الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأحرقت الحرم الشريف، وإذا نظرنا لهذه الحالة فعلينا أن نفهم أن فأرا قد حمل فتيل ذلك المصباح المشتعل وتسلق سقف الحجرة وانتشرت النار من ذلك الفتيل إلى أطراف السقف وتسبب فى الحريق.
تجديد المسجد الحرام:
ذاع خبر الحريق فى جميع البلاد الإسلامية وتأثر الجميع من هذه الواقعة التى تنفطر لها الأفئدة، فلما سمع بذلك الملك الناصر أبو السعادات فرج بن برقوق وهو من ملوك الشراكسة فى مصر أراد تجديد الحرم الشريف وإصلاح أماكنه الأخرى؛ فعين الأمير ببسق الظاهرى أميرا للحج، وعهد إليه بوظيفة أمانة الأبنية المقدسة السامية وأرسله إلى مكة المكرمة فى سنة 803.
ووصل الأمير ببسق إلى مكة المكرمة وقام بتنفيذ ما عهد إليه فأمر بتطهير ساحة المسجد الحرام وتنظيفها وكذا الأماكن التى تعرضت للحريق وتعميق حفر الأسس، ثم بادر إلى جلب ما تمس الحاجة إليه من الأحجار والأخشاب، وأسرع بتجديد البناء وتحتم تجديد الجدران فى أواخر عام سنة 804 هـ، وفى ظرف ثلاث أعوام أتم تجديد السقوف ثم أخذ يجدد السلاسل التى تعلق بها القناديل وفعلا علق القناديل التى أعدها من قبل، ثم أصلح وعدل مقامات الأئمة الأربعة
(1)
والمواقع التى تحتاج إلى التعمير على خير وجه، ثم عاد وكان قد جلب الأخشاب التى استخدمها لإصلاح السقوف الشريفة من قاهرة مصر فى سنة (807).
وكان الأمير ببسق المصرى قد ترك أرض «رباط رامشت» المحترق على حاله
(1)
قد جدد المقام الحنفى وعمره على التوالى ابن السلطان برقوق المصرى فى سنة (857)، ثم الملك جاقمق المصرى فى سنة (843)، ثم السلطان مراد خان الثالث فى سنة (923)، وبعده بستة وعشرين عاما وفى سنة (949) السلطان سليمان، وفى سنة (1017) السلطان أحمد خان، وفى سنة (1543) السلطان مراد خان الرابع، وفى سنة (1259) هـ السلطان عبد المجيد خان. وكان التعمير فى عصر برقوق وعصر جاقمق (923) و (1017) هـ وجدد فى عام (1043) من حجر شمليس، كما جدد (المقام الشافعى) فى سنة (707) من قبل برقوق المصرى. كما جدد المقام المالكى والحنبلى فى سنة (1043) من قبل السلطان مراد خان الرابع من حجر شمليس.
وإن كان بقاء هذه الأرض المحترقة فى حالة خراب سيؤدى إلى أن تكون مقلبا لقمامة الحوانيت التى حولها، كما أنها ستحول دون النظام والنظافة المرجوان فى مكة المكرمة، فأراد الشريف حسن بن عجلان أن ينظم أزقة مكة المكرمة على قدر المستطاع.
كما أنه جدد الرباط المذكور وطهر جوانبه ونظفه رغبة فى البر والخير ولإيواء المحتاجين والمجاورين، ثم جعله وقفا لسكنى الغرباء فى سنة (807).
كان السلطان غياث الدين المعظم أرسل النقود التى صرفها الشريف ابن عجلان مع رسول يسمى ياقوت وأمره بصرف جزء منها فى إنشاء مدرسة ورباط والتصدق بالجزء الآخر على الفقراء، وكان مع ياقوت هذا رسالة موجهة إلى الشريف حسن بن عجلان يبين فيها السلطان أن ياقوت قد ألحقه بمأمورية خاصة، كما أنه قد أذن له بإنفاق النقود التى أرسلها، ولما وصل ياقوت إلى مكة المعظمة أعطى الرسالة المذكورة إلى الشريف حسن بن عجلان، كما أنه ترك النقود التى رخص له بإنفاقها أمام الشريف الذى نحى ثلث النقود جانبا ووزع الباقى على الفقراء. وبنى ياقوت بالثلث الموقوف من النقود مدرسة ورباطا، وعين أربعة من علماء المذاهب الأربعة مدرسين على ستين طالبا من الذين اختارهم وهيأ لهم جميع ما يحتاجون إليه من المعونات.
كما أنه أصلح طرق «عين بازان» والبركة الخربة فى المعلى وأجرى مياه العين المذكورة إلى هذه البركة؛ وذلك وفق تعليمات شهاب الدين الذى عينه الشريف حسن مساعدا له.
ويروى أن الشريف حسن بن عجلان أخذ من ياقوت لبناء الرباط والمدرسة باسم السلطان غياث الدين سبعة آلاف مثقال من الذهب، كما أخذ لتعمير العيون خمسة آلاف مثقال من الذهب، كما أنه استولى على الصدقات التى أرسلت إلى أهالى المدينة المنورة.
وسبب ذلك إصرار محافظ المدينة ألا يكون تحت إمارة الشريف وفق الأصول الجارية فى ذلك العصر. ومن عادات زمن إمارة الشريف حسن بن عجلان أن يأخذ ربع الأموال والأمتعة التى يمكن إخراجها إلى البر من السفن التى ترسو على الشاطئ فى سواحل جدة والشعيبية ويقتسمها مع الأشراف.
إن السفينة التى كانت تحمل الأموال التى بعثها الملك غياث الدين الأعظم قد تعرضت لحادث إلا أنه أمكن إنقاذ معظم حمولتها، وأخذ حسن بن عجلان ربع الأموال التى أنقذت وفقا لعادات ذلك الوقت، إلا أنه اغتصب جميع الأموال التى أرسلت إلى دار الهجرة، وهكذا ظلم أهالى المدينة المنورة وغدر بهم.
إن تجرؤ الشريف حسن بن عجلان على التصرف بشكل يخالف عادات الأشراف كان سببا فى عصيان محافظ المدينة المنورة السيد حجاز وطغيانه، ولكن لشدة الأسف أن هذا العجلان قد كان سببا فى خذلان عامة أهل المدينة، وبعد مرور أربعة أعوام على تجديد هذا الرباط انهارات قنطرة المروة فأصلحها الناصر فرج الذى كان من ملوك الشراكسة فى مصر وفق طرازها القديم فى سنة (811) هـ
(1)
.
***
(1)
إن هذه القنطرة كانت فوق الجبل الذى يطلق عليه جبل المروة وبما أنها أنشئت عندما فتحت البلاد الحجازية أصبحت تعد من الآثار العتيقة.