الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخاتمة ضرورة وجود السلطان ووجوب الطاعة والانقياد له
إن السلامة والفلاح سواء أكانت فى هذه الدنيا ساحة تجلى القدرات، أو فى حياة الآخرة الباقية يتوقف على وجوب الطاعة والخضوع لأوامر خليفة العصر ونواهى السلطان الذى يصدق عليه معنى الأثر القائل والسلطان ظل الله فى الأرض، ويأوى إليه كل مظلوم.
كان علماء السلف الصالح يرجعون إلى السلاطين أصحاب الإمامة والخلافة فى عصورهم لحل الخلافات، وإزالة الشبهات؛ وهذا يدل دلالة قطعية على وجوب عرض الأمور الهامة على إمام المسلمين للعصر فى كل آن وزمان، ولكن حتى تكون الإجابة الصادرة من جانب الخليفة حائزة لرضا الله سبحانه وتعالى يجب على العلماء أن يوضحوا كل فقرة من فقرات القضية المفروضة وفقا للقواعد الشريفة القومية، حتى تصان الأجوبة التى ستصدر مؤيدة بإلهام إلهى من شائبة الإبهام والشك، وحتى لا تظهر الإجابة منافية للمقصود، لعدم وضوح المسائل المعروضة، ومع هذا فنظرة الخلفاء الثاقبة وأحكامهم تشمل على خلاصة الأمور الهامة المعروضة عليه ومضمونها العام لأن الخلافة وأعبائها الثقيلة التى يحملونها فوق أكتافهم تحول دون الاطلاع على مفردات الأمور وجزئياتها.
ولما كان الخلفاء مطمئنين واثقين من أن تدقيق الأمور وتحقيقها تقع على أكتاف العلماء والوزراء، كما أنهم مسئولون عن موافقة المسائل المعروضة للأحكام الشرعية والقوانين العرفية، وهذه قاعدة مشروعة متفق عليها بالإجماع، فتدقيق المسائل وتحقيقها يخرجان عن إطار مهماتهم المقدسة، ومن هنا فالمسئولية المادية والمعنوية تقع على كاهل عارضى المسائل.
فإذا ما اطلع على أى صحيفة من صفحات كتب التاريخ القديمة فى العالم،
وإذا ما دقق وحقق فى المعاملات الجارية للأقوام الذين أتوا إلى الدنيا، مكمن العبر ثم غادروها وعمّق النظر فيها لسلّم أن الدنيا ليست دار ثواب وعقاب، ولكنها نموذج للحياة الآخرة بكل ما فيها من المجازاة الشرعية وقوانينها العرفية، هذه هى خلاصة الخلاصة التى تستنبط من فحوى الكتب الشرعية.
وإن كان لا ينكر أن الدنيا دار كسب وعمل وتقدم، إلا أن الحصول على السعادة المطلوبة فى الدنيا والآخرة والتمتع بالنعم الجليلة والأخذ بالحظ الوافر منهما يتوقف على الانصياع لأوامر الخليفة المقتدى به وتدابيره. ولما كان منصب الخلافة أصلا قويما يجمع بين المناصب الدينية والدنيوية فقد فوض تنظيم أمور العباد وفقا للقوانين الشرعية، والحكم والتصرف ليد الخليفة القديرة، فالخدمات الدينية والوظائف التى توجه إلى رجال الدولة والمصالح العامة برمتها متشعبة من ذلك الأصل ومتفرعة منه.
وإذا لم يخف بنو البشر من سياسة الخوف والجزاء لأخلوا بالنظام وراحة الناس بحكم طبيعتهم البشرية، ولقاموا بارتكاب أعمال غير مرضية. إن ضرورة وجود خليفة مقتدر به فى كل عصر قد ثبت بالنص الجليل:
{يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} (ص: 26)
إن الله سبحانه وتعالى خلق ورتب وسائل صيانة صلاح بنى البشر ونظام معاده ومعاشه خاليا وجوده وبقائه من الفساد والخلل وفق الحكمة الربانية، وجعل الخليفة وسيلة فى تدبير أموره لأن ترك بنى البشر لأنفسهم يؤدى إلى الظلم والبغى والتعدى وإفنائهم وانقطاع نسلهم وانفصامهم.
وهذه الحال تنافى أحكام المشيئة الإلهية، لهذا لزم وجود خليفة حكيم قادر على دفع الظلم والعدوان، مدبر للشئون محافظة على حياة الإنسانية، وعلى هذا يجب أن تقوم صلاحية الخليفة الشرعية وأن نعلم من ذلك الشخص الذى يستحق أن يطلق عليه اسم الخليفة.