الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنه ما روى أن حسّان بن ثابت قال:
والله إنى لعلى أطمى «1» فارع فى السّحر إذ سمعت صوتا لم أسمع قط صوتا أنفد «2» منه، وإذا هو «3» صوت يهودىّ على أطم من آطام اليهود معه شعلة نار، فاجتمع الناس إليه وأنكروا صراخه فقالوا: مالك ويلك! قال حسّان: فسمعته يقول: هذا كوكب أحمر قد طلع، وهو كوكب لا يطلع إلّا بالنبوّة، ولم يبق من الأنبياء إلا أحمد، قال حسّان: فجعل الناس يضحكون منه ويعجبون لما أتى به، قال: وكان أبو قيس أحد بنى عدىّ بن النجّار قد ترهّب ولبس المسوح، فقيل له يا أبا قيس! انظر ما قال هذا اليهودى! قال: صدق وإن انتظار أحمد هو الذى صنع به ما صنع، ولعلّى أن أدركه فأومن به، فلما بلغه ظهور النبى صلى الله عليه وسلم بمكّة آمن به، وقدم النبىّ صلى الله عليه وسلم المدينة وقد نالت السنّ من أبى قيس.
وقد أشرنا إلى خبر حسّان هذا عند ذكرنا لمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم. والأخبار فى هذا الباب كثيرة، فلا نطوّل بسردها.
وأما من بشّر به صلى الله عليه بعد مولده فى حال طفوليته وحداثة سنه
.
فمن ذلك خبر سيف بن ذى يزن
،
وقصّته مع عبد المطلب؛ وكان من خبره ما رواه الشيخ الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقىّ رحمه الله فى كتابه المترجم بدلائل النبوّة قال: أخبرنا أبو سهل محمد بن نصرويه بن أحمد المروزىّ بنيسابور، قال:
حدثنا أبو عبد الله محمد بن صالح المعافرىّ، قال: حدثنا أبو يزن الحميرىّ إبراهيم ابن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن عفير بن زرعة بن سيف بن ذى يزن، قال:
حدّثنى عمّى أحمد بن حبيش بن عبد العزيز، قال: حدّثنى أبى عفير، قال:
حدّثنى أبى زرعة بن سيف بن ذى يزن، قال: لما ظهر سيف بن ذى يزن على الحبشة، وذلك بعد مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين أتته وفود العرب وأشرافها وشعراؤها لتهنئته، وتذكّر ما كان من بلائه وطلبه بثأر قومه، وأتاه وفد قريش، منهم: عبد المطلّب بن هاشم، وأمية بن عبد شمس، وعبد الله ابن جدعان، وأسد بن عبد العزّى، ووهب بن عبد مناف، وقصىّ بن عبد الدار، فدخل عليه آذنه وهو فى قصر يقال له غمدان، والملك مضمّخ بالعبير، وعليه بردان أخضران، مرتد بأحدهما متّزر بالآخر، سيفه بين يديه، وعن يمينه وشماله الملوك، فأخبر بمكانهم فأذن لهم، فدخلوا عليه، فدنا منه عبد المطّلب فاستأذنه فى الكلام، فقال: إن كنت ممن يتكلّم بين يدى الملوك فقد أذنّا لك، فقال:
إن الله عز وجل أحلّك أيها الملك محلا رفيعا شامخا منيعا، وأنبتك نباتا طابت أرومته، وعظمت جرثومته، وثبت أصله، وبسق فرعه، فى أطيب موضع وأكرم معدن؛ وأنت- أبيت اللّعن- ملك العرب الذى عليه الاعتماد، ومعقلها الذى تلجأ إليه العباد، سلفك خير سلف، وأنت لنا منهم خير خلف، فلن يهلك ذكر «1» من أنت خلفه، ولن يخمل ذكر من أنت سلفه، نحن أهل حرم الله وسدنة بيت الله، أشخصنا إليك الذى أبهجنا من كشفك الكرب الذى فدحنا، فنحن وفد التّهنئة، لا وفد المرزئة.
قال له الملك: من أنت «2» أيها المتكلّم؟ فقال: أنا عبد المطّلب بن هاشم، قال: ابن أخينا؟ قال: نعم، قال: ادنه، ثم أقبل عليه وعلى القوم فقال:
مرحبا وأهلا [وأرسلها مثلا «1» ] ، وكان أوّل من تكلّم بها، وناقة ورحلا، ومستناخا سهلا، وملكا ربحلا «2» ، يعطى عطاء جزلا، قد سمع الملك مقالتكم، وعرف قرابتكم، وقبل وسيلتكم، فإنكم أهل الليل والنّهار، ولكم الكرامة ما أقمتم، والحباء إذا ظعنتم، ثم أنهضوا إلى دار الضّيافة والوفود، وأجريت عليهم الأنزال «3» ، فأقاموا بذلك شهرا لا يصلون إليه، ولا يؤذن لهم فى الانصراف، ثم انتبه لهم انتباهة فأرسل إلى عبد المطّلب فأدناه ثم قال له: يا عبد المطلّب، إنى مفض إليك من سرّ علمى أمرا لو غيرك يكون لم أبح به، ولكنّى رأيتك معدنه، فأطلعتك عليه «4» ، فليكن عندك مخبّا «5» حتى يأذن الله عز وجل فيه؛ إنى أجد فى الكتاب المكنون، والعلم المخزون الذى ادّخرناه لأنفسنا، واحتجنّاه «6» دون غيرنا، خبرا عظيما وخطرا جسيما، فيه شرف الحياة، وفضيلة الوفاة للناس عامّة، ولرهطك «7» كافة، ولك خاصّة، فقال له عبد المطلب: مثلك أيها الملك سرّ وبرّ، فما هذا فداك «8» أهل الوبر زمرا بعد زمر؟
قال: إذا ولد بتهامة، غلام بين كتفيه شامة «9» ، كانت له الإمامة، ولكم به الزّعامة، إلى يوم القيامة. قال عبد المطلب: أيّها الملك، لقد أبت بخير ما آب بمثله وافد قوم، ولولا هيبة الملك وإجلاله وإعظامه، لسألته من بشارته إياى «10» ما أزداد به سرورا. قال له الملك: هذا حينه الذى يولد فيه أو قد ولد؛ اسمه محمد، يموت أبوه وأمه، ويكفله جدّه وعمه، قد ولدناه مرارا، والله باعثه جهارا، وجاعل له منا
أنصارا يعزّبهم أولياءه، ويذل بهم أعداءه، ويضرب بهم الناس عن عرض، ويستفتح «1» بهم كرائم الأرض، يعبد الرحمن، ويدخض أو يدحر الشيطان، وتخمد النيران وتكسر الأوثان، قوله فصل، وحكمه عدل، يأمر بالمعروف ويفعله، وينهى عن المنكر ويبطله. قال له عبد المطلب: عز جدّك، ودام ملكك، وعلا كعبك، فهل الملك سارّنى بإفصاح؟ فقد أوضح لى بعض الإيضاح، قال له سيف [ابن ذى يزن «2» ] : والبيت ذى الحجب، والعلامات على النّصب «3» ، إنك لجدّه يا عبد المطلب غير كذب، قال: فخرّ عبد المطّلب ساجدا، فقال له سيف ارفع رأسك، ثلج صدرك، وعلا كعبك «4» ، فهل أحسست بشىء مما ذكرت؟ قال:
نعم أيها الملك، إنه كان لى ابن وكنت به معجبا، وعليه رفيقا، وإنى زوّجته كريمة من كرائم قومى «5» آمنة بنت وهب بن عبد مناف، فجاءت بغلام وسميته محمدا، مات أبوه وأمه، وكفلته أنا وعمّه. قال له ابن ذى يزن: إن الذى قلت لك كما قلت، فاحتفظ بابنك «6» واحذر عليه اليهود، فإنهم أعداء، ولن يجعل الله لهم عليه سبيلا، واطو ما ذكرت لك دون هؤلاء الرهط الذين معك، فإنى لست آمن أن تداخلهم النفّاسة، من أن تكون لكم الرياسة، فينصبون له الحبائل، ويبغون «7» له الغوائل، وهم فاعلون ذلك أو أبناؤهم من غير شك «8» ، ولولا أنى أعلم أن الموت مجتاحى قبل مبعثه، لسرت