الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صلى الله عليه وسلم، فلما مات النجاشىّ صلى عليه، واستغفر له. وسنذكر إن شاء الله تعالى خبر إسلامه.
ذكر إسلام عمر بن الخطاب رضى الله عنه
روى عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قال:
«اللهم أعزّ الإسلام بأحبّ الرجلين إليك: بعمر بن الخطاب، أو أبى جهل «1» بن هشام» . وعن سعيد بن المسيّب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى عمر بن الخطاب أو أبا جهل بن هشام قال: «اللهم اشدد دينك بأحبهما إليك» فشدّ دينه بعمر، وعنه صلى الله عليه وسلم:«اللهم أعزّ الدين بعمر بن الخطاب» .
قال ابن إسحاق ومحمد بن سعد فى طبقاته: ليس بينهما تناف إلا فى مغايرة بعض الألفاظ، أو زيادة أوردها أحدهما دون الآخر، ونحن نورد ما يتعين إيراده منها.
قالا: خرج عمر بن الخطاب متوشّحا سيفه يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورهطا من أصحابه، قد ذكروا له أنهم قد اجتمعوا فى بيت عند الصفا، وهم قريب أربعين: من بين رجال ونساء «2» ، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه حمزة بن عبد المطلب، وأبو بكر بن أبى قحافة، وعلى بن أبى طالب فى رجال من المسلمين ممن كان أقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، ولم يخرج فيمنّ خرج إلى أرض الحبشة، فلقيه نعيم بن عبد الله النّحّام، وهو رجل من قومه من بنى عدىّ بن كعب كان قد أسلم وهو يخفى إسلامه عن عمر، فقال: أين تريد يا عمرا؟ فقال:
أريد محمدا، هذا «1» الذى فرّق أمر قريش وسفّه أحلامها، وعاب دينها، وسبّ آلهتها فأقتله. فقال له نعيم: لقد غرّتك نفسك «2» يا عمر، أترى بنى عبد مناف تاركيك تمشى على الأرض وقد قتلت محمدا! فقال عمر: ما أراك إلا قد صبوت وتركت دينك الذى أنت عليه؛ قال: أفلاك أدلك على العجب يا عمر؟ إنّ ختنك وأختك قد صبوا وتركا دينك الذى أنت عليه.
قال ابن إسحاق: فقال له نعيم: أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم؟ قال:
وأىّ أهل بيتى؟ قال: ختنك وابن عمك سعيد بن زيد بن عمرو، وأختك فاطمة بنت الخطاب، فقد والله أسلما وتابعا محمدا على دينه، فعليك بهما، قال: فرجع عمر عامدا إلى أخته وختنه، وعند هما خبّاب بن الأرتّ، معه صحيفة فيها:(طه)
يقرئهما إياها، فلما سمعوا حسّ عمر تغيب خبّاب فى مخدع لهم- أو فى بعض البيت- وأخذت فاطمة الصحيفة فجعلتها تحت فخذها «3» ، فلما دخل عمر قال: ما هذه الهينمة «4» التى سمعت؟ قالا: ما سمعت شيئا، قال: بلى والله، لقد أخبرت أنكما اتبعتما «5» محمدا على دينه. فقال له ختنه: أرأيت يا عمر إن كان الحقّ فى غير دينك! فوثب عمر على ختنه فبطش به ووطئه وطئا شديدا، فقامت إليه أخته فاطمة لتكفّه عن زوجها، فضربها فشجّها، فلما فعل ذلك قالا: نعم قد أسلمنا وآمنّا بالله ورسوله، فاصنع ما بدا لك. فلما رأى عمر ما بأخته من الدم ندم على ما صنع
فارعوى «1» ، وقال [لأخته «2» ] : أعطينى هذه الصحيفة التى سمعتكم تقرءون آنفا أنظر ما هذا الذى جاء به محمد- وكان عمر كاتبا- فقالت له أخته: إنا نخشاك عليها «3» ، قال: لا تخافى، وحلف لها بآلهته ليردّنّها إذا قرأها إليها، فطمعت فى إسلامه وقالت له: يا أخى إنك نجس على شركك، وإنه لا يمسّها إلا الطاهر، فقام عمر فاغتسل، فأعطته الصحيفة وفيها (طه)
، فلما قرأ منها صدرا قال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه! فلما سمع ذلك خبّاب بن الأرتّ خرج إليه، فقال له: يا عمر، والله إنى لأرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيّه، فإنى سمعته أمس يقول:
«اللهم أيد الإسلام بأبى الحكم بن هشام، أو بعمر بن الخطاب» ، فالله الله يا عمر! فقال له عمر: فدلّنى على محمد حتى آتيه فأسلم، فقال له خباب: هو فى بيت عند الصفا معه نفر من أصحابه، فأخذ عمر سيفه فتوشّحه، ثم عمد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فضرب عليهم الباب، فلما سمعوا صوته قام رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنظر من خلل الباب «4» ، فرآه وهو فزع، فقال:
يا رسول الله، هذا عمر بن الخطاب متوشحا السيف، فقال حمزة: فأذن له، فإن كان جاء يريد خيرا بذلناه له، وإن كان يريد شرا قتلناه بسيفه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ايذن له» فأذن له الرجل، ونهض إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لقيه فى الحجرة، فأخذ بحجزته- أو بمجمع ردائه- ثم جبذه جبذة شديدة، وقال:«ما جاء بك يابن الخطاب؟، فو الله ما أرى أن تنتهى حتى ينزل الله بك قارعة» . قال أنس بن مالك فى روايته: «حتى ينزل الله بك من الخزى
ما أنزل بالوليد بن المغيرة» . فقال عمر: يا رسول الله، جئتك لأومن بالله ورسوله وبما جاء به من عند الله، فكبّر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرة عرف بها أهل البيت أن عمر قد أسلم.
قال محمد بن سعد بن منيع فى طبقاته: أسلم عمر بن الخطاب بعد أن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار ابن الأرقم بعد أربعين أو نيّف وأربعين من رجال ونساء قد أسلموا قبله.
وقال ابن المسيّب: أسلم عمر بعد أربعين رجلا وعشر نسوة.
وعن عبد الله بن ثعلبة قال: أسلم عمر بعد خمسة وأربعين رجلا وإحدى عشرة امرأة.
ويردّ هذه الأقوال أن إسلام عمر كان بعد الهجرة الثانية إلى أرض الحبشة؛ وقد تظافرت الروايات أنّ أهل الهجرة كانوا أكثر من ثمانين رجلا، ولعل إسلامه وقع وفى مكة ممن أسلم هذه العدّة التى ذكرت؛ خلاف من هاجر إلى أرض الحبشة. والله أعلم.
قال ابن إسحاق: حدّثنى نافع «1» عن ابن عمر رضى الله عنهم قال: لما أسلم عمر بن الخطاب قال: أى قريش أنقل للحديث؟ قيل: جميل بن معمر «2» الجمحىّ، قال: فغدا عليه، قال عبد الله بن عمر: وغدوت معه أتبع أثره وأنظر ماذا يفعل
وأنا غلام أعقل «1» كلّ ما رأيت، حتى جاءه، فقال: أعلمت يا جميل أنى أسلمت ودخلت فى دين محمد؟ قال: فو الله ما راجعه حتى قام يجرّ رداءه، واتبعه عمر واتبعت أبى، حتى إذا قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش- وهم فى أنديتهم حول الكعبة- ألا إنّ ابن الخطاب قد صبأ «2» ، فيقول عمر من خلفه: كذبت، ولكنّى أسلمت، وشهدت أن لا إله إلا الله، وأنّ محمدا عبده ورسوله، وثاروا إليه، فما برح يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رءوسهم.
قال: وطلح- يعنى أعيا- وقاموا على رأسه وهو يقول: افعلوا ما بدا لكم، فأحلف بالله لو قد كنا ثلاثمائة لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا.
فبينما هم على ذلك إذ أقبل شيخ من قريش عليه حلّة حبرة «3» وقميص موشّى، حتى وقف عليهم فقال: ما شأنكم؟ قالوا: صبأ عمر، قال: فمه! رجل اختار لنفسه أمرا فماذا تريدون؟ أترون بنى عدىّ بن كعب يسلمون لكم صاحبهم هكذا! خلّوا عن الرجل، قال: فو الله لكأنما كانوا ثوبا كشط عنه.
قال: فقلت لأبى بعد أن هاجر إلى المدينة: يا أبه، من الرجل الذى زجر القوم عنك بمكة يوم أسلمت وهم يقاتلونك، جزاه الله خيرا؟ قال: ذاك العاص ابن وائل السّهمىّ، لا جزاه الله خيرا.
قال عبد الله بن مسعود: ما كنا نقدر أن نصلّى عند الكعبة حتى أسلم عمر، فلما أسلم قاتل قريشا وصلّى عند الكعبة وصلينا معه. وقال: إن إسلام عمر كان فتحا، وإنّ هجرته كانت نصرا، وإنّ إمارته كانت رحمة.