الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قرر اتخاذ الكسا من نسيج مصنوع من قماش أسود، والآن تصنع من قماش أسود.
نكتة
حينما بدل لون الكسوة الشريفة إلى الأسود سر الكل من هذا التغيير وفق ما فهمه، وكان سببا فى كثير من القيل والقال وحمل الفاضل القسطلانى هذا التغيير إلى نكتة وقال «إن البيت المعظم حينما رأى قلة زواره لبس ملابس الحزن» انتهى.
وفعلا إن نكتة الفاضل القسطلانى تطابق الواقع. إلا أن غرض الناصر لدين الله العباسى لم يكن الإيماء إلى تلك النكتة، بل كان يريد أن يعلم الناس شعار العباسيين القديم. لأنه عندما أفل نجم الدولة الأموية وتلألأ بدر الدولة العباسية أعلن العباسيون شروق شمس دولتهم بالرايات السوداء، حتى أنهم اتخذوا استعمال جبة سوداء وعمامة سوداء أيضا عادة لهم.
وسبب هذا عندما مات إبراهيم بن محمد فى سجن مروان لبس المحزونون عليه ملابس المأتم السوداء، لأنه عندما ثار أبو مسلم الخراسانى بكل عنف طالبا من الناس البيعة لإبراهيم بن محمد، قبض مروان على «إبراهيم وسجنه، وعندما علم الخراسانى أنه لا خلاص لإبراهيم من بئر مروان، أخذ يدعو الناس ليبايعوا السفاح بن محمد، وفى ذاك الوقت خنق مروان الحمار محمد بن إبراهيم ورمى جثته، وعندئذ لبس المبايعون للسفاح ومحبو العباس بن عبد المطلب الملابس السوداء إظهارا لحزنهم، وأخذوا يدعون الناس لأخذ الثأر رافعين الرايات السوداء.
وبناء على ما سبق ذكره أصبح لبس الجبة السوداء والعمامة السوداء من شعار الخلفاء العباسيين إلى عهد المأمون بن هارون. لأن المأمون أراد أن يظهر حبه لآل الرسول فبايع الإمام على الرضا، وزوجه ابنته، واتخذه وليا للعهد، وخلع الملابس السوداء شعار العباسيين، ولبس جبة خضراء، وأعلن بذلك أنه يجب
على الأشراف والسادة وعظماء العباسيين والجعافرة وسائر فرق المسلمين لبس الملابس الخضراء؛ إذا أرادوا أن يمتازوا على الآخرين.
عندما اختص المأمون السادات الكرام بلبس جبة خضراء وعمامة خضراء أيضا كان المسلمون مختلفين فى حرمة لبس العباسيين الملابس السوداء وسائر المسلمين الملابس البيضاء، واليهود الملابس الصفراء كما يخبرنا به «ابن حجر» فى كتابه الصواعق .. ، ولذلك اختار المأمون من أجل السادة الكرام اللون الأخضر، ولما بقيت الخلافة فى بنى العباس استمر أشراف العلويين فى لبس ملابس خضراء.
إن اعتمام الأشراف منهم بعمامة خضراء عادة بقيت من أيام المأمون، وللأسف الشديد توفى الإمام بعد فترة قصيرة فلبس المأمون جبة سوداء حزنا عليه.
ويتفق أكثر الرواة على أن المأمون حينما لبس الجبة الخضراء كان فى خراسان، عندما مات الإمام رجع إلى بغداد مرتديا الملابس الخضراء التى اختارها، ولكنه لبس الملابس السوداء بعد عودته إلى بغداد بثمانية أيام وذلك بعد إلحاح عليه من بعض وزرائه.
ويذهب ابن خلكان إلى أن المأمون قد أمر المسلمين بعدم ارتداء الملابس السوداء، وشاع فى هذه الفترة أنه ينفر من لبس الملابس السوداء شعار العباسيين.
ولكنه فى النهاية لبس الملابس السوداء نتيجة وفاة أحد أقاربه وأصدقائه وذلك فى سنة 204 هـ.
وادعى فريق من المؤرخين أن اعتمام المأمون بالعمامة الخضراء لم يكن ناشئا من حبه لآل وأبناء الرسول، بل نشأ من حرصه على ألا يقع زمام السلطنة فى أيدى العلويين، وأيدوا ادعاءهم قائلين: «قام العلويون فى عهد المأمون يطلبون الخلافة متفقين، فأراد المأمون أن يصلح ما بين العباسيين والعلويين، وأراد بذلك أن يتنازل العلويون عن مطالبهم، وبعث بأخى والدته رجاء بن الضحاك إلى المدينة المنورة لدعوة الإمام على الرضا بن موسى الكاظم إلى بغداد وعندما وصل إلى بغداد جمع جميع العباسيين والعلويين فى مجلسه، وخاطبهم قائلا: «يا أيها المسلمون: لأننى لم أجد بين آل عباس وآل الإمام على من هو أولى بولاية العهد من الإمام على ولذلك عينته وليا للعهد، ثم كتب حجة فى صحيفة وقدمها إلى
الإمام على، ثم زوج ابنته أم الفضل من محمد تقى ابن الإمام، وخلع الجبة السوداء الخاصة بالعباسيين ولبس جبة خضراء جاعلا لبسها خاصّا بالسادة الكرام، ثم ألبس الإمام عليا جبة خضراء وأمر جميع السادات بلبس ملابس خضراء.
وهذا ما وقع موقع الرضا والقبول من أهل الإيمان فلهج بمدحه والثناء عليه كل لسان، ولكن فرقة «ذيلة» من رؤساء القبائل التابعة للعباسيين، أرادوا أن يسقطوا المأمون من عرش الخلافة، وأطمعوا عمه إبراهيم فى الخلافة؛ وهذا الخبر المفزع أقلق المأمون الذى كان فى ذلك الوقت فى خراسان، فعاد إلى بغداد بينما سافر الإمام علي إلى طوس.
حينما دخل المأمون بغداد كان يرتدى جبة خضراء، وإن كان الناس جددوا البيعة له إلا أنهم لم يعجبوا بعمامته وجبته، فخلع جبته وعمامته الخضراوين بإيعاز من أهله وأصدقائه، ولبس الملابس السوداء وأعلن أن يستمر العلويون فى ارتداء الملابس الخضراء.
ومما لم يغب عن أذهان أهل الدقة والفكر أن ما ذهب إليه ذلك الفريق من المؤرخين مخطئون فى ادعاءاتهم؛ لأن محبة المأمون لأهل البيت ثابتة بأقوال هؤلاء المؤرخين أنفسهم. وبما أن المأمون قد وضع نظام ارتداء العلويين العمامة الخضراء، فقد اعتاد العلويون أن يعتموا بالعمائم الخضراء. وقد تركت تلك العادة فيما بعد، وهكذا أصبح أبناء الرسول لا يتميزون عن الآخرين.
إلا أن الملك الأشرف «شعبان» بن حسن من الملوك الشراكسة فى مصر أظهر حبه وحرمته لآل البيت إذ جدد عادة الاعتمام بالعمامة الخضراء ولبس الجبة الخضراء القديمة
(1)
وذلك فى ستة 772 هـ.
عندما قرر اعتمام أولاد النبى بعمائم خضراء أنشد أبو عبد الله الأندلسى
(2)
من شعراء الزمان العظماء القطعة الآتية:
(1)
يصدق الإمام السيوطي على هذا القول.
(2)
إن هذا الشخص كان أعمى.