الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لم يشبعوا «1» ، وإذا أكل معهم النبىّ صلى الله عليه وسلم شبعوا؛ فكان إذا أراد أن «2» يغذّيهم قال: كما أنتم حتّى يحضر ابنى؛ فيأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأكل معهم، فيفضلون من طعامهم، وإن لم يكن معهم لم يشبعوا، فيقول أبو طالب: إنك لمبارك؛ وكان الصّبيان يصبحون رمصا شعثا، ويصبح عليه السلام دهينا كحيلا «3» .
ذكر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشام مع عمّه أبى طالب، وخبر بحيرا الراهب
قالوا: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتى عشرة سنة وعشرة أيّام، خرج أبو طالب فى ركب تاجرا إلى الشأم، فلما تهيّأ للرحيل تعلّق به رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فرقّ له أبو طالب وقال: والله لأخرجنّ به «4» ، ولا يفارقنى ولا أفارقه أبدا، فخرج به معه، فلما نزل الرّكب بصرى من أرض الشام، وبها راهب يقال له بحيرا فى صومعة له، وكان إليه علم أهل النصرانية، ولم يزل فى تلك الصّومعة راهب إليه يصير علمهم عن كتاب فيها يتوارثونه كابرا عن كابر، فلما نزلوا ذلك العام ببحيرا وكانوا كثيرا ما يمرون به قبل ذلك، وهو لا يكلمهم، فصنع «5» لهم طعاما كثيرا، وذلك أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو فى صومعته، فى الرّكب حين أقبلوا، وغمامة تظلّه من بين القوم،
فلما نزلوا فى ظل شجرة قريبا منه، نظر إلى الغمامة وقد أظلّت الشجرة، وتهصّرت «1» أغصانها على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استظلّ تحتها «2» ، فلما رأى بحيرا ذلك نزل من صومعته، وقد أمر بذلك الطعام فصنع، ثم أرسل إلى القوم فقال: إنى قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش، فأنا أحبّ «3» أن تحضروا كلّكم؛ صغيركم وكبيركم، وعبدكم وحرّكم؛ فقال له رجل منهم: يا بحيرا إنّ لك لشأنا اليوم: قال له بحيرا: صدقت، قد كان ما تقول فاجتمعوا إليه، وتخلّف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين القوم لحداثة سنّه فى رحال القوم تحت الشجرة، فلما نظر بحيرا فى القوم لم ير الصّفة التى يعرف، فقال: يا معشر قريش لا يتخلّف منكم أحد عن طعامى، قالوا: ما تخلّف عنك أحد ينبغى أن يأتيك إلا غلام، وهو أحدث القوم سنّا تخلف فى رحالهم، قال: لا تفعلوا ادعوه فليحضر، فقال رجل من قريش: واللّات والعزّى إن كان للؤما بنا أن يتخلّف ابن عبد الله بن عبد المطلب عن طعام من بيننا، ثم قام «4» فاحتضنه وأجلسه مع القوم، فلما رآه بحيرا جعل يلحظه لحظا شديدا وينظر إلى أشياء من جسده قد كان يجدها عنده من صفته، حتى إذا فرغ القوم من طعامهم وتفرّقوا قام إليه بحيرا فقال له: يا غلام، أسألك بحق اللّات والعزّى إلا ما أخبرتنى عما أسألك عنه، فقال: لا تسألنى بهما! فو الله ما أبغضت شيئا قط بغضهما، فقال له: فبالله إلا ما أخبرتنى عما أسألك عنه! فقال: سلنى
عمّا بدا لك، فجعل يسأله عن أشياء من حاله فى نومه «1» ، وهيئته، وأموره، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره، فيوافق ذلك ما عند بحيرا من صفته، ثمّ نظر إلى خاتم النبوّة بين كتفيه، وكان مثل أثر المحجم، فلما فرغ أقبل على عمه أبى طالب فقال له: ما هذا الغلام منك؟ قال: ابنى؟ قال له بحيرا: ما هو بابنك «2» ، وما ينبغى لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا؛ قال: فإنه ابن أخى، قال: فما فعل أبوه؟ قال:
مات وأمّه حبلى به، قال: صدقت ارجع بابن أخيك إلى بلده فاحذر «3» عليه اليهود، فو الله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت، ليبغنّه شرّا، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم، فأسرع به إلى بلاده، فخرج أبو طالب سريعا حتّى أقدمه مكّة حين فرغ من تجارته بالشام.
وروى أنّ زريرا وتمّاما ودريسا، وهم نفر من أهل الكتاب، قد كانوا رأوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما رأى بحيرا فى ذلك السّفر الّذى كان فيه مع عمّه أبى طالب، فأرادوه، فردّهم «4» عنه بحيرا، وذكّرهم الله وما يجدون فى الكتاب من ذكره وصفته، وأنهم إن أجمعوا لما أرادوا به لا يخلصوا إليه، فعرّفهم ما قال «5» لهم فتركوه وانصرفوا عنه؛ قال: فشبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلؤه الله ويحفظه ويحوطه لما يريد به من كرامته واصطفائه إنّه خير الحافظين. والله المعين.
ذكر رعيته «1» صلى الله عليه وسلم الغنم
عن عبد الله بن عمير رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ما من نبىّ إلا قد رعى الغنم، قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: وأنا. وعن أبى هريرة رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بعث الله نبيّا إلا راعى غنم» ، قال له أصحابه: وأنت يا رسول الله؟ قال: وأنا، رعيتها لأهل مكّة بالقراريط «2» .
وعن أبى سلمة بن عبد الرحمن، قال: مرّوا على النّبى صلى الله عليه وسلم بثمر الأراك فقال: عليكم بما اسودّ منه، فإنّى كنت أجتنيه إذ أنا راعى الغنم، قالوا:
يا رسول الله، رعيتها؟ قال: نعم. وما من نبىّ إلّا قد رعاها.
وعن جابر بن عبد الله رضى الله عنه نحوه.
قال أبو محمد عبد الملك بن هشام «3» : ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عشرة سنة أو خمس عشرة سنة، وقيل ابن عشرين، هاجت حرب الفجار «4» ، فشهدها صلى الله عليه وسلم، وكان ينبّل على أعمامه أى يردّ عليهم النّبل «5» .