الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصورة الثالثة
يقول المؤرخ الأزرقى فى تاريخه أن عدد جبال مكة المكرمة يبلغ اثنى عشر ألفا وكتب مؤلف «البحر العميق» أن قمم الجبال التى ذكرها الأزرقى تميل ناحية مكة المكرمة وكعبة الله كأنها تسجد، وهذه الحقيقة تتضح لمن يلقى نظرة على الكعبة من فوق قمة ثبير، ويذكر أنه قد تحقق من ذلك بنفسه.
يقول ابن النقاش من المفسرين الكرام أن صدور هذه الجبال تكنز الذهب والفضة وكثيرا من المجوهرات الأخرى وستنكشف لمن وعد من الله سبحانه وتعالى وكتب أغلب المؤرخين مقالات طويلة فى أوصاف هذه الجبال ومدحها والثناء عليها ولشدة الأسف قد نسيت أسماء هذه الجبال مع مرور الزمن، وغفل الناس عن فضائلها لذا فنحن اكتفينا بذكر أشهرها.
الأثر السادس والأربعون: جبل أبى قبيس:
جبل أبى قبيس أحد الأخشبين وقد سمى بهذا الاسم نسبة لأحد الحدادين من قبيلة «مذحج» الذى صعد فوق هذا الجبل ونصب خيمة وأقام فيها. وهذا الجبل يقع فى الجهة الجنوبية التى تميل إلى الشرق من البيت الحرام، أى فوق جبل الصفا المقدس الذى يقع فى الجهة الشرقية من مكة المكرمة، ويروى أنه أقدم الجبال خلقا.
نظم
لعدم ثبات الأرض جعل ذو الجلال
…
جعل فى كل ناحية الجبال
أول جبل على وجه الأرض استقر
…
كأنه الفص فى الخاتم قر
وقد زين أكثر من نصف هذ الجبل بالمنازل، واستقر فوق ذروته مسجد يسمو
نحو السماء، وبما أن الله سبحانه وتعالى قد حفظ الحجر الأسود على قمة هذا الجبل قد عرف قديما بجبل الأمن، ويروى المؤرخون فى سبب التسمية ثلاثة أقوال:
الأول: ما ذكر من أن الحداد قد أقام فوق قمته.
السبب الثانى: أن الجبل المذكور أخبر إبراهيم عليه السلام بوجود الحجر الأسود فيه.
والسبب الثالث: أن قبيس قد فرق بين عمرو بن مضاض وعشيقته «منية» وقطعت «منية» صلتها بعمرو الذى كان يحبها حبا جنونيا فنذر أن يقتل قبيسا، ويقضى عليه وكان قبيس قد اطلع على نذر عمرو بقتله، فهرب من خوفه إلى جبل أبى قبيس، ولم يعد مرة أخرى فسمى الجبل بجبل أبى قبيس.
والقول المصدق لدى الجمهور هو القول الأول أما القولان الآخران فلا يعتد بهما لدى أهل مكة، وخلق هذا الجبل قبل الجبال الأخرى، ووقعت معجزة شق القمر فوق هذا الجبل. وبناء على أشهر الأقوال، أن إبراهيم عليه السلام قد دعا الناس للحج من فوق قمة هذا الجبل. ومن الأقوال الموثوقة أن الكعبة الشريفة ستزين مثل العروس فوق هذا الجبل مسجد بدون مئذنة من قبل «إبراهيم القيس» وكل واحد من طولى أرضه ثلاثون قدما، وكل واحد من عرض أرضه عشرون قدما، وقد عمره فى سنة 977 أحد الخيرين من الهنود، وأضاف له مئذنتين وقبة.
وقد صلى النبى صلى الله عليه وسلم على ساحة هذا المسجد فى يوم فتح مكة، كما أن بلالا - رضى الله عنه - قد أذن فوقه فى ذلك اليوم البهيج، وموقع محراب هذا المسجد هو المكان الذى وقف فيه بلال للأذان كما أن المكان الذى أمامه حيث توجد حجرة هو المكان الذى حفظ فيه الحجر الأسود فى طوفان نوح عليه السلام وعلى قيد (2000) خطوة من الجهة الشرقية لذلك المسجد مرتفع محاط بشئ قديم، ولكن أحد أصحاب البر والإحسان بنى حوله فى سنة 1291 هـ جدارا فى ارتفاع ذراع، ونصف وهكذا حفظه من كل سوء.
ويروى أن هذا المكان المقدس جلس فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وقت وقوع معجزة شق القمر، وكل جهة من طولى ذلك المرتفع ثلاثون قدما، وكل جهة عرضية واحد وعشرون قدما، ويعرف هذا المصلى بمسجد شق القمر. «فتوح الحرمين»
وبين هذا المسجد سالف الذكر والمصلى حفرة كبيرة، ومما يشتهر بين العوام أنّ أكل راس شاة مشوى فى هذه الحفرة يمنع الصداع طوال العمر، وهذه القصة قد ترددت على ألسنة أهل مكة، إلا أنها لا أصل لها إن هذه الحفرة موقع مناجاة لأولياء الله، فالجنيد البغدادى، وإبراهيم ابن أدهم، وفريد الدين العطار وأمثالهم كانوا يعتكفون فيها، ويتعبدون أربعين يوما، وعلى قول أن أبا البشر وابنه شيث عليهما السلام مدفونان فى هذه الحفرة وهذا ما نقله بعض المؤرخين، طبقا لرواية أخرى أن قبر آدم عليه السلام كان بالقرب من مكن يعرف ب (غار كنن) بهذا الجبل، فأخذه نوح عليه السلام وحمله فى السفينة ثم أعاده إلى موضعه، وبناء على قول ابن كثير والثقاة من المؤرخين أن آدم مدفون فى الهند، ويقول الإمام الأزرقى أن إبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف عليهم السلام مدفونون إما فى جبل أبى قبيس أو فى بيت المقدس إلا أن كل هذه الروايات اليست مبنية على سند يصدق.
هناك رواية تنقل أن آدم عليه السلام وابنه شيث مدفونان تحت مسجد الخيف، ويدعوان أن هذه الرواية أقوى الروايات المنقولة فى هذا الموضوع، ولكن مع هذا لا يمكن الحكم بصحتها.
اختلف فى المكان الذى أخذ منه التراب الذى خمر لتكوين قالب جسد - آدم عليه السلام كما اختلف فى مكان قبره، وبناء على الأقوال التى يعتمد على صدقها ويوثق بها: أن التراب الذى شكل منه وجه آدم أخذ من تراب الكعبة العطر، وتراب صدره وظهره من بيت المقدس، وتراب فخذيه من أرض الحجاز، وتراب يديه الحكيمتين من أرض المشرق، وتراب ذراعيه من أرض المغرب، وتراب رأسه من بيت المقدس، وتراب بشرة رأسه وشعره من الجنة، وتراب
رموشه وحاجبيه من تراب حوض الكوثر الطاهر، وعلى رواية أخرى أن تراب رئتيه من الموصل، وتراب طحاله من الحجاز، وتراب بشرة جسمه من الطائف، وتراب جبهته من أرض كنعان، وتراب محل عورته من بابل، وتراب أمعائه وأحشائه من الجزائر، كما أن عظامه مأخوذة من الجبال المختلفة.
إن الاختلاف بين البشر فى الخلق والشكل والهيئة والطباع يرجع لهذا.
وانعدام تشابه أولاد آدم وأحفاد بعضهم البعض يرجع لاختلاف مصادر التراب.
وجبل أبى قبيس ليس عظيم الارتفاع، إلا أن ارتفاعه عمودى، فمن صعد تبين، ومع ذلك فإن مشاهدة البيت الأنور من قمته تزيل التعب. وما ذاك إلا أن سطح الكعبة يغمر القلب بغبطة لا سبيل إلى وصفه، وسرعان ما يزيل عنه كل ما يشعر به من تعب ونصب.
***