الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال سلطان الشعراء العثمانيين مولانا عبد الباقى وهو يبين كيف تم تجديد بناء كعبة الله على يد الحجاج الظالم فى السنة الرابعة والسبعين الهجرية: (لم يعط مسوغ لتجديد كعبة الله بعد الحجاج حتى لا تكون كعبة الله ملعبة فى يد الملوك.
إلا أنه كان يجب تطهير الكعبة التى هى قبلة المسلمين والمطاف الذى يجب طوافه على القادرين من المسلمين - وكان يلزم إضافة تجديد كعبة الله إلى هذا السفاك غير المنصف. وخاصة أن تجديد بناء الكعبة لم يعد بيد ابن الزبير وإن خدمة هدمها وتجديدها سيكون من نصيب أحد الملوك العظام من المسلمين.
وإننى أرجو من الله أن يفوز بهذه الخدمة أحد سلاطين الدولة العثمانية).
وقد أصاب دعاء مولانا المشار إليه هدفه واستجيب دعاؤه وقد نال هذا الشرف العظيم السلطان مراد خان الرابع بينما كان باقى أفندى يتمنى رؤية تجديد البيت الشمالى فقط. قد وفق ذلك السلطان العظيم فى تجديد جدران كعبة الله الأربعة.
الخاتمة:
إن ما قام به رضوان أغا من أجل تجديد الأبنية المفخمة للبيت الشريف من خدمات وما بذله من سعى مخلص ومن جهد جهيد وحسن معاملته أهل كعبة الله المحترمين ومجاملتهم ومداراة عيوبهم كل هذا يدل على استحقاقه الثناء والشكر وأن يذكرونه دائما بالخير.
يقول سهيل أفندى صاحب المضبطة الذى كان يقوم بمراقبة الشئون المالية فى نفس الوقت الذى كان رضوان أغا قائما بتجديد أبنية كعبة الله: «إذا كان المسئول المكلف بتجديد الكعبة غير رضوان أغا لكان أشراف مكة وطائفة النجارين كسبوا مقدار مائتى ألف قطعة ذهبية من عمليات بناء وتجديد الكعبة الشريفة وعين عرفات - هذا ما اعترفوا به لصاحب المضبطة - إلا أن رضوان أغا استطاع بكياسته أن يسكت الذين فتحوا أفواههم بالكلام بإعطائهم شيئا قليلا، كما أخجل الأشراف بحسن معاملتهم، وهكذا جعلهم كلهم يشاركونه فى رأيه ويعينونه فى إنهاء الأمور الصعبة، وكان يقول لهم: سوف أحصل لكم فى نهاية هذا العمل
العظيم وما قدمتموه من الخدمات الجليلة على مكافآت من قبل السلطان فى صورة المناصب التى ترضيكم. كما كان يرضى الآخرين بوعود قد لا تتحقق وهكذا أتم هذا العمل العظيم فى صورة هينة سهلة. جزاه الله تعالى خيرا كثيرا.
فيا لها من سعادة سرمدية ويالها من دولة وعزة أن يتم هذا كله فى عهد السلطان مراد بن السلطان أحمد خان بن محمد خان الغازى السابع عشر من سلاطين آل عثمان خلد الله - تعالى - ملكه وجعل بساط البسيطة ملكه ونور الله تعالى مراقد أسلافهم وحفهم بالرحمة والرضوان.
إن إتمام تجديد كعبة الله وبنائها لدليل عظيم على سعده وحسن طالعه، قد مضى ألف سنة وتوالى السلاطين ومع ذلك لم يقدر لأى واحد منهم أن ينال شرف بناء بيت الله ألا يقوم هذا برهانا قاطعا وأمارة واضحة على أنه سينال السعادة الأبدية والنصرة السرمدية؟. ونسأل الله أن يجعل عرشه فى سماء العز واليمن والبركات وألا يخلو من سرير الخلافة جلوسه. آمين بجاه سيد المرسلين.
وبعد عودة رضوان أغا إلى مصر بعام واحد اقتضت حكمة الله أن يهطل المطر فى مكة وأن يفسد ما فرش على سطح بيت الله من رخام، فأصبحت حالة سطح بيت الله حالة سيئة، وخلع ألواح الفضة من على الباب فظهر منها الخشب وقد أصاب العطب الخشب إلى حد عدم تماسك المسمار فيه. وكان مصراعاه قد بليا إلى درجة سيئة لقد خشّبتهما حتى أصبحا غير قابلين للتعمير والترميم، ومع ذلك لم يسمح بتجديد الباب ولم يستسغ شرعا من قبل، ولما كان مقام إبراهيم فى نفس الحالة من السوء اقتضى الأمر تجديدهما معا.
وقد كتبت إمارة مكة الجليلة الهاشمية إلى صاحب القرار السلطان مراد - جعل الله سلطنته باقية فيه وفى عقبه إلى يوم التناد - تحيطه علما بالحالة، فما كان من السلطان إلا أن أمر والى مصر أحمد باشا بأن يبعث إلى مكة المفخمة برضوان أغا الذى كان فى أمانة كعبة الله أو شخصا آخر متدينا مخلصا مصاحبا معه مهندسا معماريا ذا دين وخلق.
استدعى أحمد باشا رضوان أغا ورئيس المهندسين عبد الرحمن أفندى الذى كان قد اشترك فى تعمير البيت من قبل وأطلعهما على الإرادة السلطانية السنية الخاصة بإصلاح سقف بيت الله وتجديد باب المعلا للكعبة الشريفة وترميم وتعمير مقام إبراهيم. وأن يرسل باب الكعبة القديم إلى دار السعادة ليحفظ فى الخزانة السلطانية للتبرك به. وأمرهما أن يتجها رأسا إلى مكة المكرمة للقيام بالمهمة وسلم الوالى رضوان أغا الخطاب السنى الذى وجه إلى الشريف زيد بن محسن من قبل السلطان وكذلك الرسائل التى كتبت من قبل الولاة المصرية بخصوص هذا الأمر والمبلغ الكافى من النقود.
ولما اطلع رضوان أغا على الأمر السلطانى تحرك بأمر الوالى بالموكب المصرى مغادرا القاهرة ومتجها إلى والى الحجاز ووصل إلى مكة المكرمة فى أوائل ذى الحجة سنة ألف وأربع وأربعين الهجرية وسلم إلى الشريف زايد بن محسن - أمام من يقتضى وجوده من العظماء - الأمر السلطانى وخطاب الوالى. وبعد ما قرأ الشريف الأمر السلطانى قالى إنه سيحرص على العمل بما جاء فى الفرمان السلطانى.
إن تكليف رضوان أغا بهذه المهمة كان عاملا لإثارة النزاع بين المعترضين للمرة الثانية. وإن كثيرا من العقلاء من أهالى مكة أرادوا أن يقضوا على النزاع قائلين قد صدر الأمر السلطانى بهذا الخصوص فلا يجوز النزاع بعد ذلك. إلا أن بعض الفضلاء قالوا معترضين: إن تعمير البيت لا يجوز شرعا وهم فى هذه الحالة مخالفين بذلك حتى وصية الشريف ولم يكون غرضهم من الاعتراض إلا إحداث الفتنة والفساد إلا أنه كان بين المخالفين بعض المنصفين الذين وافقوا على الأمر السلطانى، واتحدوا مع العلماء فى الرأى على تجديد الباب الشريف وإصلاح رخام السقف المنيف لكعبة الله.
وأيقظوا عامة الناس ونبهوهم إلى أن الكعبة المعظمة قد جددت من قبل مرات
عديدة وذلك بتأييد من العلماء والفقهاء والفتاوى التى صدرت من قبل مفتىّ المذاهب الأربعة.
وقد استمع الشريف زيد بن محسن لقراءة الفرمان السلطانى وهو واقف على رجليه وبعد القراءة مسح بالصفحة التى تحوى الأمر السلطانى وجهه وعينيه ثم استمع إلى ادعاء المعارضين ودفاع الفقهاء العظام ثم خاطب الناس قائلا: بناء على حكم الفتاوى التى أصدرها مفتيّو المذاهب الأربعة يجب تنفيذ الأمر السلطانى الذى لا يخالف فتوى المفتين بخصوص ترميم وإصلاح السقف الشريف وتجديد باب كعبة الله وتعمير وترميم مقام إبراهيم وبناء على هذا أمر رضوان أغا بأن يسرع فى مباشرة مهمته.
وقد بادر رضوان أغا فى العمل وأنهى تعمير سطح كعبة الله فى أواسط ذى الحجة من عام ألف وأربعة وأربعين. وقد قيل من قبل شعراء عصره فى تاريخ انتهاء الترميم كثيرا من الأبيات إلا أن أحسن ما قيل فى هذا الموضوع هذا البيت:
المجدد لسطح بيت الله هو مولانا مراد
(1)
…
وبعد ترميم السطح ابتاع رضوان أغا من أحد سكان مكة مقدارا من خشب الساج لاستخدامه فى تجديد باب بيت الله وتثبيته ولم يبخل فى سبيل ذلك بإنفاق المال اللازم وقبل أن يبدأ فى صنع الباب الجديد خلع الباب العتيق ووضع مكانه بابا مؤقتا وغطاه بستارة قطنية بيضاء وبعد أن صنع الباب الجديد وضعه فى مكانه، وقد تم صنعه على الوجه المرغوب وكان على باب الكعبة العتيق ثلاثون ألف وثمانمائة درهم من الفضة فصنع منها لوحتين فضيتين وفق طول وعرض كل من مصراعى الباب الجديد. ثم أمر بتسمير كل واحدة من اللوحتين على أحد مصراعى الباب وزخرف اللوحتين بنقوش ذهبية
(2)
وأنفق فى صنع عتبته وحلقاته سبعة وثلاثين ألف درهم وخمسة وتسعين درهما من الفضة.
(1)
هذا البيت من حيث التقدير الحسابى يبدو أنه زيد عليه وقد أسقطت هذه الزيادة تعمية فى البيت الذى يحتوى على مخلص الشاعر
(2)
يقال إن زخرفة كل مصراع من المصراعين قد تكلفت عشرين قطعة ذهبية من الذهب البندقى.