الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقتلت ما يقرب من عشرين ألفا من الأبرياء ونهبت أموالهم. ولما علم المكتفى بالله بهذا الحادث المفجع جهز فرقة عسكرية وساقها ضد الفرقة الحقيرة فتعقبت الفرقة البغدادية القرامطة، وأسرت كثيرين منهم مع قوادهم بعد ما قهرت ودمرت الباقى، ولما كان القائد
(1)
المأسور للفرقة الباغية جريحا مات متأثرا بجرحه بعد ستة أيام.
بعد ما مات صاحب الشام انتقلت قيادة جماعات القرامطة عامة إلى أبى سعيد بن بهرام الجنابى الذى بدوره جهز أفراد الجماعة الخبيثة، وجمعهم وأخذ ينشرهم كالجراد حول بادية الشام وفى الحروب التى كانت تقوم بينهم وبين الجنود الذين ترسلهم حكومة بغداد ينهزمون أحيانا وينتصرون أحيانا.
وتفرقوا إلى فرق صغيرة وتكاثروا، وأخذوا يقتلون الناس كلهم حيث تطأ أقدامهم. حتى إنهم فاجأوا قافلة من القوافل الحجازية بالهجوم وأعملوا سيوفهم فى أفرادها حتى قتلوا عشرين ألفا من المسلمين، ولم يبق نفر يتنفس.
وقد زاد بعد هذه الفاجعة صاحب الشام من غدره وظلمه حتى استطاع أن ينتزع بلدة القطيف من يد العباسيين بنباح كلاب الإلحاد والإباحة، ثم نهب البحرين ونواحيها وأخذ يتجرأ فى إهانة أهل الإيمان فى صورة مستهجنة.
واستولى على البصرة وملحقاتها وأصبح واليا على حشرات الشقوة التى دخلت فى دائرة الرفض والإلحاد، ووسع دائرة الإباحية والخيانة
(2)
.
الاستطراد
البحرين مدينة غاية فى المتانة والاستحكام وتقع فى غرب جزيرة البحرين التى تقع فى خليج البصرة فيما بين خطوط الطول 41 درجه و 5 دقائق شرقا، وخط العرض 26 درجة و 20 دقيقة شمالا، بطول 254 ميلا و 70 ميلا من الجهة
(1)
راجع فى أخبار القرامطة: تاريخ الطبرى 23/ 10 - 27، 64، 71، 75، 76 - 79، 82، 86، 94، 95 - 97، 99 - 155، 121 - 133.
(2)
المقصود به صاحب الشام.
الشرقية الشمالية لمكان يسمى لا شر، ويحدها شرقا بحر الفرس، وشمالا إقليم البصرة، وغربا نجد العارض، وجنوبا عمان وسكنتها من سلالة عبد قيس.
وبما أن الأنهار والعيون تكثر فى هذا الموقع تتزيّن أطراف أنهارها بأشجار الحنة والقطن والسوسن، وكل مكان يحفر فيه قدر ذراعين يخرج منه الماء، ومن يشرب ماءها تصفر ملابسه، وفى هذه البلاد فاكهة مختلفة ولا سيما البلح والأرز متوفران، والسكان يذهبون للتنزه فى الأيام الحارة للحدائق التى تبعد ما يقرب من ميل واحد. فى هذه البلاد رمال متحركة، والتى يطلق عليها بحار الرمال، وما يرى هناك اليوم جبال تراه فى يوم آخر أرضا منبسطة، وما كان اليوم معمورا تراه فى الغد خرابا.
والطريق الواسع الذى يبدأ من البحرين تطمسه الرمال فيستحيل السير فيه، لذا يذهب الناس ويأتون عن طريق البحر.
كان البرتغاليون قد استولوا على ممالك البحرين قديما والآن فى يد الشيخ «أبو شهر» ومع هذا فلا يطلق البحرين على الجزيرة فقط بل يطلق على الجزر الأخرى التى تحيطها، والتى يستخرج سكانها اللآلئ من البحر، وهناك إقليم يمتد إلى الغرب ويطلق عليه البحرين أيضا، وذلك لاتصال البحيرة التى بالقرب من الإحساء ببحر الفرس. انتهى.
بينما كان أبو سعيد يخرب القرى والبلاد لنشر مذهب الإلحاد ساق المقتدر بالله العباسى الذى كان خليفة فى تلك العهود عددا من الجنود بقيادة «عباس بن عمرو الغنوىّ» ليفرق جمع أبى سعيد. وانتصر أبو سعيد عليهم وأسرهم جميعا ثم قتلهم جميعا، وأبقى عباس حيا، وقال: يا عباس إننا القرامطة أناس نعيش فى الصحارى والفيافى ونقنع بالقليل لأنا لسنا طامعين فى الاستيلاء على البلاد، فإذا جمعت جميع جنودك وسقتهم على، أقسم بالله بأننى أنا المنتصر، إن جنودنا يتحملون المشاق ويعتقدون أن حياة الرفاهية حرام، قد تعود جنودكم على قضاء أوقاتهم فى راحة ورغد عيش والتّنعّم بما طاب من الطعام ولذ فى ظل الخليفة،
فإنهم لا يستطيعون القتال، فإذا ما خرج جنودكم فى الصحارى تاركين راحتهم يموتون مثل السمك الذى خرج من الماء.
والعساكر الكثيرة الذين سقتهم علينا مثل النمل قد أصابهم التعب والضعف منذ خروجهم من بغداد، وانهزامهم فى أول حرب أكبر دليل يؤيد رأيى، إذا ما أرسلتم جنودا أشجع ممن أرسلتم وأكثر مما سأجهزه أنا من العساكر فإننى أهرب من أمامهم بعد أن أتعبهم، كما أننى أتصدى لهم فى مضيق ضيق فأقطع خط رجوعهم، وأهزمهم وأولى بكم ألا تشغلوا أنفسكم بى، ولا تهلكوا جنودكم عبثا، وقد حقنت دمك حتى توصل هذه الأقوال بالتفصيل إلى الخليفة، دون أن تنقص منها كلمة ثم أطلق سراحه وخلّى سبيله.
وقد عاد عباس بن عمرو الغنوى إلى بغداد وهو فى شدة الحيرة من نجاته من يد أبى سعيد. ولما أبلغ عباس ما قاله أبو سعيد إلى المقتدر بالله بالتفصيل خاف الخليفة، واضطرب ولم يستطع أن يذكر اسم القرامطة بلسانه مدة طويلة.
ومع هذا استطاع أن ينقذ أهالى الكوفة من اعتناق مذهب القرامطة، إذ ظهرت جماعة من القرامطة وأخذوا فى إضلال الناس فى الكوفة، وبعث الخليفة بجنود من مركز الخلافة وقوة عسكرية قضت على هذه الجماعة.
وانتقل أبو سعيد فى سنة 301 هـ إلى دار البوار
(1)
بعد أن ارتكب كثيرا من الجرائم إلى تلك السنة تاركا ميدان الخباثة والشقاء إلى ابنه الكبير سعيد.
وتولى ابنه سعيد مكانه بعد وفاته، إلا أنه ما كان يشبه أباه فى إلحاق الأذى بالناس، فتولى تدبير الأمور ابنه الأصغر سليمان أبو طاهر، وكان ظلوما غشوما سفاحا، فاستولى على الإحساء والقطيف وسائر بلاد البحرين ونواحى هجر، وبعد أعوام عشرة أغار ليلا على مدينة البصرة، وأثناء مقامه فيها سبعة عشر يوما قتل كل من صادفه، وأعمل السلب والنهب فى الناس جميعا، وكان ذلك عام 311 هـ، وبعد عام من تلك الواقعة المؤلمة أغار على قافلة الحجاج ونهبها.
(1)
يقول الذين يروون كيفية هلاك هذا الرجل: كان أبو سعيد قد دخل الحمام فى خلال السنة المذكورة فضربه أحد خدمه الذى عانى من سوء معاملته على رأسه بفأس وقتله.
إن هذا الخادم بعد أن قتل هذا الخبيث قتل أربعة من رؤساء القرامطة ولما شاع هذا الخبر قتل هذا الخادم.
وكان يسلك الذكور والإناث فى السلاسل على نحو بشع مهين، وألحق الهزائم بمن تصدى له من الجند وكان ذلك عام 312 هـ، وبعد إغارة أبى طاهر على قافلة الحجاج هجم على معظم سواد الكوفة، وأعمل السيف فى الخلق فى ظرف ستة أيام، أقام فيها ونهب واغتصب كل ما وصلت إليه يداه فى سنة 313 هـ.
وعندما عرض الأمر على المقتدر بالله استصوب أن يوجه ضد أبى طاهر فرقة عظيمة من الجيش بقيادة يوسف بن أبى الساج. كان يوسف فى ذلك الوقت فى أذربيجان، وبمجرد ما أخذ أمر الخليفة توجه إلى الكوفة بجنوده الذين كانوا مهيئين. وكان قوام جيش ابن أبى الساج أربعين ألفا، أما جيش أبى طاهر فكان ألف وخمسمائة جندى منهم سبعمائة فارس.
ودخل يوسف بن أبى الساج المغرور بكثرة عساكره، وحاصر القرامطة فى موضع حصين ووجه سفيرا برسالة إلى أبى طاهر ليحدثه عن كثرة جيشه، ويوصيه فيها بالدخول فى طاعة الخليفة. فقال أبو طاهر لأحد أتباعه اقتل نفسك بسلاحك من أجلى، وبعد أن افتدى هذا الكلب «أبا طاهر» بالروح، قال للرسول لقد رأيت بعينيك كيف يطيعون أوامرى!! قل ليوسف أن يستعد، وبإذن الله سأقبض عليه غدا وأربطه مع الكلب فى حبل واحد، وأشار إلى الكلب الذى كان مربوطا بوتد خيمة.
وصرف الرسول وفى غد ذلك اليوم استطاع أن يقبض على يوسف بن أبى الساج مع أتباعه، وربطهم فى سلسلة ضخمة، وربط يوسف بجانب الكلب الذى أراه للرسول.
بعد أن كسب أبو طاهر هذه المعركة بهذا الشكل عبر نهر الفرات بثلاثمائة قرمطى، واستولى على بلدة الأنبار
(1)
التى تقع فى الجهة الغربية من بغداد دار
(1)
الأنبار مدينة صغيرة فى الجهة الغربية من نهر الفرات، وكانت قديما مدينة عظيمة وبانيها بختنصر، ويقال إن أهل الحيرة نقلوا إليها، فى العام الثانى عشر للهجرة، وفتحها خالد بن الوليد - رضى الله عنه - فى خلافة الصديق - عليه رضوان الله - وفى عام مائة واثنين وثلاثين نقل أبو العباس السفاح أول خلفاء بنى العباس إدارة الدولة من الحيرة إليها، إلا أن المنصور اتخذ الهاشمية ثم بغداد عاصمة للدولة.