الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكمة
بينما كان القرامطة ينقلون الحجر الأسود إلى بلادهم التى يسمونها هجر، قد نفق تحت نقل الحجر الأسود (300) جملا قويا فى مقتبل العمر أو (500) جمل بناء على رواية أخرى. وعندما أعاد ثبير بن الحسين الحجر كان قد حمله فوق جمل نحيل ضعيف، لم يمت من شدة التعب، بل إنه لم يتعب وسمن وتضخم.
وكان العباسيون لم يستطعيوا أن يردوا الحجر بالحرب مع القرامطة، وأرادوا أن يعيدوه بدون حرب واعدين أبا طاهر بخمسين ألف دينار، إلا أن هذا الملعون الملحد لم يقبل ذلك، ولكن أعوانه حملوه بدون أن يأخذوا شروى نقير (والله على كل شئ قدير).
مظالم القرامطة الخبثاء وجرائمهم
أول من خرج من طائفة القرامطة هو الملعون «أبو سعيد بن بهرام جنابى.
ويقول الذين يعرفوننا كيف ظهر هذا الرجل وأين أوقد نار الشر أولا. إن صاحب مذهب القرامطة ومخترعه هو الخنزير يحيى بن زكرويه، إذ جاء هذا الرجل فى سنة 278 أو 289 إلى بلدة القطيف
(1)
. ونزل ضيفا عند على بن يعلى من أعيان البلدة، وأسر له أنه مبعوث من قبل الإمام محمد المهدى، وأن وقت ظهور هذا الإمام قد اقترب وأخذ يدعو أهالى القطيف وسكان الناحية، واستطاع أن يضمّ إليه بعض الجهلة والحمقى من سكان القطيف وسكان ناحية البحرين ويخدعهم، وكما استطاع أن يضم إلى مذهبه أبو سعيد الجنابى من كبار شيوخ القبائل واختفى بعيدا عن العيون.
ثم ظهر مرة ثانية وهو يحمل خطابا مزيفا من قبل الإمام المهدى يتضمن أنه قد أمر بدعوة الناس إلى مذهبه، وأن يأخذ من كل واحد ممن اتبعوه مبلغ ستة
(1)
القطيف بلدة فى الجهة الشمالية من مدينة الإحساء وعلى بعد ست مراحل من البصرة، وعلى ساحل الخليج العربى.
دراهم وأربع دوانق
(1)
، وبعد أن استطاع أن يدخر بهذه الخدعة مبالغ كبيرة من النقود اختفى فترة أخرى، ثم ظهر مرة أخرى وفى هذه المرة أظهر لأتباعه رسالة مزيفة أخرى من قبل الإمام، حيث أمره بأن يأخذ من أتباعه خمس أموالهم ويسلمها له، واستطاع أن يحصل على أموال كثيرة من جميع الأنواع.
واستضيف فى هذه الفترة من قبل أبى سعيد الجنابى حيث حل فى داره المنكوبة، وأراد أبو سعيد أن يكرمه غاية الكرم فأنامه على فراش واحد مع زوجته وقبل أن يكون ديوثا.
وعندما شاع خبر احتفاء أبى سعيد بيحيى بن زكرويه غاية الحفاوة حتى قدم له زوجته لتنام معه فى فراش واحد وغيره من مراسم الإلحاد والإباحة وأخذ الناس يتناقلون سيرته، استدعى يحيى بن زكرويه من طرف رجال الحكومة وأذل وحقر، وبعد فترة طرد من حدود البحرين بعد أن نكل به.
إن هذا الملحد ذو المزاج الكلبى حط عصا ترحاله من بلاده بنى كلاب وحرص على نشر مذهبه الباطل بينهم وزادت قوته بعون بعض الناس والأقوام، فاستولى على أطراف الشام وسفك دماء المسلمين وهتك أعراض نساء الموحدين.
ووصل إلى ذروة البغى والشقوة بارتكاب المظالم والفساد، وعندما وصلت قوة ابن زكرويه وشوكته إلى درجة ترهيب خلفاء بغداد أخذ يكر على دمشق بالشام بدون توقف، وهزم الفرقة العسكرية التى واجهته بقيادة طغج بن جف
(2)
شر هزيمة، وحاصر دمشق الشام فى سنة 290 هـ، وإن كان الجيش الذى سيق من الشام قتل ابن زكرويه؛ إلا أن أخا زكرويه حسين حمد تولى القيادة، واستنجد بكثير من القرامطة وشدد الحصار على دمشق، وفى النهاية انسحب بناء على رجاء الأهالى وطلبهم بعد أن أخذ مبالغ كبيرة من النقود، ولكن عندما انسحب من دمشق هجم أتباعه قوائم الحشرات على حلب واستولوا عليها فى
(1)
الدانق جزء من ستة أجزاء من الدرهم.
(2)
كان طغج بن جف أمير بلدة دمشق بالشام.
الحملة الأولى. وأعلنوا أن اسم صاحب الشام أمير المؤمنين للعهد، وبناء على التعليمات التى تلقوها أمروا بأن يذكروا اسمه فى خطبة الجمعة.
وبعد هذا النصر اتخذ صاحب الشام ابن عمر عبد الله وليا للعهد، وسماه المدثر وادعى أن المدثر الذى ذكر فى القرآن هو عبد الله الذى سبق ذكره، وأراد بهذه الطريقة أن يخدع الناس ويبسط سطوته ويوسعها إلا أنه لم يوفق.
وهجم صاحب الشام بعد ذلك على حماة بعد حلب والمدن والقرى التى حولها، وأخذ يقتل كل من يصادفه من الأهالى مع أولادهم وعيالهم، وأخيرا وصل إلى بلدة سلمية التى استسلم سكانها دون أن يدافعوا عن أنفسهم فقتلهم جميعا حتى تلاميذ المدارس الصغار
(1)
.
لما أزعج ما يرتكبه صاحب الشام من المظالم والغدر مسامع المكتفى بالله البغدادى فتحرك بما جهزه من العساكر الكثيرة من بغداد وتوجه إلى بلد الرقة.
ومن هنا وجه جنوده جف وفرق القرامطة، وتقابل البغداديون مع القرامطة فى مكان يبعد عن حماة اثنى عشر ميلا وبدأت حرب ضروس.
وإن كان القرامطة هربوا من شدة صولة البغداديين غير قادرين على صد هجومهم إلا أن جنود بغداد لم يتعقبوا فلو لهم المنهزمة وقبضوا على صاحب الشام وكذلك ولى عهده المدثر
(2)
وسلموهما للخليفة الذى كان ينتظر النتيجة.
بعد ما قضى جنود الخليفة تماما على القرامطة عاد منصورا إلى بغداد حيث صلب صاحب الشام مع رفقاء له وشهر بهم فى سنة 291 هـ. إن فرقا من القرامطة الذين نجوا من سيوف البغداديين تربصوا فى طريق العراق، وكانوا يسيرون ليلا منها ونهارا، ويهاجمون المارين وعابرى السبيل ويسببون لهم خسائر كبيرة، وكانوا يختفون من الجيوش التى أرسلتها حكومة بغداد فى أماكن خفية.
إن هذه الفرقة الخبيثة قد هاجمت قافلة حجاج العراق فى سنة 294 هـ،
(1)
انظر: تاريخ الطبرى 100/ 10.
(2)
المدثر هذا كان عبد صاحب الشام وهو رومى الأصل.