الذي اقتضاه خطاب الشرع على اختلاف في عباراتهم، لكنها ترجع إلى هذا المعنى.
وقد صرح إمام الحرمين في البرهان بهذا فقال: "والمرضى في معنى الواجب: أنه الفعل المقتضى من الشارع الذي يلام تاركه شرعا، وإنما ذكرنا المقتضى من الشارع فإنه معنى الإيجاب "
(3)
. ولذلك نصوا على: "أن ما لا يتم الوجوب إلا به لا يجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب" وهذا ظاهر.
والذي تلخص هنا: أن الواجب له تعريف خاص به من حيث أنه صفة فعل المكلف يذم ويمدح عليه، بخلاف الإيجاب، والوجوب فهما من جهة الحكم، والحكم صفة الحاكم فنحو قوله تعالى:{وَأَقِمْ الصَّلاةَ} [الإسراء: 78] يسمى باعتبار النظر إلى نفسه التي هي صفة لله تعالى إيجاباً، ويسمى بالنظر إلى ما تعلق به، وهو فعل المكلف، وجوباً.
فهما متحدان بالذات مختلفان بالاعتبار، فنرى العلماء تارة يعرّفون الإيجاب، وتارة يعرفون الوجوب نظراً إلى الاعتبارين
(4)
.
(1)
شرح الجلال مع حاشيته البناني 1/ 87.
(2)
رفع الحاجب 1/ 484.
(3)
البرهان في أصول الفقه (1/ 107) وانظر شرح الجلال مع حاشيته البناني 1/ 87.
(4)
مختصر التحرير شرح الكوكب المنير (1/ 333)