الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولما كان الحل الثانى غير قابل للتنفيذ بل مستحيلا كان عليهم أن يبتلوا بالفراق عن الوطن وأن يتفرقوا فى بلاد شتى وأن يحترقوا بنار فراق كعبة الله ثم يفنوا.
وجلب ماء عرفات إلى الحرم الشريف رد الحياة لأهل مكة وذريتهم فبقوا فى موطنهم القديم، والآن ما من أحد فى مكة إلا وقلبه يمتلئ غبطة ومسرّة ولسانه يلهج داعيا بالبقاء للدولة العثمانية.
فيما يلى من كلامنا وصف لماء عرفات من حيث صفائه وعذوبته ومدى حاجة أهل مكة لهذا الماء، وهذا ما جعل هذا الأمر موضع بر الأميرة مهرماه وإحسانها بين المحسنين.
مقال
إن ماء عرفات ماء جار كأنه ماء الكوثر وعين الحياة وماء تسنيم، ويجرى بالقرب من موقف عرفات ويبحث عن حرم مكة العطشانة ليمسح وجهها ويطفى ظمأ أهل مكة المشتاقين بمائه الزلال.
أبيات
إن رغبة أهل هذا البلد إلى الماء الجارى لأمر عجب ما أن يشاهده الظمآن منهم إلا وجرى ريقه.
فأجرت الأميرة (مهرماه).
بنت سلطان العالم السلطان سليمان خان .. صاحبة الخيرات هذه العين إلى داخل المدينة .. منفقة الأموال الطائلة.
وهكذا سقت المسلمين العطشى.
والحق أن ما قامت به من همة عظيمة.
ليغار عليها خلفاء سكان المغرب ودار السلام.
وحكام اليمن وسلاطين مصر والشام
وفى نار الحيرة يحترقون ..
ولقد أسدت خدمة عظيمة.
تجعل ملوك الربع المسكون ..
من العالم وملوك سوالف القرون ..
من رغبتهم فى لجة يغرقون واستهل العمل فى سنة 970
(1)
.
ومع الاستعانة بالمهندسين المعامرين الذين يتمتعون بذهن ثاقب وذكاء خارق الذين حطموا الصخور الصماء بهمة كأنها فأس فرهاد.
وأنهوا العمل فى تسعة أعوام
(2)
وأنفقوا النقود كالماء السائل حتى ظهر ذلك الجدول الجميل وكأنه فضة مذابة.
شكر الله سعى مجريها.
انتهى «ذيل الشقائق النعمانية» .
وبما أن عين زبيدة احتاجت للتعمير والتطهير مرة أخرى فى عهد السلطان مصطفى بن السلطان أحمد سنة (1181) بإشعار من إمارة مكة المكرمة فأرسل من قبل السلطنة السنية موظف يسمى فيض الله أفندى الذى طهر العين كما ينبغى، عمر وسوى الأماكن التى تحتاج للتعمير، وأنفق فى سبيل ذلك (886،000) قرش وأتم العمل فى ظرف ثلاث سنوات فى سنة (1184).
(1)
بناء على القول الثالث.
(2)
بناء على القول الثانى.
إلا أنه فى تلك المدة لم يكلف بإصلاح مجرى عين زبيدة فقط بل شمل التعمير والإصلاح مجارى عين عرفات والعيون الأخرى، كما أصلحت مجارى جميع العيون الواقعة بين عين حنين وعرفات، وهكذا زادت المياه فى جميع المجارى.
ودام هذا التعمير أربعا وخمسين سنة، وفى خلال هذه المدة لم يكابد أهل مكة من نقص المياه، ولكن فى عام (1235) مست الحاجة إلى تعمير بعض العيون لما كان السلطان محمود خان أصدر الأمر إلى والى مصر محمد باشا بأن يبادر بإصلاح أى مكان فى الحرم الشريف دون استئذان منه، فأصلح الباشا المذكور مجارى المياه التى تحتاج إلى إصلاح وأحيا عين زبيدة من جديد، وأبلغ الأمر إلى باب السعادة سنة (1235).
وبعد تعمير محمد على باشا قد انضمت إلى مجرى عين زبيدة مياه عين أخرى يقال لها زعفران، ولهذا زادت مياه عين زبيدة وكان ذلك بهمة زائر هندى كريم من أصحاب البر والإحسان يقال له «الماس أغا» وشرع هذا الرجل فى حفر بئر بالقرب من مجرى عين زبيدة، وعمق البئر حتى يزيد من مياهه بينما هو يعمق هذا البئر ظهر مجرى ماء تحت التراب، فسماه عين الزعفران وأجراها إلى مجرى عين زبيدة، فوحد بين الماء وبين ذلك البئر سنة (1263).
وأهمل ما رممه وجدده محمد على باشا والى مصر تحت رعاية السلطان محمود خان، وفى غضون خمسة وثلاثين عاما وتهدمت عدة مواقع مما جدد ورمم، وظهرت مشكلة ندرة المياه فى مواسم الحج، ولم يبلغ
(1)
الأمر إلى السلطان ومقام الخلافة الإسلامية، فبدأ أهالى الحرمين يتوجسون خيفة من انقطاع ماء عين زبيدة كلية؛ إلا أن أحد الزوار الهنود من قبيلة ميمن وهو «الشيخ عبد الرحمن سراج» طهر وعمر ذلك المجرى مستخدما مائتى نفر يوميا فى ظرف شهرين، وهكذا نفث عن الناس كربتهم وذلك عام (1295).
(1)
لأن خزينة وزارة الأوقاف السلطانية كانت تصرف كل سنة مقدارا غير قليل من النقود.