الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مدينة تميل إلى الكبر وتتزين جوانبها بدكاكين كبيرة ومنازل عالية ويحد نهايتها مسجد الخيف، إلا أن عمرانها يتوقف على موسم الحج، ففى غير موسم الحج تخلو المدينة من الناس، ويستأجر الحجاج فى منى منازل بعد عودتهم من عرفات، ويتاجرون مع التجار الذين وفدوا من الشام وحلب.
وإن كتب أن وقت الدعاء فى منى محدد فى منتصف الشهور القمرية وليلة ما يستدير الهلال بدرا، ولكن بما أن المكان غير معمور فى كل الأوقات فليدع الداعى متى يمكنه الدعاء فيه.
ومنى هى المكان الذى يرسل بواسطته أمانة الصرة إلى الشريف الهاشمى النسب علنا.
وإننا أدرجنا صورة من الأمر السلطانى الذى أرسل إلى ذات السيادة الشريف عون الرفيق باشا فى سنة 1301 هـ متيمنا.
صورة الخط السلطانى
الحمد لله الذى جعل سرة البطحاء صدف درة البيضاء، وحلى بها أجياد عرائس المصنوعات، من الثرى إلى سدرة المنتهى، وصير أم القرى محتد نبيه المجتبى وصفيه المرتضى، وأوحى إلى خليه إبراهيم أن يرفع القواعد من البيت، وأمرنا أن نتخذ من مقامه مصلى، وتوجهت الوفود المتوشحة بوشاح الهدى، ورفعوا أصواتهم بالتهليل والتلبية، وقصدوا نحو منى، فطوبى لمن سعى بين الصفا والمروة، وصلى بمقام إبراهيم بخضوع القلب، وانتهج نهج القربى والزلفى، وبيض وجهه باستلام الحجر الأسود متلألئا كسناء ذكاء
(1)
.
والصلاة والسلام على من بعث رحمة للورى، وصارت زيارة قبره من أرقى مدارج السعادة فى الدنيا والعقبى، وعلى آله وصحبه الطيبين الذين طهروا الكعبة العليا من أدناس الأوثان، وأحكموا بنيان الشريعة المصطفوية بإقامة أحكام القرآن ما ناحت الحمائم بتسبيح الله تعالى وتقديسه جل وعلا.
(1)
ذكاء: الشمس.
أما بعد فهذا خطابنا الشريف الخاقانى وكتابنا المنيف السلطانى النافذ حكمه بعناية الله المعين فى أقطار الأرضين، مطاعا لأساطين الملوك والسلاطين، لازال ناشرا فوايح العدل والأمان وما برح زاهرا بين حدائق البر والإحسان وما سجعت الطيور ورتعت الغزلان، أصدرناه منطويا على فرائد التحيات الرائقة، ومحتويا على قلائد التسليمات الفائقة، مظهرا عرف رياحين المحبة والاستئناس، وممهدا لمبانى المودة المحفوظة عن الإندراس، إلى جانب الأمير الأمجد الأوحد المقتفى آثار أسلاف الأشراف من آبائه الغر صناديد آل عبد مناف وأجداده الحميدى السير الجميلى الأوصاف، فرع الشجرة الزكية النبوية، طراز العصبة العلوية المصطفوية، المنتمى إلى أشرف جرثومة علا عنصرها، والمنتسب إلى أنفس أرومة غلا جوهرها، زبدة سلالة الزهراء البتول، عمدة آل بيت الرسول، المحفوف بصنوف عواطف الملك الصمد، من أفاخم وكلاء دولتنا وأعاظم وزراء سلطنتنا السنية، الحامل النيشان المرصع بالعثمانية والمجيدية، أمير مكة المكرمة الشريف (عون الرفيق باشا)، لا زالت العناية الربانية له ملاحظة، والكلاءة الصمدانية عليه حافظة، ننهى إلى نادى الشريف أن الله جل شأنه وعز برهانه، اصطفانا من بين عباده خلفاء للأنام، وأعطانا سيف الجهاد، وأمرنا بتأسيس ركن الإسلام، وشرفنا على الملوك بسدانة بيت الله الحرام والركن والمقام، وزين منشور سلطنتنا بخدمة روضة نبينا وشفيعنا عليه أسنى التحية وأزكى السلام.
نحمد الله على ذلك بأتم الشكر وأكمل المحامد. ونحلّى ترائب عرائس هذه النعم من جواهر الأثنية بأغلى القلائد وأنفس الفرائد، فلا جرم وجهنا وجهة النهمة الواسعة ونخبة الهمة الشائعة، لرفع رايات الشكر فوق القمة التاسعة، وصرفنا أزمة صريمتنا الجليلة إلى طريق إيفاء ما وهبنا الله من المواهب الجزيلة، وامتطينا صهوة مطايا الإقدام، فى تنفيذ مصالح الشريعة، جاريا مجارى الجد والاهتمام، لا سيما مهام الأوقاف المشروطة لفقراء الحرمين المحترمين، والأرزاق المعينة المضبوطة للشرفاء شرفهم الله - تعالى - فى الدارين، وللعباد العاكفين فى المقامين المكرمين، وأرسلنا من شامل عنايتنا على
الرسم القديم فى العام السابق - وهو عام ثلاثمائة وألف من هجرة من أسس قواعد الإسلام - صبت على ضريحه سجال التحية والسلام - كافة الأموال المحصلة من ريع الأوقاف الموقوفة المربوطة، والنقود المعروفة والوظائف المضبوطة التى خصصت بلائذى الحرم ويثرب ممن سكن فيهما، واخترنا الجواد من حيثما المشارق والمغارب، وجملتها مثبته وأعدادها مفصلة ومقررة كما هو مسطور ومرقوم فى الدفتر المعلوم والمختوم، جميعها الدنانير التضاد والخدمة الصافية من النقود الرائجة فى عام البلاد الدانية والقاصية، وسلمنا تلك الصرر إثر ما وضع فى الأكياس الموسومة بختمنا الشريف دفعا للالتباس إلى يد حامل ذلك المنشور السلطانى، وناقل هذا المثال الخاقانى، المنتسب لسدتنا السنية، من خدام عتبتنا العلية السلطانية، المأمور لخدمة الحميدية الخاقانية، الحامل نيشان المجيدية من الرتبة الرابعة، أمير الكرام السيد «بسيم باشا» دامت معاليه وعمدة أصحاب التحرير والتقرير، كاتب الدفتر قدوة الأماثل والأقران - زيد قدره - بعد ما قلدناهما تلك الخدمة الجليلة، وأعطيناهما دفترا مختوما بختمنا المبارك السلطانى لازال عنوانه زينة على صحيفة مناشير الأمانى، مخبرا عن المصاريف المعينة، متضمنا بالمواهب المقننة، فأمرناهما بإيصال تلك الصرر إلى خزانة المديرية المأمورة بالسعى مع الاهتمام على جرى الأصول المؤسسة فى سوالف الأيام فى الصرر المقررة، فى مصاريفها المحررة المقدرة، على ما صرح ونص عليه فى الجريدة التى هى فى جيد الأمانة {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها} (النساء: 58).
واغتراف من مشارب الأجواد الجزيلة قراح عذبها، ونهلها وتوزيعها إلى مستحقيها من السادات والعلماء والضعفاء ساكنى مكة المكرمة، وقاطنى المدينة المعظمة، المستمسكين بأذيال سرادقات بيت الله الحرام، والمتشرفين بجوار نبينا شفيع الأنام (عليه أفضل الصلاة والسلام).
ورسمنا ألا يفض خاتم أكياس هذه المبرة، ولا توزع على أصحابها إلا بمعرفة المأمورين الذين وجب حضورهم، ولا يستنسخ دفتر مستقل غير هذا الدفتر، بل يعلم على اسم كل من وصل إليه نصيبه بالمداد الأحمر، فإن غاب واحد منهم أو قضى نحبه ولم يوجد مسميات بعض الأسماء يعلم على اسمه بالدفتر حسبما يظهر، وتحفظ حصصهم ونصيبهم مفرزة محرره، كيلا يحتال أحد لأخذ الصرة المقررة، ويؤتى نصيب من توفى أو غاب لأشخاص توافقت أسماءهم وألقابهم ونسبهم، وتشابهت الأسماء والألقاب والنسب والأنساب، هذا وقد أهدينا إلى جنبكم العالى، مغرس شجرة المفاخر والمعانى فى صحبة حامل كتابنا اللطيف وخطابنا المنيف خلعة من تشريفاتنا البهية، وأكسيتنا السنية تجديدا لمراسم الموالاة، وتأكيدا بمعاقدة المصافاة، فلا بد من استقبالها بتقديم مراسم الإكرام والتعظيم والتزيين، والاكتساء بها علامة الاحترام والتكريم، وبذل القدرة الكاملة فى رعاية الرعية وصيانة الحجاج والمجاورين والمسافرين والمقيمين من العنت والشقاوة، لإفاضة الأمن والراحة وحراسة تلك الطرق والممالك، واستجلاب الأدعية الصالحة من العلماء العالمين والسادات المهديين، والفقراء الصالحين، والمواظبة على الدعوات بمزيد التضرع والابتهال، لإعلاء أعلام دولتنا العلية، وثبات أركان سلطنتنا السنية، إنه سبحانه لجدير بالسؤال، وقدير على تبليغ الأمال، تعالت ذاته عن المضاهى، وجلّ جوده عن التناهى، وفضله حسب من بجنابه لاذ، وطوله كفاية من به استعاذ.
وصلى الله على سيدنا محمد الذى تأسست قواعد شريعته البيضاء بأركان المواهب الربانية، ناشرا ظلال سدتها فوق الثرى، واستهل بأرجاز نعوته الملائكة المقربون على العرش سربا فسربا، وعلى آله وعترته الذين فتحوا بسيوفهم البلاد شرقا وغربا، ولمن تبعهم من أمته إلى يوم الدين عجما وعربا، رضوان الله - تعالى - عليهم أجمعين.