الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن صهيب بن سنان قال: لما أسلم عمر ظهر الإسلام، ودعى إلى الله علانية، وجلسنا حول البيت حلقا، وطفنا بالبيت، وانتصفنا ممن غلظ علينا، ورددنا عليه بعض ما يأتى به.
وكان إسلام عمر فى ذى الحجة من السنة السادسة من النبوّة، وهو ابن ست وعشرين سنة.
ذكر تعاقد قريش على بنى هاشم وبنى المطلب وانحياز بنى هاشم وبنى المطلب إلى أبى طالب ودخولهم فى شعبه
قال محمد بن إسحاق وغيره من أهل السّير: لما رأت قريش أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نزلوا بلدا أصابوا فيه أمنا وقرارا، وأن النجاشىّ قد أكرمهم، ومنع [من لجأ إليه «1» ] منهم، وأنّ عمر قد أسلم قبله حمزة بن عبد المطلب، وجعل الإسلام يفشو فى القبائل، اجتمعوا وائتمروا أن يكتبوا كتابا يتعاقدون فيه على بنى هاشم وبنى المطلب؛ على ألا ينكحوا إليهم ولا ينكحوهم، ولا يبيعوهم شيئا ولا يبتاعوا منهم. فلما اجتمعوا لذلك كتبوا صحيفة، ثم تعاهدوا وتعاقدوا وتوافقوا على ذلك، ثم علّقوا الصحيفة فى جوف الكعبة توكيدا على أنفسهم.
وكان كاتب الصحيفة «2» منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن
عبد الدار بن قصىّ، ويقال: عمه بغيض بن عامر، قاله الزبير وابن الكلبىّ؛- ويقال: النضر بن الحارث- فشلّت يده.
قال محمد بن عمر بن واقد: وحصروا بنى هاشم فى شعب «1» أبى طالب ليلة هلال المحرم سنة سبع من نبوّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانحاز بنو المطلب إلى أبى طالب فى شعبه مع بنى هاشم، وخرج أبو لهب إلى قريش، وظاهر هم على بنى هاشم وبنى المطلب، وقطعوا عنهم الميرة والمادّة، فكانوا لا يخرجون إلا من موسم إلى موسم، حتى بلغهم الجهد، وسمع أصوات صبيانهم من وراء الشّعب، فمن قريش من سرّه ذلك، ومنهم من ساءه، وقال: انظروا ما أصاب كاتب الصحيفة! فأقاموا فى الشّعب ثلاث سنين، ثم أطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على أمر صحيفتهم، وأن الأرضة قد أكلت ما فيها من جور وظلم، وبقى ما كان فيها من ذكر الله.
قال: فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبى طالب، فذكر ذلك أبو طالب لإخوته، وخرجوا إلى المسجد، فقال أبو طالب لكفّار قريش:
إن ابن أخى قد أخبرنى- ولم يكذبنى قطّ- أن الله سلّط على صحيفتكم الأرضة فلحست ما كان فيها من جور أو ظلم أو قطيعة رحم، وبقى فيها ما ذكر به الله، فإن كان ابن أخى صادقا نزعتم عن سوء رأيكم، وإن كان كاذبا دفعته إليكم فقتلتموه أو استحييتموه. قالوا: قد أنصفتنا، فأرسلوا إلى الصحيفة ففتحوها.
فإذا هى كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسقط فى أيديهم، ونكسوا على رءوسهم. فقال أبو طالب: علام نحبس ونحصر وقد بان الأمر؟! ثم دخل هو وأصحابه بين أستار الكعبة والكعبة. فقال: اللهم انصرنا على من ظلمنا، وقطع
أرحامنا، واستحل ما يحرم عليه منا. ثم انصرفوا إلى الشّعب. وتلاوم رجال من قريش على ما صنعوا ببنى هاشم: فيهم مطعم بن عدىّ، وعدى بن قيس، وزمعة ابن الأسود، وأبو البخترىّ بن هشام، وزهير بن أبى أمية. ولبسوا السلاح؛ ثم خرجوا إلى بنى هاشم وبنى المطلب، فأمروهم بالخروج إلى مساكنهم ففعلوا، وكان خروجهم من الشّعب فى السنة العاشرة من النبوّة، وقيل: كان مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فى الشّعب سنتين.
وحكى أبو محمد عبد الملك بن هشام، عن أبى عبد الله محمد بن إسحاق- رحمهم الله فى سبب نقض الصحيفة غير ما قدّمناه مما حكاه محمد بن سعد عن الواقدىّ.
قال ابن إسحاق بعد أن ذكر من شدّة ما لاقاه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الشّعب من الضائقة ما ذكر: ثم إنه قام فى نقض الصحيفة- التى تكاتبت فيها قريش على بنى هاشم وبنى المطلب- نفر من قريش، ولم يبل فيها أحد أحسن من بلاء هشام بن عمرو «1» بن ربيعة بن الحارث بن حبيب بن نصر بن مالك ابن حسل بن عامر بن لؤىّ، وذلك أنه كان ابن أخى نضلة بن هاشم بن عبد مناف لأمّه، وكان هشام لبنى هاشم واصلا، وكان ذا شرف فى قومه، فكان يأتى بالبعير وبنو هاشم وبنو المطلب فى الشعب ليلا، وقد أوقره طعاما، حتى إذا أقبله فم الشّعب خلع خطامه من رأسه، ثم ضرب على جنبه فيدخل الشّعب عليهم، ويأتى به قد أوقره برّا، فيفعل به مثل ذلك.
قال: ثم إنه مشى إلى زهير بن أبى أمية بن المغيرة المخزومىّ- وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب- فقال: يا زهير، وقد رضيت أنّا نأكل الطعام ونلبس
الثياب، وننكح النساء، وأخوالك حيث قد علمت لا يبتاعون ولا يبتاع منهم، ولا ينكحون ولا ينكح إليهم، أما إنى أحلف بالله أن لو كانوا أخوال أبى الحكم ابن هشام ثم دعوته إلى مثل ما دعاك إليه منهم ما أجابك إليه أبدا، قال:
ويحك يا هشام! فماذا أصنع؟ أنا رجل واحد، والله لو كان معى رجل آخر لقمت فى نقضها حتى أنقضها؛ قال: قد وجدت رجلا، قال: من هو؟ قال:
أنا؛ قال له زهير: ابغنا ثالثا، فذهب إلى المطعم بن عدىّ فقال له: يا مطعم أقد رضيت أن يهلك بطنان من بنى عبد مناف وأنت شاهد على ذلك، موافق لقريش فيه! أما والله لئن أمكنتموهم من هذه لتجدنّهم إليها منكم سراعا؛ قال:
ويحك، فماذا أصنع؟ إنما أنا رجل واحد، قال: قد وجدت ثانيا، قال: من هو؟
قال: أنا، قال: ابغنا ثالثا، قال: قد فعلت، قال: من هو؟ قال: زهير، قال: ابغنا رابعا، قال: فذهب إلى أبى البخترىّ بن هشام فقال له نحوا مما قال لمطعم، فقال: وهل من أحد يعين على هذا؟ قال: نعم، قال: فمن هو؟
قال زهير والمطعم وأنا معك، قال: ابغنا خامسا، فذهب إلى زمعة بن الأسود ابن المطلب، فكلّمه وذكر له قرابتهم وحقّهم، فقال: وهل على هذا الأمر الذى تدعونى إليه من أحد؟ قال: نعم، ثم سمّى له القوم، فاتّعدوا خطم الحجون «1» ليلا بأعلى مكة، فاجتمعوا هناك وتعاقدوا على القيام فى الصحيفة حتى ينقضوها.
وقال زهير: أنا أبدؤكم فأكون أوّل من يتكلم. فلما أصبحوا غدوا إلى أنديتهم، وغدا زهير عليه حلّة، فطاف بالبيت سبعا، ثم أقبل على الناس فقال:
يا أهل مكة، أنأكل الطعام ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى لا يبتاعون ولا يبتاع منهم! والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة. فقال أبو جهل