الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر فترة الوحى عن النبىّ صلى الله عليه وسلم وما أنزل بعد فترته
قال «1» : وفتر الوحى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فترة «2» حتى شقّ ذلك عليه وأحزنه. واختلف فى مدة فترة الوحى، فقال ابن جريح: احتبس عنه الوحى اثنى عشر يوما، وقال ابن عباس رضى الله عنهما: خمسة عشر يوما، وقيل:
خمسة وعشرين. وقال مقاتل: أربعين يوما. والله أعلم.
روى البخارىّ «3» رحمه الله عن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها، وساق الحديث بنحو ما تقدّم، قال: وفتر الوحى فترة حتى حزن النبى صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا حزنا غدا منه مراراكى يتردّى من رءوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكى يلقى نفسه منه تبدّى له جبريل فقال: يا محمد إنك رسول الله حقا، فيسكن لذلك جأشه، وتقرّ نفسه فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحى غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدّى له جبريل وقال له مثل ذلك. قال: وتكلم المشركون عند فترة الوحى بكلام، فأنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم:
(وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى)
السورة بكمالها؛ وقيل فى سبب نزولها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ترك قيام الليل ليلتين أو ثلاثا لشكوى «4» أصابته، فجاءت امرأة فقالت: يا محمد، إنى لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاث «5» ، فأنزل الله تعالى السورة.
قال القاضى أبو الفضل عياض بن موسى رحمه الله فى كتابه المترجم (بالشفا بتعريف حقوق المصطفى «1» ) : تضمّنت هذه السّورة من كرامة الله تعالى لنبيّه وتنويهه به وتعظيمه إياه ستّة وجوه:
الأوّل- القسم له عما أخبر به من حاله بقوله: (وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى)
أى وربّ الضحى، وهذا لمن عظم درجات المبّرة.
الثانى- بيان مكانته عنده وحظوته لديه بقوله: (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى)
أى ما تركك وما أبغضك، وقيل ما أهملك بعد أن اصطفاك.
الثالث- قوله: (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى) .
قال ابن إسحاق: أى مالك فى مرجعك عند الله أعظم مما أعطاك الله من كرامة الدنيا. وقال سهل: أى ما ذخرت لك من الشفاعة والمقام المحمود خير لك مما أعطيتك فى الدنيا.
الرابع- قوله: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى)
، وهذه آية جامعة لوجوه الكرامة وأنواع السعادة وشتات الإنعام فى الدّارين والزّيادة.
قال ابن إسحاق «2» : يرضيه بالفلج فى الدّنيا والثواب فى الآخرة. وقيل: يعطيه الحوض والشفاعة، وروى عن بعض آل النبى «3» صلى الله عليه وسلم أنه قال:«ليس فى القرآن آية أرجى منها. ولا يرضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدخل أحد من أمّته النار» .