الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القصة:
استيقظ أحد الفضلاء من المشايخ الزبيريين وقام من نومه ظنا أن وقت الترحيم قد حان، واتجه إلى الحرم الشريف، وبعد الطواف بالبيت صعد إلى المكان الخاص برؤساء مؤذنى الشافعية، وفوجئ بأن أبواب بئر زمزم قد فتحت، وأشعلت القناديل ودخل كثير من الناس فى أبنية بئر زمزم، وتعجب من الأمر، لأن من الأصول المتبعة أن يكون مفتاح بئر زمزم معه، ولكنه قال لنفسه: لا بد وأننى استيقظت متأخرا وهؤلاء بعثوا إلى بيتى وأخذوا المفتاح. وبناء على هذه الملاحظة لم يقم من مكانه يتحقق من الأمر، ومن شدة حيرته وتعجبه لم يخطر على باله أن ينظر إلى الساعة، وبعد فترة أدرك أن المؤذنين لم يصلوا بعد، فظل جالسا فى هذا المقام قائلا: ما هذه الحال؟! وبينما هو يفكر فى هذا الأمر غلبه النوم وراح فى سبات، واستيقظ بعد فترة فإذا بالقناديل مطفئة وأبواب مبنى بئر زمزم مغلقة، فبادر بالقيام وأخرج ساعته من جيبه فرأى أن وقت الترحيم لم يحل بعد؛ فتوهم من هذا الأمر وخاف، وأخذ يتلو القرآن، وبعد ما وصل والده بفترة قص عليه الحكاية بكل تفصيلها، فقال له والده - يا بنى إن ما تشربونه صباحا من بئر زمزم من ماء حلو قائلين إنه زبدة ما هو إلا سؤر أولياء الله الروحانيين، ولا يشبه ماء زمزم الذى يأخذه السقاة: إذ يأتى أولياء الله الصالحون بعدما ينسحب الزوار فى الليل، وبعدما يطوفون بالبيت الحرام يدخلون فى مبنى بئر زمزم، ويشربون ماء زمزم حتى الصباح، ولا يمنعهم لا الباب ولا المدخنة، وبهذا الرد اطلع على هذا السر شديد الخفاء. انتهى.
وفى الواقع أن الماء الذى قلنا عنه الزبدة من ماء زمزم لا يشبه ماء زمزم الذى يؤخذ منها سواء فى الطعم أو اللون، إن طعم الزبدة فى غاية اللذة ولونها فى غاية الشفافية يفوق عن التصوير والتعريف. وقال بعض المدققين إن لماء زمزم الصافى خاصية زيت الزيتون، وبما أن ماء زمزم غير قابل للامتزاج بالمياه الجارية الأخرى فعندما يغلق باب أبنية بئر زمزم فماء زمزم يطفح فوق الماء، كما يطفح
زيت الزيتون؛ لذلك يختلف طعم ماء زمزم الذى يؤخذ صباحا. إن هذا التوجيه الوجيه غير قابل للاعتراض؛ لأنها خاصية ينفرد بها ماء زمزم عن المياه الأخرى مهما كانت لطيفة خفيفة لا يمكن منعها من الامتزاج.
فإذا ما أضيف قدح ماء مر إلى قدحين أو ثلاثة أقداح ماء حلو فيفسد طعم الماء الحلو، ومهما ترك من الوقت فالماء الحلو لا يطفح فوق الماء ويسترد لذته الأولى.
إن بئر زمزم الشريف يقع فى مواجهة باب كعبة الله المعظمة، وفى داخل مبانى حجرته
(1)
ولمبانيها ثلاث نوافذ مقابل باب كعبة الله. وينظر باب إلى الجهة الشرقية وفوقها خاص بمؤذنى الشافعية. ولا سيما شيخ زمزم أى الخاص برؤساء مؤذنى الشافعية. ومن هنا ينبه لأداء أذان صلوات الأوقات الخمسة.
لم يكن فى الأزمنة الأولى سور لفتحة بئر زمزم، وكان يحيط بها سور منخفض. وحدث فى عهد أبى جعفر المنصور من خلفاء بغداد أن سقط أحد الناس قضاء فى داخله، وحتى يمنع وقوع مثل هذه الحوادث قرر أن يبنى على فتحتها سورا بناء على الأمر الوارد من الخليفة. وبعد البحث والتحرى وجدوا حجرا فى ارتفاع 6 أقدام و 3 بوصات واستدارة قطره 25 قدم فثقبوا وسطه ووضعوه فى فتحة البئر.
ثم أحاطوه دائرا ما دار بشبكة حديدية، ومع ذلك بعض العشاق وأصحاب الشوق كانوا يرمون أنفسهم فى البئر ويغرقون، ولما أطلع السلطان أحمد خان الأول على هذا الأمر أراد أن يحول دون أن يقتل الناس أنفسهم، فأمر بصنع شبكة حديدية فى إستانبول وأرسلها إلى مكة المكرمة فى سنة (1024 هـ) فأنزلت تلك الشبكة إلى البئر وربطت بسلاسل حديدية تحت الماء بعدة أذرع. ولله الحمد لم تقع بعد ذلك حوادث محزنة مثل ما حدث.
(1)
وقد جدد السلطان مراد خان الثالث هذه الأبنية فى سنة 985 هـ. كما أن السلطان مراد خان الرابع قد غير بابها وجدد طلاءها الداخلى فى سنة 1043 هـ.