الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقسم حكماء علماء الإسلام حكومة الملوك وسياستهم التى تكفل انتظام حياتهم الدنيوية وأحوالها إلى ثلاثة أقسام هى
الخلافة
، السياسة والطبيعية.
الخلافة:
إحدى أقسام الحكومات الثلاثة ويطلق عليها الإمامة أيضا حكومة الخلافة، وهى دولة عادلة وسلطنة فاضلة. ويقوم صاحب هذه الدولة بجعل أحكام الشريعة نصب عينيه فى جميع الأمور العامة والخاصة. وبما أنه يحكم ويتصرف فى عامة المصالح الدينية والدنيوية وفقا لقوانين الشرع والعدل فمدار الخلافة الأصلى هو حفظ قواعد الشريعة، وضبط سياسة الأمة قائما مقام صاحب الشريعة (عليه أفضل التحية)، وكائنا سلطانا ذو شوكة وقوة، وبناء على هذا سمى هذا النوع من الملك والحكومة:«الخلافة» .
2 -
يطلق على القسم الثانى من الحكومات الثلاث حكومة سياسة. لما كان هذا النوع من الحكومة سلطنة فالهيئة التى تشكل هذه الحكومة تتخذ إعمال الفكر والنظر دستورا لها، وتدبر دولتها بما ينظم عقلاؤها وحكماؤها من القوانين والنظم.
إن النظم والقوانين التى رتبت بناء على العقل البشرى القاصر والفكر الفاتر لا تستطيع أن تؤمن ما يحتاج إليه الأفراد من سبل المعاش، وتنظيم أمور المعاد كما يبين ذلك قول الله سبحانه وتعالى
{يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ} (الروم: 7)
فمثل هذه السلطنة التى تنشغل بالمنافع الدنيوية فقط ليست مقبولة لدى الشرعيين.
3 -
يسمى النوع الثالث من الحكومات حكومة طبيعية لا يأخذ المفسرون الساعون إلى تشكيل الحكومة التى يطلق عليها حكومة طبيعية فى الاعتبار
مقتضيات العقل والشرع، وإنما يقصرون حكمهم - مثال قطاع الطرق والبغاة الظلمة - على العنف وغصب الأموال وقتل النفوس والحركات غير المشروعة والتعديات الظالمة.
وبما أن هؤلاء قد سلموا زمام أمرهم وتدبيرهم للنفس الأمارة بالسوء، ولما كان بصرهم وبصيرتهم فى غاية الظلام من ناحية الخير، فهم لا يستهدون إلى الخير أبدا، ولا يسلمون أبدا من الخطأ والقتل وفقا لمدلول قول الله تعالى:
{وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ} (النور: 40)
وقد أنعم الله سبحانه وتعالى على البشر بالعقل والقدرة والرشد والبصيرة، وبين لهم فى الكتب المنزلة ما ينفعهم ويصلح من شأنهم، وما يخص معاشهم ومعادهم، وحذرهم من الانهماك فى الشرور والمفاسد، لأن جزاء الخير والشر يعود لفاعله، وانقراض دول ملوك الطوائف وبغاة المسلمين الذين لوثت أفعالهم المذمومة صفحات كتب التاريخ لدليل واضح على إثبات ذلك.
قد انقرضت تلك الدول بظهور سلاطين الدول الإسلامية الذين حكموا بالعدل، وكانت القوة والمتانة من أحلافهم، وبناء على هذا من واجب الأمة البحث عن إمام عادل تعيش تحت حكومته العادلة وسلطنته الفاضلة، وقد ثبت ذلك باتفاق آراء الصحابة العظام والتابعين الكرام واتفق على هذا علماء المسلمين الأعلام بإجماع الأمة، وحينما ارتحل النبى صلى الله عليه وسلم، عن دنيانا إلى مقر الراحة الأبدية أسرع الصحابة بمبايعة الصديق الأكبر.
ومازالت البيعة تجرى على هذا النهج إلى عصرنا هذا، ولم يترك أحد هذه السنة السليمة الغاية فى أى عصر من العصور مدعيا الانفراد والاستقلال برأيه، والإجماع القطعى سند قوى فى الدلالة على الأحكام الشرعية وصحتها، وبناءا
على هذا يكون قد ثبت وجوب انخراط المسلمين فى كل العصور فى سلك إدارة خليفة ثابت بأدلة قطعية لدى المسلمين.
وطاعة خليفة العصر والزمان واجبة شرعا، وكذا الخضوع لكل أوامره ونواهيه التى توافق القوانين العادلة التى اقتبست من مشكاة أنوار الشريعة الغراء. ومن المصلحة العامة إخراجها إلى حيز الوجود، كما يجب شرعا تنفيذ أوامر إمام المسلمين إذا كان ما طلب من الإنسان مباحا، وكان الخليفة يؤدى مهمة الخلافة وأفعالها وفقا للأحكام الشرعية ويطبقها فقد صرح له أن يستقل برأيه فى اتخاذ القرارات بناء على قول الله تعالى {فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ} (آل عمران: 159) وإن كان مأمورا باستشارة عقلاء قومه، فإن الذى يتولى مقام الخلافة الجليل ملهم من الله سبحانه وتعالى ومؤيد بأوامره ونواهيه، وبما أن السلاطين العثمانيين أعدل من ملوك الأسلاف فى إجراءاتهم الدينية وحركاتهم بأدلة شرعية متعددة، وإنهم أتم وأكمل منهم فى خدمة الدين ورعاية جانبه، وبما أن أساس سلطنتهم مبنى على قواعد الشرع الكريم؛ فكل أمر يصدر من مقام الخلافة الجليل وفى أى وقت فالخضوع له وتنفيذه قد وصل إلى درجة الوجوب، ويكفى لإيضاح هذه الحقيقة أن سكان الأراضى الحجازية السعيدة التى كانت مطلع أنوار الإيمان والدين، وهدف المسلمين وغايتهم يراجعون دار الخلافة السنية لإزالة شبهاتهم الدينية، وحل خلافاتهم، ويستدل على مراعاة السلاطين العثمانيين فى أعمالهم وأفعالهم الموافقة لتعاليم الدين العديد من الكتب التى تزين دور الكتب مصنفات الأسلاف القيمة، حتى أن رمزا من رموز العلوم الباقية وهو عثمان باشا الغازى كان قد كتب عدة كتب قبل أن يرفع علمه مغادرا الحياة، يظهر فيها عدالة سلاطين الدولة العثمانية، وكيفية استهلال حكمهم وكيف يستطيع رعاياهم أن يعيشوا قريرى العين، مرفهين آمنين تحت حمايتهم.