الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال جماعة: إن المقام الشريف حرم المسجد الحرام كله، حتى إن الإمام مالك كاد أن يذهب إلى فرضية أداء صلاة الطواف فى ذلك المكان
(1)
.
بشرى:
ينقل أئمة الدين الكرام فى روايات صحيحة عن النبى صلى الله عليه وسلم، أن الذين يصلون خلف مقام إبراهيم ركعتين يغفر الله لهم جميع آثامهم السابقة وينعم عليهم بحسنات قدر مخلوقاته والذين يصلون بعدهم ينقذهم من الفزع الأكبر يوم القيامة، ويأمر جبريل وميكائيل عليهم السلام بأن يستمروا فى الاستغفار لهم إلى يوم القيامة.
كان المبنى القديم للمقام الإبراهيمى يتكون من مظلة قائمة على شبكة خشبية وكانت مياه السيل الذى ظهر فى عهد عمر الفاروق - رضى الله عنه - جرفت هذا المبنى والمقام الشريف إلى الوادى اليمانى، وأسس الفاروق مظلة جديدة متينة حسب الحاجة فى زمنه.
وقد زينه فى سنة (160 هـ) الخليفة المهدى البغدادى العباسى وفى سنة (235 هـ) المتوكل على الله بن المعتصم وفى سنة (256 هـ) زين المهتدى بالله بن الواثق المظلة التى أنشأها عمر الفاروق وأنفق عليها كثيرا من النقود الذهبية.
لم يكتف الخليفة المهدى بتزيين المقام الشريف بل أنفق كثيرا من النقود الذهبية لإلصاق الجزء المنكسر من الحجر الذى يطلق عليه مقام إبراهيم، وقال الإمام الأزرقى نقلا عن عبد الله بن الشعبى وهو يشير إلى همة المهدى:«بما أن المقام الشريف كان لينا جدا قد انقطع جزء منه فى أثناء التعمير، ولما أبلغ الأمر إلى المهدى بن المنصور ألصقه بإذابة ألف قطعة ذهبية» .
(1)
وكان عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - سببا فى نزول هذه الآية الكريمة واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى لأنه قال لرسول الله الكريم صلى الله عليه وسلم «يا رسول الله ألا نتخذ من مقام إبراهيم مصلى؟! «فنزلت هذه الآية الكريمة الجليلة» وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى (البقرة: 125) فاتخذ ذلك المقام مصلى ونزل القرآن بهذا موافقا رغبة عمر بن الخطاب رضى الله عنه.
وقد أنفق فى عهد المتوكل بالله ثمانية آلاف، وفى عهد المهتدى ألف تسعمائة وتسعين مثقالا من ذهب.
مع أن جعفر بن فضيل ومحمد بن حاتم، قد اقتلعا هذه الألواح الذهبية وصنعوا بها عملة ذهبية، أنفقاها للمستلزمات الحربية فى فتنة إسماعيل العلوى.
إن الباب الذى يواجه الكعبة الشريفة لشبكة المظلة المذكورة قد ترك مفتوحا للزوار، ولم يغير أى جهة منها، كان من يرغب فى زيارته يستطيع زيارته ومسح وجهه وعينه بالحجر (المقام الشريف).
وقد ذكر أن الدعاء يستجاب بالقرب من المقام الشريف ولذلك كان أصحاب الحاجات يدعون الله ويناجون عارضين حاجاتهم وينالون أقصى مطالبهم عندما يدعون وباب الشبكة الذى يواجه الكعبة مفتوحا.
وكما أن الداعين بقلوب نقية لا يردون يائسين؛ لذا أخذ بعض المفسدين وذوى النيات السيئة يدعون ضد الأشراف والصناديد ووجهاء القبائل، كما ظهرت مساوئ أخرى، وحينما رأى ذلك شخص اسمه يوسف الذى حكم البلاد الحجازية واليمانية فترة من الزمان هدم تلك المظلة، وأدخل حجر المقام المبارك فى داخل قبة حديدية، ووضع مكان الشبكة الخشبية شبكة حديدية، وفى زماننا قد صنع فوق المقام الشريف صندوق من خشب شجرة الطرفاء، ويحيط بهذا الصندوق قفص حديدى، وذلك القفص تحت قبة حجرية، وتحيط بهذه القبة من جهاتها الأربعة شبكة حديدية، ولذلك الصندوق باب فى الجهة الشرقية، وهناك قطعة قماش مزخرفة بالذهب تحيط بهذا الصندوق، وكلما غيرت كسا الكعبة المفخمة الداخلية غيرت هذه الستارة أيضا.
وقد غير الملك الناصر محمد بن قلاوون المصرى الشبكة التى تحيط بالصندوق فى سنة (728 هـ) وكتب على إحدى جهاتها اسمه.
وبعد اثنين وثمانين سنة وفى سنة (810 هـ) قد صنع سقف لطيف لداخل القبة، وكتب فى أحد أماكنه اسم صانعه وتاريخ صنعه.
وقد غطى السلطان جاقمق المصرى القبة المذكورة بالرصاص فى سنة (843 هـ) ولما احتاجت بعض أماكنها للتعمير بفعل مرور الزمن عمرها السلطان الأشرف الغورى، وزينها بالذهب فى سنة (915 هـ) وبعد مرور ثلاث سنوات وفى سنة (918 هـ) غطى القبة بالرصاص.
وإن كان صندوق المقام الشريف والشبكة الحديدية التى فوقه قد صنعت فى شكل رصين كما ذكر من قبل وعمرت عدة مرات، إلى أن أخذ بعض أجزائها فى البلى وزال طلاؤها وسقطت بعض أخشابها، وصعب حفظ ذلك المقام فأقيمت المبانى بناء على الطلب والاستئذان من السلطان سليمان بن السلطان سليم فى سنة (947 هـ).
وصنعت فى شكل محكم وهيئة متينة. وشبكة القفص المصنوعة من الحديد غيرت بشبكة نحاسية، وأخذت الأبنية التى صنعها السلطان المذكور يصيبها البلى بالتدريج، وأشرفت على السقوط والخراب، وعرض الأمر على السلطان مراد الرابع طاب ثراه فبادر إلى تجديدها وتزيينها فى سنة (1045 هـ) وبعد سبعين سنة من ذلك ساءت حالة الصفة التى تحمل الحجر الذى عليه آثار قدم إبراهيم عليه السلام فكتب حامل مفتاح الكعبة المعظمة الشيخ محمد الشيبى تقريرا إلى ولاية مكة، وأبلغت الولاية الأمر متضمنا التقرير السابق إلى الباب العالى. فبادر الباب العالى بتجديد تلك الصفة وجدرانها والصندوق الخشبى للمقام المذكور، والأماكن الأخرى التى تحتاج إلى التجديد وذلك فى سنة (1165 هـ).
وأكد الشيخ محمد الشيبى فى تقريره لزوم تجديد الغطاء الفضى الذى يزين الصندوق الفضى وكسوة الصندوق الذى يحتوى على حجر المقام. وبناء على ما يقتضى عمله فى مكة فلقد أرسل السلطان مصطفى خان الثانى بن المرحوم محمد خان الرابع بالأمر السلطانى الذى تفتقت به قريحته، والذى تجب طاعته إلى إبراهيم أفندى مدير التعمير فى مكة المكرمة، وبناء على هذا الأمر السلطانى عاين إبراهيم أفندى مع شريف مكة وقاضيها والآخرين ومن يجب وجودهم المقام
المذكور، وبناء على القرار الذى اتخذوه رمم صندوق المقام، وبعث بالغطاء الفضى القديم للمقام، وبعض العينات من التراب الذى وجد حول الحجر المبارك إلى باب السعادة للتبرك، وقد قدمت هذه الأشياء بكل توقير إلى العتبة السلطانية مما أثار فرحة وسرور السلطان، وبعد أن رآها أمر بأن تحفظ هذه الأشياء المباركة فى صورة تليق بها، وهكذا وضعت فى الخزانة السلطانية لحفظها.
إن التراب المبارك الذى أخذ من المقام وأرسل إلى باب السعادة كان من الطين الذى تحجر حول آثار قدم سيدنا إبراهيم عليه السلام، لأنه كان قد صنع جدير من الجص حول آثار قدمى إبراهيم عليه السلام فى ارتفاع شبر، وغلف الجدير بغلاف من الفضة، وذلك لملئه بماء زمزم الذى يعد شربه تبركا بآثار قدمى ذلك النبى الكريم، كما كان يحدث فى أوائل العصور الإسلامية، ومازال يحدث فى ذلك الوقت، وكلما فتح باب الشبكة الحديدية للمقام يصب الزوار والحجاج فى داخل ذلك الجدير ماء زمزم ويشربونه متبركين.
ثم يضعون فيه بعض القروش ثم يأخذونها ويضعونها فى أكياس نقودهم للتبرك بها، وحينما يكون فى داخل ذلك الجدار ماء زمزم وتوضع فيه النقود، ثم تؤخذ بعد فترة وتوضع فى كيس النقود؛ يجلب ذلك البركة واليمن لهذا الشخص.
ولما شاع هذا الخبر بين الناس أخذ الحجاج يضعون فى داخل هذا الجدير عملة مجيدية صغيرة أو مسكوكات ذهبية أخرى، ثم يأخذونها ويضعونها فى أكياس نقودهم معتقدين أن مثل هذا الكيس الذى يحتوى على مثل هذه النقود لا يخلو فى يوم من الأيام من النقود، لأن الله سبحانه وتعالى قد استجاب لدعاء إبراهيم عليه السلام.
إن مقام إبراهيم ومبانيه دامت متماسكة مائة وإحدى وثمانين سنة بعد أن عمرها السلطان مراد خان الرابع فى سنة (1043 هـ) وبعد أن رممها وأصلحها السلطان مصطفى خان الثانى ابن السلطان محمد خان الرابع بعده باثنتين وسبعين سنة فى سنة (1115 هـ) وظلت مبانى المقام الشريف متماسكة إلى يومنا هذا بعد