الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصورة الأولى فى ذكر الذين قدموا الهدايا لكعبة الله وزينوها والذين رمموها وعمروها عند الضرورة
وكان باب كعبة الله قبل أن يهاجر النبى صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة المنورة بأربعمائة عام تقريبا من غير مصراع، وقد ركب أبو كرب بن أسعد الحميرى من ملوك اليمن قبل الهجرة النبوية بسبعمائة عام على باب كعبة الله مصراعا فوقه قفل.
وكان الباب الذى ركبه أبو كرب قطعة واحدة ويشق استعماله، وأراد قصى بن كلاب أن يزيل الصعوبة ويسهل الفتح والغلق، فقسم ذلك الباب إلى جناحين، لكن الذين أتوا بعد قصى حولوه لقطعة واحدة.
ولما جدد عبد الله بن الزبير كعبة الله جعل باب الكعبة بمصراعين، وطلا باب كعبة الله والأعمدة الداخلية للكعبة وسطح الكعبة وسقفها بالذهب، وصنع مفتاحا من ذهب لقفل باب الكعبة فى سنة 64 هجرية.
وغير الحجاج الظالم مصراعى باب كعبة الله اللذين صنعهما عبد الله بن الزبير، ورفع عتبة باب الكعبة عن الأرض ستة أقدام وأربع بوصات.
وجعل طول الباب تسعة أقدام وبوصتين وزخرفه
(1)
، وزخرف «عبد الملك بن مروان» من ملوك بنى أمية باب الكعبة المعلى للمرة الثالثة، كما أرسل ابنه الوليد إلى خالد بن عبد الله والى مكة ستة وثلاثين ألف دينارا ليجدد زخارف الميزاب اللطيف وأعمدة باب الكعبة الداخلية فى سنة 89، كما أن محمد الأمين بن هارون الرشيد من الخلفاء العباسيين أرسل إلى واليه فى مكة سالم بن الجراح
(1)
وفى عهد ابن الزبير كانت عتبة باب المعلى للكعبة فى متسوى أرض المطاف، وكان ارتفاعه (15 قدما و 6 بوصات) وعرضه (6 أقدام و 4 بوصات).
ثمانية عشر ألف دينارا ذهبيا، ليجعل مسامير باب الكعبة وحلقاته من الذهب الخالص وذلك فى سنة 195، ثم اقتلع ذهب الأعمدة التى أمر وليد بن عبد الملك بتذهيبها وأعاد تذهيبها على شكل أفضل.
وإن كان سالم بن الجراح قد عمر وزين الأماكن التى سبق ذكرها بثمانى عشرة ألف قطعة ذهبية أرسلت من بغداد، إلا أنه أذاب الألواح الذهبية التى تغطى مصراعى باب الكعبة، واستعملها وقد صرف على الألواح التى ركبت ثلاثا وثلاثين ألف قطعة ذهبية، وغطى مصراعى الباب وقت اقتلاع الألواح بستارة من قماش أصفر، وإلى عهد المتوكل بالله العباسى
(1)
، كانت زاويتا الكعبة فى الداخل الزوايتين الفضيتين من ذهب أيضا، فاستجاب المتوكل بالله وأرسل إسحاق بن سلمة وهو صانع بارع فرصع زوايا كعبة الله الأربع على نسق واحد كان ذلك عام 244، وزين الستارة الداخلية بحزام من فضة عرضه ثلاثة أذرع ثم أدخل إلى الحزام مقطعا من ذهب خالص، كما أنه أصلح عتبة باب الكعبة المصنوعة من خشب الساج وغلفها بألواح فضية.
وبناء على ما يروى من الصانع المذكور أنه قد أنفق على الزوايا الأربع والمنطق الذهبى ثمانين مثقالا ذهبا، وللحزام وألواح الباب ستين أوقية ونصف يعنى (1420) درهما من الفضة.
وما أرسل إلى بيت الله من الهدايا وأدوات التزيين الغالية تعظيما له بعد المتوكل بالله، ما فى الأبواب والزوايا من ألواح ذهبية وفضية اقتلعها ولاة مكة وحولوها إلى ذهب ونقود، وأرادوا أن يخمدوا الثورة التى اندلعت فى سنة 281، وبهذه الطريقة تركوا كعبة الله فى مثل البناء العادى وقد جدد المعتضد بالله أول ما اقتلع، وصرف من تزيينات كعبة الله وأعادها إلى حالتها السابقة وذلك فى سنة 283.
كما أن لؤلؤ غلام والدة الخليفة المقتدر بالله قد جدد وعمر داخل بيت الله وخارجه وأعمدته اللطيفة بإيعاز من سيدته وذلك فى عام 310.
(1)
وهو أول من اتخذ الشافعية مذهبا له من خلفاء بنى عباس.
كما أن جمال الدين جواد من وزراء الملوك المصريين أرسل خمسة آلاف قطعة ذهبية، فنظم وذهب الطلاء الداخلى لكعبة الله، وجدد أبواب المسجد الحرام كلها وذلك فى سنة 549.
كما أن جمال الدين جواد قد جدد مصراعى باب الكعبة اللذين كانا ركبهما الحجاج بن يوسف الثقفى.
وبناء على الأمر الوارد التقى قاضى مكة مع ناظر الحرم الشريف وأرسل الباب القديم بناء على توصية أمير الحرمين قاسم ابن هاشم إلى حاكم مصر المقتفى بالله
(1)
ووهب الخليفة المشار إليه ما انتزع من فضة من فوق ذلك الباب إلى أمير مكة المعظم قاسم بن هاشم.
وقد وصى المقتفى بالله أن يصنع من ذلك الباب تابوتا ويدفن معه متبركا به وفعلا قد نفذت وصيته عند وفاته.
وفى عام 956 ذهب وزخرف البقعة المباركة لكعبة الله حاكم اليمن الملك المظفر الغسانى، وبعده حفيد الملك المظفر الملك المجاهد.
وفى سنة 735 أرسل ملك مصر ناصر بن محمد قلاوون الصالحى
(2)
خمسة وثلاثين ألفا من ذهب مصرى، وفى سنة 770 حفيد الملك ناصر أشرف صرف نقودا لا تحصى، وهكذا جدد كل واحد منهم عقب الآخر الطلاء الذهبى لكعبة الله وزخرفوها، وجدد ناصر بن محمد بن قلاوون الصالحى الباب الذى صنعه الملك المظفر، كما أن الملك المظفر الغسانى كان قد جدد الباب الذى صنعه جمال الدين ابن جواد.
(1)
اسم المقتفى بالله محمد أبو عبد الله واسم أبيه المستظفر قد رأى هذا الشخص فى رؤياه قبل جلوسه على كرسى الخلافة بستة أيام سلطان الرسل صلى الله عليه وسلم، وقد وجه له النبى صلى الله عليه وسلم خطابا فقال له «يا محمد يظهر أنك ستنادى خليفة عما قريب وعندئذ يجب عليك أن تقتفى أثرى، وبناء على ذلك لقب بالمقتفى بالله.
(2)
كان مصراعا الباب القديم اللذين جددهما الملك الناصر من خشب الساج، وكان عرض كل لوح خشبى ذراعا واحدا.
وقد تحدث القطب المكى من مؤرخى مكة عن مصراعى باب الكعبة اللتين غلفهما الملك الأشرف بألواح فضية، وبعد أن وصف بالتفصيل متانة مصراعى الباب وجمال صناعتهما فى تاريخه القيم الذى ألفه، قال: «كان بعض اللصوص يتحينون فرصة ليسرقوا ألواح باب كعبة الله الفضية بعد قلعها، وقد سرقت عتبة بيت الله وأصبحت عارية، وقد قبض على اللصوص المتجاسرين مرات وأخذوا بالعقاب، إلا أن استمرار سرقة زينة بيت الله الخارجية وأيلولة سطح بيت الله إلى الخراب، وأصبحت قطرات المطر تنفذ من سقف البيت، جعل بعض أهل البصيرة الذين اطلعوا على حقيقة الأمور يرفعون أصواتهم جازعين هالعين.
ولذا أتى إلى مكة المكرمة شيخ القاهرة حمد الله أفندى
(1)
بنية الحج ورأى ما حل بالسطح الشريف من خراب، وذلك فى عام 958 أو 961 هجرية، لقى قاضى مكة محمود جلبى أخا زوجه وتشاور معه ورأيا أن الأمر يجب أن يعرض على باب السعادة، وأوصيا إمارة مكة المكرمة وولاية الحجاز بذلك، وسعى مسئولو الإمارة والولاية بإبلاغ أمر وجوب التعمير إلى الباب السلطانى وما كان من السلطان سليمان بن السلطان سليم خان إلا أن استصدر فتوى تنطق بضرورة تعمير بيت الله من سلطان العلماء أبو السعود أفندى، وأرسل هذه الفتوى إلى أمير أمراء مصر، وأمره بأن يعمل على تعمير بيت الله سريعا بمجرد ورود الأمر السلطانى، وفتوى المشيخة السلطانية.
وبادر على باشا أمير الأمراء بإرسال الأمر السلطانى والفتوى الشرعية إلى قاضى مكة أحمد جلبى، وذلك فى سنة 959، وتشاورا كثيرا بخصوص الموضوع ثم استدعيا وجمعا أعيان مكة وأكابرها وعلماء المذهب الحنفى والشافعى الفضلاء، وتليا الأمر السلطانى الوارد عليهم ثم أخذوا يتذاكرون كيفية تنفيذ الأمر السلطانى، ثم قرروا معاينة وكشف السطح الشريف عقب صلاة الجمعة 14 من شهر ربيع الأول سنة 959، وقال أحد الموظفين الذى عين للكشف
(1)
كان هذا الشخص قد عين ناظرا لعمارة البيت من قبل والى مصر، كما أن مصطفى جلبى الأشول كان قد عين موظفا فى ديوان كتابة تلك العمليات ويقال له أحمد جلبى المقاطع، ومن مؤلفاته ترجمة روضة الشهداء «سعادت نامه» ومخلصه جامى.
بموافقة الجميع بعد المعاينة، قطعة من العمود الخشبى هبطت اثنى عشر خطا عن سائر الأرضيات، كما أن خشبة من طرف الباب تخلخلت عن مكانها وهبطت تسعة خطوط عن مكانها ولم تعد صالحة للاستعمال، وإذا لم تصلح وتعمر من الآن فمن الممكن أن يسقط السقف كاملا فجأة وصدق زميله الآخر على ما قاله، وبناء على ذلك شرعوا فى تعمير السطح الشريف يوم السبت الخامس عشر من ربيع الأول سنة 959.
وخالف بعض علماء مكة موضوع التعمير قائلين يجب أن يترك البيت المعظم بدون تعمير وتصليح ما لم تسقط على الأقل جهة من جهاته توقيرا للبيت، وحثوا عامة الناس على النزاع وأرادوا أن يوفقوا بين مدّعاهم والأقوال الأخرى، وكادت أن تحدث فتنة عظيمة؛ إلا أن مولانا الشيخ شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمى الشافعى ألف كتابا أسماه «المناهل العذبة فى إصلاح ما وهى من الكعبة» رد فيه على آراء المخالفين، وخرج مسائلهم ونقل فى كتابه المسائل التى تجيز التعمير فى كتاب «استقصاء البيان فى مسألة الشادروان» للمحب الطبرى والكتب الأخرى للسلف الصالح.
كما أضاف إلى كتابه ما روى عن أم المؤمنين عائشة - رضى الله عنها - من الحديث الشريف الذى يجيز تعمير كعبة الله المعظمة، إلا أنه لم يستطع إسكات الذين يؤيدون العلماء المخالفين وإقناعهم، وعنذئذ أبلغوا الأمر إلى أمير الحجاز مولانا سيد شريف أحمد بن أبى نمى الذى كان فى البرية، فعاد من البرية واستدعى إليه مولانا الشيخ محمد ابن الشيخ أبى الحسن البكرى، وطلب منه أن يفسر الآية الجليلة {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ} (البقرة: 127) أمام كعبة الله.
وحضر هذا المجلس الشيخ شهاب الدين أحمد بن حجر الشافعى الذى سبق ذكره والشيخ نور الدين بن إبراهيم العسلى والقاضى الحسنى بن فايز بن ظهير ومفتى الحنفية قطب الدين بن علاء الدين.
وبناء على رجاء سيد شهاب الدين أحمد بن أبى نمى أخذ الشيخ أبو الحسن البكرى يفسر الآية التى سبق ذكرها بلسان فصيح، وبيان صحيح وختم التفسير
ببيان المسائل التى تجيز التعمير، ثم قام عقب ذلك ناظر الحرم الشريف وقدم إلى الأمير الأمر السلطانى والفتوى الشريفة للمشيخة السلطانية، وفتح الشيخ المشار إليه الأمر السلطانى والفتوى وقرأهما على ملأ من الناس، ثم تساءل قائلا من هم الذين يخالفون أحكام هذه الفتوى ويتجرءون على تشويش أذهان الجمهور وتخديشها، إن هذه الفتوى ما هى إلا تعزيز لصحة تعمير السقف الشريف واستصواب ذلك، إن حكم هذه الفتوى وما تحتوى عليه يوافق تماما أحكام الشرع الشريف ويجب أن يبادر بتنفيذ ما جاء فيها والبدء فى العمليات الإنشائية بدقة. وبناء على ذلك صعد العمال الذين اختيروا من قبل وعاينوا الأماكن التى أشير إليها فى ورقة الكشف، وعمروا
(1)
بعض مداخل الأعمدة الخشبية على السطح والأماكن التى هبطت عن مستواها، مما يؤدى إلى سقوط السقف كله، كما بين ذلك المهندسون الذين كشفوا ذلك، كما سووا قطع الرخام التى على أرض المطاف والتى كانت فى حاجة إلى التعمير والإصلاح، وغيروا الرمال ذات الحصى الموجودة حول المطاف وعرضوا الأمر على الباب العالى، وقد شرح مولانا قطبى أفندى لذلك فى مصراع بديع قائلا:
مجدد بيت الله مالك الدول سليمان
(2)
…
وبعد ما أرسل الباب العالى قدرا كافيا من الفضة لتعمير المحراب الشريف وباب الكعبة المعلى بالأمر السلطانى، جددت ألواح باب الكعبة الفضية بتلك الفضة، وسوى سطح الباب بمسامير فضية ثمينة، كما ركبت عليه أربع قطع من حلقات فضية، وغلف ميزاب الرحمة بالفضة وزخرفوا سطحه، وهكذا نفذوا الإرادة السنية للخلافة وذلك فى سنة 951، وفى سنة 960 أرسلت قطعة فضية للميزاب وعند وصولها رفع الميزاب القديم، ووضعوا مكانه الميزاب الفضى الجديد وأرسل الميزاب القديم إلى باب السعادة للاحتفاظ به تبركا فى خزينة السلطان، كما سيبين فى الأمر السلطانى الذى سيأتى ذكره فيما بعد، وعرضوا الانتهاء من تعمير تلك البقعة المفخمة.
(1)
وكان سطح كعبة الله قد عمر قبل ذلك فى سنة 814 و 824 وسنة 826 و 843 أربع مرات كما عمر بعد ذلك فى سنوات 1021 و 1043 و 1044 و 1115 و 1235 خمس مرات.
(2)
قد يكون هذا تعمية ذلك التاريخ ولغزها.