الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والواجب فى هذه المسألة أن يستقبل الإنسان بعض جهات البيت الأعظم لذا أجاز أئمة المذهب الحنفى أداء الفرائض أو النوافل، وبناءا على هذا يجوز أن يصلى فوق كعبة الله أيضا، إلا أنه مكروه لأنه إخلال بتعظيم البيت، حتى إن فوق الكعبة المكان السادس من الأماكن التى كره فيها النبى صلى الله عليه وسلم، الصلاة كما جاء فى هذه الأبيات.
نهى الرسول أحمد خير البشر
…
عن الصلاة فى بقاع تعتبر
معاطن الجمال (1) ثم المقبرة (2)
…
مزبلة (3) طريقهم (4) ومجزره (5)
وفوق بيت الله (6) والحمام (7)
…
والحمد لله على التمام
الأثر الثامن: قرب بئر زمزم
هذا المكان بين مبانى بئر زمزم وشبكة مقام إبراهيم، ويمكن للإنسان أن يجد فيه مكانا يدعو فيه متى شاء.
إن عمق بئر زمزم 134 قدم و 3 بوصات، وقطر فتحتها العليا ثمانية أقدام وبوصتان ويبعد من الجدار الذى على فتحته ناحية جدار الكعبة المعظمة 47 قدم و 9 بوصات، ومقام إبراهيم 21 قدم و 9 بوصات.
وقد أعطى النبى صلى الله عليه وسلم شرف سقاية زمزم إلى عمه عباس بن عبد المطلب، وكانت السقاية تنتقل إلى أبناء وأحفاد بنى عباس، ولما فضل بنو عباس عدم الإقامة فى مكة كانوا يقومون بهذه الخدمة بتوكيل أحد مشايخ بنى الزبير، وحينما انتقلت الخلافة إلى بنى العباس أديت خدمة السقاية فترة طويلة بالوكالة،
وذهب فيما بعد أحد مشايخ بنى الزبير ورجا أن تجعل خدمة السقاية فيهم بالأصالة، ولما حصل على الإذن بذلك أصبحت السلالة التى تنتهى إلى عبد الله بن الزبير تقوم بخدمة السقاية الكريمة.
وقد أديرت خدمة السقاية عدة عصور كما شرحنا من قبل إلا أنه مع كثرة الحجاج وزيادة السكان أصبح حصر هذه الخدمة كما كان فى عهد بنى عباس، أو فى عهد شيخ زمزم من أبناء وأولاد الزبير بن العوام، فى شخص واحد غير ممكن لإرواء الحجاج والأهالى، ولذلك اتخذ من قبل شيخ السقاية فى كل ركن من أركان الحرم الشريف سقاء لإرواء الموجودين، ولكن بعد عصر من الزمن رئى أن هذا النظام أيضا لا يكفى لإرواء آلاف الحجاج والأهالى، فزيد من عدد السقائين. حتى لا يتعرض الحجاج المسلمون لبلوى العطش، وحتى يجد بعض الفقراء وسيلة لكسب مصادر الرزق، فقد عين لحجاج كل ولاية من الولايات الإسلامية سقاء، وجعل هؤلاء السقاءون تحت رياسة الشخص الذى تعهد بالقيام بمهمة السقاية من المشايخ الزبيرية، والآن كل بلد إسلامى له سقاء معروف، وكل واحد من هؤلاء مكلف بحسن معاملة الحجاج الذين يتبعون له. كما أن حجاج ذلك البلد يلجأون إلى السقاء الذى عيّن لهم فى أمور السقاية، وهكذا استراح الحجاج من مشكلة السقاية، كما أن كثيرا من أهل مكة وجدوا مصادر رزق فعاشوا فى رفاهية.
ولكل سقاء الآن فى كل سنة خمسة أو عشرة وأحيانا عشرون وثلاثون أو أكثر من الحجاج، يأتون إلى مكة ويذهبون. ولما كان كل سقاء يقوم بإقامة وليمة حسب حاله مرة لحجاجه الجدد لأجل ذلك يطيب الحجاج خواطر السقائين بإعطائهم بعض النقود عند وصولهم إلى مكة، وعند حلول عيد الأضحى، كما أن كل حاج يحاول أن يرضى سقاءه عند عودته إلى بلاده، كما أنهم يساهمون فى تسهيل معيشة أسرة السقاء بإعطائه بعض النقود كل أسبوع.
ويؤوى السقاءون حجاجهم فى وكالات جيدة ويحرصون على خدمة مرضاهم، ويأخذون سجاجيد صلواتهم ويفرشونها فى الأماكن التى يود الحجاج أداء صلواتهم الخمس فيها، قبل حلول وقتها.
ويجد كل حاج قبل صلاته سجادته التى فرشت له، وبهذا يؤدى صلواته الخمس فى هدوء وراحة، ولذا يجب على الحاج أن يقابل خدمات سقائه بإعطائه بعض النقود، كما سبق أن ذكرناه، كما أن على السقائين أن يراعوا حجاجهم ويحسنوا معاملتهم ويعدون العدد الكافى من الناس حتى يقوموا بمهمتهم على أحسن حال.
فهم علاوة على فرش سجاجيد الصلاة فى الأماكن التى تعود الحاج أداء صلاته فيها حين حلول وقت الصلاة، يقدمون لحجاجهم عقب أداء فرائض الصلاة طاسا من ماء زمزم البارد، كما أنهم يحضرون الماء لحجرات الحجاج كل صباح من ماء زمزم.
إن شرب زمزم فى داخل الحرم الشريف ليس حكرا على المواقع التى يوجد بها السقاءون، لأن هناك فى شرق المسجد الحرام وغربه سبل يستطيع الحجاج العطشى أن يزيلوا ظمأهم بالشرب من هذه السبل، وإذا أرادوا أن يشربوا يستطيعوا أيضا بالشرب من الدلاء التى فى داخل مبانى بئر زمزم.
وبما أن ما يعطيه الحجاج لسقائيهم من النقود لا تقابل ما يدفعه السقاءون سواء أكان لضيافة الحجاج أو للخدمة الذين يستخدمونهم إلا أن الحجاج الذين أسقطوا عن كواهلهم فريضة الحجاج يرسلون فى كل سنة من بلادهم رسالة ومعها جرة معينة يستطيع السقاءون أن يتعيشوا بها فى غير مواسم الحج.
ويخجل السقاءون حجاجهم بأن يقدموا لهم فى الأيام الحارة مياه زمزم مبردة والسبب فى تبريد المياه هم الحجاج الذين تعودوا أن يرسلوا الرسائل للسقائين.
لأن الحجاج يكتبون أسماءهم أو أسماء أصدقائهم وهم فى مكة على أوانى
الماء التى يطلق عليها الزورق بحبر لا يمحى ويتركونها لسقائيهم. وعندما تصل الرسائل التى اعتاد إرسالها أصحاب الزوارق يملئون هذه الزوارق بماء زمزم ويصفونها على الساحة الرملية فى الحرم الشريف، ويغطونها بالحصر فيبرد الماء فى داخلها غاية البرودة وعندما تحل أوقات الصلاة يوزعون الزوارق على الحجاج الكرام.
إن خدمة السقاية المباركة تدار الآن بالطريقة التى ذكرت، يعنى يملئون زوارقهم بماء زمزم، ويأخذون بعضها إلى غرف الحجاج كما يبردون كثيرا من الزوارق فى الحرم لسقى الحجاج، ولما كانت سقاية الحجاج إلى الآن فى أيدى المشايخ الزبيريين فأبنية بئر زمزم وأبوابها تفتح من قبل واحد منهم كما أن أحدهم يطلق عليه اسم شيخ زمزم ورئيسه. ولما كان الإشراف على المؤذنين ورئاستهم فى يد المؤذن الشافعى فشيخ زمزم هو الذى يتولى هذا الأمر، ولما كان أول من يبدأ بأداء صلوات الفجر أئمة المذهب الشافعى فشيخ بئر زمزم يغلق باب بئر زمزم كل ليلة، ويفتحه كل صباح فى الوقت الذى اعتاد فتحه، وبهذا يعلن لسقاة الحرم الشريف أن الوقت قد حان للحصول على ماء زمزم، والشيخ الذى يتولى مهمة السقاية يأخذ من بئر زمزم عدة أوان من الماء قبل أن يفتحه للآخرين لشربه، أو لتقديمه لأصحابه، ولما كان هذا الماء زبدة ماء زمزم فطعمه لذيذ جدا ولونه لامع وصاف ولا يشبه ماء زمزم الذى يأخذه السقاة، وليكن فى علم الشاربين أن ماء زمزم كفاية عن خلاصة قطرة واحدة لماء عين تسنيم، وماء الكوثر، ماء الحياة الذى هو زبدة خالصة ومن هنا يستحق أن يطلق عليه الزبدة.
ولما كان الشراب من زبدة ماء زمزم يفيد فى تصفية الدم ولإدامة صحة الإنسان عامة فمن يريد أن يشرب من هذا الماء يجب عليه أن يحل عند شيخ زمزم.
شيخ زمزم فى عصرنا هذا هو الشيخ عبد الله
(1)
بن على بن محمد بن عبد
(1)
ساق المؤلف نسبا طويلا للشيخ عبد الله هذا ينتهى به إلى سيدنا عبد الله بن الزبير (رضى الله عنه) إلا أن البادى عليه شدة الاضطراب فاختصرنا العبارة كما هنا.