الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خير البشر، تشكو سوء الحال، وشدّة الإمحال، قد احدودبت ظهورها، وغارت عيونها، وشعثت شعورها، وقد خلّفوا نساء ضلّعا، وصبيانا رضّعا، وبهائم رتّعا.
فآتهم اللهم ريحا جرّارة، وسحابا درّارة، تضحك أرضهم، وتكشف ضرّهم.
فما فرغ من كلامه حتى نشأت سحابة دكناء فيها ودق شديد، فقال: هى هى، ثم قال يا معشر مضر، ارجعوا فقد سقيتم، فرجعوا واخضرّت أرضهم، وكثرت مياههم.
هذا ما أورده الزّبير بن بكّار راوى هذه القصّة، والله أعلم. [و] كانت بعد أن استسقى لقريش، وذلك بعد مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى مستوفى فى المبشّرات برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا.
والله تعالى عز وجل أعلم.
ذكر نذر عبد المطّلب نحر ابنه وخروج القداح على عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفدائه
قال محمد بن سعد فى طبقاته الكبرى «1» ، عن محمد بن عمر بن واقد الأسلمىّ بسند رفعه إلى عبد الله بن عبّاس وغيره رضى الله عنهم:«إن عبد المطّلب بن هاشم لما رأى قلّة أعوانه فى حفر زمزم نذر لئن أكمل الله له عشرة ذكور حتّى يراهم- أن يذبح أحدهم، فلما تكاملوا عشرة «2» وهم: الحارث، والزّبير «3» ، وأبو طالب، وعبد الله، وحمزة، وأبو لهب، والغيداق «4» ، والمقوّم «5» ، وضرار، والعبّاس» . هكذا نقل محمد
ابن سعد، وعد من العشرة حمزة والمقوّم؛ و «1» يردّ هذا العدد ما روى أن عبد المطّلب لم يتزوج أمّ حمزة إلا بعد الفداء، وقدعدّ محمد بن السائب الكلبىّ أولاد عبد المطّلب الذكور اثنى عشر، فيهم المغيرة، وقثم؛ وعدّهم الزّبير بن بكّار ثلاثة عشر فيهم عبد الكعبة، وحمزة، والمقوّم، والمغيرة؛ هؤلاء الثلاثة إخوة أشقّاء كلّهم لهالة بنت وهيب «2» ، وزواج عبد المطّلب هالة هذه كان بعد الفداء على ما حكاه ابن سعد أيضا عن الواقدى، ولعلّ العشرة تكمل بقثم وعبد الكعبة. والله تعالى أعلم.
فلنرجع إلى سياقة خبر محمد بن سعد قال: «فلما تكاملوا عشرة جمعهم، ثم أخبرهم بنذره، ودعاهم إلى الوفاء لله [به «3» ] ، فما اختلف عليه منهم أحد، وقالوا:
أوف بنذرك، وافعل ما شئت، فقال: ليكتب كل رجل منكم اسمه فى قدحه ففعلوا، فدخل عبد المطّلب فى جوف الكعبة وقال للسادن «4» : اضرب بقداحهم فضرب، فخرج قدح عبد الله أولها، وكان عبد المطّلب يحبّه، فأخذ بيده يقوده إلى المذبح ومعه المدية، فبكى بنات عبد المطّلب وكنّ قياما، وقالت إحداهنّ لأبيها: أعذر فيه بأن تضرب فى إبلك السّوائم التى فى الحرم، فقال للسّادن:
اضرب عليه بالقداح، وعلى عشرة من الإبل «5» ، وكانت الديّة يومئذ عشرة من الإبل، فضرب فخرج القدح على عبد الله، فجعل يزيد عشرا عشرا، كلّ ذلك
يخرج القدح على عبد الله حتى كملت مائة «1» ، فضرب [بالقداح «2» ] فخرج على الإبل، فكبّر عبد المطّلب والناس معه، واحتمل بنات عبد المطّلب أخاهنّ عبد الله، وقدّم عبد المطّلب الإبل فنحرها بين الصّفا والمروة، وخلّى بينها وبين كلّ من وردها من إنسىّ أو سبع أو طائر، لم يذبّ «3» عنها أحدا، ولم يأكل منها هو ولا أحد من ولده شيئا.
قال ابن عباس رضى الله عنهما: كانت الدية «4» يومئذ عشرا من الإبل، وعبد المطّلب أوّل من سنّ دية النّفس مائة من الإبل، فجرت فى قريش والعرب مائة «5» ، وأقرّها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما كانت عليه «6» .
هذا ما أورده محمد بن سعد فى طبقاته. وقال أبو محمد عبد الملك «7» بن هشام فى السّيرة: قال ابن إسحاق: وكان عبد المطّلب قد نذر حين لقى من قريش ما لقى عند «8» حفر زمزم: لئن ولد له عشرة نفر، ثم بلغوا معه حتّى يمنعوه، لينحرنّ أحدهم لله تعالى عند الكعبة، فلمّا توافى بنوه عشرة، وعرف أنهم سيمنعونه جمعهم ثم أخبرهم بنذره، ودعاهم إلى الوفاء لله «9» بذلك، فأطاعوه وقالوا كيف نصنع؟ قال: ليأخذ «10» كلّ رجل منكم قدحا، ثم ليكتب «11» فيه اسمه، ثم ائتونى «12» ،
ففعلوا ثم أتوه، فدخل بهم على هبل فى جوف الكعبة، وكان هبل «1» على بئر فى جوف الكعبة، وكانت تلك البئر هى التى يجمع فيها ما يهدى للكعبة، وكان عند هبل قداح سبعة، كلّ قدح منها فيه كتاب، قدح فيه «العقل» إذا اختلفوا فى «العقل» «2» من يحمله منهم ضربوا بالقداح السبعة «3» ، فعلى من خرج قدح «العقل» حمله؛ وقدح فيه «نعم» للأمر إذا أرادوه يضرب به فى القداح، فإن خرج قدح «نعم» عملوا به؛ وقدح فيه «لا «4» » ، فإن خرج ذلك القدح لم يفعلوا ذلك الأمر؛ وقدح فيه «منكم» ؛ وقدح فيه «ملصق» ؛ وقدح فيه «من غيركم» ؛ وقدح فيه «المياه» إذا أرادوا أن يحفروا للماء ضربوا بالقداح فيها ذلك القدح، فحيثما خرج عملوا به.
وكانوا إذا أرادوا أن يختنوا غلاما أو ينكحوا منكحا، أو يدفنوا ميّتا، أو شكّوا فى نسب أحدهم، ذهبوا إلى هبل وبمائة درهم وجزور، فأعطوها صاحب القداح الذى يضرب بها «5» ، ثم قرّبوا صاحبهم الذى يريدون به ما يريدون، ثم قالوا: يا إلهنا! هذا فلان بن فلان قد أردنا به كذا وكذا، فأخرج الحقّ فيه، ثم يقولون لصاحب القداح: اضرب! فإن خرج عليه «منكم» كان منهم وسيطا «6» ، وإن خرج عليه «من غيركم» كان حليفا، وإن خرج عليه «ملصق» كان على
منزلته فيهم «1» ، لا نسب له «2» ولا حلف، وإن خرج فى «3» شىء مما سوى هذا ممّا يعملون به «نعم» عملوا به، وإن خرج عليه «لا» أخّروه عامه ذلك «4» حتى يأتوه به مرّة أخرى؛ ينتهون فى أمورهم إلى ذلك ممّا خرجت به القداح؛ فقال عبد المطّلب لصاحب القداح: اضرب على بنىّ هؤلاء بقداحهم هذه، وأخبره بنذره الذى نذره، فأعطاه «5» كلّ رجل منهم قدحه الذى فيه اسمه، وكان عبد الله بن عبد المطّلب أصغر بنى أبيه «6» ، وهو أحبّ ولده إليه، وهو أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمّا أخذ صاحب القداح القداح ليضرب بها قام عبد المطّلب عند هبل يدعو الله، ثم ضرب صاحب القداح فخرج القدح على عبد الله، فأخذ «7» عبد المطّلب بيده وأخذ الشّفرة، ثم أقبل «8» إلى إساف ونائلة ليذبحه، فقامت إليه قريش من أنديتها فقالوا: ماذا تريد يا عبد المطّلب؟ قال: أذبحه، فقالت له قريش وبنوه: والله لا تذبحه «9» حتى تعذر «10» فيه؛ لئن فعلت هذا لا يزال الرّجل يأتى بابنه حتّى يذبحه، فما بقاء
الناس على هذا؟! وقال له المغيرة بن عبد الله بن عمر «1» بن مخزوم [بن يقظة «2» ]- وكان عبد الله ابن أخت القوم-: لا تذبحه حتى تعذر فيه «3» ، فإن كان فداؤه بأموالنا فديناه، وقالت له قريش وبنوه: لا تفعل، وانطلق به إلى الحجاز فإنّ به عرّافة لها «4» تابع فسلها، ثم أنت «5» على رأس أمرك، إن أمرتك بذبحه «6» ذبحته، وإن أمرتك بأمر لك وله فيه مخرج قبلته «7» ، فانطلقوا حتى قدموا المدينة فوجدوها- فيما يزعمون- بخيبر، فركبوا [إليها «8» ] حتى جاءوها فسألوها، وقصّ عليها عبد المطّلب خبره [وخبر ابنه «9» ]، فقالت لهم «10» : قد جاءنى الخبر، كم الدّيّة فيكم؟ قالوا: عشر من الإبل «11» ، قالت: فارجعوا إلى بلادكم «12» وقرّبوا عشرا من الإبل، ثم اضربوا عليها وعليه بالقداح، فإن خرجت على صاحبكم فزيدوا من الإبل «13» حتى يرضى ربّكم،