الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأنبياء العظام والأولياء الكرام قد سعوا فى هذا المكان، يجب علينا أن ندعو قائلين:«إلهى بحرمة أقدام جميع الأنبياء العظام والأولياء الكرام الذين سعوا بهذا المكان» .
إنه وادى المسعى وترابه لرفعة منزلته فأصبح درا وكحلا لأهل السلف إن نقش قدمك على هذه الأرض هو روضة الفردوس يوم الدين بما أن قدمك فى طر
يق ال
صدق والصفاء على أثر قدم المصطفى ما كان من نبى ولا ولى إلا وطأت قدمه هذا المسعى
رواية
يروى أنه قد دفن فى المسعى سبعون نبيا ذوو شأن ولأجل هذا فالذى يسعى بين المروتين له أجر كمن أعتق سبعين عبدا، ولما كان ما بين الصفا والمروة باب من أبواب الجنة فهذا المكان أيضا من الأماكن المباركة التى يستجاب فيها الدعاء، ويجب ألا يشك فى هذا لأنه مؤيد بالأحاديث النبوية.
استطراد:
ذهبت أنا الفقير إلى منزل الرجل الورع الحليم الفاضل أحمد خانى أفندى لزيارته، وذلك بينما كانت أتعارف مع كرام الناس لجمع المعلومات عن مكة والكعبة، وقال فى أثناء حديثنا:«وإن كان أهل مكة الآن يبدون بالنسبة إلى سكان أهل مكة فى العصور السابقة، أناسا لا يستحقون رعايتهم واحترامهم، مع أنهم جيران بيت الله، يجب علينا أن نعد أقلهم شأنا أعظم الناس قدرا، وإننى لا أرى ضرورة لأن أذكر لكم أن من يحملون فى قلوبهم هذه النية الصادقة سينالون مطالبهم» .
يقال:
بناء على رواية إنسان يوثق فى كلامه: «كان قديما فى مكة بين أهالى مكة شخص تافه حشاش فاضح للأسرار، لم يعرف رأسه للسجود طريقا، ذهب هذا الرجل فى يوم من الأيام إلى مقهى الحشاشين، وأعطى ما بيده من المخدرات إلى
صاحب القهوة، وطلب منه أن يعد له نارجيلة بما أعطاه، وبينما صاحب المقهى يعد له نارجيلة قال: إلهى إننى لم أسجد لك فى طول حياتى إذا ما قلت بأننى أبكى سيكذبنى أهل بلدتى لما يعرفون عنى»، وأخذ يندم ويأسف على أنه أمضى حياته عبثا، ثم صاح قائلا:«الله» ، ثم لفظ أنفاسه الأخيرة.
وقبل أن يشيع موت هذا الرجل ألهم أحد الصالحين بالآتى: «قد مات فى مكان فلان أحد الناس، فإذا ما جهزت جنازته بشكل حسن وحملت تابوته فإن الله يرضى عنك ويتقبل أعمالك» .
وبعد التحقيق عرف أن الذى مات هو ذلك الحشاش الذى يذمه الجميع ويتحاشاه، وقد مات فى مقهى الحشاشين كما بيناه آنفا، فظن الرجل أن ما ورد لقلبه من الإلهام قد يكون خطأ فتحير لذلك كثيرا.
وعندما كشف أمره لبعض الذين يتوسم فيهم حسن الظن عرف أنهم ألهموا نفس ما ألهم به، وبناء على هذا لم يبق إلا أن يجهز جنازة الرجل ويغسلها ويكفنها على أحسن وجه وفق السنة بمساعدة أصحابه، ثم وصلوا على جنازته ودفنوها فى قبر هيئ فى مقبرة «المعلا» .
ولم ير كثرة المشيعين واختلاف أنواعهم فى أية جنازة من أعيان مكة كما حدث فى تشييع جنازة هذا الرجل.
وبشر الذين حملوا التابوت فى طريقهم إلى المعلا بهاتف يقول: «قد غفر لكم» .
وبناء على هذه الرواية فمن الأفضل للإنسان أن يظن خيرا بأهل مكة من أن يظن شرا ناظرا لأحوالهم وتصرفاتهم الظاهرة. ولم يقع هذ الحادث فى عهدى إلا أننى لا أتردد فى تصديقه، وقبل هذا تعرضت مكة المكرمة لمرض وبائى مفزع، وسواء أكان الحجاج أو أهالى مكة كانوا يموتون فجأة وهم سائرون فى الطريق. ومن كثرة الجثث أصبح الذهاب إلى المسجد الحرام غير ممكن، وفى الأيام التى اشتد فيها المرض قد استولى على أنا الفقير خوف وخشية شديدين؛ لذا قررت أن أؤدى الصلوات الخمسة فى بيتى؛ ولكننى لم أستطع أن أضحى
بصلاة الجماعة، فذهب إلى الحرم الشريف لصلاة العصر، وبعد أداء الصلاة خرجت من باب الصفا كالعادة واستطعت بصعوبة أن أصل إلى مراقى طاق الصفا، وقد رقد الناس على طرفى الطريق ولم يبق فى طريق المسعى مكانا لقدم من كثرة جثث الموتى المسلمين.
ولما رأيت كثرة الجثث وقد رقد زيد على عمرو فزعت بشدة، ولم أستطع أن أتقدم خطوة بعد طاق الصفا وظللت مستندا على مراقى الصفا وكأننى جماد بلا روح.
وبعد فترة صفع آذانى هاتف يقول: ألا تستحيى؟! ألا تؤمن بما جاء فى الآية الكريمة: {فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} (الأعراف:
34) وإنك عالم بقدر ما، قد قرأت عدة كتب تفسير، وطالعت كتب الأحاديث إن شجرة الإيمان قد مدت جذورها فى روضة قلبك، وإذا ما تخلصت من وهم الخوف الذى استولى عليك وداومت على قراءة سورة {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ} (قريش: 1) فلا تحترز من شئ، وإذا ما قلت هذ السر لأى واحد تنقذه مما تلقيه الأوهام عليه.
واه! إن هذا لعيب وإثم كبير أيضا! وكأننى كنت ميتا قبل أن أسمع هذا الصوت، وكأن الصوت قد نفخ فى روحا ووهب لجسمى المنتفض الحياة.
فلم يبق أى أثر لهذه الأفكار التى أصبت بها فنظرت حولى، فوجدت أن ليس هناك نفر يتنفس، فوقعت مرة أخرى فى براثن الأوهام فسبحت فى أمواج بحر الاضطراب.
وفى النهاية فهمت أن الصوت من التلقينات الإلهامية، وأخذت فى قراءة السورة المباركة التى سبق ذكرها، وأخذت الصور العجيبة والأشكال المخيفة التى ألقتها الأوهام فى نفسى تزول تدريجيا، ولما وجدت فى جسمى قوة كافية للتحرك، قمت واتجهت إلى بيتى وأنا أقرأ سورة (لِإِيلافِ) ولما وصلت إلى بيتى نبهت الجميع بلزوم قراءة السورة المذكورة والاستمرار فيها. ولما رأيت أن أوهام الخوف قد زالت عن أهلى أيضا أصبحت أوصى كل من أصادفه بقراءة سورة (لِإِيلافِ). ولم يبق فى جميع الذين استمروا فى قراءة هذه السورة آثار