الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصورة الخامسة فى شتى ضروب تعمير المسجد الحرام وتزيينه العرض والبيان
الباب المعلا
-
خلعت عضادة باب كعبة الله المكفت بالذهب بمعرفة الحكومة، فى عهد الفتنة التى قامت عام 251 هجرية، وألواحه الذهبية كذلك فى عام 261 هجرية وصرفتها للإنفاق منها للقضاء على الفتن والاضطرابات، وقد حفر جب عميق فى الجاهلية لتحفظ فيه الأموال والهدايا الثمينة المرسلة من قبل أكاسرة الفرس وملوكهم تعظيما للكعبة وتفخيما لها بغية حمايتها من نهب الأشرار المغيرين ثم غطى الجب. وكما أن المجوهرات الثمينة المتنوعة المهداة منذ عصر إبراهيم (عليه الصلاة والتسليم) وضعت فى داخل هذا الجب إلا أن هذا الجب لم يكن (الأخسف) الذى حفره إبراهيم عليه السلام بل كان حفرة أخرى، فى داخل كعبة الله.
وقد عثر عليه قائد المجاهدين عليه الصلاة والسلام فى عام الفتح وأمر بفتحه، وأخرج منه أشياء ثمينة من ذهب وغيره لا تعد ولا تحصى من هدايا الملوك والأمم.
واستصوب أن تحفظ في خزينة بيت الله الأعظم وكان مقصد سلطان الأنبياء من هذا تعليم أمته أنه يجب ألا تمتد الأيدي على أموال كعبة الله.
كما أنه هدم بيت الله وبناه من جديد ليؤلف قلوب قريش. قد استصوب حيدرة
(1)
الكرار رضي الله عنه استخراج تلك الأموال وإنفاقها في أمور الجهاد، وكان ذلك في أول مرة في عصر النبوة السعيدة وفي المرة الثانية في عهد الصديق رضي الله عنه واضطر أن يسكت إذ أخذ الرد بالنفي من كليهما.
(1)
من ألقاب أمير المؤمنين على بن أبى طالب (رضى الله عنه).
وأراد الفاروق الأعظم في عهد خلافته أن يقسمها بين المسلمين وأن يوزعها عليهم إلا أن أبا شيبة بن عثمان رضي الله عنه المنان - قال له:
«يا عمر: كيف تتنكب أثر النبي الكريم والصديق المحترم؟ وقد نبتا في حياتهما على الاحتفاظ بتلك الأموال فى خزينة بيت الله «فصدق على قوله قائلا: «إنهما قدوة الأنام وإمامان واجبا الاحترام ويجب علينا أن نقتدي بآثارهما «وقرر على حفظ تلك الأموال فى خزينة كعبة الله.
وفي الواقع لم تمتد يد إلى خزانة بيت الله فترة طويلة بناء على القرار السابق، ولكن وآ أسفاه أن الثائر «حسين الأفطس»
(1)
هجم على مكة المشرفة واستولى عليها بتحريض خبيث من بعض السفلة وأخذ الأموال المحفوظة في خزينة بيت الله منذ الفتح قائلا: ما جدوى هذه الأموال للكعبة؟ إننى سآخذها وأنفقها فى أمور الجهاد، ثم ابتدر في تبذيرها وتوزيعها كما يحلو له منذ ذلك الوقت انقطع إرسال الهدايا إلى خزينة بيت الله من قبل الملوك إذ غلبت عليهم فكرة ظهور غاصب آخر يستولى على الهدايا المرسلة لبيت الله المعظم.
وبعد نهب حسين الأفطس الأموال التي كانت مدخرة في خزينة بيت الله المعظم وإنفاقها باثنين وخمسين سنة بعد هذا الحادث، ظهرت فتنة إسماعيل السفاك.
قد رفع السفاك المذكور علم العصيان بغتة وهجم على مكة ففرّ واليها ثم اقتحم مقر الحكومة ونهب كل ما يخص من أموال الوالى وأتباعه وأشياعه وكسوة كعبة الله وخزينتها وجمع من الأهالى مائتى ألف قطعة ذهبية بالقوة واتجه إلى دار الهجرة وهو يقصد قتل حاكم المدينة المنورة إلا أن الحاكم قد عرف قدومه فاختفى عن الأعين فعاد السفاك يائسا آيسا إلى مكة حيث ضيق على أهلها وحاصرهم فكان سببا فى موت كثير من الأبرياء من العطش والجوع. وأغار فى فترة ما على جدة ونهب أموال التجار وتجرأ على أن يقطع طريق مكة وأن يعلن الحرب على الحجاج الذين ذهبوا إلى عرفات لأداء شعائر الحج وقتل منهم ألف
(1)
انظر: تاريخ الطبرى 536/ 8 - 538.
ومائة نفر فاستشهدوا وهم يلبسون ملابس الإحرام. ونهب أموال المسلمين الذين لجئوا إلى قمم الجبال فى هذه الاضطرابات والفتن فى سنة (251)، أما المسجد الحرام فقد أهملت العناية به بسبب هذه الاضطرابات إحدى وعشرين سنة، وبناء على هذا ظهر الخلل المفضى إلى الانهيار فى الجدار للمسجد الحرام، كما أن البيت الذى أقامته السيدة زبيدة زوجة هارون الرشيد قد تقادم وأوشك على الخراب، وكانت هذه الدار متصلة بالجدار الغربى للحرم الشريف وبدا فيها البلى جليا، مما أفضى إلى انهياره بغتة فتسبب بذلك فى هدم الجدار الغربى للحرم الشريف وخربه فمات تحت أنقاضه عشرة أشخاص. وقد بلغ الأمر لحكومة بغداد بالتفصيل، وحينئذ أمر الخليفة (الموفق بالله العباسى) بهدم الجدار من أساسه ليقام من جديد كما ينبغى أن يكون وذلك فى عام 272.
أما (دار الندوة) التى أقيمت لسكنى خلفاء بغداد فيها، فأصبحت ميدانا تراكم فيه القمامة بعد أن تهدمت وأصبحت أطلالا مستقبحة المنظر وكان السيل الذى يأتى بين الفينة والفينة تتجمع مياهه فى ذلك الميدان وتجرف معها الكناسات إلى ساحة المسجد الحرام فتملؤها وتفسدها، كما أن سقوف الحرم الشريف تقادمت وقد امتزج المطر فى أماكن مجرى السيل، وعلت فأصبحت مياه السيل تفيض وتدخل فى داخل الحرم الشريف وتزيل حصى جدران الكعبة الداخلية وفسد الرخام على سطحها حتى أصبحت إقامة الصلاة فى داخل المسجد الحرام فى حكم المستحيل.
إن اللوحة الفضية المزخرفة التى ألصقت بدلا من اللوحات الذهبية لباب كعبة الله ذات الفيوضات التى كانت قد انتزعت من قبل واستخدم ثمنها لدفع الفتن والزخارف الثمينة قد محيت فى أثناء تضرعات الحجاج وتوسلاتهم فأصبح أعلى الباب فى لون وأسفله فى لون آخر، كما فسد رخام الحطيم وأرضية المطاف الرخامية كذلك داخل البيت الحرام وخارجه وجميع جهات ساحة المسجد الحرام قد تضررت.
قد أخبر الشريف عج ابن حج بالاتفاق مع (محمد بن عبد الله) شيخ مكة المعتمد بالله العباسى بجلية الأمر كما ابتدر بعض خدمة كعبة الله بالذهاب إلى بغداد وبينوا الوضع شفهيا للخليفة وأوضحوا له أن هذه الحالة تدمى قلوب أهل الإيمان، وأنه إذا ترك الحال كما هو فالمظنون أنه سيفتح بابا لمصروفات كبيرة فى الأيام القادمة.
وكان لهذا القول أثر كبير فى نفس الخليفة، فأمر بتعمير الأماكن المتضررة من المسجد الحرام وكذلك البقعة المقدسة لكعبة الله وهدم دار الندوة وبناء مسجد مكانها كما أمر بحفر وتطهير مجرى السيل المتصل بالجدران الشرقية والجنوبية، حتى يصل إلى عمقه القديم وذلك لحماية الحرم الشريف من مياه السيول التى يتوقع حدوثها. وبعث مبالغ طائلة مع مندوب خاص له.
وبمجرد ما وصل رجال الخليفة من بغداد إلى مكة ابتدءوا فى تعمير المسجد الحرام فى خلال سنة (281).
وغطوا باب كعبة الله بصفائح ذهبية خالصة العيار كما كان من قبل. ثم أخذوا فى حفر الأماكن التى سبق شرحها. ثم حفروا سبعة أدراج من السلم المطل على مجرى السيل والتى كانت قد غاصت فى الطين إلى أن ظهر الدرج الأخير. ثم هدموا أبنية دار الندوة وبنوا فوق أرضها مسجدا منفصلا ثم قسموا الجدار الذى ظل بين هذا المسجد والمسجد الحرام وفتحوا ست بوابات كبيرة الارتفاع كل واحدة منها سبعة عشر قدما وعرضها سبعة أقدام وبوصة واحدة، كما فتحوا أبوابا صغيرة بين كل اثنين من البوابات ارتفاع كل واحد منها أحد عشر قدما وأربع لنيات وعرضه ثلاثة أقدام وثلاث لنيات. وفتحوا للخروج من مسجد الندوة بابين بابا من جانبه الشمالى وبابا واحدا من جانبه الغربى ثم غطوا فوق الأبواب بأسقف عالية وأروقة معينة ثم صنعوا له مئذنة. إن هذا التعمير قد اكتمل سنة (284) وظل شكله كذلك اثنتين وعشرين سنة، ولكن رئى مؤخرا أنه يوضع بشكل أجمل وبناء على الأمر الذى صدر من دار الخلافة إلى والى