الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ} (آخر البقرة)، ونسأل الله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه والباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، وما توفيقى إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
نمقه الفقير خالد بن أحمد بن محمد بن عبد الله المالكى الجعفرى.
السؤال الذى طرحه رضوان أغا:
السؤال:
ما يقول السادة العلماء، أساتذة الملة والدين، وقمع الله تعالى بوجودهم المفسدين وقطع بسيوف أنظارهم السديدة دابر كل مبتدع وكل ملحد مهين، فى التجنى على بيت الله الحرام - زاده الله تشريفا وتكريما ومهابة وتعظيما - وهتك حرمته بإدخال اللوز والزّبيب ونحوها وأكلها فى جوفه وكذلك إدخال الفرش والبسط مع جماعة وفرش تلك البسط للجماعة فيه وإدخال مجامر البخور وإدارتها بين الجماعة فيه كل ذلك لتدريس كتاب البخارى وإلقائه على الجماعة المذكورين على هيئة تدريسه الكائن فى المدارس وغيرها كل ذلك فى جوف البيت العتيق والكعبة الشريفة المعظمة لا زالت مبجلة محترمة. ما حكم هذا التدريس المذكور بهذا الأسلوب المسطور فى جوف هذا البيت العتيق مهبط الرحمة والنور؟ أفتونا مأجورين أثابكم الله الجنة بمنه وكرمه.
الجواب الذى أعطى ردا على السؤال المذكور:
الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله: غير خاف على ذوى العقول السليمة والأفهام المستقيمة أن السعادة العظمى والكمال الأسنى الأسمى، فى الاتباع لما فعله النبى صلى الله عليه وسلم والاقتداء بما سلكه الأصحاب الكرام أو من جاء بعدهم من التابعين والعلماء الأعلام، ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد ممن جاء بعده إلى هذا الزمن، أنه درس شيئا من العلوم وأبدى شيئا من المواعظ وعقد مجلسا لذكر الله فى وسط الكعبة الشريفة مع احتياج الناس إذ ذاك إلى التعلم، والالتفات إلى أفعاله صلى الله عليه وسلم والاقتداء، بها ولو كان فعل شئ من ذلك فى
وسط الكعبة مطلوبا ما تركه عليه الصلاة والسلام، بل المنقول عنه صلى الله عليه وسلم وعن من بعده إنما هو مزيد التواضع والخشية والافتقار والصلاة والدعاء والاستغفار عند دخوله فيها، ولذلك حذر علماءنا - رضى الله عنهم - من الزيادة على صلاة ركعتين فيها إذا كان خشوعا وخضوعا متوفرا، وإلا فالأولى أسرع الخروج منها. وقالوا ليس من الأدب أن يرفع الداخل بصره إلى سقفها لقول عائشة - رضى الله عنها - كما رواه البيهقى:«عجبا لمن دخل الكعبة كيف يفعل - أى يرفع بصره - ليدعه إجلالا لله وإعظاما، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة ما خلف بصره موضع سجوده حتى خرج منها»
(1)
.
وقال الإمام أبو على الزعفرانى من أعظم أئمتنا: من أحب دخوله إلى البيت فليدخل بصدق إخلاص محبته لله تعالى وتعظيما له بالخشوع والاستكانة والخضوع خائفا راغبا راهبا ذاكرا مستغفرا داعيا متضرّعا إذا علمت ذلك وأن المعروف من حال النبى صلى الله عليه وسلم وأحوال من بعده عند الدخول فيها ما ذكر، ونظرت فى قول النبى صلى الله عليه وسلم «من أحدث - أى ابتدع أىّ شئ واخترعه من قبل نفسه - فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو
(2)
رد» أى مردود على فاعله لبطلانه وعدم الاعتداد به.
وقوله عليه الصلاة والسلام: «عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين من المهتدين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم والمحدثات فإن كل محدثة بدعة»
(3)
، وقول إمامنا الشافعى - رضى الله عنه -: من أحدث وخالف كتابا أو سنة أو إجماعا أو أثرا فهو البدعة المذمومة، وفعل هذا الشخص المذكور لما ذكر على الوجه المذكور بدعة قبيحة شنيعة وتجرؤ منه على بيت الله - تعالى - لما فيه من هتك حرمته
(1)
أخرجه الحاكم فى المستدرك على الصحيحين، وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. أنظر: إعلام الساجد ص 105.
(2)
مسند أحمد 240/ 6، 270. وغيرهما.
(3)
طرف من حديث رواه الترمذى وأبو داود، أنظر: حياة الصحابة 5/ 1. سنن أبى داود 200/ 4 - 201، مسند الإمام أحمد 126/ 4 - 127. وغيرها.
وإساءة الأدب مع الله - تعالى - والإخلال بتعظيمه وإجلاله. إذ المراد من تعظيم الكعبة تعظيم من هى منسوبة إليه والإخلال بحرمتها إخلال بحق الله سبحانه وتعالى وهذا من أقبح الأفعال ويستحق فاعل ما ذكر التأديب وعظيم النكال اللائق به وبما ارتكبه من إدخال ما ذكر بيت الله وجلوسه فيه مجلس تدريس غير مطلوب، ولا نقل عن أحد ممن سبقه وإنما الحامل له عليه مجرد الشهوة والإرادة والإشاعة.
وقد صرح علماؤنا بأن المراد بالمحدث الذى هو بدعة وضلالة ما ليس له أصل فى الشرع وإنما الحامل عليه مجرد التشهى والإرادة، وبيت الله تعالى يجب تنزيهه عن أن يفعل فيه شئ مما ذكر لما فيه من الإشعار بالاستحقار بحقه وعدم الاعتناء بشأنه والقيام بحرمته. وهذا خرق عظيم ووبال على فاعله وخيم ويترتب على السكوت على هذه الداهية العظمى - إن لم يزجر فاعلها - امتداد رقاب غيره إلى فعل ما فعله ليكون له شهرة بذلك فيصير بيت الله - الذى عظمه النبى صلى الله عليه وسلم بدخوله فيه بغاية التواضع ملعبة إن مكّن طالب ذلك منه. وإضافة لذلك فدرء المفاسد أولى من جلب المصالح - على تقدير وجودها - فكيف وهذا الفعل على الوجه المذكور ليس إلا هتكا لحرمة بيت الله الذى إجلاله من إجلاله.
ومما دل على ما ذكرناه من كون فعل هذا الشخص بدعة شنيعة، إنكار ابن مسعود - رضى الله عنه - على الجماعة الذين اجتمعوا فى المسجد يدعون اجتماعهم على هذه الهيئة المخصوصة التى لم يفعلها النبى صلى الله عليه وسلم والإنكار من هذا الصحابى العظيم على من ذكر لاجتماعهم على هذه الهيئة، إشارة بأنهم مفتحو باب الضلالة فلا مراء أن من فعل هذا فهو من أشنع البدع وأكرهها وأقبحها والإنكار عليه من الأمر اللازم لينزجر هو وأمثاله عن العود إلى مثل هذا الفعل الغير اللائق بحرمة بيت الله تعالى، وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم لا يشك من له أدنى مكنة فى العلم أنه أفضل ما يقرأ لكن لما كان المقصود من دخول الكعبة الشريفة الصلاة والدعاء والاستغفار كما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كان المنع
من القراءة فيها من اللازم لإحداث أمر لم يكن مطلوبا فيها، ولم يترتب على ذلك ما ذكرناه وقد صرح العلماء بأن كل عبادة خصت بمحل لا يفعل غيرها بذلك المحل، ولذلك قالوا: إن قراءة القرآن بالطواف خلاف الأولى لاختصاص الطواف بأذكار تقال فيه فمنعهم من اشتغال الطائفة بقراءة القرآن الذى هو أعظم من غيره يدل على منع المشتغل بقراءة الحديث فى جوف الكعبة لاختصاصها لما ذكرناه، فكيف بقراءته على الوجه المذكور المشعر بغاية الاستحقار والإخلال لعظمتها وحرمتها، أعاذنا الله من ارتكاب ما لا يليق بجلالة بيت الله وحرمته ومن تعدى حدوده وانتهاك حرمته ووفقنا لما يحبه ويرضاه بمنه وكرمه.
حرره الفقير عبد العزيز بن محمد الزمزمى الشافعى.
***