الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في كثير مما تعذر عندهم الجمع بمجرد أن راو الحديث متأخر الإسلام.
فإذا لم يثبت أن أحدهما ناسخاً بدليل تقوم به حجة، فعلى الناظر أن يسلك بعد هذا طريق الترجيح، فإن لم يتبين له ترجيح توقف حتى يظهر له.
فمثال الجمع بين الخاصين:
"أنه صلى الله عليه وسلم توضأ وغسل رجليه"
(1)
، وحديث:"أنه صلى الله عليه وسلم توضأ ورش الماء على قدميه وهما في النعلين"، فالحديث الأول نص على غسل الرجلين، والحديث الثاني ذكر أنه رش الماء على قدميه. فإما أن يقال هذا جائز، وهذا جائز؛ لأنهما فعلان لا عموم لهما.
إلا أن هذا الجمع معارض بحديث: (ويل للأعقاب من النار)
(2)
، وحديث:(أنه رأى على قدم أحدهم لمعة لم يمسها الماء فقال له أعد وضوءك)
(3)
.
والرش لا يستوعب القدم، فكان هذا الجمع غير مفيد؛ لذلك جمع بينهما على أن الرش في حال وضوء التجديد للوضوء، بدليل رواية أخرى للحديث، هذا وضوء من لم يحدث.
وسلك بعض العلماء مسلكا آخر هو مسلك الترجيح، فرجحوا الغسل لأنه ثابث بالطرق الصحيحة المتواترة في نقل وضوئة صلى الله عليه وسلم، وضعفوا هذا الحديث من جهة النقل.
أما إن لم يستطع الجمع فمثّله المصنف بحديثين:
(1)
أخرجه مسلم في صحيحه، برقم:(235).
(2)
متفق عليه: أخرجه البخاري في صحيحه، برقم:(165)، ومسلم في صحيحه، برقم:(241).
(3)
سنن أبي داود ت الأرنؤوط (1/ 127)
الأول: (افعلوا كل شيء إلا النكاح)
(1)
.
والثاني: لما سئل عما يباح من الحائض، فقال:(ما فوق الإزار).
(2)
فالأول يفيد جواز ما فوق الإزار وما تحت الإزار إلا الوطء في الفرج، والثاني يفيد إباحة ما فوق الإزار بمنطوقه، ويفيد بمفهومه المنع مما تحت الإزار.
فيصرف مفهوم الثاني على منطوق الأول، فيقال: إن المفهوم يدل على تحريم الوطء في الفرج ومفهوم ما تحت الإزار كناية عنه، مصرح به في الحديث الأول، أو يقال بالترجيح؛ وذلك أن المنطوق مقدم على المفهوم.
أما ما ذهب إليه الشارح أن معنى ما حل ما فوق الإزار هو الوطء، وهو معارض لصريح منع النكاح فوق وتحت الإزار، فهو مستبعد لأن الوطء يطلق عليه في الفرج.
وعلى ما تقدم من مسالك الجمع اختلفت المذاهب في المسألة: "فذهب أحمد رحمه الله إلى إباحته، وروي ذلك عن عكرمة، وعطاء، والشعبي، والثوري، وإسحاق، ونحوه قال الحكم: فإنه قال: لا بأس أن تضع على فرجها ثوبا ما لم يدخله. وقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي: لا يباح".
(3)
قوله: وإن علم التاريخ نسخ المتقدم بالمتأخر كما تقدم في حديث زيارة القبور ..
ليس الذهاب إلى النسخ في حديث زيارة القبور مأخوذ من العلم بالتاريخ بل من النص الصريح في النسخ: كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها.
وكونه متأخرا عنه هو تعليل مستنبط، لكن مجرد التأخر لا يدل جزما على النسخ.
(1)
أخرجه مسلم في صحيحه، برقم:(302).
(2)
أخرجه ابن ماجه في سننه، برقم:(1375) مختصراً، وأحمد في مسنده (1/ 14)، والبيهقي في الكبرى (1/ 312) باختلاف يسير عندهم، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع برقم:(1243).
(3)
المغني لابن قدامة (1/ 242).
3_
وإن كان أحدهما عاماً والآخر خاصاً فيخص العام بالخاص، كتخصيص حديث الصحيحين:(فيما سقت السماء العشر) بحديثهما: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) كما تقدم.
4_
وإن كان كل واحد منهما عاماً من وجه وخاصاً من وجه، فيخص عموم كل واحد منهما بخصوص الآخر بأن يمكن ذلك: مثاله حديث أبي داود وغيره: (إذا بلغ الماء قلتين فإنه لا ينجس) مع حديث ابن ماجة وغيره: (الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه).
فالأول خاص بالقلتين عام في المتغير وغيره.
والثاني خاص في المتغير عام في القلتين وما دونهما.
فخص عموم الأول بخصوص الثاني حتى يحكم بأن ماء القلتين ينجس بالتغير، وخص عموم الثاني بخصوص الأول حتى يحكم بأن ما دون القلتين ينجس وإن لم يتغير.
فإن لم يمكن تخصيص عموم كل منهما بخصوص الآخر احتيج إلى الترجيح بينهما فيما تعارضا فيه، مثاله حديث البخاري:(من بدل دينه فاقتلوه)
وحديث الصحيحين (أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء) فالأول عام في الرجال والنساء خاص بأهل الردة.
والثاني خاص بالنساء عام في الحربيات والمرتدات، فتعارضا في المرتدة هل تقتل أم لا؟ والراجح أنها تقتل.