الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويلزم بناء على هذه الرواية أن يكون مقدم طائفة اليهود إلى المدينة المنورة منذ زمن بعيد وقال: «بينما كانت المدينة المنورة واديا خاليا من آثار العمارة قدم إليها (تبع) من ملوك اليمن.
وكان ملكا ذا شأن، قدم إليها مع حاشيته وجنوده وطلب منه العلماء اليهود الذين كانوا معه أن يسمح لهم بالإقامة فى هذا المكان، واستغرب تبع من طلب اليهود الذين يتسمون بالفطنة فى رغبتهم فى الإقامة فى هذا المكان الموحش، واستوضح منهم غرضهم من هذه الإقامة، فقالوا له: قد استنبطنا من آيات التوراة أن هذا المكان سيكون مهجرا لنبى عالى المنزلة، هو نبى آخر الزمان، ومن الواضح والمؤكد أننا لن ندرك زمن ظهور هذا النبى، إلا أننا أردنا أن نوصى أحفادنا الذين سيدركون هذا النبى باعتناق ذلك الدين الحنيف، وأن يفدوا بأرواحهم فى سبيل الدفاع عن هذا الدين».
وقد تأثر الملك من هذا الرد العجيب، وعرف صفات باعث إيجاد الماء والطين «عليه سلام الله المعين» بالسؤال والبحث، فسمح لأربعمائة من العلماء بالبقاء فى هذا المكان، وبما بزغ فى قلبه من حب النبى صلى الله عليه وسلم أمر ببناء منزل فخم يعادل «الخورنق» لكل واحد منهم كما أمر بإعطاء جارية لا مثيل لها لكل واحد منهم.
وأنشد تبع الأبيات الآتية وسلمها لأفضل هؤلاء العلماء اليهود وأكثرهم تبحرا فى العلم، والذى كان مع الملك المشار إليه ورغب فى البقاء فى أرض يثرب من شدة إخلاصه لسلطان الأنبياء «عليه أذكى التحايا» .
شهدت على أحمد أنه
…
رسول من الله بارى النسم
فلو مد عمرى إلى عمره
…
لكنت له وزيرا وابن عم
وأودع هذه الأبيات بعد أن كتبها فى لوحة مزينة إلى ذلك الفاضل السالف الذكر، وألقى خطبة يبين فيها إيمانه بما جاء به صلى الله عليه وسلم قبل بعثة بسبعمائة سنة.
صورة خطبة الملك تبع
«يا أيها الفاضل فريد عصره إن هذه الدار العظيمة التى هيأتها لمحمد صلى الله عليه وسلم ذات
صفات عالية، فلتسكن أنت وأولادك وأحفادك فى هذه الدار، وأى واحد من نسلك يدرك البعثة النبوية ليقدم هذه اللوحة التى تركتها أمانة فى يدك إلى النبى اللامع النور، وليعرض عليه إخلاصى وصدق إيمانى به راجيا منه أن يقبلنى أنا - أضعف العباد - ضمن أمته».
وبناء على رواية ابن إسحاق فإن اللوحة المذكورة وصلت إلى يد خالد بن زيد «رضى الله عنه» ، من نسل المشار إليه وقدمها إلى النبى صلى الله عليه وسلم، وبهذا حصل على شرف ضيافة الرسول صلى الله عليه وسلم فى داره، إلا أن مؤلف «خلاصة الوفا» الإمام السمهودى يرد هذا القول، ويقول كما ورد فى بعض فصول «مرآة المدينة»: لا يصدق كثيرا أن خالد بن زيد من نسل ذلك الفاضل؛ لأن أجداد الأنصار الكرام كلهم من أبناء العرب، وجملة فروعهم أنسابهم صحيحة، فإن ما ذهب إليه ابن إسحاق غير صحيح، وقوله أن أجداد الأنصار قد اختلطوا باليهود سهو صريح، لأن أبا خالد هو زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد عوف بن غنم بن مالك ابن النجار تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن خزرج، وأمه «هند بنت سيد وأباها عمرو بن امرئ القيس بن مالك بن كعب ابن الخزرج، وهذا يدل على أن خالد ليس من نسل علماء اليهود.
ومع كل هذا قد رد على القارى فى كتابه المسمى ب «الدرر المضيئة» كل الأقوال السابقة، وروى أن سليمان «على نبينا وعليه سلام الله المستعان» بينما كان يمر من صحراء المدينة المنورة قال:«إن نبى آخر الزمان سيدفن هنا، وترك هناك أربعمائة من أحبار بنى إسرائيل العلماء؛ ليكونوا فى انتظار البعثة النبوية، ولكن للأسف عندما هاجر سلطان رسل الأمصار «عليه أعظم التحية» إلى المدينة أنكره أحفاد علماء بنى إسرائيل، وأظهروا له وجوه المخالفة.
إن أئمة الأسلاف اختلفوا كثيرا فى مسألة إيمان الملك تبع. إلا أن وهب
(1)
بن منبه
(2)
ادعى إيمان المشار إليه. وقال إنه آمن بإبراهيم عليه سلام الله الرحيم.
(1)
المشار إليه من التابعين.
(2)
إنه من الأصحاب الكرام.